تفاصيل الخبر

لبنان ينكشف 24 ساعة أمام الداخل والخارج

05/08/2020
لبنان ينكشف 24 ساعة أمام الداخل والخارج

لبنان ينكشف 24 ساعة أمام الداخل والخارج

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_80005" align="alignleft" width="376"] التسلم والتسليم بين حتي والوزير الجديد شربل وهبي.[/caption]

 أثارت استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي من منصبه، زوبعة سياسية ودبلوماسيّة في لبنان والخارج، إذ انها المرّة الأولى التي يُعلن فيها مسؤول لبناني في هكذا منصب، استقالته لأسباب أقل ما يُقال فيها أنها عرّت السلطة والحكومة معاً أمام اللبنانيين ودول الخارج خصوصاً لجهة اتهامه المُباشر لجميع الأطراف بإدارة دفّة البلاد بحسب أهوائهم ومصالحهم، لا بحسب مصالح الوطن والمواطن. أمّا الأخطر في الموضوع، هو ان لبنان بات فترة 24 ساعة مكشوفاً فيها أمام الداخل والخارج من دون رأس للديبلوماسية اللبنانية.

حتّي يُفجّر الاستقالة بوجه السلطة

ليست استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي التي أعلنها يوم الاثنين الماضي، سوى تفصيل صغير عما يجري في بلد يُفترض أن حكومته تفعل المستحيل لإخراجه من الأزمات التي يغرق فيها منذ استلامها دفّة إدارته وإيصاله إلى برّ الأمان حتّى لو كان هذا البرّ عبارة عن جزيرة شرط وجود بعض مقوّمات الحياة فيها، مثل الماء والكهرباء أو الطبابة والإستشفاء. وما قاله  حتّي عن "أرباب" عمل هم الذين يُديرون البلاد على كيفهم وبحسب ما تهوى مصالحهم المذهبية والشخصيّة، هو غيض من فيض من سياسات متنوّعة ومتعدّدة لا مكان للمواطن اللبناني المكشوف الظهر فيها، والأسوأ من هذا كلّه، غياب الوعود التي أطلقتها هذه الحكومة يوم نالت ثقة مجلس نيابي خان أمانة الناس يوم راح يُفصّل ثوب مجلس الوزراء على قياسه من مُنطلق المحاصصة وحجز المقاعد الوزاريّة وتوزيعها حزبيّاً ومذهبيّاً بعيداً عن الكفاءات والمعايير المهنيّة وحتّى الأخلاقيّة.

المؤكد أن استقالة حتّي عرّت حكومة الرئيس حسّان دياب وداعميها ونزعت عنهم آخر ورقة توت كانوا يسترون عوراتهم بها، والأبرز أنها جاءت لتكشفهم أمام الخارج الذي يُعدون أنفسهم بمساعدات منه في وقت يغرقون ويُغرقون البلاد بفسادهم وروائحهم التي تخطّت الحدود الأخلاقيّة والجغرافيّة ويمنعون عن أنفسهم وعن أزلامهم المحاسبة، وهو الامر الذي يُسقط عنهم إدعاءاتهم بمحاربة الفساد وإحالة الفاسدين والمُفسدين إلى القضاء.

أسباب الإستقالة

[caption id="attachment_80006" align="alignleft" width="386"] الوزير المستقيل ناصيف حتي يعري الحكومة[/caption]

بالعودة إلى أبرز أسباب إستقالة حتّي، تكشف مصادر مقرّبة جداً منه ان الرجل الآتي من خلفيّة وطنيّة وعربيّة أصيلة، اصطدم بالواقع الحكومي وبكيفيّة إدارة الأمور السياسيّة في البلاد القائمة على طريقة "مرقّلي تمرقّلك" وذلك على حساب علاقات لبنان مع الخارج وتحديداً الدول الصديقة والشقيقة، وأيضاً على حساب المواطن وحياته وصحّته. وتؤكد المصادر أن الإستقالة جاءت لتُعرّي الحكومة وتكشف الطريقة التي تُدار فيها البلاد والملفات السياسيّة والصحيّة والإجتماعيّة وأن جميع وعودها كانت أشبه بعمليّة احتيال للوصول الى السلطة، والإستقالة هي أيضاً خير دليل على حالة الإنهيار التي وصلنا اليها بفعل ممارسات أهل السلطة من دون تمييز أو إعفاء أحد من المسؤولية.

والأبرز من ذلك كلّه بحسب المصادر نفسها، أن الرجل توقّع بأن يكون وزير خارجيّة حقيقياً يُمارس مهامه بحسب ما يُمليه عليه ضميره ومسؤولياته وخدمة وطنه بالشكل الصحيح من أجل إخراجه من واقعه الصعب، لكنه فوجئ بأن لا دور فعليّ له وأن سياسة البلاد الخارجيّة تُدار وفقاً لمصالح الأحزاب والمذاهب، وأن من يتحكّم بالحكومة ويحكمها مستعد لاستعداء كل الدول في سبيل الدفاع عن مصالح وأجندات خارجيّة كانت المُسبّب الأساس في وصول لبنان إلى حالته اليوم.

لم يكن حزبيّاً ولا عونيّاً

وتوضح المصادر أن الوزير المستقيل ناصيف حتّي لم يكن ينتمي إلى أي حزب لا سابقاً ولا اليوم وأن ما قيل بأنه ينتمي إلى الخطّ "العونّي" هو أمر غير صحيح، فالرجل أمضى حياته دبلوماسيّاً في الجامعة العربيّة ولم ينجرّ يوماً إلى كل هذه الإصطفافات لأنه يؤمن بالدولة وبدور المؤسّسات فيها وخصوصاً دور القضاء المصدر الرئيسي لانتظام الحياة، لكن للأسف حتّى هذه المؤسّسة لم تُرحم من فسادهم من خلال ضغوطهم المُستمرّة على أفرادها وصولاً إلى تهديدات بإنهاء الحياة العمليّة لبعضهم.

