تفاصيل الخبر

لبنان تحت المجهر الدولي.. مراقبة ومحاسبة تسبق العقوبات او الانفراجات!

30/01/2020
لبنان تحت المجهر الدولي.. مراقبة ومحاسبة تسبق العقوبات او الانفراجات!

لبنان تحت المجهر الدولي.. مراقبة ومحاسبة تسبق العقوبات او الانفراجات!

 

بقلم علي الحسيني

في وقت تعكف فيه الحكومة اللبنانية على صوغ البيان الوزاري الذي من المُفترض الانتهاء منه خلال أيام قليلة تحضيراً لمثول الحكومة الجديدة به امام مجلس النواب لاحقاً لنيل الثقة، وذلك من خلال اللجنة الوزارية المُكلفة، بدأت أنظار العديد من الدول الغربية منها والعربية، تتجه الى لبنان من زاوية مراقبة الأوضاع فيه، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً نظراً للمشاكل التي يتخبّط بها منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وظهور الفساد المستشري فيه بشكل منقطع النظير، لدرجة أن مجموعة من هذه الدول باتت تمتلك إحصاءات حول عدد عمليات الفساد التي ارتكبها كل مسؤول سياسي، بالإضافة إلى عمليات تهريب الأموال التي لجأ اليها هؤلاء السياسيون خوفاً من المحاسبة والملاحقة القضائية.

 

انطلاقة الحكومة.. وشياطين التفاصيل!

 

انطلقت الحكومة الجديدة في عمليات التسلّم والتسليم بين الوزراء الجدد والسابقين وشروعها في الإعداد لوضع بيانها الوزاري بالتزامن مع جلسة للموازنة العامة وبدء رئيسها حسان دياب لقاءات مع الوزراء والسفراء بالإضافة إلى اعلانه عن برنامج زياراته الخارجية والتي كما سبق وأكد، سوف تبدأ بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، تليها زيارات للعديد من الدول الأخرى وفي طليعتها فرنسا. لكن من جهة أخرى، بدت صورة الواقع الداخلي محفوفة بكثير من الغموض والقلق والحذر، وسط مزيد من الترقب للتطورات المتصلة بالشارع في ظل الانتفاضة الشعبية من جهة ورصد المواقف الخارجية الغربية والعربية من الحكومة الجديدة من جهة اخرى. وكان لافتاً في هذا السياق، التوقعات التي عبّر عنها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة لشؤون الشرق الأدنى <جيفري فيلتمان>، ان يتم استهداف رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، ورئيس الحزب <التقدمي الاشتراكي> وليد جنبلاط، وحلفائهم سياسياً.

كلام <فيلتمان> فُسّر وكأنه اشارة مُسبقة لما يُمكن أن تكون عليه الامور في لبنان وتحديداً الشق المتعلق بسياسة الحكومة الجديدة، التي يعتبرها الأميركي وكثير من اللبنانيين، بأنها حكومة حزب الله وايران. من هنا برزت تخوفات كثيرة من جعل أفرقاء عدة من الحكومات السابقة، كبش محرقة وسط عمليات البحث عن جرائم الفساد التي ارتُكبت على مدار العهود الماضية. من هنا ارتكز البعض على كلام <فيلتمان> بقوله: إن وزير الخارجية المنتهية ولايته جبران باسيل ورفاقه، ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري ومعهم الآخرون المرتبطون بمحور رئيس الجمهورية ميشال عون، فلن يطالهم التحقيق، تماماً كما انها لن تطال صفقات الوقود والكهرباء التي أبرمها وزراء <التيار الوطني الحر>، ولن يضطر حزب الله إلى دفع الضرائب على أنشطته الاقتصادية الواسعة، أو فتح دفاتره حول نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية السري، وعمليات التهريب.

 

حكومة الاختبار!

 

من الواضح أن الولايات المتحدة الاميركية ستكون أكثر الدول التي ستعمل على مراقبة الوضع اللبناني الداخلي سواء في الشق الاقتصادي والمالي مع ما يستلزم الأمر من مراقبة دائمة لعمل الحكومة، وأيضاً في الشق السياسي حيث الحظر التي تفرضه على ايران والنظام السوري، خصوصاً انه من الواضح بأن التركيبة الحكومية اليوم، لا توجد لديها أي مشكلة أو عائق للانفتاح لا على إيران ولا على سوريا. من هنا لا بد من القول إن لبنان سيكون أمام اختبار للقيام بجميع مسؤولياته، اولاً تجاه شعبه والحديث هنا عن عمليات الإصلاح ومحاربة الفساد، وأيضاً تجاه الخارج حيث الدعم الموعود به خارجياً، لعل أبرزه مقررات مؤتمر <سيدر> التي غابت عن الأضواء بفعل الأزمات التي تعصف بلبنان منذ 17 تشرين الأول الماضي، والتي يبدو أنها مُستمرة حتى اجل غير مُسمّى.

