تفاصيل الخبر

لـبــــــــنـان فـــــــي ذمــــــــة مـجـلــــــــس الأمــــــــــن!

13/12/2018
لـبــــــــنـان فـــــــي ذمــــــــة مـجـلــــــــس الأمــــــــــن!

لـبــــــــنـان فـــــــي ذمــــــــة مـجـلــــــــس الأمــــــــــن!

 

بقلم وليد عوض

 

كنا في الأسبوع الماضي على باب.. الخطر. فالارتباكات الأمنية التي حصلت في قرية الجاهلية كادت تؤدي الى تفجير الأمن في الجبل. ونحن هنا لا نسوق الاتهام ضد أحد، ولا ندافع عن أحد، بل همنا الأول والأخير هو الدفاع عن الوطن، وخصوصاً إذا كان في مهب الخطر.

وكان طبيعياً أن يثور الوزير السابق وئام وهاب على اغتيال مرافقه المرحوم محمد أبو دياب. فالمرافق عادة كاتم أسرار وحامي حمى. ولكن لا يعني ذلك أن يكون اغتياله مدعاة لتخريب وطن.

ويذكرنا الأمر باغتيال وحيد الصلح الصديق المؤتمن للرئيس سامي الصلح أواخر الخمسينات، وباغتيال نعيم مغبغب في معاصر الشوف مطلع الستينات، وكان محسوباً على الرئيس كميل شمعون. وفي مهب الاغتيالين كادت البلاد تصل الى أخطر الانقسام والتفتت. ولذلك يبقى الوزير السابق وئام وهاب مشفوعاً بالعطف، ولو ان اللغة التي استخدمها وأصاب فيها شرف زعماء قائمين وراحلين، كانت فوق المطلوب. ومن باب الملاحظات ان بين المعزين للوزير السابق وئام وهاب نواباً من كتلة النواب الستة المسلمين مثل نائب طرابلس فيصل كرامي، ونائب البقاع الغربي عبد الرحيم مراد، ونائب الضنية جهاد الصمد، أي ان مؤازرة من النواب المسلمين الستة ساندت وئام وهاب.

والأمن في لبنان خط أحمر، وقد أحسن اللواء عماد عثمان صنعاً ظهر الأربعاء ما قبل الماضي حين أعلن ان قوى الأمن الداخلي أرادت حفظ الأمن الذي انتهكه بعض المسلحين، ولم تستهدف شخصاً بالذات، ولم تطلق الرصاص على أحد.

ولبنان يستعين بشاهد عالمي هو قوات <اليونيفيل> وقائد هذه القوات في الجنوب اللواء <ستيفانو ديل كول> يجتمع في رأس الناقورة مع وفد من ضباط الجيش اللبناني برئاسة منسق الحكومة اللبنانية لدى قوات الأمم المتحدة العميد الركن الطيار أمين فرحات، ووفد من الجانب الاسرائيلي، وكان همه أن يعاين ادعاءات بأن حزب الله أنشأ أنفاقاً عبر الحدود اللبنانية ــ الاسرائيلية، وتبين أن هذه الأنفاق هي مزارع للدجاج في بلدة كفركلا وبعض القرى الحدودية، والدجاج لا يقاوم باسم حزب الله.

ومهمة <اليونيفيل> أن تستوعب التوتر على الحدود اللبنانية ــ الاسرائيلية، والتأكد من عدم وجود أنفاق تصل الى قلب الأراضي المحتلة، وأغلب الظن ان اسرائيل ابتدعت موضوع تمدد حزب الله عبر ما سمي بالأنفاق، وهي حين كانت تدعو الى الالتزام بالقرار 1701، كانت تشعل الوساوس في المنطقة ولم تكن تدخل حرباً، ولا ترتدي لباس المواجهة، بل كانت تشعل المخاوف في المنطقة، وتقول للعالم: أنا هنا.

