تفاصيل الخبر

لبنان بين عقد سياسي جديد أو صيغة تعايش حديثة

03/02/2021
لبنان بين عقد سياسي جديد أو صيغة تعايش حديثة

لبنان بين عقد سياسي جديد أو صيغة تعايش حديثة

 

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_85482" align="alignleft" width="444"] الاحتجاجات وانكسار هيبة الدولة.[/caption]

 بعد كل الأزمات التي مرّت بها البلاد وفي ظل المناخ السياسي المتقلب والمتوتر، بات مؤكداً أن لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى صيغة تعايش جديدة بين كل مكونات شعبه بعيداً عن جميع المفردات والمصطلحات والشعارات التي تُحدد طبيعة هذا البلد في النصوص وليس في النفوس. من هنا فإن المطلوب اليوم، قيام نظام سياسي جديد يعكس ظروف المجتمع وأوضاعه، إذ لا يجوز من الآن وصاعداً، أن يظل النظام قائماً على مصالح السياسيين، في وقت يرزح فيه الشعب تحت كل هذه الضغوطات، ولعل أبرزها الضائقة المالية التي تُهيمن على النسبة الأكبر من اللبنانيين خصوصاً بعد أن فُقد العثور على الطبقة المتوسطة.

حكم الطوائف وضياع البلد

من الواضح أن الظروف الداخلية في لبنان والمناخات الخارجية المؤثرة فيها، وتحديداً في ما يتعلّق بالمسار الذي ستسلكه العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في ظل عهد الرئيس الجديد "جو بايدن"، لا تبدو مُشجّعة حتى الآن، من أجل تأليف حكومة تُنقذ البلد من حفلات الجنون السياسية، ومن الفلتان الأمني والاجتماعي الحاصل، وارتفاع نسبة الجرائم نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

ويشير واقع الحال، إلى أنه ما من حكومة في الأفق، وما من دلائل حتى على إجراء انتخابات نيابية مُبكرة، لإخراج لبنان مما هو غارق فيه، بعدما تحوّلت المشكلة منذ سنوات طويلة من صراع طائفي وحزبي، إلى أزمة وجود لها علاقة بطبيعة الكيان ككل، وبنظرة كل فئة إلى الآخر، انطلاقاً من منظارها الخاص. وعلى سبيل المثال، فإن كل طائفة اليوم، تسعى إلى تحقيق مكاسب خاصة داخل مؤسّسات الدولة، وذلك، ليس من أجل تصحيح الاعوجاج الحاصل كما يُشاع، إنما من أجل تمكين وتثبيت نفسها في الحكم، حتى لا يترك قطار "التَشحيل" السياسي أثره عليها، كما حصل مع بعض الطوائف.

عقد سياسي أم صيغة جديدة؟

[caption id="attachment_85483" align="alignleft" width="375"] الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري..المصالح السياسية أضمن وأبقى لهم.[/caption]

بعيداً عن الإيجابيات الكثيرة التي كان لاتفاق "الطائف" الدور الكبير والأهم في تكريسها وتثبيتها، وأبرزها إنهاء الحرب في لبنان، وبعيداً عن "المؤتمر التأسيسي" الذي كان دعا إليه حزب الله في العام 2012، ودعوة حركة "أمل  إلى بناء "دولة المواطَنة"، وعن صراع الجهات السياسية العلني والديني الخفيّ، وبعيداً أيضاً وأيضاً عن دعوة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" اللبنانيين إلى "عقد سياسي" جديد في لبنان، من البديهي أن البلد بحاجة فعلاً إلى أي صيغة جديدة، وبغض النظر عن التسمية، شرط أن يجتمع حولها كل الأفرقاء من أجل الخروج برؤية واحدة ولمرّة أخيرة، تسمح بإخراج البلد من مأزقه والبدء بعملية ورشة إصلاح جماعية، ولكن شرط أن تقتنع بها النفوس قبل إدراجها في النصوص.

والمشكلة الثابتة في الطروحات جميعها، هي في السؤال حول طبيعة هذا العَقد الذي من شأنه أن يُلغي هواجس المسيحيين المُطالِبين بـ"الدولة المدنية"، ويُعيد ثقة المسلمين الداعين إلى المشاركة في الحكم، ويجعل الدروز مقتنعين بأن دورهم فاعل في الحياة السياسية وفي إدارة شؤون البلد، ولو أنهم أقلية؟

رسالة مرجع سياسي .. ماذا تضمنت؟

ضمن هذا السياق، تكشف مصادر سياسية ، أن مرجعاً سياسياً رفيعاً، كان بعث برسالة إلى رئيس دولة أوروبية منذ شهر تقريباً، شرح فيها مشكلة لبنان، والتي تتخطّى برأيه موضوع تأليف الحكومة أو السعي إلى انتخابات نيابية مُبكرة، موضحاً برسالته تلك، أن لبنان يُعاني من أزمتين: أزمة حكم وأزمة دستور وقوانين، بالإضافة إلى أزمة ثالثة اسمها "إتفاق الطائف". وبحسب المصادر، فقد تضمّنت الرسالة سُبل معالجة الأزمة في لبنان من خلال موافقة الأفرقاء السياسيين اللبنانيين على الذهاب إلى "عقد سياسي" جديد بديل عن "الطائف"، يحكم العلاقة بين الجميع، ويضمن حقوق الطوائف في الحياة السياسية، أما خلاف ذلك، فهو يعني أن أزمة التأليف سوف تتكرّر مع انتهاء ولاية أي حكومة.

