تفاصيل الخبر

لبنان بحاجة إلى بعض ”الترامبية“في مسألة النازحين!

22/06/2018
لبنان بحاجة إلى بعض ”الترامبية“في مسألة النازحين!

لبنان بحاجة إلى بعض ”الترامبية“في مسألة النازحين!

 

بقلم خالد عوض

trump

المسائل التي يركز عليها الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> هذه الأيام هي أمور تهم معظم دول العالم: عجز الميزان التجاري وتأثيره المباشر على الدورة الاقتصادية وفرص العمل، دور الصين في الاقتصاد العالمي أو في ما أصبح يسمى النظام العالمي الجديد الذي لم يعد يقوم على الولايات المتحدة وحدها، كيفية التعامل مع مسألة اللجوء والنزوح والهجرة غير الشرعية، ضبط التسيب على الحدود والتهريب الناتج عن ذلك، كل هذه المسائل هي نفسها اليوم ما يقلق عدة دول في العالم وليس فقط الأميركيين. قد يكون الرئيس الأميركي خارجا عن كل الآداب السياسية واللياقات المتعارف عليها ولكنه يتصدى لأمور لا يمكن التعامل معها باللون الرمادي. هي قضايا حيوية تقتضي الحسم فيها حتى لو كان الظاهر على المدى القصير هو ظروف غير إنسانية تطال البعض. الصورة الأكبر هي مفاعيل التساهل على المدى المتوسط والطويل في مسائل جوهرية مثل قضية التعامل مع النازحين وتأثيرها حياتيا واقتصاديا وحتى إنسانيا على مجتمع البلد المضيف وعلى شعب بكامله.

من الطبيعي أن تغضب المشاهد من الحدود الأميركية - المكسيكية والتي تظهر أطفالاً تفرقوا عن أهلهم ووضعوا في ما يشبه الأقفاص أي مدافع عن أبسط حقوق الإنسان، ولكن بالنسبة للرئيس الأميركي اللوم يجب أن يكون أولاً على الأهل الذين يدخلون أطفالهم بطريقة غير شرعية عبر الحدود ويضحون بهم من أجل البقاء في الولايات المتحدة. الكثيرون يتهمون <ترامب> بأنه عنصري وفاقد الإنسانية، ربما في ذلك الكثير من الحقيقة ولكن جواب الرئيس الأميركي على كل الإتهامات هذه هو أن الإنسانية التي يطالبه بها منتقدوه تعني التغاضي عن نصف مليون مهاجر غير شرعي دخلوا إلى البلاد منذ ٢٠١٤ ولا أحد يعرف أين هم وماذا يفعلون. كلفة هؤلاء على دافعي الضرائب من الأميركيين باهظة جدا ماليا وحتى إنسانيا وإجتماعيا خاصة أن الكثيرين منهم خارجون عن القانون. الاقتصاد الأميركي يتكلف مئات ملايين الدولارات سنويا من جراء التسيب في تطبيق قوانين الهجرة بسبب الإعتبارات <الإنسانية>، ونتيجة <أنسنة> النزوح غير الشرعي هي تهديد مستقبل مئات آلاف الناس من أهل البلد ناهيك عن الخطر الأمني الذي يشكله بعض هؤلاء اللاجئين بالإضافة إلى تمييع الهوية الوطنية.

يمكن انتقاد جبران باسيل في السياسة والأداء الحكومي إلى ما لا نهاية ويمكن رمي شتى أنواع الاتهامات عليه، وبالنظر إلى ادائه الوزاري السابق فـ<جسمه لبيس>، ولكنه في مسألة التعامل مع النازحين السوريين على حق في الشكل وفي الجوهر. المجتمع الدولي، رغم عدم إعلانه ذلك، يعتبر أن النازحين الموجودين في لبنان سيبقون فيه إلى ما لا نهاية ومسألة توطينهم هي مسألة وقت ومرتبطة بتوافر الظروف السياسية الملائمة لذلك. كل bassilمقاربات المؤسسات الدولية لمسألة النزوح تدل على ذلك وما نسمعه في الدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة يؤكده. المعارضة الحقيقية الوحيدة لهذا التوجه الدولي المبطن يقودها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، وبغض النظر عن الدوافع الطائفية وعن الأهداف السياسية الداخلية التي يمكن أن يحققها رئيس <تكتل لبنان القوي> من خلال معارضته الشرسة لتوجهات المجتمع الدولي ومؤسساته الإنسانية العاملة في لبنان، لا يمكن إلا الاعتراف بأن لبنان هو بحاجة إلى موقف متشدد مثل موقف باسيل، ومن دون هكذا تشدد على الطريقة <الترامبية> سيخسر لبنان كل شيء، بدءا من الاقتصاد وصولا إلى الهوية الوطنية. إتهام باسيل بالعنصرية وعدم الإنسانية عبثي وسيؤدي إلى إغراق لبنان في بحر النازحين إلى الأبد. ليس هذا في مصلحة اللبنانيين ولا حتى النازحين أنفسهم.

لا توافق اليوم على وصول جبران باسيل إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد أربع سنوات ونيف، ومن الصعب أن يتمكن وزير الخارجية من نسج التحالفات التي تصل به إلى الموقع الرئاسي الأول لأسباب كثيرة منها شخصيته المستفزة للكثيرين، ولا يكفي أن يعتبر نفسه الأقوى مسيحيا حتى يدّعي الحق بالرئاسة الأولى سنة ٢٠٢٢، فنظرية الرئيس القوي لن تعيش كثيراً في ظل تعثر العهد على أكثر من صعيد. المعيار الجديد سيكون الأقوى وطنياً وليس في طائفته فحسب، وحتى يحصل باسيل على إجماع وطني لا بد أن يسعى من خلال نفوذه في هذا العهد إلى قيادة جبهة حقيقية لمحاربة الفساد تعطيه الصدقية السياسية الوطنية التي لا زال يفتقدها اليوم رغم شعبيته مسيحياً. وفي ظل توجه واضح لحزب الله للتصدي للفساد واستعداده للتعاون مع الجميع بما فيهم القوات اللبنانية من أجل ذلك، يمكن للوزير باسيل أن يغتنم اللحظة ويقترح إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على نسق <سنغافورة> و<هونغ كونغ> ويعمل على اعطائها صلاحيات استثنائية خاصة في تطبيق قانون <من أين لك هذا؟>. منذ إنشاء هذه الهيئة عام ١٩٦٠ في <سنغافورة> وعام ١٩٧٤في <هونغ كونغ> تغير اتجاه الاقتصاد فيهما وأصبحتا من أهم مناطق النمو في آسيا. إنشاء هكذا هيئة في لبنان هو الطريقة الوحيدة لإقناع اللبنانيين أن بعض الأطراف السياسية التي أعلنت الحرب على الفساد قبل الإنتخابات لم تكن تستخدم هذا الشعار فقط من أجل كسب بعض الآلاف من الأصوات.

كما أن تبني باسيل لتلك الهيئة منذ البداية ودعم انطلاقتها وتحصينها من التدخلات السياسية ستعطي الوزير المشاكس، الذي يحارب اليوم بكل جرأة وجدارة في مسألة النازحين، الغطاء الوطني الذي هو بحاجة إليه.