تفاصيل الخبر

لـبــنـان يحـتــــل المــركز الأول بيــن دول الـشــرق الأوســط وشمــال أفريقيــا فـي خفض وفـيــــات الأمـهــــــات  

13/01/2017
لـبــنـان يحـتــــل المــركز الأول بيــن دول الـشــرق الأوســط وشمــال أفريقيــا فـي خفض وفـيــــات الأمـهــــــات   

لـبــنـان يحـتــــل المــركز الأول بيــن دول الـشــرق الأوســط وشمــال أفريقيــا فـي خفض وفـيــــات الأمـهــــــات  

بقلم وردية بطرس

neswacafe29042013-(2)----2

تقضي النساء نحبهن أثناء فترة الحمل او خلال الولادة او في الفترة التي تلي الوضع لأسباب مباشرة وغير مباشرة، ويحدث 80 بالمئة من وفيات الأمومة على الصعيد العالمي جراء أسباب مباشرة، فيما العوامل الرئيسية التي تتسبب في هلاك النساء هي: النزف الوخيم، وأنواع العدوى، والاضطرابات التي تؤدي الى فرط ضغط الدم أثناء فترة الحمل وتعسّر الوضع، كما تتسبب المضاعفات التي تحدث بعد الاجهاض بالوفاة، ومن الأسباب غير المباشرة (20 بالمئة) التي تقف وراء وفيات الأمومة هي الأمراض التي تزيد من صعوبة الحمل او التي يزيد الحمل من خطورتها مثلا الملاريا وفقر الدم والأيدز والعدوى بفيروسه والأمراض القلبية الوعائية.

وفي لبنان نجحت الجهود الجماعية والشاقة بادارة واشراف وزارة الصحة العامة في خفض معدل وفيات الامهات بنسبة أكثر من ثلاثة أرباع على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية محققة بذلك الأهداف التنموية للألفية وواضعة لبنان على قمة البلدان القليلة التي قامت بهذا الانجاز.

 

الدكتور فيصل القاق وأعباء وفيات الأمهات

 

 فما هو معدل وفيات الامهات في لبنان؟ وماذا عن أعباء وفيات الامهات؟ وما هي الخطة المستقبلية وغيرها من الأسئلة اجاب عنها الدكتور فيصل القاق الاختصاصي في الأمراض النسائية والتوليد، وكان الدكتور فيصل القاق والمدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار قد أصدرا كتاباً بعنوان <وفيات الأمهات في لبنان قصة نجاح> يتضمن التجربة اللبنانية في خفض وفيات الأمهات وتحقيق الهدف الخامس من أهداف الألفية، ونسأله أولاً:

ــ ما هي أعباء وفيات الأمهات؟

- تشكل وفيات الأمهات احدى أهم المشاكل التي تواجه صحة الأمهات والنساء في جميع أنحاء العالم ولا تزال معدلات الوفيات عالية وغير مقبولة في حين من الممكن تفاديها، إذ يموت كل يوم ما يقارب 830 امرأة في كل أنحاء العالم من جراء مضاعفات ذات صلة بالحمل او الولادة، وقد تم الابلاغ عن 303000 حالة وفاة عام 2015. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية تفقد النساء في سن الانجاب أكثر من 20 بالمئة من مجمل سنوات العمر الصحية من جراء ثلاثة عوامل: معدلات الاعتلال والوفيات النفاسية، والأمراض المنقولة جنسياً بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية (الايدز)، والسرطانات النسائية. ولكل حمل مخاطر على الأم والجنين، تختلف باختلاف المجتمعات والبلدان والمناطق، ولسوء الحظ تكون هذه المخاطر أعلى في البلدان ذات الموارد الفقيرة والخدمات الصحية غير الفعالة، ويمثل معدل وفيات الأمهات واحداً من مؤشرات نمو المجتمعات وهو مقياس لنوعية الحياة عند الشعوب، ففي حين تدخل صحراء أفريقيا الجنوبية الكبرى ضمن قائمة البلدان المصنفة ذات الموارد المحدودة وتسجل أعلى معدل لوفيات الأمهات وذلك بتسجيل500 حالة وفاة لكل 100000 ولادة حية، يبلغ معدل وفيات الأمهات أعلى مستوى في شرقي آسيا حيث تسجل 37 حالة وفاة لكل 100000 ولادة حية، أما لبنان فيقع من ضمن دول غرب آسيا التي تحتل المرتبة الثانية بعد القوقاز وآسيا الوسطى.