في أول تعليق أميركي رسمي رأت الخارجية الأميركية أن الحكومة اللبنانية الجديدة إذا قامت بإصلاحات حقيقية وملموسة ستستعيد ثقة المستثمرين وتفتح الباب أمام المساعدة الدولية للبلاد. ودعت الحكومة اللبنانية الجديدة والجيش وأجهزة الأمن إلى ضمان أمن المواطنين لدى مشاركتهم في التظاهرات السلمية، مؤكدة أن الأفعال التحريضية والعنف لا مكان لها. وعلى الخط نفسه، دخل وزير الخارجية الاميركية <مايك بومبيو> ليقول: إن وجود حكومة لبنانية، قادرة وملتزمة بإجراء إصلاحات حقيقية وملموسة هو فقط الذي من شأنه أن يستعيد ثقة المستثمر ويضمن المساعدات الدولية.

وفي السياق تؤكد مصادر سياسية رفيعة المستوى لـ<الأفكار> أن عمليات الاصلاح تبدأ بمكافحة الأسماء المتورطة بعمليات الفساد ثم القيام بإصلاحات لا لبس فيها تضبط المالية العامة وتوقف التهرّب والتهريب عبر الحدود والمرافئ والمرافق، فضلاً عن خطة نهوض اقتصادية ــ إنمائية تضع حداً لنزيف المالية العامة، على أن يكون قطاع الكهرباء هو المشروع النموذجي. هذا في الداخل، أما خارجياً، فيجب التنبّه دائماً من انجرار لبنان وراء بعض المحاور الإقليمية وخصوصاً لجهة عمليات التجاذب القائمة بين ايران وحلفائها في لبنان والمنطقة من جهة، وبين أميركا وحلفائها العرب من جهة اخرى. وتضيف المصادر: المؤكد أن المجتمع الدولي يُصرّ على عدم ترك لبنان يواجه وحيداً مشكلاته الاقتصادية الكبيرة والخطيرة، ولذلك فهو لا يُخضع لبنان لعملية مراقبة من الزاوية الاقتصادية ــ الاجتماعية حصراً، بل فالكثير من الدول ما ينفكون يردّدون ويشدّدون على أهمية تمكن الدولة من استعادة سيادتها وممارسة حقها في حصر السلاح والدفاع عن لبنان بواسطة القوى الشرعية دون سواها.

 

أين تُصرف الوعود؟

اختبارات بالجملة يخضع لها لبنان منذ فترة غير قصيرة، على أكثر من خط ومستوى، بدءاً من السياسة واستراتيجياتها، وصولاً إلى الاقتصاد والأمن، مروراً بملفات شائكة على غرار قضايا اللجوء والنزوح ومكافحة الهدر والفساد، والإرهاب والتصدي له، وغيرها. وفي كل هذه الاختبارات، هناك قاسم مشترك يكاد يكون واحداً، ويتمثل بـالعين الدولية والإقليمية المسلَّطة على لبنان، عين يبدو أنها لا تزال متموضعة في موقع المراقبة، ولو كان البعض يتحدث عن <مزايا> يحصل عليها لبنان نتيجة المراقبة هذه، وفي طليعتها الوضع الامني الهادئ نسبياً، والذي يكاد يكون الأفضل في المحيط. ولكن في الجهة المقابلة، فإن الوعود الكثيرة التي يراهن عليها لبنان، فهي كلها لا تزال مجمّدة بانتظار تجاوزه الاختبارات. خير دليلٍ على ذلك أن خزنة مؤتمر <سيدر> لا تزال مقفلة بإحكام، وأن باريس كانت أبلغت رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري صراحة بأنها لن تفتح هذه الخزنة قبل التزام لبنان بالإصلاحات التي وعد بها والمطلوبة منه. وحتماً سوف تطلب باريس الأمر نفسه من رئيس الحكومة الحالي حسّان دياب، الذي يبدو أن الحمل سيكون ثقيل جداً على عاتقه.

