تفاصيل الخبر

لبنان على مقصلة الغرب.. الاقتصاد مقابل التوطين!

05/12/2019
لبنان على مقصلة الغرب.. الاقتصاد مقابل التوطين!

لبنان على مقصلة الغرب.. الاقتصاد مقابل التوطين!

بقلم علي الحسيني

 

مما لا شك فيه ان القطوع الإقتصادي والسياسي الذي يمر به لبنان منذ شهر ونيّف تقريباً والذي بات يُهدد مصيره ومصير شعبه، يكاد يطغى على بقيّة الأزمات التي كان مرّ بها بما فيها تلك الحروب الأهلية التي سبق أن مر بها حتّى وإن كانت هذه الأخيرة قد حضرت وبقوة على الساحة الداخلية في الفترات الاخيرة وفي أكثر من منطقة، سواء من خلال قطع الطرقات وإقامة الحواجز المذهبية، أو من خلال التراشق السياسي وما كاد أن يتسبب من إنفلات في الشارع خصوصاً في ظل سقوط ضحايا في أماكن متعددة كان آخرهم حسين شلهوب وسناء الجندي. وبين الإنهيار الإقتصادي الحاصل اليوم والخوف السياسي المتصاعد، عاد ملف التوطين في لبنان ليطل مُجدداً وهذه المرة من خلال عملية ضغط دولية وتحديداً أوروبية لتضع البلاد امام معادلة جديدة هي: الإقتصاد مقابل التوطين.

في أزمة لبنان.. ابحث عن الأميركان!

في حزيران (يونيو) الماضي وفي عزّ النزاع اللبناني ـ الإسرائيلي حول عملية ترسيم الحدود البرية والبحرية والمُستمر حتى اليوم وإن بوتيرة أخف عن ما كانت من قبل نظراً لتراكم الأحداث في المنطقة وآخرها ما يحصل في العراق ولبنان، كانت هناك مسارعة أميركية للدخول على خط حل هذه الأزمة من خلال عرض أميركي حمله يومها صهر الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> ومستشاره <جاريد كوشنير>، يربط فيه حل أزمة الحدود بالصيغة المطروحة آنذاك مقابل دعم مشاريع استثمارية تصل قيمتها إلى نحو ستة مليارات دولار، وكان هذا العرض مجرد بداية لجر لبنان إلى صفقة القرن أولاً، وأيضاً إلى التنازل عن قسم من أراضيه البرية وحدوده البحرية. وكان <كوشنير> قد أعلن في حينه وتحديداً قبل <ورشة البحرين>، وجود حصّة للبنان من مبلغ الـ 50 مليار دولار الذي سيقَدّم ثمناً لـ<صفقة القرن>. واليوم في عزّ الأزمة المالية والإقتصادية التي يمر بها لبنان، سربت معلومات تتعلق بإرسال <ترامب> صهره <كوشنير> إلى ملك الأردن عبد الله الثاني حاملاً اليه رسالة حول استعداد الولايات المتحدة دفع ديون لبنان الداخلية والخارجية أي ما يقارب المئة مليار دولار شرط القبول بتوطين الفلسطينيين وانهاء الحرب مع إسرائيل.

في السياق، تؤكد مصادر سياسية بارزة لـ<الأفكار> أن ما يحصل في لبنان من أزمات متتالية لا شك أنها صنيعة دول أبرزها الولايات المتحدة وطبعاً مع مساعدات وتسهيلات من الداخل، وذلك في سياق الضغط علينا من أجل تمرير مجموعة مشاريع تبدأ من التوطين وتنتهي بمشاركتنا في <جريمة القرن> وليس صفقة القرن كما يُسمونها وحينها نُصبح فرداً من مجموعة دول متآمرة على الشعب الفلسطيني والقضاء على حلمه بالدولة المستقلة، وأيضاً نُصبح شركاء فعليين للإسرائيلي وللمشروع الصهيوني في المنطقة. ويُشدد على ان الازمة في لبنان اليوم هي أكثر من مُفتعلة وهذا يأخذنا إلى مجموعة أسئلة أبرزها: لماذا اليوم بالتحديد في ظل الصراع الحاصل في المنطقة وفي ظل التهديدات الإسرائيلية

للبنان والمتكررة، وأيضاً في وقت كنا فيه أقرب الى البدء بعمليات التنقيب عن النفط.

