تفاصيل الخبر

لبنان لم يخرق خيار ”النأي بالنفس“ عندما استقبل وزير خارجية فنزويلا!

12/04/2019
لبنان لم يخرق خيار ”النأي بالنفس“  عندما استقبل وزير خارجية فنزويلا!

لبنان لم يخرق خيار ”النأي بالنفس“ عندما استقبل وزير خارجية فنزويلا!

كان يمكن أن تمر زيارة وزير خارجية فنزويلا <خورخي ارياسا> الى بيروت الاسبوع الماضي في إطار جولة له على عدد من الدول العربية، من دون ضجة او تداعيات، أسوة بزيارات مماثلة يقوم بها بعض المسؤولين في دول عربية وأجنبية لبيروت ضمن تحرك ديبلوماسي طبيعي في العلاقات بين الدول... إلا أن في لبنان حيث <الحبة> تصبح <قبة>، ثمة من يسعى دائماً الى استعمال أي حدث، داخلي أو خارجي، لجعله مادة خلافية تهدد مسار <التسوية> السياسية القائمة منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. ومن هذا المنطلق سعى <المصطادون في الماء العكر> على نسج روايات حول الزيارة وتظهير <التباين> بين الرئيس عون الذي استقبل الوزير الفنزويلي في قصر بعبدا، وبين رئيس الحكومة سعد الحريري الذي اعتذر عن عدم استقباله، وبين الأخير ووزير الخارجية جبران باسيل.

وفيما تؤكد مصادر الرئيسين عون والحريري والوزير باسيل على حد سواء على أن زيارة الوزير الفنزويلي لبيروت لم تترك أي <ضباب> في العلاقة بين المسؤولين الثلاثة، ترى مصادر متابعة أن وضع الأمور في نصابها في ما يتعلق بزيارة الوزير <ارياسا> يضع حداً لأي اجتهادات أو تفسيرات. فالوزير الفنزويلي اتى الى بيروت من ضمن جولة قادته الى سوريا والعراق، لحضور مهرجان تضامني مع السلطة الدستورية القائمة في فنزويلا، وفي المناسبة طلب مواعيد للقاء رئيس الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية لشرح الوضع في بلاده التي تتعرض لحصار سياسي واقتصادي بعد التدخل الاميركي لعزل الرئيس <نيكولاس مادورو> وتسليم السلطة لرئيس مجلس النواب <خوان غوايدو>. وفيما تم تحديد موعدين في قصر بعبدا ووزارة الخارجية، لم يحدد موعد لـ<ارياسا> في السرايا بحجة أن الرئيس الحريري ما زال في فترة النقاهة بعد الجراحة التي أجريت له في باريس. إلا أن الوفد الفنزويلي لاحظ أنه في اليوم الذي كان فيه الوزير <ارياسا> يزور قصر بعبدا ووزارة الخارجية، كان برنامج الرئيس الحريري حافلاً باللقاءات والمناسبات المختلفة التي تناقلتها وسائل الإعلام مباشرة...

 

لبنان غير معني بما يجري

 

وأشارت مصادر متابعة أن الانتقادات التي وجهت الى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية لاستقبالهما وزير الخارجية الفنزويلي ليس لها ما يبررها، لاسيما وأنها صدرت عن أشخاص ومجموعات لا خبرة ديبلوماسية لهم. ذلك أن لبنان غير معني بما يجري في فنزويلا وليس له أن يقرر عن الشعب الفنزويلي في من سيكون رئيس بلاده أو قيادته الدستورية، في وقت لا يزال الرئيس <مادورو> في السلطة، وإن قاطعته نحو 55 دولة، ولا تزال العلاقات الديبلوماسية قائمة بين البلدين. أضف الى ذلك فإن وجود جالية لبنانية كبيرة في فنزويلا  يقدر عدد أفرادها بنحو 500 ألف شخص بينهم من يحمل الجنسية الفنزويلية لكنه يتحدر من أصل لبناني، يفرض على الدولة اللبنانية مراعاة هذا الواقع وعدم تعريض أبناء الجالية اللبنانية لأية تداعيات يمكن أن تنتج في ما لو رفض لبنان الرسمي التعاطي مع القيادة الفنزويلية القائمة حتى إشعار آخر، خصوصاً أن اللبنانيين والمتحدرين من أصل لبناني ينتشرون في أرجاء فنزويلا وغالبيتهم العظمى في العاصمة كراكاس، ولهم حضورهم في الحياة الوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في فنزويلا، ولم يلقوا أي معاملة سيئة من النظام القائم سواء في عهد الرئيس الراحل <هوغو شافيز> أو في عهد الرئيس الحالي <مادورو>.