ويجب على قوة <اليونيفيل> تعيين مواطن الخطأ وتتناول أيضاً عدة مظاهر مغايرة أو معكرة للقرار 1701، مثل بناء الجدار الاسرائيلي على طول الحدود مع جنوب لبنان. صحيح ان الجدار واقع تحت الأنظار وأية حركة عنده قابلة للمشاهدة والمعاينة، إلا أنه حالة شاذة بالنسبة للقرار

1701.

ولا يمكن أن نتناول مجريات الحدود الجنوبية دون أن نتناول مواقف حزب الله وخطب السيد حسن نصر الله، ونائبه الشيخ نعيم قاسم، لأنها الجزء الرئيس في المشكلة الأمنية عند الحدود، وواضح حتى الآن أن كلاً من الجانبين، أي اسرائيل وحزب الله، يحسب ألف حساب لأي تدهور أمني عند الحدود، ويستعلم تماماً عن الصواريخ الجديدة التي حصلت عليها اسرائيل من الولايات المتحدة ومدى المسافة التي تصل إليها، وكذلك يعاين حزب الله مكامن الخطر الاسرائيلي في البوارج الاسرائيلية التي تجول في البحر المتوسط.

وما تريده اسرائيل من كل هذه العراضات هو تقديم نفسها الى دول المنطقة ودول مجلس الأمن على أنها دولة سلام لا دولة حرب، وأن أسلحتها مهما بلغت من تقنية هي أسلحة دفاعية لا أسلحة هجومية، وهو قول مردود لأن اسرائيل تتصيد الآن كل حدث في المنطقة لتضعه في خدمة مخابراتها وتقبض على كل حدث بواسطة هذه المخابرات لتوظفه في خدمة استراتيجيتها، ولا فرق في هذا الباب بين <نتانياهو> وزعيمة المعارضة <تسيبي ليفني> رئيسة حزب <كاديما> المعارض. وفي بال <نتانياهو> أن يقرع باب بلد عربي آخر بعد سلطنة عمان مثل موريتانيا وقطر كبلد مقدم على خطر. ويظن سلطان عمان قابوس بن سعيد وهو يستقبل في العاصمة العمانية مسقط رئيس وزراء العدو الاسرائيلي <بنيامين نتانياهو> انه يفتح نافذة على ما تسميه الولايات المتحدة <صفقة القرن> أي اتفاق الصلح الفلسطيني ــ الاسرائيلي، تحت غطاء الدول الخمس في مجلس الأمن. أي في امكان كل دولة عضو في مجلس الأمن أن تفاخر بصنع السلام، بحيث يشمل هذا الخيط التصالحي رام الله وتل أبيب واتخاذ التدابير والمقدمات لإنشاء الدولة الفلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية.

ويبقى الخطر جانحاً على الحدود، مهما أظهر <نتانياهو> رغبته في السلام، وكشف قوات <اليونيفيل> لنفق بناه حزب الله قرب بلدة المطلة يجعل الصدام مع اسرائيل على بعد قوسين أو أدنى..

والدور هنا لكل من الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، والفريق عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية المصرية، والرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> في رد الأذى الاسرائيلي عن لبنان. ومهما يكن من أمر فإن حزب الله على أتم استعداد أمني للدخول في حرب جديدة ضد اسرائيل بدءاً من امتلاكه الصواريخ القادرة على الوصول الى قلب تل أبيب.

 

مخاوف جنبلاط

 

والشعور بالخطر الحدودي هو الذي جعل رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع  ينبه الى ضرورة التعجيل بتأليف الحكومة قبل أن ينفجر الموقف على الحدود اللبنانية ــ الاسرائيلية، ويكون لبنان أمام حرب جديدة ضد اسرائيل. كما حذر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من تدهور الوضع الاقتصادي. والثقة في الجيش اللبناني وقائده العماد جوزف عون متأصلة في نفوس اللبنانيين، إلا ان الحرب تتطلب وقفة مع الجيش تتبناها الحكومة، ولكن أين مجلس الوزراء؟ وأين قوى المواجهة السياسية؟!

