تفاصيل الخبر

لبـــنان أمـــام مواجهتيـــن ديبلوماسيـــة وعسكريــــة بعــد معـــاودة اسرائيـــل بنـــاء الجـــدار على الحـــــدود!

17/01/2019
لبـــنان أمـــام مواجهتيـــن ديبلوماسيـــة وعسكريــــة  بعــد معـــاودة اسرائيـــل بنـــاء الجـــدار على الحـــــدود!

لبـــنان أمـــام مواجهتيـــن ديبلوماسيـــة وعسكريــــة بعــد معـــاودة اسرائيـــل بنـــاء الجـــدار على الحـــــدود!

  

لماذا عاودت اسرائيل بناء الجدار الفاصل على الحدود الجنوبية وتجاوزت النقاط المتنازع عليها مع لبنان قبالة مستعمرة <مسكفعام> وأية أهداف تسعى اليها بعدما كانت قد وعدت القيادة الدولية بعدم الاقتراب من النقاط المتنازع عليها الى حين الوصول الى تفاهم مع لبنان حولها؟

هذا السؤال الذي يحمل في طياته فرضيات عدة، دفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى دعوة المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع استثنائي الأسبوع الماضي، بعدما وردت معلومات الى المراجع  العسكرية والاستخباراتية تفيد بأن اسرائيل استأنفت بناء الجدار متجاوزة تعهداتها بأن يقتصر نشاطها <العمراني> على حدود الأرض التي تحتلها فحسب. ولأن هذه المعطيات اشرت الى نوايا عدائية اسرائيلية، فقد كان لا بد من موقف واضح يتخذه لبنان الرسمي ويبلغه الى قيادة الجيش لتحديد كيفية تعاملها مع المستجدات انطلاقاً من قرار سابق للمجلس الأعلى للدفاع اتخذ قبل أشهر وقضى بـ<التصدي> للخروقات الاسرائيلية على طول الحدود الدولية.

ولعلّ ما حرّك المسؤولين اللبنانيين هو الموقف الاسرائيلي الذي اتخذه الوفد العسكري خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد خلال اليوم نفسه في مقر القوات الدولية في الناقورة حيث أبلغ أعضاء هذا الوفد قائد <اليونيفيل> الجنرال <ستيفانو ديل كول> أن العمل سوف يستمر في هذا الجدار وفي الموقع نفسه قبالة بلدة العديسة اللبنانية بعد توقف فرضه في حينه تهديد لبنان بالرد إذا ما استمر هذا الخرق... في تلك الجلسة اعترض الوفد العسكري اللبناني على استئناف أعمال بناء الجدار مشدداً على وجوب التوقف الفوري، إلا أن الجانب الاسرائيلي تذرّع بقرار حكومته بحماية المدنيين من سكان مستعمرة <مسكفعام> الواقعة قبالة بلدة العديسة اللبنانية لأن هذه المنطقة حساسة جغرافياً، خصوصاً ان المستعمرة مكشوفة بشكل واضح ومباشر على الأراضي اللبنانية والمسافة الفاصلة بينها ليست كبيرة. وزيادة في تجاهل الطلب اللبناني، رفض الوفد الاسرائيلي طلباً بعقد اجتماع في اليوم التالي لمتابعة الاتصالات في هذا الشأن واقترح تأجيل الاجتماع شهراً كاملاً، وهو ما رفضه الجانب اللبناني، لكن الاجتماع كان فضّ من دون تحديد الموعد. وحاول الجنرال <ديل كول> <تطويق> التباين الحاصل في وجهات النظر داعياً الى التمسك بقرار مجلس الأمن الرقم 1701 ومقترحاً ألا يكون هناك أي نشاط مفاجئ بالقرب من <الخط الأزرق> (كما فعل الاسرائيليون) وأن يتم الإبلاغ عنه مسبقاً للإفساح في المجال أمام <اليونيفيل> إبلاغ الطرف الآخر وفقاً للأصول ولوضع ترتيبات أمنية منسقة لمنع وقوع حوادث أو انتهاكات، إلا أن الجانب الاسرائيلي اكتفى بـ<أخذ العلم> بموقف قائد <اليونيفيل> من دون أي تعليق!

 

قصة المفاوضات!

