تفاصيل الخبر

لبنان في قمة البحر الميت... ”مظلة“ عربية ودولية رفعت التحفظ الخليجي عن التضامن معه... ولا مقايضة!

07/04/2017
لبنان في قمة البحر الميت... ”مظلة“ عربية ودولية  رفعت التحفظ الخليجي عن التضامن معه... ولا مقايضة!

لبنان في قمة البحر الميت... ”مظلة“ عربية ودولية رفعت التحفظ الخليجي عن التضامن معه... ولا مقايضة!

1 لا يختلف اثنان على أن المشاركة اللبنانية في القمة العربية الثامنة والعشرين التي انعقدت عند منطقة البحر الميت في الأردن، لم تكن هذه السنة مماثلة للأعوام الماضية، فقد كانت مشاركة مميزة لأكثر من سبب لعلّ أبرزها حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمرة الأولى قمة عربية بعد الشغور الرئاسي الذي امتد سنتين ونصف السنة، والكلمة غير التقليدية التي ألقاها باسم لبنان في القمة والتي اتّصفت بالصراحة الكاملة بعيداً عن الكلام المنمّق والشعارات المتكرّرة والقرارات العامة، إضافة إلى وجود رئيس الحكومة الرئيس سعد الحريري في عداد الوفد اللبناني إلى القمة، ما أعطى صورة عن وحدة الموقف اللبناني.

والإطلالة الموحّدة التي تعني الكثير في زمن الاختلافات العربية، والتنسيق الكامل في المواقف بين الرئيس عون والرئيس الحريري كانت له مفاعيل بارزة في تقديم الموقف اللبناني الواحد الموحّد، بينما كانت القمم الأخرى تتفادى ظهور رئيسي الجمهورية والحكومة معاً، خصوصاً في زمن الخلاف حتى لا تصاب الدول العربية بالحرج حيال كيفية التعاطي مع الوفد اللبناني <المزدوج>، غير أن هذا <القلق> غاب إذ اتّسمت العلاقة بين عون والحريري بالمودّة الكاملة وبالحرص الذي كان يبديه الرئيس الحريري في متابعة أعمال القمة إلى جانب الرئيس عون، ومشاركته في الاجتماعات الثنائية التي ضمّت رئيس الجمهورية مع رئيس وزراء العراق حيدر العبادي ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا فايز مصطفى السراج، وكان يمكن أن يحضر الرئيس الحريري لقاء الرئيس عون مع الأمين العام للأمم المتحدة <أنطونيو غوتيريس> لولا أن رئيس الحكومة كان قد غادر مقر المؤتمر متوجّهاً إلى الرياض في طائرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.

ولعلّ عامل الصراحة الذي ذهب به الرئيس عون إلى المؤتمر في دورته الـ28 انعكس بوضوح في الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية والتي دعا فيها إلى <وقف الحروب بين الأخوة بكل أشكالها العسكرية منها والإعلامية والديبلوماسية، والجلوس إلى طاولة الحوار لتحديد المصالح الحيوية المشروعة لكل فريق واحترامها (...) وإلا ذهبنا جميعاً عمولة حلّ لم يعد بعيداً سيُفرض علينا>. وحتى يلزم الرئيس عون سامعيه بمضمون كلمته <التي استتبعها تصفيق طويل> قال العبارة الشهيرة <اللّهم إشهد أني بلّغت>، ومضى وسط ردتي فعل الأولى مؤيّدة لتوجّهات الرئيس عون ودعواته إلى الحوار، أما ردّة الفعل الثانية فقد تفاوتت بين <تبسيط> مضمون الكلمة الرئاسية، وبين رافض قبول أي شروحات أو دعوات، وذلك على قاعدة <عنزة ولو طارت>، غير أن هذه المواقف لم تحجب عملياً ردود الفعل العربية داخل القمّة، حيث بدا من خلال تلقي رئيس الجمهورية التهاني بعد كلمته، إن ثمة إشارة لاسيّما عربية إيجابية لاستعداد لبنان على المساعدة في إعادة مد الجسور وإحياء لغة الحوار بين الدول والشعوب المتنازعة، إضافة إلى ذلك أعاد الرئيس عون إلى الجامعة العربية دورها حين دعاها إلى اتخاذ مبادرة تؤثر في مجرى الأحداث وتوقف صراعات الدم وتساعد في إيجاد الحلول العادلة في الدول الملتهبة.

