تفاصيل الخبر

لبنان على طريق التدويل.. والشعب أول المطالبين

26/08/2020
لبنان على طريق التدويل.. والشعب أول المطالبين

لبنان على طريق التدويل.. والشعب أول المطالبين

بقلم علي الحسيني

بدا واضحاً، أن الإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من الجاري وما نتج عنه من كوارث إنسانية

[caption id="attachment_80568" align="alignleft" width="375"] أساطيل أجنبية في بحر بيروت[/caption]

واجتماعية واقتصادية، قد رسم ملامح سياسية جديدة في لبنان بحيث لم يعد التعاطي السياسي يقتصر على النزاعات حول موقع وزاري من هنا أو قانون انتخابي من هناك. واللافت أن الصراع تحوّل من مذهبي طائفي وحتّى حزبي، إلى صراع وجودي له علاقة بهويّة لبنان المستقبلية وطريقة الحكم فيه والتي ستكون موضع تجاذب حتّى مع الخارج في المرحلة المقبلة.

لبنان على طريق التدويل!

هي مرحلة يعترف الجميع بمدى أهميّتها وخطورتها في آن. فما كان يسري قبل التفجير على الصعيدين السياسي والشعبي، لم يعد صالحاً بعده خصوصاً لجهة إستئثار البعض بالحكم وتفصيل حياة اللبنانيين ونمط عيشهم، على الطريقة التي كانت تُريحه وتجعله يفرض سلطته وسطوته على جميع القرارات في البلد وخصوصاً لجهة تحديد مساره ومصيره، بالإضافة إلى تحديد أولوياته، ودائماً على قاعدة "ما في شي".

من هنا يعتبر البعض أن القرار المُبهم الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بالإضافة إلى حركة الزوّار الأجانب الى لبنان ولو تحت غطاء مساعدات اجتماعية أو طبيّة، أو ما شابه، إنّما خطوة إضافيّة على طريق تدويل الأزمات اللبنانية والتي سوف تُستكمل لاحقاً، من خلال الضغط على المسؤولين السياسيين اللبنانيين، لإجبارهم ربّما، على السير في طريق تكسوه الأشواك، علّهم يشعرون ببعض الآلام التي عاشها الشعب اللبناني بسبب أطماعهم وفسادهم، واستهتارهم بأرواح الناس

[caption id="attachment_80569" align="alignleft" width="375"] الانتفاضة الشعبية.. هنا أرض القرار[/caption]

.

المؤكد أن السلطة الحالية الحاكمة والقابضة على كل مفاصل الحياة، قد أخفقت كما لم تُخفق أي من سابقاتها في إدارة البلاد وشؤونه. فهذه السلطة قد عجزت حتّى عن تحقيق أدنى الوعود التي كانت أطلقتها غداة وصولها إلى سدّة المسؤولية، وهي نفسها عجزت عن احتواء تفشّي فيروس "كورونا" يوم أدارت ظهرها للطائرة الإيرانية التي كانت حطّت على أرض مطار بيروت، وهي نفسها أوصلت حياة اللبنانيين المعيشية والاجتماعية الى هذا الدرك، وهي أيضاً تُحاول التملّص اليوم من مسؤولياتها حيال إنفجار المرفأ والتهرّب من نتائجه وأدارت ظهرها للفاجعة والتعامل معها على أنها واحدة من الأزمات التي يُعاني منها لبنان.

التدويل مطلب شعبي.. لماذا؟

اليوم يبرز عامل إنقسام جديد قديم بين اللبنانيين يتمثّل بالقرارات التي صدرت عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي لم تنل استحسان عدد كبير منهم، إلا انها قد تضع في المُقبل من الأيّام، طرفاً لبنانياً أساسيّاً في مواجهة مباشرة مع أكثر من نصف الشعب اللبناني، ولو سياسيّاً، على الرغم من إصرار الجميع على أولوية السلم الأهلي وعدم الإنجرار وراء الغرائز المذهبيّة والحزبيّة، لكن تبقى هذه الأولوية هذه مُعرضة أكثر من اي وقت مضى، لاهتزاز، وذلك نتيجة تقاعس السلطة عن القيام بواجباتها، الأمر الذي يدعو السواد الأعظم من هذا الشعب، للمطالبة بتدويل الأزمة اللبنانية، لاعتقادهم أنها الطريقة الوحيدة أو خشبة خلاصهم، للتخلّص من كل هذه الطبقة.