[caption id="attachment_85485" align="alignleft" width="318"] طاولة الحوار الوطني سابقاً.. العودة إليها ضرورية أكثر من أي وقت مضى.[/caption]

ووفق معلومات المصادر، فإن المرجع السياسي البارز، قد تمنّى على رئيس الدولة الأوروبية، الأخذ بوضع طائفته الحسّاس، خصوصاً بعدما تحوّلت إلى لاعب أساسي في التركيبة السياسيّة اللبنانية، ومن منطلق أن حقوقها لا تقلّ عن حقوق بقية الطوائف، ولذلك، فإن الإصرار على التمسّك بإحدى الحقائب في الحكومة الجديدة، لم يكن عناداً سياسياً، إنما كان هدفه المشاركة في الحكم. سعيد: الأزمة في إدارة النظام

في المقابل، يرى النائب السابق فارس سعيد، أن ما يحتاجه لبنان لكي يخرج من الورطة السياسية والاقتصادية التي يغرق فيها، لا يتعلّق بعقد سياسي جديد، ولا بطرح بديل عن اتفاق الطائف، بل برفع الوصاية الإيرانية عن لبنان من خلال الدستور وتمثيل وثيقة الاتفاق الوطني والقرارات الشرعية الدولية.

وإذ يعترف سعيد، بأن ثمّة أموراً كثيرة بحاجة إلى تنظيم، إلّا أن هذا التنظيم برأيه، لا يجب أن يكون على حساب الدستور، خصوصاً وأن لدينا مرجعية اسمها وثيقة الوفاق الوطني، ولكن، طالما أن البلد تحت "الإحتلال الإيراني" ووصاية سلاح حزب الله، فلن تكون استقامة لبناء الدولة. ولذلك على الجميع أن يعلم، بأن الأزمة ليست أزمة دستور ولا أزمة نظام، إنما هي أزمة إدارة نظام ودستور.

مرجع دستوري: هكذا ضُرب الكيان

مرجع دستوري وقانوني، يُشير إلى انه مع اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، غابت المرجعية داخل لبنان، بعد أن حظي اتفاق الطائف بشرعية دولية ومتابعة إقليمية، لم يعد أحد يلتفت إلى

[caption id="attachment_85487" align="alignleft" width="427"] نواب لبنان في الطائف برعاية سعودية ينتجون "اتفاق الطائف".. فهل حان زمن البديل؟[/caption]

حلّ الخلافات المترتّبة بشأن تفسير العديد من المواد الدستورية التي أضيفت إليه، كآلية تشكيل الحكومات، وفرض مفاهيم جديدة، مثل الثلث المعطّل أو الرئيس القوي وحقوق المكوّنات وغيرها من المفاهيم المستحدثة من قبل السلطة لحماية وجودها، والالتفاف على اتفاق الطائف الذي أسقط النموذج الاقتصادي المالي اللبناني الذي كان سائداً قبل الحرب، والقائم على المبادرة الفردية واقتصاد السوق، فحلّ محلّه نموذج اقتصاد ريعي يقوم على نهب مقدّرات الدولة عبر المحاصصة الطائفية والمذهبية، واستبعاد البند المتعلّق بقانون الانتخاب النيابي، واعتماد المحافظة دائرة انتخابية من قبل الطبقة السياسية، خشية زوالها والإطاحة بها، واستبدال ممثّلين حقيقيين للبنانيين بها.

 ويُضيف المرجع: بذلك، أسهم التطبيق الناقص لاتفاق الطائف في تعزيز مفهوم الانقسام بدل الوحدة الوطنية. وقد أدّى تدهور الوضع الاقتصادي إلى إفقار المواطن اللبناني وتفشّي البطالة، في الوقت الذي تضخّمت ثروات بعض الأشخاص المتنفعين على حسابه وحساب الدولة اللبنانية، وأصيبت السلطة التنفيذية والسياسة الاقتصادية بشللٍ كبير، عندما تحوّل النظام الطائفي من نظام الهيمنة إلى نظام المحاصصة، وجعل الفساد جزءاً من الحوكمة في النظام، فالتوزيع يتم على الأساس المذهبي في مفاصل الدولة ومؤسّساتها العامة، وهو ما عمّق إعادة التوزيع الطائفي الذي استبدل به التوزيع الطبقي.