أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري تحذيراً في الأسبوع الماضي دعا فيه للإسراع في البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر، كاشفاً ان اسرائيل التي بدأت بالإنتاج النفطي وعقدت معاهدات مع الأردن ومصر لتزويدهما بالغاز، تسرق النفط اللبناني... فماذا سيفعل لبنان وهل سيبقى أسير التجاذبات السياسية وأهله ينامون نوم أهل الكهف وثروتهم النفطية تضيع في قعر البحر وهي الكفيلة بتجفيف دينهم العام الذي قارب الستين مليار دولار؟
<الأفكار> استضافت في مكاتبها رئيس لجنة الطاقة والأشغال النيابية النائب محمد قباني وحاورته في هذا الملف لاسيما وأنه جال على رأس لجنة الطاقة على كل من الرئيسين نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام وعرض الواقع النفطي والسبل الآيلة للإسراع في التنقيب عن النفط.
وسألناه بداية:
ــ نسألك عن الانتصار الذي حققه لبنان في الأمم المتحدة مؤخراً لجهة تغريم اسرائيل بدفع تعويضات مالية عما أصاب مياهنا الإقليمية من تلوّث بسبب ضرب اسرائيل منشآت الجية النفطية، وهل هذا الأمر ممكن أم مجرد شعر لا يقدم ولا يؤخر؟
- هذا قرار ملزم لحكومة العدو الإسرائيلي بدفع 486 مليون دولار أميركي، وهو ليس شعراً، بل يجب على حكومة العدو أن تنفّذه لأنه صادر من أعلى مرجعية دولية، والأمم المتحدة تقول الحق ولا تعتدي على أحد ولم تظلم العدو، بل بالعكس فكل الناس يعرفون أن عدوان اسرائيل عام 2006 تسبب بانتشار بقعة نفطية في البحر عندما قصف طيرانها منشآت الجية النفطية وسببت أضراراً كبيرة في الشاطئ اللبناني والحياة الحيوانية والنباتية البحرية، وبالتالي هذا حق للبنان، وعلى دولة العدو أن تنفذ هذا القرار تطبيقاً لقولها إنها تحترم الشرعية الدولية.
ــ ماذا لو لم تدفع؟
- معناه أنها دولة مارقة وهي دولة مارقة فعلاً.
ــ هل إذا دفعت نستلم منها المال أم عن طريق طرف ثالث؟
- حقنا بالتعويضات لا يعني الاعتراف بإسرائيل، فهذا قرار دولي والأموال إذا دفعتها اسرائيل تتم بموجب قرار من الأمم المتحدة ونستلمها عبرها. ويستطيع مجلس الأمن اتخاذ القرارات التي يريدها إذا شاء وليس هذا معناه أن كل قرار سينفذ، وان هناك قرارات عديدة لم تنفذ بدءاً من القرار 242 و338 و425 وغيرها من القرارات.
وتابع يقول:
- حتى لو لم يدفع العدو فهذا كسب معنوي كبير للبنان، علماً أن التلوّث هو أحد الأضرار، لكن ماذا عن أضرار البحر وقصف إسرائيل للبنى التحتية من جسور ومطارات ومحطات كهرباء؟
ــ يقال إن مندوبة الأردن في مجلس الأمن دينا قعوار كان لها دور فاعل. فهل هذا صحيح؟
- هذا ممكن، وهذا واجب على كل العرب أن يتضامنوا مع لبنان. وفي اعتقادي اذا قامت مندوبة الأردن بهذا الواجب، فنحن نثني عليها ونقول إنها قامت بواجبها.
التكامل من أجل النفط
ــ نأتي الى النفط ونسألك عن هذا الملف ومن يعرقله حتى ان الرئيس نبيه بري يقول إن هناك مؤامرة لمنعنا من استخراج نفطنا، وهل اسرائيل تسرق الغاز من بحرنا؟
- لبنان أخطأ عندما أبطأ في حركة العمل للتفتيش عن الغاز والنفط. لقد كنا متساوين قبل 5 سنوات مع قبرص ومع العدو الاسرائيلي، الآن سبقنا العدو وسبقتنا قبرص وتم إنشاء منصات منها ما هو قريب جداً من الحدود اللبنانية..
