تفاصيل الخبر

لبـــنان فــي ظــــل هــواجـــــس الهجــــوم الاسرائيلــــي!

05/10/2017
لبـــنان فــي ظــــل هــواجـــــس الهجــــوم الاسرائيلــــي!

لبـــنان فــي ظــــل هــواجـــــس الهجــــوم الاسرائيلــــي!

 

بقلم وليد عوض

2 

كان الشيخ فارس الخوري رئيس وزراء سوريا أديباً ظريفاً، ورجلاً صاحب نكتة. وأول نكتة دارت في خلدة هو ذلك الرجل الذي يملأ حماره بالكتب، ثم يبيعها واحداً واحداً، دون أن يكل ولا يمل. ويروي فارس بك انه كان في زيارة لمدينة حلب حين استرعى انتباهه رجل يبيع الكتب فوق ظهر حمار. فقد انتظره في إحدى الأمسيات ولما اكتشف بأن صاحب الحمار قد باع كل الكتب والمؤلفات المتوارثة، اقترب فارس بك من أذن الرجل وسأله: <وهل بعت كل ما عندك من كتب؟>! قال صاحب الحمار: <ولم يعد عندي كتب تباع فوق ظهر هذا الحمار، ولكن في بيتي ما يكفي من الكتب ويزيد>.

سأله فارس الخوري:

ــ وهل قرأت كل ما تحويه تلك الكتب؟

رد صاحب الحمار باسماً:

ــ كل الكتب التي بعتها على ظهر هذا الحمار تطلب من الانسان أن يكون رؤوفاً بأخيه، باراً بعائلته، غيوراً على مصلحة أولاده، وأنا كذلك دون حاجة الى كتاب.

والكتاب يعني الماضي الجميل، ويؤشر للأيام المباركة، ويشير الى الحلول التي غابت عن رؤى الناس العاديين. ومن ذلك الماضي الذي أشهد عليه تلك المنافسة الحامية عام 1960 بين عدنان الحكيم والدكتور حسن صعب على جمهور منطقة عين المريسة في المقهى الشهير الخاص بالمنطقة والهدف هو انتخابات المنطقة.

في الصباح كانت الكلمة للدكتور حسن صعب بلغة أدبية مشدودة الكلمات، لو رواها في أي بلد عربي، لجمع حوله المتخاصمين، وانتشر الرواد. تحدث عن الفارابي، وابن زيدون، وأبو الطيب المتنبي، وعمرو بن العاص بطل المعارك وخطيب زمانه.

وقوبل خطاب الرجل بالتقدير والاهتمام، ولكن غابت عنه اللهفة، وانقطعت حبال التواصل، وإن هي إلا ثلاث ساعات حتى اصطفت الكراسي من جديد، ودارت صواني القهوة. فقد أقبل رئيس حزب النجادة عدنان الحكيم. وميزة هذا الرجل انه كان يقف وسط القاعة فوق كرسي ويخاطب أحد الجالسين قائلاً:

ــ وأنت يا أبو العبد. هل تجد عشاءك كل يوم؟!

فيرد الرجل وهو دامع العينين:

ــ أتعشى يا سيدي مرة في الأسبوع وهذا يكفيني!

وأعرف بين أهل السياسة رجالاً لا تخلو سياستهم من قراءة ومطالعة. فهم يقرأون لذلك المؤلف الذي يروي أحداث البلد، وحاجة الناس الى الرغيف والحليب والجبن والحلاوة بطحينة والخبز المبلل بالدبس. وأعرف بين بيوت أهل السياسة زمان عادة غابت عن التداول في أيامنا، وهي صينية طعام تتجه الى بيت منكوب، أو مفجوع، ويقول له حاملها: كلوا واشربوا مما رزقكم الله.

فأين هذا المشهد الآن في انتخابات بيروت التي موعدها في أيار (مايو) المقبل؟ أين صواني أصحاب النخوة؟ وأين مكرمات العائلات الميسورة؟

 

حكاية المفتي الشعار

ويروي أصدقاء مفتي الشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار أن والدته كانت في زيارة لبيت صديق في شارع البلدية، حين اقترب منها شخص وقال لها وهو يستشعر ظروفها:

ــ يا سيدتي.. اسمحي لي أن أقدم الى بيتك الكريم بابور الكاز هذا. إنه يخدمك مرتين: مرة كمساعد في الطبخ، ومرة لتسخين الأكل والشاي للضيوف.

ولا يخجل المفتي الشعار من رواية هذه الحكاية ويقول ان المتبرع بوابور الكاز كان خير الدين أفندي عبد الوهاب!

ونحن اليوم على قاب قوسين أو أدنى من انتخابات أيار (مايو) والقفز فوق سلسلة الرتب والرواتب، والقسمة الضرائبية. هذا الناخب يذهب الى قلم الاقتراع في ثانوية محمد خالد، أو ثانوية جبران تويني في الأشرفية دون أن يسأل نفسه: ما هو المراد من صندوقة الاقتراع؟ ولماذا يترك منزله في ذلك الصباح ليضع اسم المرشح الذي يتمنى أن يصل الى مجلس النواب.