في السياق، يؤكد مصدر مقرب من حزب الله لـ<الافكار> أن معظم هذه الدول التي تدعي حرصها على لبنان وعلى النهوض به اقتصادياً وسياسياً وغير ذلك من الأمور، إنما هي في حقيقة الأمر مجرد ادعاءات لن تُصرف بالمجان، فهذه الدول همها الأول والأخير محاصرة محور المقاومة في العالم وأبرزه ايران، من هنا أتت كلمة <الحياد> التي يُطالب بها البعض لبنان، فعن أي حياد يتكلمون ونحن شهدنا أبرز الهجمات التكفيرية وحروب المتفجرات التي رعتها أميركا وأصدقاؤها. فهل يُمكن للعراق أن يكون على الحياد في وقت يتعرض فيه لأبشع المجازر والانقسامات التي تنفذها الولايات المتحدة الاميركية؟. من هنا فإن لبنان معني بما يحدث في المنطقة على اعتبار انه جزء لا يتجزأ من محور المقاومة خصوصاً ضد اسرائيل التي لا تنفك عن استباحة حدودنا البحرية والبرية والجوية. أين هو دور كل هذه الدول من هذه الخروقات، ومن سرقة مياهنا ونفطنا؟

ويتابع المصدر: مما لا شك فيه أن عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني أعادت عملية خلط اوراق المنطقة على نحو غير ثابت حتى الآن، وهو ما يطرح احتمالات غير واضحة حول المنحى الذي ستسلكه، تبعاً للتطورات التي قد تحصل. والواضح أن الاميركيين اغتالوا سليماني، ولم يكتفوا بذلك، بل جاهروا علناً بهذا الاغتيال بشكل استفزازي للإيرانيين، ولكل محور المقاومة في العالم بما لا ينسجم مع رسائل التهدئة التي وجهتها واشنطن بعد الاغتيال الى القيادة الايرانية عبر العديد من الدول العربية.

 

من الاقتصاد الى العمق السياسي فالثورة!

يُجمع العديد من الاقتصاديين المحليين والخارجيين، على أن السبب الرئيسي للأزمة الواقعة في لبنان، والحديث هنا عن الأزمة المالية والاقتصادية، هو أن اللبنانيين كانوا يعيشون لعدة عقود أفضل بكثير مما تسمح به إمكانياتهم، فزادت الليرة اللبنانية من القدرة الشرائية لكل لبناني لعدة أضعاف، على نحو مصطنع، في الوقت الذي قام فيه البنك المركزي اللبناني بتشجيع ودعم الاستيراد، فلبنان ينتج طعاماً أقل بكثير مما يستهلك، وفي حالة وقوع انهيار مصرفي أو انخفاض حاد في قيمة العملة الوطنية، أو تضخم مفرط، أو أي حدث آخر، يوقف ولو مؤقتا، واردات الأغذية إلى لبنان. وبمعنى أوضح، فإن لبنان يستورد أكثر من صادراته بشكل مزمن، ولإنقاذ الوضع، وقد استلف البنك المركزي والحكومة قروضاً ضخمة، أدت لارتفاع ديون البلاد إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما دفع إلى مزيد من الاقتراض، وفي النهاية قد أدت هذه السياسة الى ما وصلنا اليه في الفترة الأخيرة، ولا داعي لأي جهة بأن تُحمّل الثورة وزر ما حصل، فالوضع الحالي كان سيصل اليه لبنان سواء بثورة أو من دون ثورة.

 وفي هذا السياق، ثمة تساؤلات عديدة تطرح في أروقة قوى الرابع عشر من أذار، عن قدرة الحكومة الجديدة، على إخراج لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية، علماً بأن هذه الحكومة المنتظرة ستكون تحت المجهر العربي والدولي، للحكم على تركيبتها وأدائها، وما إذا كانت ستطمئن الأشقاء العرب والمجتمع الدولي التي ينتظر منها أفعالاً وليس أقوالاً، وما إذا كان بإمكانها أن تخرج لبنان من عزلته، إلى المكان الأرحب، حتى يجد من يساعده ويقف إلى جانبه في مواجهة الاستحقاقات الداهمة التي تنتظره، بعدما أدت الممارسات في السنوات الماضية إلى حصول ما يصح تسميته بقطيعة بين لبنان وأشقائه العرب، وبالتحديد دول مجلس التعاون التي تأخذ على لبنان ابتعاده عن مصالحه العربية، وارتماءه في الحضن الإيراني. هذا مع العلم أن حكومة الحريري كانت قد قامت من خلال بعض وزرائها، بواجبها وربما اكثر لجهة طمأنة المجتمع الدولي والدول العربية على وجه الخصوص، بأن لبنان لن يكون ضمن أي محور اقليمي، مع التشديد على موقعه وانتمائه العربي.