وقالت مصادر وزارية لـ<الأفكار> ان كل هذه المعطيات عُرضت أمام المجلس الأعلى للدفاع بعد العرض الذي قدمه وفد قيادة الجيش عن الوضع المستجد على الحدود، لافتاً الى أن ما وضعه الاسرائيليون من ألواح الاسمنت في النقاط المتنازع عليها يشكل تعدياً يتجاوز نحو عشرة أمتار بعيداً عن السياج التقني الذي يمر على امتداد الطريق ويخرق <الخط الأزرق> الذي لا يعتبره لبنان حدوداً دولية بل خطاً مؤقتاً <رُسم بعد الانسحاب في العام 2000 لاعتماده مؤقتاً لانسحاب الإسرائيليين استناداً الى احداثياته>. وتروي هذه المصادر أن المفاوضات غير المباشرة التي كانت حصلت سابقاً لمعالجة الوضع على الحدود البرية أظهرت حرصاً اسرائيلياً على منطقة (العديسة - <مسكفعام>) لأنها تعتبرها حساسة، وقد تم التوصل في حينه الى عرض يقضي بأن يستعيد لبنان 55 ألف متر مربع في المنطقة المتنازع عليها، على أن تأخذ اسرائيل 37 ألف متر مربع، لكن المفاوضات لم تصل الى خواتيمها بسبب إصرار الجانب الاسرائيلي على إبقاء الوضع على ما هو عليه في النقطة المعروفة بـ<B1> في منطقة الناقورة نظراً لارتباط هذه النقطة بعملية ترسيم الحدود البحرية في وقت لاحق وتحديد الأماكن التي تحمل غازاً ونفطاً في <البلوك> النفطي المتداخل مع المساحة البحرية التي تسيطر عليها اسرائيل. وتشرح المصادر الوزارية أسباب <تساهل> اسرائيل في منطقة (العديسة - <مسكفعام>)، فتقول انه خلال المفاوضات تجاوبت اسرائيل مع طلبات لبنان بالانسحاب من مساحات عدة من الأراضي في النقاط الاخرى المتنازع عليها لاسيما التي لا سكان فيها أو قبالتها، وهذا <التنازل> كان هدفه تعزيز وضعها لحماية مستعمرة <مسكفعام> الاسرائيلية لأنها منطقة مسكونة ويتمسك الاسرائيليون بضرورة المحافظة عليها، وهو <التنازل> نفسه الذي قدمه الاسرائيليون عندما سمحوا لوفد عسكري لبناني ووفد عسكري من <اليونيفيل> بالدخول الى منطقة <B1> في الناقورة بعد انسحاب الاسرائيليين مؤقتاً منها في 4 آذار/ مارس الماضي حيث تبين بعد الكشف الميداني ان اسرائيل تتجاوز في هذه المنطقة الحدود الدولية و<الخط الأزرق> على حد سواء لاسيما وان علامة الـ<B1> واضحة على الجلف الصخري الذي يقع داخل الاراضي اللبنانية، كما واكتشف الوفدان اللبناني والدولي مجموعة من الحجارة مرصوفة منذ يوم تمّ ترسيم الحدود الدولية قبل الاجتياحات الاسرائيلية.

 

لا اعتراف اسرائيلياً بخط الهدنة!

وتضيف المصادر الوزارية ان اسرائيل ترفض الاعتراف بخط الهدنة العام 1948 لأنها تعتبر أن لبنان شارك في الحرب ضدها بعد قصف الطيران اللبناني في حينه مراكز اسرائيلية بواسطة سرب من طائرات <هوكر هنتر> التي كان سلاح الجو اللبناني يملكها، وبالتالي فإن لبنان - وفق وجهة النظر الاسرائيلية - لم يقف على الحياد بل كان طرفاً في الحرب، لذلك تظهر اسرائيل تعنتاً شديداً خلال البحث في موضوع ترسيم الحدود وفق خطوط الهدنة، وهو ما يعرقل المفاوضات ويبقي على التباين في وجهات النظر بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي.