معدل وفيات الامهات في لبنان

 

ــ ماذا عن لبنان وهل هناك احصاءات عن معدل وفيات الأمهات؟

- لقد عانى لبنان لسنوات طويلة من الحرب الأهلية والنزاعات المحلية التي أثرت على كل جوانب الادارات والمؤسسات العامة والخاصة وتركت بالتالي حكومات متهالكة في ظل عدم وجود احصاءات حيوية وبيانات أساسية ذات جودة. ومع ذلك انطلق المجتمع المدني للمساهمة في التكيف واعادة بناء الرعاية الصحية والدعم الاجتماعي. وقامت الوكالات الدولية العاملة في قضايا الصحة، وبالنظر لشح البيانات او عدم وجودها، بوضع لبنان في مجموعة (اتش) أي ضمن البلدان المصنفة <لا بيانات وطنية حول وفيات الأمهات> وبغياب نظام فعال للاحصاءات الحيوية المدنية الذي يفترض فيه تقديم تقرير عن وفيات الأمهات في لبنان. وما ان بدأ لبنان بتحقيق الاستقرار واستعادة مؤسساته بدعم من وكالات التنمية والبنوك حتى بدأت البحوث والدراسات الاستقصائية. ففي العام 2004 نشر المشروع العربي لصحة الأسرة (لبنان) تقريراً ذكر فيه ان معدل وفيات الأمهات هو 86,3 متدنياً عن 140 عام 1996، كما انه وجب تصنيف لبنان بالمجموعة (جي) تبعاً لنتائج مسح المشروع العربي لصحة الأسرة عام 2004. وفي العام 2009 أطلق مشروع <Reproductive Age Mortality Study> (RAMOS)  لدراسة وفيات العمر الانجابي في لبنان بغية تحديد معدل وفيات الأمهات. وفي العام 2008 تبين ان هناك 12 حالة وفاة مؤكدة تتعلق بالحمل علماً أن أكثر الولادات في لبنان يحدث في المستشفيات تحت اشراف اختصاصيين. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية ومنذ بداية الاضطرابات الأمنية السورية عام 2011 عبر اللاجئون السوريون الحدود سعياً لأماكن أكثر أمناً في لبنان، وتقدر المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ان لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين من سوريا أي أكثر من 1,2 مليون شخص، ومن بين العديد من التحديات التي اتت بها أزمة اللاجئين الى لبنان كان التحدي الأكبر يواجه نظام الرعاية الصحية ورعاية صحة الأم والطفل، ومع تقدير بوجود 42000 الى 50000 لاجئة سورية حامل خلال عامي 2013 ــ 2014، كان من المتوقع ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات بسبب وجود رعاية غير منضبطة لناحية التمويل الصحي وتغطية المعاينات ما قبل الولادة. وفي دراسة حديثة أجريت حول تغطية اللاجئات السوريات الحوامل في لبنان، تبين ان هناك 12,6 من بين الحوامل المسجلات لدى المفوضية لم يتلقين الرعاية مقارنة مع 25,9 من غير المسجلات. وكانت نسبة الرعاية الأقل بين النساء الحوامل بمخاطر عالية اي اللواتي زاد عمرهن عن الـ35 سنة: 65,9 من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 35 وما فوق خضعن للرعاية، مقارنة بـ80 بالمئة من الرعاية لكل من الفئات العمرية الأخرى.

ــ وهل تراجع معدل وفيات الأمهات في لبنان؟

- يحتل لبنان حالياً المركز الأول بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي عملت بنشاط لخفض ملموس في وفيات الأمهات لتلبية متطلبات الهدف الخامس للألفية الانمائية حيث تدنى معدل وفيات الأمهات من متوسط قدره 65 عام 1990 الى 23 عام 2003، و15 عام 2015 مع معدل وفيات 18.1 وفقاً لاستعراض مجلة <لانسيت> عام 2014، مع وصول معدل سنوي للتغيير الى 7,5 بين عامي 1990 ــ 2015 وهو أفضل من معدلي عمان والمغرب.