ــ من يتحمّل المسؤولية؟
- لا أريد هنا تحميل المسؤولية لأحد، فهذا ليس الوقت الملائم لإجراء المحاكمات. بصراحة وصدق، لو كنت أعتقد أن هناك فائدة من فتح الملفات لفتحتها، لكنني أعتقد أننا أمام مرحلة يجب أن نلتقي فيها جميعاً كقوى سياسية وكسلطات من أجل تفعيل ملف النفط والغاز، وعندما زرنا الرئيس تمام سلام الأسبوع الماضي كلجنة طاقة ومياه نيابية، ورأى أنها تضم كل القوى السياسية ابتسم وقال: <إن شاء الله فأل خير، وأرى أن الوفاق الوطني قد تحقق في هذا الوفد>. فأجبته: <نعم دولة الرئيس.. فيجب أن نتفق جميعاً حول موضوع النفط والغاز ويجب أن نتكامل كسلطتين تشريعية وتنفيذية، لا أن نتنافس، لأن الموضوع مهم جداً وينتج الخير للبنان ولكل اللبنانيين على المدى الطويل.
ــ هل هناك تقدير لحجم كميات النفط والغاز؟
- هناك تقديرات، لكن لا أحد يستطيع أن يكون دقيقاً لسببين أساسيين: الأول، هو ان الثروة النفطية تبقى مجهولة الى أن نبدأ باكتشافها، ولا أحد بالتالي يستطيع القول إننا مئة في المئة نملك ثروة نفطية في بحرنا... طبعاً هذا موقف مثالي نتيجة التجارب العالمية، لأن أغلب الدول النفطية تحفر آباراً أحياناً ولا تحصل على نتائج، وهناك شبه قاعدة تقول <إن هناك بئراً يكون النفط فيه من بين ثلاث آبار تحفر فقط>، وبالتالي فالتوقعات لا أحد يستطيع الحسم فيها. والسبب الآخر، هو أن سعر النفط تدنى كثيراً بعدما شاهدنا الصعود الصاروخي للأسعار في مرحلتين: مرحلة السبعينات بعد الحظر الذي وضعه المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز، ثم عادت في السنوات الأخيرة لترتفع ارتفاعاً كبيراً ووصل سعر البرميل الى أكثر من مئة دولار.
وأضاف:
- ونحن الآن نجد أن سعر البرميل أقل من 60 دولار. والخبراء يقولون إن هذا الأمر لن يستمر طويلاً وانه بعد أشهر سنشهد صعوداً جديداً للأسعار، لكن لن تصل الى حدود المئة دولار للبرميل. لذلك أمام هذا الفارق في أسعار النفط زمنياً، لا أحد يستطيع أن يعطي رقماً لثروتنا النفطية، لكن حتماً هي ثروة بعشرات المليارات من الدولارات وتستطيع أن تنقذ لبنان من مديونيته وأن تحقق الازدهار للأجيال المقبلة من اللبنانيين.
ــ حسب خريطة الطريق التي طرحها الرئيس بري وحملتها لجنة الطاقة والاشغال، ما هو المطلوب الآن؟
- البدء بعدة خطوات متوازنة الى حدٍ ما. أولاً: إقرار مشروع مرسوم تقسيم المياه اللبنانية الى رقع، وإقرار مرسوم اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. وإقرار قانون الضرائب البترولية. ثانياً: دراسة إمكانية فتح دورة تأهيل مسبق لشركات مع الاحتفاظ بنتائج 2013، القيام بحملات ترويجية لصناعة <Upstream>، استكشاف وإنتاج في آسيا وأوروبا وأميركا ودول الخليج، حملات ترويجية لصناعات الخدمات البترولية وتحفيز المستثمر اللبناني لدخول معترك هذه الخدمات. ثالثاً، استكمال هيكلة الهيئة وبناء قدراتها، لاسيما إدارة المعلومات، مركز الإدارة الرشيدة للمكامن، بناء قدرات المؤسسات الحكومية المعنية. تطوير قطاعي التعليم المهني والجامعي لتوفير يد عاملة محلية كفوءة، تحديد قطاع الخدمات البترولية من تحديد مواقع قواعد الخدمات الى القيام بالدراسات البيئية والى تطوير المنشآت البحرية، تحديد مبدئي لمواقع منشآت <Upstream> على الساحل اللبناني، وتحديد مبدئي لأسواق الغاز، وتحديد مبدئي لسبل النقل، وللأنابيب البرية والبحرية، وتعديل قوانين العمل لجعلها أكثر توافقاً مع الاستكشاف والإنتاج البحريين.