عروضات دولية بالجملة.. لماذا؟

 

اليوم بدأت العروضات الدولية تنهال على لبنان في السر ومن تحت طاولة الأحداث التي تعصف بالإقتصاد اللبناني حيث إن هناك الكثير من علامات الاستفهام التي توضع تحت الحلول التي تطرحها الولايات المتحدة مع بعض الدول الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا التي سُرب عنها مؤخراً معلومات مُحملة بالتهديدات تقول إمّا بتكليف الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة، وإما حكومة عسكرية، ومن هذه الحلول العمل على إنهاء الصراع بين لبنان وإسرائيل، حل الأزمة الاقتصادية بشكل نهائي مع وعود دولية بأن يُصبح لبنان دولة آمنة اقتصادية لسنوات طويلة مع فتح مجال التعاون النفطي معه، كل ذلك مقابل تسريع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وتشجيع لبنان الفلسطينيين على الهجرة، مع السماح لمن يبقى منهم بالعمل في مشاريع استثمارية (ما يعني، عملياً، التوطين) إلى جانب لبنانيين. من هنا يتبيّن حجم التدخل الخارجي وخصوصاً في ظل تعهّد واشنطن بتسريع وصول أموال

<سيدر> والضغط على دول الخليج لإيداع مبالغ كبيرة في مصرف لبنان.

حصل لبنان خلال المؤتمر الذي عقد بباريس في نيسان (ابريل) 2018، على وعود بمساعدات تبلغ قيمتها 11 مليار دولار، بشكل أساسي من مؤسسات مالية يتحكم بها الغرب والولايات المتحدة الأميركية. لكن هذه المساعدات لم تصل بعد إلى لبنان، فيما قيل إنه بسبب تعذّر تشكيل الحكومة اللبنانية، التي ينتظر أن تنقذ البلاد من خلال إصلاحات مالية. يومها طُرح سؤال في غاية الأهمية حول ما إذا كانت عقبة التشكيل أو التأليف هي فعلاً ناجمة عن خلاف حول حقائب وزارية، أم أن تلك كانت مجرد أعذار واهية، تسمح بتدمير الاقتصاد اللبناني، من أجل الوصول إلى مآرب أخرى، خصوصاً وأن المبالغ التي يحتاجها لبنان، لا تمثل بالنسبة للغرب مبالغ ضخمة. من هنا يعتبر مصدر مقرب من حزب الله أن أحد أهم أهداف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، كان ولا يزال إخراج <الحزب> من سوريا وصولاً إلى إضعافه أو تدميره بشكل عام.

ويقول المصدر: من أجل تحقيق أهداف أميركا وإسرائيل، كان لا بد لهما أيصال الأزمة في لبنان إلى ما هي عليه اليوم وبالتالي توريط حزب الله في أزمات داخلية من بينها صدامات مع بقية الأفرقاء سواء سياسية أو حتّى عسكرية، باعتبار أنها يُمكن أن تُقيّد <الحزب> وتُضعفه، وذلك بالتزامن مع محاولة تدمير الاقتصاد اللبناني. والأبرز أن الشروط الأميركية الأوروبية أو العروضات كما يُسمونها لمساعدة لبنان تقضي بتعويم الليرة اللبنانية بعد اغراقها منعاً لدخول البلاد في فوضى مالية وسياسية، لكن هذا الامر سيضع لبنان أو الدولة اللبنانية أمام خيار خطير، هو مواجهة حزب الله الذي أصبح جزءاً من معادلة إقليمية وليس محلية فقط. وهذا خيار ساقط بشكل مُسبق ولا يُمكن تبنيه من أي جهة محلية، حتى ولو اختلفت في العمق سواء مع حزب الله أو حتى مع ايران نفسها.

 

بداية أزمة اللجوء السوري!