ومنذ العام 2010 وحتى الساعة يقدر عدد حالات وفيات الأمهات المبلغ عنها بـ74 حالة في لبنان بمتوسط سنوي يعادل 12.2 مع تدني لمعدل وفيات الأمهات ليبقى ضمن الرقم الرسمي المبلغ عنه.

 

أسباب وفيات الأمهات

ــ وما هي الأسباب التي تؤدي لوفاة الأمهات؟

- ان أسباب وفيات الأمهات هي بيولوجية وثقافية واجتماعية بالاضافة الى الأسباب الطبية المباشرة وغير المباشرة. بالنسبة للأسباب المباشرة الرئيسية لوفيات الأمهات فهي: النزيف وارتفاع ضغط الدم الناجم عن الحمل، والعدوى، والاجهاض، والولادة المتعسرة، ويشكل النزف السبب الرئيسي للمضاعفات عند الأمهات وخصوصاً أثناء الولادة جنباً الى جنب مع مضاعفات ما بعد الولادة التي يمكن بسهولة تجنبها مع تدخل فوري. وتكون مخاطر وفيات الأمهات أعلى عند المراهقات دون سن الـ15 سنة، كما تشكل مضاعفات الحمل والولادة السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات المراهقات في البلدان النامية. وفي لبنان، فإن السبب الرئيسي لوفيات الأمهات هو نزف ما بعد الولادة نتيجة نزف الرحم او وضعية المشيمة غير الطبيعية، يليه ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل وتسمم الحمل، وتليه بأرقام منخفضة للغاية مضاعفات طبية مزمنة مثل السرطان.

الدكتور-فيصل-القاق---1ويتابع:

- بشكل عام يبدو ان أسباب وفيات الأم خلال الحمل والولادة في لبنان تقع ضمن نموذج الحالات الثلاث الآتية: النساء اللواتي يصلن لمرحلة الاحتضار دون الاستفادة من الرعاية الطارئة، ويعود السبب اما لعدم تحديد حالة المخاطر العالية او انهن لم يحصلن على الرعاية الروتينية. ثانياً: النساء اللواتي يصلن مع مضاعفات يمكن تفاديها في حال تلقيهن تدخلات فعالة في الوقت المناسب، ويعود السبب اما للافتقار الى المهارات او الى تشخيص غير كاف لحالة الطوارىء. ثالثاً: النساء اللواتي يحضرن للولادة الطبيعية ويصبن في ما بعد بمضاعفات خطرة ويتوفين سواء لسبب طبي او طبيعي.

ومن خلال توثيق حالات وفيات الأمهات في لبنان يتبين ان الأسباب الأكثر شيوعاً للوفيات هي متشابهة في جميع المناطق اللبنانية.

وبناء على مراجعات الحالات من قبل <اللجنة الوطنية للأمومة الآمنة>، تم تحديد عدد قليل من التدخلات، ففي عام 2013 تم عقد اجتماع وطني حول وفيات الأمهات في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وتم تحديد ان المشيمة غير الطبيعية ومضاعفاتها تشكل سبباً رئيسياً في وفيات الأمهات يمكن الوقاية منه. وعليه تم وضع مبادىء توجيهية بشأن الكشف المبكر عن المشيمة غير الطبيعية باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي.

