تفاصيل الخبر

لـبـــنـان الـجـديـــد بـيـــن واشـنـطـــن ومـوسـكــــــو!

14/09/2017
لـبـــنـان الـجـديـــد بـيـــن واشـنـطـــن ومـوسـكــــــو!

لـبـــنـان الـجـديـــد بـيـــن واشـنـطـــن ومـوسـكــــــو!

 

بقلم وليد عوض

عون-السفير-الاميركي

ذهب شهداء الجيش العشرة الى العالم الآخر، ولكل منهم ظل في كل بيت، ومكان في كل محفل. وأسماؤهم ابراهيم سمير مغيط، وعلي زيد المصري، ومصطف علي وهبي، ومحمد علي خضر، ومحمد حسين يوسف، ومحمد علي خضر، وحسين محمود محمود عمار، وعلي يوسف الحاج حسن، وعباس علي مدلج، ويحيى محمد علي خضر، كل واحد من هؤلاء الشهداء العشرة أخذ حصته من التكريم والتبجيل، والعميد شامل روكز أوفى الشهيد علي الحاج حسن حقه، وكان لسان حال الجيش بكل فئاته، وكل مذاهبه وانتماءاته. واستحق الصورة التي جرى توديعه بها، وحفظ ذكراه، والتعاطي مع اسمه كواحد من الخالدين.

وأهم ما في وداع الجنود الشهداء العشرة انه لم يكن وداعاً بل كان خلية عائلية واحدة، وكل بيت في لبنان كان منكوباً وموضع فخار في آن، وكل مدرسة في لبنان صارت موصولة بذكرى الشهداء العشرة. وقد تحمل الرئيس تمام سلام حملة غير معلنة من الرئيس ميشال عون حين اعتبر مجلس الوزراء السابق بشخص الرئيس تمام سلام، وحضور العماد جان قهوجي، مسؤولاً عن الصمت الذي لازم خطف العسكريين العشرة، والأوساط القضائية تردد ان حكومة سلام تحملت كل جريرة عائدة الى خطف الجنود العشرة.

كان على مجلس الوزراء برئاسة تمام سلام أن يكشر عن أنيابه، لا عن أكمامه ويعلن حقيقة الضغوط السياسية التي كانت تستهدفه حتى لا يقسو عليه التاريخ، ولا يتجرأ عليه بيان رئيس الجمهورية.

فكل ما تستطيع حكومة سعد الحريري الآن أن تفعله في صيد المتهمين بخطف وتعذيب وقتل الجنود العشرة هو مطاردة مساجين سابقين في سجن رومية واستقصاء أسمائهم وإحالتهم على المحاكمة. كما ان الشبهات تدور حول المسمى مصطفى الحجيري الشهير بأبي طاقية في عرسال، فلربما كانت تحت طاقيته أسرار من خفايا المأساة التي تمتد خيوطها الى عام 2014، وينقلون فيها المخطوفين من مكان الى مكان.

في تلك التنقلات في رؤوس الجبال، أو الخيم المغلقة، كانت المعاناة الحقيقية للجنود العشرة المخطوفين. فلا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا الصبابة إلا من يعانيها، ولم تكن هناك معاناة قدر الذي عاشه الجنود العشرة المخطوفون. وكلما حاول أحدهم أن يستقصي المستقبل، كان الجواب كجوائز الترضية، يحمل معاني الاطمئنان. والوسطاء ومنهم أبو طاقية كانوا يبعثون رسائل التهدئة، ويقولون إن كل أمر في موضوع المخطوفين مرجعه المفاوضات. وقد سلم الخاطفون للوسطاء لوائح بأسماء المطلوب تحريرهم، وبالمقابل لم يكن الوسطاء عاطلين عن العمل، وكان أكثرهم مهتماً بالاصلاحات الخشبية.

كان كل واحد منهم يريد أن يعرف أين ينتهي به المقام. فلغة الخرائط تقول ان هناك على سبيل المثال ثلاث مناطق ريفية كل منها يحمل اسم القلمون، منها اثنتان في سوريا، وواحدة في لبنان. وكان التركيز بالخروج من عباءة الواقع مرة، ومرة بالخروج من الحلبة مرة واحدة، وما كان أقسى الوضع عند الذين يتابعون المشهد بمسامعهم وبشفاه الآخرين.

مسافات بالجملة، ولكن المسافة الأبرز هي التي كانت تفصل بين المسلح المتمرد في تنظيم <داعش> وبين رئيس المجموعة، أو التابع للمجموعة، وكان الوتر المتأثر بكل حادث يجري هو مجلس الوزراء.

كان كل وزير في حكومة الثلاثين يشعر بأنه هو المستهدف، وان عيون الناس منصبة عليه، ومشدودة إليه، وهو يملك الوتر ولا يملك العزف عليه.

وأهل السياسة في حالة مواجهة تاريخية. فهم يفكرون في مرحلة ما بعد سوريا. فقد تنطفئ النيران في دير الزور وادلب والرقة، وتبدأ مرحلة إعادة بناء سوريا، شركات أجنبية بالجملة تحضّر أوراقها، واعتماداتها المالية، لتكون الرافعة الاقتصادية في سوريا: طائرات ذات الخدمة السريعة وبواخر سريعة الابحار وقطع المسافات، ومعدات حفر واختراق، واتفاقيات اقتصادية مع شركات أجنبية ولاسيما الشركات الغذائية ووكالات الحبوب.

وأفضل منطلق لهذه الورش الاصلاحية والغذائية، هو مرفأ طرابلس المنطقة الأقرب الى المجال السوري، والمجال العراقي. وهناك الآن شركات تجري تنشئتها، ورجال أعمال يجتمعون لعقد الصفقات.