 

يوم اندلعت الحرب السورية وبدأت معها عمليات العبور العبثي وغير المنظم باتجاه لبنان، اعتُمدت سياسة الأبواب المفتوحة لأكثر من ثلاث أو اربع سنوات، فحلّت منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية مكان الدولة وأجهزتها في استقبال النازحين وتسجيلهم وإيوائهم بشكل عشوائي وغير منضبط جعل من كل من يجتاز الحدود من سوريا الى لبنان نازحاً، حتى ولو لم تنطبق عليه مواصفات النازح. هذا النزف البشري سواء بشكل قسري أو إرادي باتجاه لبنان، ظل مستمراً لأكثر من سنتين وربما ثلاث، وبعد أن وصل عدد النازحين يومها الى أكثر من ثلث اللبنانيين، اعتمدت الحكومة يومها ما يُسمى ورقة سياسة النزوح السوري الى لبنان، حيث فرض الأمن العام إجراءات على المعابر لتقليص عدد الوافدين، وطُلب من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التوقف عن تسجيل نازحين جدد.

ويوم أصر الأمين العام السابق للأمم المتحدة <بان كي مون> على استعمال عبارة الطابع الطوعي في ما يتعلق بعودة اللاجئين وذلك في رد على ملاحظات الوزير جبران باسيل على القرار 2254 المتعلق بـالعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم حيث اعترض يومها الأخير على هذا المصطلح مقترحاً تبديله بـالعودة الآمنة ربطاً بما يحكى عن محاولات المجتمع الدولي لفرض توطين جزء من النازحين السوريين في لبنان، بدأ الخوف يتسلل الى قلوب المسؤولين اللبنانيين والشعب اللبناني من إعادة الكرّة خصوصاً وان لبنان عانى ما عاناه من الوجود الفلسطيني. وما زاد من نقزة لبنان، تعبير أكثر من مسؤول دولي عن رغبة لدى المجتمع الدولي في ايجاد صيغ تسمح لعدد من اللاجئين السوريين بالبقاء في لبنان والأردن، تفادياً لتفاقم ازمة اللجوء الى أوروبا.

 

نسوة في مواجهة التوطين والضغط!

 

يوم الجمعة الفائت، تجمع عدد من النسوة أمام سفارة الاتحاد الاوروبي في منطقة زقاق البلاط للمطالبة بعودة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم، رافعين شعارات رافضة للتوطين معتبرين ان ضغط اللجوء والنزوح يفاقم الازمة الاقتصادية في لبنان، وان لبنان وشعبه قام بكامل واجباته في احتضانهم. وسيتوجه وفد منهن الى داخل السفارة لتسليم رسالة بهذا الشأن.

وفي المقابل، تجمع على المقلب الآخر من المكان مجموعة من المتظاهرين، معتبرين ان دعوة البعض لطرد اللاجئين والنازحين خطوة غير انسانية لاسيما ان هؤلاء ارضهم مغتصبة في فلسطين ومنازلهم مدمرة في سوريا. ورفضوا تحميل اللاجئين والنازحين مسؤولية الازمة الاقتصادية في لبنان لأنها ازمة انبثقت من الفساد.

زيارات وعروضات مشبوهة!

من نافل القول إن هناك جهات خارجية تسعى او تدفع باتجاه حصول توطين في لبنان فيما هذا الاخير غير قادر في ظل وضعه الحالي على مواجهة هذه المؤامرة الجديدة والتي يمكن ان تُعيده عشرات السنين الى الوراء وربما الى الحرب الاهلية. وفي السياق تؤكد أوساط وزارية أن زيارة المسؤولين الدوليين إلى لبنان مع ما يحصل من أزمات مالية وإقتصادية في البلاد، تثير الريبة، لأن الجميع يركز اهتمامه في المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين على ضرورة تأمين متطلبات النازحين الحياتية مع اغداق الوعود على لبنان بتقديم مساعدات مالية وعينية يحتاجها. وتبدي الاوساط قلقها ايضاً من توجه دولي لإرغام لبنان على ابقاء ما يزيد عن مليون نازح سوري وفلسطيني على اراضيه، حتى ولو توقفت الحرب في سوريا، وهو ما لا يمكن ان يقبل به لبنان الذي سيواجه بشراسة اي محاولة من جانب اي طرف لتوطين النازحين على اراضيه. ويبرز التخوف الأكبر، من إشهار أوروبا السلاح الإقتصادي علناً في وجه لبنان، بهدف الضغط عليه للقبول بأدنى شروط التوطين.