ــ وماذا عن الخطة المستقبلية؟

- أولاً يجب الوصول الى النساء الأكثر عرضة للمخاطر إذ يبين تقرير العد التنازلي عام 2015 ان بعض البلدان تتحرك بسرعة أكبر من غيرها، وتظهر التقارير تباينات واسعة في مستويات التغطية للتدخلات والخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلدان التي توفر البيانات. ويتمتع لبنان بمؤشرات ممتازة من حيث تغطية المعاينات في فترة ما قبل الولادة، وتوفير المهارة اللازمة أثناء الولادة كذلك الاحالة الى مراكز الرعاية المرجعية. كذلك تشير التقارير الى ان أكثر النساء حظاً بالحصول على أفضل رعاية أثناء الحمل والولادة تمكنهن من تحديد عوامل الخطر والحد من وفيات الأمهات وادارتها مبكراً يتحدرن من عائلات ميسورة وهن متعلمات. ووفقاً لتقرير العد التنازلي عام 2015 لدراسة أجريت في بلدان عدة، فإن النساء الحاصلات على تعليم ثانوي او عالٍ هن الأكثر حظاً بالحصول على متابعة لائقة أثناء الحمل وتتوفر لهن المهارة أثناء الولادة مقارنة مع غيرهن من النساء غير المتعلمات، لذا، هناك حاجة للمزيد من الاهتمام بتوفير امكانية حصول الجميع على الرعاية، وذلك بالوصول الى أشد الناس فقراً، وتثقيف الفتيات والنساء حول مخاطر الحمل في فترة المراهقة وحول أهمية الحصول على الرعاية الروتينية السابقة للولادة خصوصاً عند تجمعات النازحين.

دور النظام الصحي

ــ وما هو دور النظام الصحي (مقدمو الرعاية، وزارة الصحة العامة وغيرهم)؟

- تتدخل وزارة الصحة العامة بشكل جدي وبناء في تنظيم الرعاية الصحية للأمهات، وعلى الرغم من ذلك فلا تزال هناك حاجة الى التعاون مع مقدمي الرعاية الصحية واللجان العلمية في نقابة أطباء لبنان ونقابة القابلات ونقابة الممرضات والممرضين. اما في ما يتعلق بسلامة المرضى، فهناك حاجة للقضاء على التباين في توفير الرعاية، ومن الضروري زيادة الاعتماد على ارشادات مكتوبة، كما يجب العمل على تطوير مقاربة تحسين الجودة التي تؤكد ان تغيير الأنظمة يكون باتجاه منع الخطأ بدلاً من بناء نهج عقابي للمشاركين في النتائج السلبية. والاقتراحات التالية قد تكون مفيدة ومنها: مكافحة المشاكل بتحديدها قبل ان يصبح المريض بحالة صحية حرجة. اشراك وتمكين جميع مقدمي الرعاية الصحية الاولية من تحديد المضاعفات المميتة وبدء الاجراءات التصحيحية باستخدام بروتوكولات وتوجيهات موحدة. الحد من تباين النهج المتبع، وضمان انه في الحالات الحرجة على جميع أعضاء الفريق العامل معرفة الاجراءات التي يجب أن يقوم بها كل عضو.

ويتابع:

- يجب تحديد بروتوكولات العلاج مما يلغي الاعتماد على التكهن ويحد من الممارسات غير العلمية ويفرض اللجوء الى الطب القائم على الأدلة، كما يجب الاستعانة عند الضرورة باستشاريين من مختلف الاختصاصات ليس لعدم كفاءة مقدم الرعاية الأساسي بل اعترافاً بأن لا أحد معصوماً عن الخطأ، كذلك يجب تعزيز دور خدمات الصحة الانجابية على مستوى الرعاية الصحية الأولية، ومتابعة تدريب الأطباء على مستوى الرعاية الصحية الأولية، والاستمرار في تحسين مرصد وفيات الأمهات وتوسيع مظلته من خلال تحسين التعاون بين جميع مقدمي الخدمات بما في ذلك القابلات وعيادات القابلات بالعمل مع وزارة الصحة، وايلاء اهتمام أكبر بمتابعة الحمل عند النازحات خصوصاً في المرحلة الأخيرة من الحمل، والعمل بجدية على نظام يقضي الالتزام بالمعاينات.

كذلك يجب الاستمرار بالجهود المبذولة على مختلف المستويات وذلك من خلال تنفيذ سلسلة تدخلات تضمن من بين أمور أخرى: التوعية وتعزيز صحة الأم، وصول الخدمات الصحية للجميع، التغذية السليمة قبل وأثناء وبعد الولادة، الحصول على خدمات تنظيم الأسرة، تأمين المهارة اللازمة أثناء الولادة، الحصول على الجودة في الخدمات المقدمة أثناء الحمل والولادة في حالات الطوارىء، وتنفيذ السياسات الهادفة الى رفع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للنساء، ولا يمكن ذلك الا مــــن خــــلال التـــــزام وطني لتكريم حـــــق المـــــرأة في الحياة.