واستطرد قائلاً:
- رابعاً، الترويج لصناعات <Downstream> وصناعات البتروكيميائيات، تحديد الصناعات الممكن تطويرها وتقييم المنفعة والمردود، المساهمة في تحديد المناطق الصناعية، توقيع اتفاقيات مبدئية مع منتجي الطاقة والصناعيين اللبنانيين حول التسويق المحلي للغاز. خامساً، العمل مع الجهات اللبنانية المختصة لمعاجلة مسألة الحدود، دراسة التعاون في مجال تبادل المعلومات والتقنية، دراسة التعاون في مواجهة الحوادث والتسريبات النفطية ودراسة التعاون في مجال إدارة المكامن المشتركة. سادساً، استكمال القوانين والمراسيم الخاصة بتطوير القطاع من إنهاء قانون البر ووضع قانون إنشاء وإدارة الصندوق السيادي بالمشاركة مع الوزارات والهيئات المختصة. وسابعاً وأخيراً، تعزيز الشفافية والمسؤولية الاجتماعية.
واستأنف يقول:
- والبداية تكون بإقرار المرسومين الموجودين في مجلس الوزراء وقد عرفنا ان اللجنة الوزارية ستجتمع قريباً لتبدأ نقاشاً حول هذين المرسومين ونأمل ألا يطول النقاش وأن يتم التوافق علماً انه من الطبيعي أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة، ولكن لا يجوز لوجهات النظر ان تمنع الوصول الى تفاهم وإن لم يكن بالإجماع فبالأكثرية على الأقل.
ــ وماذا عن أماكن وجود النفط؟
- في كل الشاطئ اللبناني من الناقورة حتى النهر الكبير، فهذه هي المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تصل مساحتها الى 22 ألف متر مربع وتوقعاتنا تقول إنها تحوي النفط كلها.
ــ وماذا عن المياه الحلوة المستخرجة من البحر، وهل هناك دراسة واهتمام بهذا الملف؟
- نعتقد أن هناك ينابيع عدة حلوة في قلب البحر، وهناك ما يذكرنا ان الاسكندر المقدوني عندما حاصر صور وبقي عاجزاً لفترة طويلة وكان بحاجة لماء عذب لجنوده، استعمل المياه العذبة الموجودة في بحر صور، وبالتالي استطاع كفاية جنوده دون الحاجة الى البحر حيث كان أهالي صور يعتقدون أنه سيعطش هو وجنوده وسيضطر بالتالي الى الابتعاد عن مدينتهم، لكن الاسكندر استطاع استخراج المياه الحلوة من البحر وهذا تفكير عبقري بدون شك، ونعتقد ان هناك أماكن عدة للمياه الحلوة في البحر، لكن أكثرها في المنطقة الواقعة بين شكا وطرابلس وفي صور، وهناك دراسات غير مستوفية التفاصيل، إضافة الى وجود تكليف من مجلس الوزراء للمجلس الوطني للبحوث العلمية لإجراء دراسة للشاطئ اللبناني ككل، كي نستطيع تحديد مواقع وأحجام المياه العذبة.
الإرهاب طارئ
ــ هذا جيد، لكن ما العمل إذا كنا مهددين على مدار الساعة بالإرهاب وباجتياح مناطق لبنانية حدودية لاسيما منطقة عرسال؟
- الحياة يجب أن تستمر، ويجب أن نعمل في كل المجالات الضرورية لشعبنا ومستقبلنا وألا يؤثر فينا أي حدث حتى لو كان طارئاً وكبيراً، فالإرهاب في اعتقادي هو حدث طارئ ولا يمكن أن يكون مستمراً لأن الشعب اللبناني ليس بيئة حاضنة للإرهاب، وهذا الأمر ظهر في عرسال كما في طرابلس، وأملنا أن نصل الى حل سياسي في سوريا لأنه آنذاك كل هذه الظواهر ستتوقف وسيعود الاستقرار الى لبنان عندما يعود الاستقرار الى سوريا.