 

<ارياسا> لم يطلب شيئاً!

ويؤكد الذين اطلعوا على المحادثات التي اجراها الوزير<ارياسا> مع المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أنه لم يطلب منهم أي موقف سياسي أو أي التزام، بل اكتفى بنقل تحيات الرئيس <مادورو>، وعرض الواقع القائم في بلاده لاسيما التطورات الاخيرة التي حصلت وتداعياتها وكان أخطرها قطع الكهرباء عن العاصمة والضواحي، ثم عن عدد من المناطق الفنزويلية، ما أوقع خسائر في الأرواح وفي الممتلكات ومصالح البلاد. كما شرح <ارياسا>  ملابسات <الانقلاب> الذي تم التخطيط له لقلب النظام، لكن ذلك لم يحقق أي نتائج عملية، ما جعل الحصار الاقتصادي والمالي والكهربائي يشتد لدفع الشعب الفنزويلي الى إعلان العصيان ضد رئاسة <مادورو>. وتوقف الوزير <ارياسا> خلال الشروحات التي قدمها عند دور الجيش الفنزويلي الذي التزم الشرعية الدستورية ولم يتجاوب مع الدعوات الاميركية لإسقاط الرئيس <مادورو> وتناولت أحاديث <ارياسا> أوضاع الجالية اللبنانية في فنزويلا واندماج أفرادها مع المجتمع الفنزويلي، من دون أن يُقرن هذا العرض بأي طلب محدد له خلفيات سياسية.

وفي تقدير المصادر نفسها نفت مصادر الرئيس الحريري المعلومات التي تداولتها وسائل الاعلام عن تعرضه لـ<ضغوط أميركية> لعدم استقبال <ارياسا>، وأن الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية الاميركية <مايك بومبيو> مع الرئيس الحريري كان لتهنئته بنجاح الجراحة التي أجريت له في باريس ولم يتناول لا من قريب ولا من بعيد زيارة <ارياسا>! ولفتت المصادر الى أن الرئيس الحريري يستقبل الزوار الرسميين للبنان سواء أكانوا مؤيدين للسياسة الأميركية أو معادين لها، وهو كان قد استقبل منذ أسابيع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، وهو - أي الحريري - يعلم حق العلم كيف هي العلاقة حالياً بين واشنطن وطهران. فضلاً عن الزيارات الدورية للسفير الايراني في بيروت محمد جلال فيروزينا على رغم الحملات المتبادلة بين المسؤولين الايرانيين والمسؤولين الاميركيين.

وأوضحت المصادر نفسها أن اعتماد لبنان لسياسة <النأي بالنفس> لا يلغي حق المسؤولين باستقبال ممثلي دول في حالة نزاع بين بعضها البعض، كما هو الوضع حالياً بين الولايات المتحدة الاميركية والسلطات الفنزويلية. علماً أن لبنان الرسمي لم يتخذ أي موقف من الوضع داخل فنزويلا حتى ينجلي الموقف نهائياً، لكن وجود علاقات ديبلوماسية بين البلدين يبقي قنوات الاتصال مفتوحة، من دون أن يعني ذلك أي التزام أو رغبة في تأييد هذا الفريق أو ذاك وكأن الأزمة الفنزويلية لها في لبنان من يدعو الى استمرارها، أو الى توقفها تبعاً للأهواء السياسية لكل طرف.

في أي حال، انتهى <قطوع> زيارة وزير خارجية فنزويلا <على خير> وإن ظل بعض السياسيين يتناول الزيارة مورداً ملاحظات حول <خرق> خيار <النأي بالنفس>... أو الدخول في محور الممانعة!