ووفق المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> فإن الموقف اللبناني حيال الاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة راوح بين خيارات محدودة، منها تكليف الجيش الرد بالنار على عملية البناء داخل النقاط المتنازع عليها مع ما يعني ذلك من مضاعفات ميدانية وعسكرية، أو التحرك ديبلوماسياً مع الأمم المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن لمنع اسرائيل من استكمال بناء الجدار في الأماكن المتحفظ عليها، علماً أن ثمة من اعتبر أن التعاطف الدولي مع لبنان سوف يكون أقل اندفاعاً نتيجة ردود الفعل التي ظهرت على أثر اكتشاف وجود أنفاق بين الأراضي اللبنانية والاراضي المحتلة عملت اسرائيل على تدميرها مؤخراً. وفي رأي أحد المشاركين في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى ان اسرائيل <جيّشت> ديبلوماسيتها وقدراتها الإعلامية في الخارج بعد انكشاف قضية الأنفاق من أجل <تبرير> أي عمل عدواني يمكن أن تقوم به ضد لبنان.

وأشارت المصادر الوزارية أن النقاش الذي طال خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع حول طريقة الرد اللبناني استقرّ على أن تكون الخيارات متناغمة بحيث يبقى الجيش على جهوزية للرد عندما تفشل المساعي الديبلوماسية عن ردع الاسرائيليين، على أن يترك لقيادة الجيش أمر تقدير طريقة الرد ونوعيته وتوقيته، وبالتزامن يتحرّك لبنان ديبلوماسياً لإبداء الاستعداد لإعادة تحريك ملف المفاوضات لترسيم الحدود على ألا يكون ذلك الترسيم مشروطاً بأن يشمل الحدود البرية والبحرية لأن هذا الشرط أدى في الماضي الى توقف المفاوضات وأفقد لبنان القدرة على استرجاع مساحات من أراضيه لا تزال تحت سيطرة الاسرائيليين، لكن المصادر ذكرت أن مسألة فصل التفاوض على الحدود البرية عن التفاوض على الحدود البحرية قد تبقي مادة خلافية على الصعيد الداخلي لاسيما وان الرئيس نبيه بري سبق أن دعا وعمل من اجل إبقاء التلازم بين الحدود البرية والبحرية في آن. وعلى رغم عدم اقتناع معظم الحاضرين في الاجتماع - حسب المصادر الوزارية نفسها - فإن المجلس الأعلى للدفاع طلب الى وزارة الخارجية تقديم شكوى الى مجلس الأمن بالخروقات الأخيرة وذلك لاستنفاد كل الوسائل الديبلوماسية الممكنة، لاسيما وان وزير الخارجية جبران باسيل اعتبر أن الأمم المتحدة تتحمّل من خلال قوات <اليونيفيل> مسؤولية المحافظة على الاستقرار على الحدود من خلال الولاية المعطاة لها من قبل مجلس الامن في قراره الرقم 1701.

والى أن يتضح مصير الخيارات المتنوعة أمام لبنان استناداً الى ما ستكون عليه مواقف اسرائيل ومدى تجاوبها مع الاتصالات الدولية التي بدأت لإعادة الاستقرار الى المنطقة ووقف التعدي على النقاط المتنازع عليها، فإن ثمة مراجع مطلعة تقول إن التأزم سيستمر على الحدود وإن بأشكال مختلفة الى حين يتجدد التفاوض حول الحدود البرية بمعزل عن الحدود البحرية التي لها في المفهوم الاسرائيلي حسابات اخرى. لكن القرار اللبناني بالتفاوض على الحدود البرية يحتاج بدوره الى توافق في ظل رفض بعض الأفرقاء الفصل بين المفاوضات على نحو يجعل انطلاقها من جديد أمراً غير متيسر ، خاصة إذا ظلت الحسابات اللبنانية ضيقة ولم تتعاط مع الواقع الذي يؤدي تجاهل وجوده الى إبقاء الأمور على حالها، فالإصرار على رفض التفاوض البري وربطه بالبحري لن يعيد الاراضي اللبنانية المتنازع عليها ولن يمنع اسرائيل من المضي في عدوانها، ومواجهته بالنار قد تنقل الأوضاع من حالة الاستقرار الحذر الى التفجّر الواسع الذي قد يكون من السهل معرفة كيف يبدأ لكن لن يكون في مقدور أحد أن يعرف كيف ينتهي ومتى!