أما القاسم المشترك لدى كل أصدقاء لبنان الدوليين، العرب والغربيّين، فهو تشديدهم على ضرورة وقوف لبنان على الحياد في الصراع المحتدم في المنطقة، والتقيد بما جاء في بيان حكوماته السابقة ربما اللاحقة لناحية النأي بالنفس، إذ إن اختلال التوازن على الساحة اللبنانية لصالح محور إقليمي على حساب آخر، هو الخطر الأكبر على استقراره وعلى مصيره، وليس فقط على المساعدات. وذلك، وسط التشديد على ضرورة أن تكون الدولة دولة بكل معنى الكلمة، أي أن تكون سيدة قرارها، وأن تملك هي دون سواها قرار السلم والحرب، وأن تقوم بوضع قطار الاستثمارات المرجوة على السكة الصحيحة.

 

شروط <سيدر> تحت تأثير <صفقة القرن>!

تُعتبر <صفقة القرن> حديث الموسم إقليمياً وعالمياً، إذ إنّ هذه الصفقة ليست نزاعاً إسرائيلياً ــ فلسطينياً وحسب، بل هي تغيير جدّي في خريطة وكيانات الشرق الأوسط، هذا مع العلم أن تفاصيل هذه الصفقة لا تزال غير معلنة رسمياً حتى الآن ولكنها، وبعد عامين تقريباً من التّخطيط، تبلورت بعد قيام مسؤولين أميركيين بزيارة أربع عواصم عربية، مما يشير إلى تفاعل عربي- أميركي وتالياً عربي ــ إسرائيلي. ورغم أن <صفقة القرن> تتلخّص بحل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين بدون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن ثمة تأثيرات عديدة تبرز على لبنان، منها السلبيّة ومنها وبشكل صادم، الإيجابية، ففي حال موافقة لبنان على قبول الصفقة تحت ضغوط أميركية مشدّدة، فأول ما يمكننا التطرق إليه هو التّغيير الجغرافي وترسيم حدود بحريّة جديدة مع إسرائيل والقبول بخطّ < هوف> الذي يقتطع ثلث المنطقة الإقليميّة اللبنانيّة الغنيّة بالنفط والغاز لمصلحة إسرائيل، كما سيواجه لبنان انفجاراً شعبياً نتيجة توطين نصف مليون لاجئ فلسطيني مقيم في لبنان حالياً، كشرط إسرائيلي أساسي لإتمام الصفقة مما سيؤدي إلى تغيّر ديموغرافي ملحوظ وبعثرة في التوازن الطائفي الذي يقوم عليه النظام اللبناني.

 أما على الصّعيد الإيجابي، ففي حال موافقة لبنان على <صفقة القرن>، فأول هذه التّأثيرات سيكون جغرافياً، حيث سيتم زيادة مساحات الأراضي اللبنانية وذلك بـضم أجزاء من سوريا، بحسب خريطة المشروع. أما اقتصادياً، فسوف تتزايد الاستثمارات العربية والأجنبية على أراضيه، بحسب ما صرح به <ترامب> عن مشاريع استثمارية في الدّول العربية المشاركة بخمسين مليار دولار أميركي، ما من شأنه أن يعزز وضع البلاد في كافة المجالات الحيوية، إضافة إلى تفعيل المرافئ البحرية بناءً على ترسيم الحدود البحرية. أما في حال عدم موافقة لبنان على مضمون <صفقة القرن> فسوف تفرض عليه أميركا، وكما لمّح الرئيس الأميركي سابقاً، عقوبات قد يكون أبرزها تجميد أموال <سيدر> مما سيؤثر في الاقتصاد اللبناني بشكل واضح. ولكنّ الخطورة الأشدّ هي في إعطاء إسرائيل المبرر لشن حرب جديدة على لبنان.

في هذا السياق تعود مصادر مقربة من حزب الله لتؤكد أن محور المقاومة سوف يُسقط هذه الصفقة، هذا بالإضافة إلى وجود قلق عربي ودولي من عملية تطبيق <صفقة القرن> لجهة التداعيات التي ستجلبها على المنطقة، كما وأن ادوات أميركا في المنطقة، لن تتمكن من حماية نفسها في حال كانت شريكة أو راعية لهذه الصفقة. وأضافت المصادر: لقد تمكنت واشنطن من استيعاب الثورات الشعبية العربية وحرفها عن مسارها وتوجيهها في اتجاه خاطئ، وكل الذين دخلوا على خط الربيع العربي أرادوا أن يأخذوا منه ثمرة فاسدة هي <صفقة القرن>.