أهلاً بالمعارضة

ويبقى الجانب السياسي الذي يملك المدى.

فالرئيس ميشال عون الذي أقسم اليمين ضد الفساد والرشوة والمحسوبية، وتمرس بواجباته الرئاسية على هذا الأساس، يحسب حساباً للحلفاء، ولا يضايقه أن يشهر النائب سامي الجميّل سيف المعارضة، ولا كذلك نائب الشوف دوري شمعون، ولا مداخلات وزير التربية مروان حمادة كحركة تصحيحية، بل المهم أن يحافظ ميشال عون على المبادئ، التي انطلق منها للوصول الى قصر بعبدا، وأولها الحلف بينه وبين حزب القوات اللبنانية برئاسة الدكتور سمير جعجع، وحزب <المستقبل> برئاسة الرئيس سعد الحريري. والى هذا التحالف ينضم بين وقت وآخر الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط. ولا يسلم هذا التحالف من تقريع، وحملات، كالتي تستهدف الرئيس سعد الحريري الذي لمع نجمه مع الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري، كل منهم أبرق نجمه مع قائد الجيش العماد جوزف عون، وأصبح في حجم وطن. وأمام التحدي الكبير بانتخابات نيابية في أيار (مايو) المقبل، لا يتساهل الرئيس نبيه بري في الموضوع، ويرفض تأجيل الانتخابات ولو ليوم واحد، والنهضة اللبنانية ينبغي أن تسير على وتيرة واحدة، وكذلك لا مناص من إجراء الانتخابات الفرعية. وهي الانتخابات التي تمثل امتحاناً مسبقاً للانتخابات العامة وإن كان هناك من يسد الطريق في وجهها.

ففي طرابلس هناك المقعد العلوي الذي شغر بوفاة النائب بدر ونوس ومقعد النائب الارثوذكسي المستقيل روبير فاضل. وفي كسروان هناك مقعد الرئيس ميشال عون الماروني. والقرار العالي يستبعد إجراء الانتخابات الفرعية، حتى لا تضيع التصورات والحسابات وإن كانت كسروان ترجح كفة العميد شامل روكز صهر الرئيس عون، وصاحب الخطاب المتميز في وداع العسكريين العشرة يوم الجمعة الماضي، ومعه كان الجو الذي نشره الرئيسان سعد الحريري وتمام سلام ضد التفرقة بين سنة وشيعة، وهذان العنصران هما لبنان الجامع المنيع ضد أي اختراق.

وكان واضحاً ان الحملة تستهدف طائفة السنة، بدليل انها جمعت بين الرئيس الحريري والرئيس تمام سلام الذي استكشفوا له تهمة التراخي مع الوضع الأمني خلال تمرسه برئاسة مجلس الوزراء عام 2016، في حين انه استجمع كل فرص التلاقي بين الطوائف ضد شرور <داعش>. وحسناً فعل وزير الداخلية نهاد المشنوق حين قال في عشاء تكريمي أقامه له أحد رجال الأعمال في بيروت: <إن دولة رئيس مجلس الوزراء هو الناطق الرسمي باسم الحكومة لا ينتظر دروساً من أحد> شارحاً اعتراضه على كلام لا يحتمل لا في السياسة ولا في المنطق ولا في العقل ولا في الأخلاق، وأقل ما يقاله فيه انه كلام بلا أخلاق سياسية.

hariri-medvedev 

انفتاح على العالم

وسعد الحريري يتجاوز موقعه كرئيس وزارة الى أدوار اقليمية وعالمية. فهو حين يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، يوظف صداقته للاثنين في دعم الرئيس تمام سلام، وحين تأتيه البركات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يرسم سنداً لتمام سلام ولنواب بيروت وطرابلس، وحين يدخل في كواليس هيئة الأمم إنما يوفر الدعم الدولي لبيروت ولبنان، وحين يزور موسكو وقصر <الكرملين> يفتح نوافذ بالجملة للبنان، ولبيروت بالذات على المستوى الاقتصادي، لأن الاقتصاد الروسي خزان اقتصادي عالمي، وأسواق موسكو وبترسبورغ والمدن الروسية الأخرى باب نجاة للانتاج اللبناني.

ولا ننسى الدور الثقافي للمركز الثقافي الروسي الذي يحتضن الابداع الروسي، كلاماً وألحاناً وموسيقى، ويفتح أبواب التفاعل مع الثقافة اللبنانية حتى صار المركز جزءاً لا يتجزأ من الصداقة الروسية ــ اللبنانية.

ويعــــود الــــرئيس الحريــــري من موسكــــو هـــــذا الأسبوع ليسافر الرئيس ميشال عون الى نيويورك، ويخطب أمـــــام العــــالم شارحــــاً الـــــدور الذي مارسه لبنان ضد الارهاب بقهره تنظيم <داعش>، واعتبار لبنان أول دولة في العالم تقفل أبواب <داعش> وتفتت خلاياه بدءاً من الحدود اللبنانية ــ السورية الشمالية، كما من حق لبنان ــ بلسان الرئيس عون ــ أن يتساءل عن دور العالم في إطفاء بؤرة النزوح السوري ورسم الحلول المطلوبة لإرجاع النازحين الى معاقلهم الأصلية.

ومع حلف الحريري ــ تمام سلام تختار بيروت رجليها الموصولين برحم السلام، والاعتدال، والتصدي للتطرف. وما انتخابات العاصمة في أيار (مايو) المقبل إلا ساحة الوفاء للرجلين معاً، ولبيروت بالجملة والتفصيل.

وبيروت بشجرة رجالها وفرسانها معقل وطني ضد التمرد والارهاب.