بطبيعة الحال، فإن فريقاً كبيراً من اللبنانيين يرى أن "حزب الله" هو جزء أساسي من المشكلة اللبنانية، وأن سلاحه هو الذي يرسم ويُحدد سياسة البلد، طبعاً من خلال التماهي مع عدد من الاطراف السياسية والحزبيّة. من هنا يذهب خصوم "الحزب" في قراءاتهم السياسية المُستجدة، إلى أن ما يمر به "حزب الله" اليوم وتحديداً بعد التفجير، هو من أصعب وأسوأ المراحل التي تمر عليه منذ سنوات طويلة. ويرى خصوم "الحزب" أن جزءاً من جمهوره لم يقتنع بالجزء المتعلق بتفجير المرفأ في خطاب السيد حسن نصرالله، تماماً كمثل عدم اقتناع اللبنانيين بنفي وجود علم لديهم بخروج عامر الفاخوري من سجنه في وزارة الدفاع

[caption id="attachment_80570" align="alignleft" width="375"] الجيش اللبناني.. الأمر له وحده[/caption]

.

أمّا على ضفّة حلفاء "حزب الله"، فإن الأمور مُختلفة في الشكل والمضمون. في الشكل يعتبرون أن ما يحصل اليوم من "همروجات" سياسية وعراضات على حساب قضيّة في غاية الإنسانية وعلى حجم الدمار والخراب الذي خلّفه مستغلّين أوجاع الناس، إنّما يندرج في إطار تقليب الرأي العام اللبناني ضد جهة محددة وذلك بعد إخفاق هذا البعض في تحقيق نتائج مرجوة سواء في السياسة، أو في الميدان الداخلي والخارجي، وهم أنفسهم اليوم يُقامرون بحياة الناس ويُغامرون بأوجاعهم بهدف تحقيق ما عجزوا عنه طوال السنوات الماضية.

أمّا في المضمون، فيعتبر الحلفاء أن المخطّط الأميركي ـ الإسرائيلي يبدو واضحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى لجهة استهداف "المقاومة" في لبنان. وللأسف هناك وثائق مُثبّتة تؤكد ضلوع جهات وأحزاب لبنانية في هذا المُخطّط. واكثر من هذا، فإن بعض هؤلاء يُبدي أمام الخارج جميع الإستعدادات للإنخراط في عملية "تصفية المقاومة"، إنطلاقاً من عمليات تسلّح وتسليح بدأ السعي اليها داخل مناطقهم ومجتمعاتهم.

حرب دولية على "حزب الله"؟

خلال الأيّام الماضية، توقف عدد من المسؤولين اللبنانيين، عند بعض المقاطع الصوتيّة (مجهولة المصدر)، تناقلها البعض عبر تطبيق "الواتساب"، تضمّنت تحذيراً من عمل عسكري غربي ضد "حزب الله". يزعم المجهولون فيها أن الغرض من رسو البوارج العسكرية الفرنسية هو التحضير لحرب وبأن العديد من هذه السفن، تحمل على متنها أسلحة قد يُصار الى توزيعها على خصوم "الحزب" في عدد من المناطق، تحضيراً لساعة الصفر.

والأخطر أن هؤلاء قد استندوا في تحذيراتهم الى مواقيت سياسية بالغة الدقة: التجديد لقوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) والمطالبة الأميركية بتعديل ولايتها، وانفجار المرفأ، وسقوط الحكومة اللبنانية المدعومة من الحزب، وتواقيع السلام العربية المتوقعة بعد تطبيع العلاقات بين الإمارات واسرائيل، وقرب نهاية الولاية الأولى للرئيس الأميركي "دونالد ترامب" العازم على ادخال "صفقة القرن" حيّز التنفيذ. في هذا السياق يُشير مصدر أمني إلى أن هناك الكثير من التحليلات التي سمعنا بها مباشرة بعد التفجير، ومنها ما حُكى عن نيات دولية ومحلّية لمواجهة الحزب، والهدف منها بالتأكيد، إثارة الرعب في نفوس الناس وزيادة النقمة ضد "حزب الله"، بهدف تحميله مسؤولية كل ما حصل ويحصل.

وفي سياق التدويل، تعتبر المصادر أنه تحصيل حاصل، ليس منذ ما بعد وقوع إنفجار المرفأ، إنما منذ طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، الى المطالبة بلجنة تحقيق دولية في تفجير المرفأ، الى المشاركة الدولية في التحقيق فعلياً، وهو مرتبط قبل أي شيء بسياق الأزمة اللبنانية المستمرة المرتبطة بالفساد. تلك التي استدعت تلك التغييرات، وحفزّت على تدخل أكبر ربما يرتبط برسم معالم السياسة الخارجية القائمة على النأي بالنفس أو الحياد. وتضيف: على الجميع أن يعرف أن "حزب الله" الذي يعترف به الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" وهذا ما أكده خلال زيارته بيروت، لا يبدو انه سيكون في مواجهة مع أحد ولن يكون أحد في مواجهته، اللهم إلا إذا كانت هناك نيات لدى كل من الرئيس "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" جرّنا الى حرب، من أجل تعويم وتعزيز حظوظهما في إنتخابات الداخل المُقبلة.

