تواجه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صعوبات عدة تحول دون استكمالها مهمتها ما أحدث تأخيراً في المرحلة المقبلة من عملها، وهذه الصعوبات تقنية ولوجستية ومالية وقد برزت خصوصاً خلال الجلسة التمهيدية الخامسة في القضية المتلازمة لاستشهاد الرئيس الحريري، المتمثلة باستهداف كل من الشهيد جورج حاوي والوزيرين السابقين مروان حمادة والياس المر بسيارات ملغومة. وتوزعت الصعوبات على فرق العمل في المحكمة سواء من ممثل الادعاء او المسؤولة عن مكتب الدفاع والممثلين القانونيين للمتضررين.
وتشير المعلومات الواردة من "لايستندام"، مقر المحكمة الدولية من اجل لبنان، ان من بين الصعوبات مشاكل تقنية تطرأ على شبكات الانترنت، إضافة الى مشاكل تمويلية دفعت بعدد من العاملين الى خفض ساعات عملهم، وتعثر توظيف بدلاء لموظفين واداريين غادروا المحكمة، فضلاً عن قانونيين شكوا من عدم حصولهم على تعويضاتهم كاملة. اما المشكلة الأخرى التي تواجه فريق العمل، فهي العمل عن بعد الذي يسبب مشاكل يومية نتيجة القيود المفروضة على التحرك بسبب وباء "كورونا"، الامر الذي جعل نسبة التقدم في العمل تتراجع. وقد تعذر التواصل بعدد من المطلوب الاستماع اليهم او الحصول على توضيحات في مسائل تخدم مسار التحقيق. وفي هذا السياق يقول الممثل القانوني للمتضررين في الاعتداء الذي استهدف النائب السابق مروان حمادة، المحامي نضال الجردي، إن العمل قائم منذ شهرين في ظروف صعبة ميدانية لان جائحة "كورونا" وصلت الى حدود غير مسبوقة والعمل في ظروف قاسية بعد التقاط عدد من أعضاء الفريق العدوى ما جعلهم يحجرون انفسهم ويتعطل العمل.
وثمة مشكلة أخرى تواجه فريق العمل، وهو الاقفال العام في لبنان الذي اعتمد قبل ثلاثة أسابيع ما ارجأ سلسلة إجراءات كان من المتوقع القيام بها مثل خطوات تحقيقية لا يمكن القيام بها عن بعد بسبب مسائل امنية، ولم يوفق الفريق في الوصول الى بدائل وإن كان العمل مستمراً لتعويض تداعيات الاقفال العام.
وقد أوضح احد قضاة النيابة العامة الدولية انه لم يتمكن من اجراء أي مهام في لبنان علماً ان إمكانية مقابلة الشهود عبر الانترنت تبدو غير فعالة وهي ستسبب مشاكل امنية يخشى العاملون في المحكمة من حصولها. ولم يكن في الإمكان توسع التحقيق او جمع المعلومات بسبب القيود المفروضة نتيجة "كورونا"، وكانت المحكمة تنتظر أجوبة من السلطات اللبنانية اثر ارسال طلبات مساعدة تتناول مسألة امن فريق الممثلين القانونيين للمتضررين القلقين على ما يجري في لبنان، لكن احد قضاة المحكمة آثر تناول هذه المسألة "الحساسة" في جلسة مغلقة.
تمويل المحكمة
في أي حال، الصعوبات التي تواجه عمل المحكمة في اطارها اللوجستي تبقى مقبولة أمام الصعوبات التي تواجهها من الناحية المالية، ذلك ان بعض العاملين فيها اثار مسألة تمويل المحكمة، لاسيما وان أي نقص في هذا التمويل سيؤثر سلباً في الإجراءات وفي حقوق المتضررين الذين انتظروا اكثر من 15 عاماً ليمنحوا صفة المشاركة في الإجراءات فمن المهم اليهم جداً ان تبدأ هذه المحاكمة من دون أي تأخير لذلك فإن أي نقص في التمويل بما في ذلك عمل الممثلين القانونيين للمتضررين سيؤثر سلباً في حقوقهم، وذكر احد المحامين بالرسالة التي كانوا اودعوها في 20 كانون الأول 2020 الأمين العام للأمم المتحدة طالبين منه تمديد ولاية المحكمة واعفاء لبنان استثنائياً من موجباته المالية إزاء هذه المحكمة، وفي الوقت نفسه ركزت تلك الرسالة على ضرورة إيجاد بدائل تمويل لدعم سيرها. وابلغ القاضي فرنسين انه "تلقينا رسالة من الأمين العام في 20 من كانون الثاني الماضي ونقدر الرد الإيجابي الذي حصلنا عليه منه بأنه يفهم شواغل الممثلين القانونيين للمتضررين وانه سيواصل التفاعل مع أصحاب المصلحة لدعم الإجراءات امام هذه المحكمة، مشيراً الى ان الأمين العام دعا في شكل طارئ كل الدول الأعضاء في المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الطوعية لدعم الإجراءات القضائية امام هذه المحكمة".
في المقلب اللبناني فإن المعلومات المتوافرة تشير الى تعثر دفع الدولة اللبنانية حصتها في تمويل المحكمة البالغة نسبتها 49 في المئة من الموازنة وذلك بسبب الظروف الراهنة الاقتصادية والمالية الصعبة، فضلاً عن التأخر في إقرار الموازنة. وهذا الملف كان موضع درس على اعلى المستويات وانتهى النقاش الى الاعتذار عن عدم الدفع لعدم توافر الاعتماد الذي تطلبه المحكمة وهو بالدولار الأميركي الذي بات عملة نادرة في احتياطي مصرف لبنان.
وسيصار خلال الأيام القليلة المقبلة ابلاغ المحكمة الدولية تعذر تسديد الحصة اللبنانية في موازنة المحكمة بهدف الافساح في المجال امام اللجوء الى تمويل آخر لتغطية الفارق الذي سوف ينتج عن امتناع لبنان عن الدفع. لقد تنبه قرار مجلس الامن باستحداث المحكمة الى إمكانية الوصول ذات يوم الى تعثر الدفع، فأشار في متن القرار الى انه في مثل هذه الحالة، تطلب الأمم المتحدة من الدول الأعضاء لاسيما تلك التي تساهم في تمويل الأمم المتحدة ومنظماتها، تغطية النقص وفق إمكاناتها الى ان يصار الى تأمين المبلغ المطلوب الذي سوف يتعذر على لبنان تسديده. يذكر انها المرة الأولى التي سوف يتعذر فيها على لبنان عدم تسديد التزامه المالي في المحكمة الدولية من اجل لبنان... انما للظروف احكامها!.