أسباب إزالة التحفّظ الخليجي

إلا أن العنصر الأبرز بقي في تعاطي الدول العربية عموماً، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً مع الرئيس اللبناني الذي جاهر بضرورة قيام تعاون في مواجهة إسرائيل بين الجيش والشعب والمقاومة، لاسيّما وأنه سبق للبحرين ومعها السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تحفّظت على بند التضامن مع لبنان الذي يرد سنوياً في قرارات مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية، إلا أنه خلال القمّة اختلفت الصورة ونجح لبنان في رفع التحفّظ الخليجي على قرار التضامن معه بكل مندرجاته بما في ذلك <حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة <الغجر>، وحقهم أيضاً <في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، والتأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والتي هي حق أقرّته المواثيق الدولية ومبادىء القانون الدولي بعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً>. واللاّفت أيضاً في القرارات كان ترحيب القمة بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية وبتشكيل الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، والإشادة بالدور الوطني الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في صون الاستقرار والسلم الأهلي، ودعم الجهود المبذولة من أجل بسط سيادة الدولة حتى الحدود المعترف بها دولياً.

وفيما كانت أصداء الموقف العربي الإجماعي الداعم للبنان تتردّد بوضوح في قاعة المؤتمر وفي دول عربية معينة، ظل السؤال يتمحور حول الأسباب التي جعلت الموقف الخليجي يتبدّل والتحفّظ ويتحوّل إلى تأييد من دون أي مقابل من الجانب اللبناني. وفي هذا السياق أوردت مصادر مطلعة ملخصاً لهذه الأسباب أبرزها الآتي:

1- التجاوب مع رغبة الرئيس عون الذي يحضر القمة للمرة الأولى ويأتي رئيساً بعد شغور امتد إلى سنتين ونصف السنة، بأن ترفع التحفظات عن البند اللبناني، وهو ما كان وعده به العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي وضع كل ثقله إلى جانب الرئيس عون وكان له ما أراد إذ تجاوبت الدول المعنية بهذه الرغبة اللافتة.

2- إرادة أردنية واضحة بضمان نجاح القمة في البحر الميت وذلك من خلال تعطيل كل الألغام التي كانت مزروعة بدرب القمة، ومن بين هذه الألغام، البند اللبناني الذي كان سيستقطب تأييداً عربياً واسعاً إذا ما استمر التحفظ. وتقول معلومات <الأفكار> أن العاهل الأردني سعى إلى قرارات <نظيفة> تخرج بها القمة للتأكيد على نجاحها.

3 - الجهد الذي بذله وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل خلال وجوده في الولايات المتحدة الأميركية بهدف عدم إبراز مواقف معادية للبنان في القمة العربية، وقدرة الولايات المتحدة الأميركية على التأثير على أصدقائها وحلفائها في آن للوصول إلى هذا الهدف.

وترصد مراجع متابعة دوراً لافتاً للفاتيكان في تهيئة المناخ الدولي الملائم الذي واكب أعمال القمة والتي كان لبنان جزءاً من المخارج - التسويات التي سُجلت عربياً بين الدول المختلفة مع بعضها البعض مثل السعودية - العراق، ومصر والسعودية، وقطر ومصر، وفيما سُجلت نتائج إيجابية في ما خص الحوار السعودي - العراقي، والحوار المصري - السعودي، لم يحصل أي تقدم على صعيد العلاقة القطرية - المصرية وذلك مع استمرار وجود رواسب قديمة.