إنفجار المرفأ بيد الخارج

مقابل هذه الطمأنة التي يُجسدها البعض في حديثهم حول استحالة تدويل الأزمات التي تحصل في لبنان، ثمة معلومات كانت أشارت إلى أن اكثر من ثلاث أو اربع فرق اجنبيّة، قد دخلت فعليّاً على خط

[caption id="attachment_80572" align="alignleft" width="375"] رؤساء وقادة لبنان.. لا ثقة شعبية بهم[/caption]

التحقيقات في تفجير المرفأ، وقد أجرت مسحاً شاملاً لمسرح الإنفجار وأبرزها فرق: أميركية وفرنسية وتركيّة وروسيّة، واللافت بحسب المعلومات أن رئيس الجمهورية ميشال عون وخلال استقباله نائب وزير الخارجية الأميركي "ديفيد هيل"، قد طلب منه مُشاركة فريق من الـ"أف بي آي" في التحقيقات في إنفجار المرفأ.

وتلفت المعلومات إلى أن دور فريق الـ"أف بي آي" لن ينحصر فقط بالجانب التقني المتعلق بكشف السبب المباشر للتفجير، وإنما يتعداه باتجاه التقصي عن مصير 2400 طن من النيترات، تدور شكوك حول سحبها من العنبر رقم 12 خلال السنوات السبع الماضية، نتيجة تأكيد خبراء أن الانفجار ناتج عن 300 طن من هذه المادة، ما يُثير مخاوف من أن تكون مخزَّنة في أماكن أخرى في لبنان، أو تم نقلها إلى دول أخرى للقيام بعمليات إرهابية.

وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اعتبر أثناء زيارته بيروت أخيراً، أن وجود البوارج الأجنبية قبالة العاصمة اللبنانية "يُمثِّل تهديداً للبنان والمقاومة"، الأمر الذي تؤكده مصادر مقربة من "حزب الله" والتي تعتبر أن الأمر قد يتعلق برسالة فرنسية ــ غربية ضمنية موجهة إلى حلفاء إيران في لبنان، مضيفة أن الولايات المتحدة تتخذ من التفجير فرصةً لإدخال عناصر استخباراتية بصورة شرعية إلى لبنان، وذلك بهدف التجسس على ليس على حزب الله فحسب، إنما على كل الأجهزة الرسمية في البلاد.

في ظل ما يحصل، جاء موقف السفير الروسي "الكسندر زاسبكين" منذ أيّام خلال حديث صحافي، ليؤكد رفض بلاده لأي تدخل خارجي في لبنان خارج إطار دعم الشعب اللبناني في محنته التي خلفها إنفجار بيروت. وأكد أن الأجهزة الأمنية اللبنانية قادرة على القيام بالتحقيق في انفجار المرفأ، وكل شيء متوافر لها، وما حدث واضح، ونحن لا نرفض أي احتمال، ولكن ما حصل في المرفأ هو واضح بنسبة 90 في المئة أو أكثر ولا يتطلب جهداً فوق العادة. خصوصاً وأن تكاليف التحقيقات الدولية باهظة وتستمر لسنوات وهناك خطر من تسييس هذا الموضوع.

رمّال: الجيش اللبناني وحده المكلف بالتحقيق

[caption id="attachment_80571" align="alignleft" width="390"] العميد محمد رمال: وحده الجيش مخول بتحقيقات الانفجار.[/caption]

في المقابل، يعتبر العميد المتقاعد محمد رمال، أن الجيش اللبناني هو المكلف إجراء التحقيقات، ولم يُتخذ أي قرار دولي بتكليف أي دولة خارجية التحقيق، كما لم تُكلف أي مجموعة دولية هذا التحقيق، وإنما تشارك دول منفردة عدة في جمع الأدلة ورفع تقارير بنتيجة عمل فريق كل دولة، إلى القضاء اللبناني، ومن خلال استثمار القدرات التقنية والفنية لخبراء هذه الدول، والتي قد لا تكون متوافرة لدى الجيش اللبناني، وبالتالي لا خوف من تدويل الأزمة، بل ما يجري هو تقديم مساعدات في مجال الكشف عن التفجيرات على غرار المساعدات الطبية والإنسانية التي تم تقديمها بعد انفجار المرفأ.

ولفت إلى أن الخشية التي يمكن أن تنتج عن اشتراك فرق كثيرة في التحقيق هي الوصول إلى نتائج متضاربة ومتناقضة تُربك القضاء اللبناني وتعيق الوصول السريع إلى نتائج ملموسة بأقرب وقت، معتبراً أن دور فريق الـ"أف بي آي" الذي باشر تحقيقاته في تفجير مرفأ بيروت هو جزء من الدور الذي تلعبه فرق الخبراء الأخرى. وأوضح أن دورها يقتصر على جمع الأدلة ووضعها بتصرف القضاء اللبناني، بمعنى إنها ليست الجهة الرسمية المكلَفة التحقيق، وإنما تشترك مع الفرق الأخرى في ذلك.