ــ هل من الممكن أن يعم الاستقرار في سوريا من خلال الحل الذي يطرحه الموفد الدولي <استيفان دي ميستورا> أو عبر المبادرة الروسية؟
- أعتقد أن الحل السياسي هو الحل المرجح، ولا أرى أن بشار الأسد يستطيع أن يفوز ويحقق انتصاراً، لأنه ليس حاكماً إلا لأجزاء صغيرة من سوريا، كما لا أعتقد أن المعارضة تستطيع حسم المعركة لصالحها، ولذلك لا بد من حل سياسي لمرحلة انتقالية. فالحوار لا بد أن يبدأ بدون شروط مسبقة للوصول الى حل لكن القول ان أي حل مع وجود الرئيس الأسد سيقابل برفض من جماعة النظام، وعندما يقولون ان لا حل بدون بشار الأسد فإنهم يدفعون المعارضة لرفض الحل، ولذلك يجب أن يكون هناك مشروع لحل من دون شروط على ألا يكون الرئيس السوري مشاركاً في التفاوض، بل يكون الآخرون من النظام. وهنا أكشف أنني استشرت صديقاً وسألته عن الوضع في سوريا فقال لي هذا الكلام وأكد ان الأسد أضعف من أن ينتصر وأقوى من أن ينهزم، وهذا ما ينطبق على الوضع السوري اليوم، ولذلك فالحل السياسي هو خشبة الخلاص لسوريا.
حوار <المستقبل> وحزب الله
ــ كيف تقارب حوار المستقبل مع حزب الله، وهل تعول عليه؟
- يجب أن نعطي هذا الموضوع حقه دون زيادة أو نقصان، ومن يتوقع ان يحدث انقلاباً في الساحة اللبنانية، فهذا تفاؤل مبالغ فيه، وأن نتوقع أنه سينتهي بصورة فقط فهذا أيضاً تقليل من أهمية الحوار الذي يشمل طرفين أساسيين من المعادلة اللبنانية وهما يمثلان أكثرية السنة والشيعة، لا بل ان حزب الله يمثل امتداداً لإيران، ولذلك فالحوار هو لتبريد الاحتقان وهذا إنجاز مطلوب.
ــ هل سيمتد الحوار الى الرئاسة؟
- هذا الحوار يبدأ بدون شروط مسبقة، ولكن بالنسبة لموضوع الرئاسة فلا تيار <المستقبل> يرفض الكلام فيه ولا حزب الله أيضاً، لكن في اعتقادي لن يتم الاتفاق على أسماء، بل يتم الكلام حول صفات الرئيس المطلوب فقط.
ــ في المقابل هناك حوار منتظر بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. فهل يصل الى نتيجة؟
- هذا الاجتماع هو لطمأنة المسيحيين بأنه لن تنشأ بعد حوار حزب الله و<المستقبل> تحالفات جديدة على غرار التحالف الرباعي عام 2005 الذي يخشاه العماد عون ويتخوف منه، وبالتالي نحن مع كل لقاء، لكن هذا الاجتماع لن يتم سريعاً ولن يصل الى نتائج حاسمة. وأعتقد أن غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ليس متحمساً للدعوة لمثل هذا اللقاء، وبالتالي هذا الحوار لن يؤدي الى تسريع انتخاب الرئاسة والاتفاق على رئيس.
ــ وماذا لو اتفقا؟
- هذا الأمر شبه مستحيل.. ليس من المعقول ولا ندخل باب العجائب..
ــ لماذا يجتمعان إذاً؟
- من أجل الصورة فقط ولطمأنة الرأي العام المسيحي لا أكثر ولا أقل وللقول إن الموارنة يجلسون مع بعضهم البعض مثلما يجلس السنة والشيعة مع بعضهم البعض، وهذا أمر إيجابي.