وعمّا إذا كانت الإستقالة ستُثير ضجّة سياسية في البلاد أو إمكانية فتحها باب الإستقالات أمام وزراء آخرين، أكدت المصادر المقرّبة من حتّي أن لا شيء من هذا القبيل سيحدث ولا توجد أدنى التوقعات بحصول صدمة إيجابيّة لهذه الحكومة يُمكن أن تُعيدها إلى طريق العمل الصحيح والقيام بعملها كما يجب وتحديداً في الشق المتعلّق بعمل وزارة الخارجيّة. فعلاً لقد أصبحنا أمام واقع جديد، لقد تم تعيين بديل عن حتّي في اليوم الثاني بعدما اتفقت السلطة على هويّة الوزير الجديد، وما نتمناه هو ان تتغيّر سياسة القيّمين على الحكومة وعدم اخضاع وزارئها لتجاذباتهم وخلافاتهم، والاحتكام الى لغة العقل والمنطق وترك العلاقات الخارجية للديبلوماسيين.

مواقف من الإستقالة.. والبديل جاهز

[caption id="attachment_80007" align="alignleft" width="375"] حكومة مواجهة التحديات...على شفير الهاوية[/caption]

في أوّل تعليق على استقالة حتّي، غرّد السفير الفرنسي في لبنان "برونو فوشيه" قائلاً: الوزير ناصيف حتّي يُغادر. أحيي الديبلوماسي الكبير الذي تمكنت من الحفاظ على علاقة وثيقة معه. كرامة وقناعة وأخلاق والإصلاحات قادت عمله في قصر بسترس. العلاقة نحو الأفضل. أرفع القبعة. ومن جهتها اعتبرت عضو كتلة "المستقبل" النائبة ديما جمالي انه بسرعة قياسية قبل رئيس الظل استقالة ناصيف حتّي وعيّن البديل شربل وهبه وزيراً للخارجية بفعل الصدفة وبرعاية باسيلية. هنيئاً للبنان الذي تسير حكومته بخطوات واثقة نحو الانهيار الكامل.

واللافت انه في اليوم التالي على الإستقالة، جرى حفل التسلم والتسليم في وزارة الخارجية بين الوزير السابق ناصيف حتّي والوزير الحالي شربل وهبة الذي توجّه بالشكر الى حتي على ما أدلاه من روح اخوية، مشيراً الى أننا تداولنا بلقائنا بشؤون وشجون الوزارة واشيد بالجهود التي بذلها على رأس هذه الوزارة، واليوم لا يسعني سوى الاعراب عن عميق الامتنان للثقة التي اولاني اياها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ان عملت معه لـ 3 سنوات كمستشار للشؤون الدبلوماسية.

ضربة لحكومة دياب

بدا لافتاً اهتمام الاعلام الأجنبي باستقالة حتّي، ففي تقرير وصف موقع "ميدل إيست آي" الإستقالة على أنها ضربة لحكومة الرئيس حسان دياب، في حين حذّرت صحيفة "ذا نشيونال" الإماراتية من أنّ الاستقالة ستضعف الحكومة الواقعة أصلاً في مرمى نيران الأحزاب الأساسية لعدم تعاطيها بشكل فاعل مع الانهيار الاقتصادي. وحذّرت من تجاهل خطوة حتي والمضي قدماً، مرجحةً أن تكون استقالة وزراء آخرين مسألة وقت خصوصاً وأنها ربطت استقالة الوزراء بنوعية الضغطوطات التي يرزحون تحتها.

أمّا أبرز التعليقات فكانت للمنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان "يان كوبيش" الذي سارع إلى التأكيد أنّ خطوة حتي "رسالة بحد ذاتها". وتساءل "كوبيش" عما إذا ستسهم تلك الصرخة التي تنبع من احباط عميق في وضع لبنان على سكة الإصلاح وفي اتخاذ تدابير لرعاية اللبنانيين الذين ينزلقون يوماً بعد يوم في هوة الفقر واليأس؟.

أسباب الإستقالة.. باسيل!

[caption id="attachment_80008" align="alignleft" width="375"] رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل .. المتهم الأول بأسباب الاستقالة.[/caption]

خلال ردّه على بعض الأسئلة، نفى الوزير حتّي أن يكون رئيس "التيّار الوطني الحر" النائب جبران باسيل سبب استقالته من منصبه، لكن مصادر خاصة أكدت عبر "الأفكار" أن باسيل ومن خلال أحد مستشاريه المقربين كان يقوم دائماً بإرسال تعليمات لحتّي وإلزامه باتخاذ مواقف مُغايرة لقناعاته ولمصلحة البلد وتحديداً في ما خص علاقاته بالدول الخارجية والصديقة منها على وجه التحديد.

وتشير المصادر إلى أن حتّي كان سبق أن عبّر عن امتعاضه من طريقة التعاطي مع وزارته والتدخلات في سياساتها القائمة على الدبلوماسية وتمتين العلاقات الخارجية خصوصاً مع الدول العربية. وكان هدّد أكثر من مرّة بتقديم استقالته، لكنه كان يتراجع عنها بطلب من رئيس الجمهورية وبعض السياسيين المقربين منه. ويبدو أن الأمور بين حتّي وباسيل قد وصلت في نهاية الامر الى حد فُقد فيه الإنسجام بينهما خصوصاً في ظل تزايد التدخلات، من هنا كان لا بد من الإستقالة.