كل القوى الفاعلة تنتدب الآن وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ليقوم بالمسعى المطلوب لسد الثغرة التي نشأت بطلب توزير أحد النواب المسلمين السنة فيصل كرامي، وعبد الرحيم مراد، والوليد سكرية، وقاسم هاشم، وجهاد الصمد، وعدنان طرابلسي. وقد عرض الوزير الوسيط فكرة رفع عدد وزراء الحكومة الى 32 وزيراً، بحيث يستوعب وزيراً من الطائفة العلوية. ولكن الاقتراح واجه الطريق المسدود. والمحاولة الأخيرة لرأب الصدع وفتح الباب أمام حكومة جديدة هي إعطاء وزارة خدماتية للأمير طلال ارسلان، مثل وزارة العدل أو وزارة الطاقة وإعراض كتلة النواب المسلمين الستة عن التمسك بتوزير أحدهم، وتفادي الخلاف مع الرئيس سعد الحريري.

ومن باب الموضوعية يرى العقلاء من أهل السياسة ان امتناع الرئيس الحريري عن استقبال النواب الستة مجتمعين ليس بالحل المناسب، رغم ما للرئيس الحريري من تقدير وطني. فمن حق النواب الستة مجتمعين ومنفردين أن يكون لهم لقاء مع رئيس الوزراء المكلف، وهكذا يقول المفهوم الدستوري. وقد يكون الخطر الجاثم على الحدود الجنوبية مبرراً لتراجع النواب الستة المسلمين بطلب حقيبة وزارية، وقد يكون أمام الرئيس ميشال عون وحده أن يختار الوزير المسلم ضمن حصته في الحكومة، وأمامه لائحة بأسماء شبان أكفاء من رؤساء المصارف وعضوية المجلس الوطني للإعلام، ورئاسة جمعيات طبية، وليس الأفق مسدوداً على الاطلاق.

السؤال المركزي هنا: هل التأخير في تشكيل الحكومة نابع من الأسباب الداخلية وحدها، أم للتأثيرات الدولية دورها في هذا المضمار؟!

فالرئيس الأميركي <دونالد ترامب> لا يرى ضرورة لقيام حكومة لبنانية، مثلما لا يرى ضرورة لعودة جماعية للنازحين السوريين الى بلادهم. والرئيس الروسي منشغل بالحدود السورية الشمالية، بدءاً من ادلب، ولا يستطيع أن يحمل بطيختين في يد واحدة. ورئيسة وزراء انكلترا <تيريزا ماي> مشغولة بتأسيس النهاية السعيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في اجتماع كانون الأول (ديسمبر) الجاري. واليابان والصين لا تضعان لبنان على خريطة همومهما.

ولكن تحرك لبنان كحصان أصيل، موضوع قابل لفك الأسلاك القائمة حول تشكيل الحكومة العتيدة، والدور هنا هو دور الرئيس ميشال عون الذي تجمعت حوله كل الظروف المؤاتية لاتخاذ القرار. وكما يقول المتصلون به، فالقرار موجود في مخيلته ويتطلب الوقت المناسب للخروج الى النور. وتتداول الأوساط السياسية مسألة رد تكليف الرئيس الحريري برئاسة الحكومة الى مجلس النواب لاتخاذ المقتضى. وهناك الزيارة الرعوية التي يقوم بها البابا <فرانسيس> في شباط (فبراير) المقبل لدولة الإمارات بدعوة من ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والاستعانة بقداسة البابا من الآن تخدم الموضوع اللبناني. كما ان لجوء لبنان الى مجلس الأمن لمواجهة الخطر الاسرائيلي واحدة من أدوات التحرك الوطني!

وهناك في دوائر قصر بعبدا تفكير في اجتماع وطني جماعي داخل القصر الجمهوري لاتخاذ القرار الوطني الكبير أمام الرأي العام العالمي.

والأمور مرهونة بخواتيمها!