4 - بروز توجّه جديد لدى السعودية في استكمال إعـــــادة الحــــرارة إلى العلاقات مع لبنان، وذلك من خلال اللقاء الذي جمع الرئيس عون بالعاهل السعودي، وباصطحاب الملك سلمان للرئيس الحريري في طائرته إلى الرياض حيث عقد محادثات رسمية ولقاءات من بينها لقاء مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

الوفد-اللبناني--2 

لا مقايضة

 

وكانت مراجع سياسية حاولت الترويج عن <مقايضة> حصلت في الموقفين اللبناني والخليجي تقوم على رفع التحفظ الخليجي عن البند المتعلّق بلبنان، في مقابل موافقة لبنان على القرارات بإدانة إيران وتدخلات حزب الله في الحرب السورية ووصفه بـ<الإرهابي>، إلا أن مصادر ديبلوماسية أكّدت لـ<الأفكار> أن مثل هذه <المقايضة> لم تطرح على بساط البحث ولا أن لبنان في وارد القبول بها، بدليل أن لبنان أكّد تحفظه على البندين 6 و7 من القرارات الخاصة بالتدخلات الإيرانية، وهما يستنكران التدخّل الإيراني في شؤون البحرين <من خلال مساندة الإرهاب وتأسيس جماعات إرهابية مدربة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي>، وعلّل لبنان قراره بأن وصف حزب الله <بالإرهابي> <خارج عن تصنيف الأمم المتحدة، وغير متوافق مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب وخاصة من حيث التمييز بين المقاومة والإرهاب، ومع كون حزب الله يمثّل مكوناً أساسياً في لبنان وشريحة واسعة من اللبنانيين ولديه كتلة نيابية ووزارية. ونوافق على باقي البنود في القرار بالرغم من ملامسة بعضها لقرار النأي بالنفس، وقد طالبنا بحذف حزب الله الإرهابي لكي تتم الموافقة على كل بنود القرار من دون تحفّظ>.

وقال مصدر في الوفد اللبناني إن هذه الأوراق أثبتت عدم وجود مقايضة، وبالتالي فإن لبنان بقي على موقفه متحفظاً على ما يتعارض مع سياسته الداخلية، في حين أن الطرف الآخر تراجع خطوة إلى الوراء.

وتؤكد مصادر ديبلوماسية معنية أن الرئيس عون استطاع في أول إطلالة له في مؤتمر قمة عربي أن يحجز مكاناً متقدماً للبنان أولاً وله ثانياً في صفوف المجموعة العربية المقرّرة في المسائل العربية الأساسية، إذ لا مجال بعد اليوم لتجاهل الموقف اللبناني خصوصاً من المواضيع المعني بها بعد تلك المصارحة التي ميّزت كلمته أمام القمة، فضلاً عن وجود <مظلة دولية> فوق لبنان مكّنت من توفير الدعم الكامل له في مواقفه وتجنيبه أي إحراج كان يمكن أن يحصل لو استمر التحفظ الخليجي. ولعلّ في اللقاء الذي جمع الرئيس عون فور وصوله إلى منطقة البحر الميت مع ممثل الرئيس الروسي إلى القمة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إشارة إلى الاهتمام الدولي في لبنان، ولاسيّما الاهتمام الروسي خصوصاً بعدما باتت روسيا لاعباً سياسياً أساسياً في المنطقة ناهيك عن قدراتها في مجلس الأمن الدولي وامتلاكها حق النقض.

في أي حال، ما حصل عليه لبنان ورئيسه في قمة البحر الميت في الأردن يحتاج إلى متابعة كما تقول مصادر سياسية معنية، ومن غير الجائز أن <يسكر> المسؤولون بما تحقق في الأردن <وأن يناموا على حرير>، بل لا بدّ من مواكبة قريبة للمناخات الإيجابية التي برزت في القمة العربية ليصار إلى استثمارها بشكل فاعل يحقق تقدّماً إلى الإمام ويحول دون أي تراجع إلى الوراء!