إنه ينتخب لمجرد الانتخاب، مع ان كلمة انتخاب تعني المجيء بأحد الأسماء أو إحدى اللوائح لملء الفراغ السياسي الذي يعتري الأفق.

يستعد الناخب للذهاب الى صندوقة الاقتراع وفي ذهنه أن يختار المرشح الذي ينتشله من وهدة العدم أو مغبة السقوط في الهاوية. إنه يبحث عن اسم المرشحة أو المرشح الذي ينشر الأمل في مستقبل أفضل وحق العلاج من المرض بدون منة أحد، ومفتاح التعليم في إحدى المدارس، دون طلب الرضاء من أحد. وهذا لا يحصل بكل أسف.

والناخب الذي سيذهب الى قلم الاقتراع يعاني من آلام المنطقة وبؤس الأحوال، فلا يكتب اسم المرشح أو المرشحة كيفما كان، بل ينعم النظر في أسماء اللائحة سائلاً عما يساوي كل مرشح، وعما يستطيع الذي يقع عليه الخيار أن يخرجه من عالم الظلمات فيجعل مصيره جزءاً من حل عام للمنطقة وشحنة من أمل في مستقبل موعود لأطفاله رجال المستقبل.

 

كل الدنيا عندنا!

1 

وهواجس المواطن الناخب تأخذ طريقها الى البيت الأبيض الذي استرجع معاقله في بلاد الدنيا، وأصبح سيد اللعبة في الشرق الأوسط، والانسان المفوض بالمشاركة في القرار. ومن نعم الله على المواطن أن يكون صوته في صميم القرار،لا من هوامش الأرقام الاليكترونية..

عرفنا الماضي، وعايشنا الحاضر، وصار لزاماً علينا أن نسأل عن المستقبل. فما هو الواجب وما هو الدور؟!

كانت تركيا صاحبة سطوة على المنطقة من زمن السلطان عبد الحميد الثاني وجمال باشا السفاح. وكانت بغداد حتى العام 1958 قوة تأثير في المنطقة قبل أن تطيح الثورة بالحكم الملكي، وكانت أواصر الرئيس كميل شمعون موصولة بحكم الأمير فيصل الثاني، كما كانت مصر تحت حكم الملك فاروق الأول، ولكن لم يكن لروسيا هذا التأثير الذي حصلت عليه شمالي سوريا، ومنطقة كردستان كانت شوقاً جغرافياً، ووسط كل تلك التداعيات كان على لبنان أن يكشف نفسه ويتلمس طريقه، وكان ذلك مستحيلاً زمن الأحداث اللبنانية التي استمرت من عام 1975 الى عام 1989، وكان الصبر هو قوة الشكيمة عند اللبنانيين حين أزيحت معالم الظلام عن لبنان عام 1989، ودخلت البلاد بفضل اتفاق الطائف في عهد جديد، وبعد ثلاث سنوات من العطل الرئاسي وصل الرئيس ميشال عون الى سدة الرئاسة بعد منفى أربع عشرة سنة في ضاحية باريس <هوت ميزون> واختراقه للساحة اللبنانية بعد زمن الوصاية عبر كتلة 14 آذار، وصولاً الى انفصاله عن هذه الكتلة وانشائه كتلة الاصلاح والتغيير الى جانب حزب التيار الوطني الحر الذي آلت رئاسته الى وزير الخارجية جبران باسيل بعد استلام ميشال عون مقاليد رئاسة الجمهورية.

ونحن الآن أمام الواقع: خطر اسرائيلي يتهدد حدود الجنوب، وحضور عسكري روسي وأميركي وتركي وإيراني في المناطق السورية الشرقية، ولبنان يعاني من مشكلة تفاهم مع سوريا عبر المجلس الأعلى السوري ــ اللبناني، وضجة لم تهدأ نتيجة لاجتماع في نيويورك بين وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، تقابلها هبة ريح اعتراضية من الرئيس سعد الحريري وكتلة نواب <المستقبل> ووجود الرئيس عون في موقع صعب. فهو حليف سابق لسوريا وحزب الله، وأتى الى سدة الرئاسة ضمن جو توافقي، وفي مجلس وزراء يضم اثنين من أعضاء حزب الله هما حسين الحاج حسن ومحمد فنيش، كما تنتظره دعوة رسمية الى طهران لم يتحدد موعدها.

وسط كل هذه التداعيات يجد المواطن اللبناني نفسه في صراع مع المتربصين بمرحلة السلام والمرحلة محكومة بالتوافق بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري. متفقون حول شجون المرحلة، ومختلفون في بعض التفاصيل كالعلاقة مع سوريا.. وما دام الرئيس الحريري ملتزماً بالموقف المعادي للنظام السوري، فكل المفاجآت واردة، وكل أخطار المستقبل خلايا نائمة..

وكل ما يتعدى هذه التداعيات رغم ذلك لا يشكل خطراً على البلد..

واللهم نجنا من.. الشرير!