تفاصيل الخبر

لـبــــنـان عـالــــق بـيــــن نـزوحـيــــن والـعـامـــــل الـســـوري يـتـقـــاضـى بــــالـدولار!

20/11/2015
لـبــــنـان عـالــــق بـيــــن نـزوحـيــــن والـعـامـــــل  الـســـوري يـتـقـــاضـى بــــالـدولار!

لـبــــنـان عـالــــق بـيــــن نـزوحـيــــن والـعـامـــــل الـســـوري يـتـقـــاضـى بــــالـدولار!

 

بقلم علي الحسيني

الدكتور-يشوعي لا يكاد لبنان يخرج من ازمة حتى يعود ويقع في ازمة اخرى، فمنذ الحرب اللبنانية وهذا البلد الصغير بحجمه الديموغرافي والكبير بتحمله اعباء جيرانه واشقائه بالاضافة الى اعباء ابنائه، لا ينفك يتحمّل الويلات والمآسي كما في الحرب كذلك في السلم، وآخرها قضية النزوح المستمر والمترافقة مع تصاعد الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما يُنذر بخطر داهم يمكن ان تتولد عنه كوارث خصوصاً في ظل الانشغال الدولي عن المعاناة والاعباء التي يتحملها لبنان صاحب مساحة 10452 كلم مربع.

 

<ما في شغل>

  

هي عبارة واحدة ووحيدة اصبحت تلازم اللبناني اينما وُجد في وطنه، فمن اقصى الشمال الى اقصى الجنوب عبارة تجمع بين ابناء الوطن الواحد: <ما في شغل>، وهي عبارة مجبولة بالوجع آخذة في التصاعد المستمر رغم صمّ المسؤولين اذانهم عن المشاكل الحياتية اليومية التي تواجه اللبنانيين بكافة فئاتهم ومشاربهم خصوصا بعدما وصل عدد النازحين في لبنان الى نحو نصف عدد اهل البلد ان لم يكن اكثر، وبذلك بات اللبناني يشعر بأن هناك من يزاحمه في لقمة عيشه ويمنعه من تأمين قوت عائلته اليومي بعدما دخلت يد العمالة الاجنبية معظم المصالح والقطاعات حتى تحول الامر الى مزاحمة معيشية بدأها النازحون مع اللبنانيين منذ دخولهم إلى لبنان وتحديداً منذ بداية الازمة السورية، ما دفع بالكثير من التجار في لبنان إلى إقفال متاجرهم وسط ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير ومخيف، الامر الذي انعكس بالتالي على اسعار السلع والمواد الاستهلاكية والغذائية إضافة إلى الارتفاع الجنوني في اسعار العقارات والاسواق الحرة.

النزوح المستمر من سوريا الى لبنان

زحمة-سير-يومية-عند-المصنع 

ومنذ بدء الازمة في سوريا والحدود اللبنانية - السورية تشهد بشكل يومي كثافة نزوح سكاني سوري باتجاه الاراضي اللبنانية في مشهد بات يعهده لبنان خلال الفترة الاخيرة، ويعبّر عن عمق الازمة التي يعيشها الشعب السوري بعدما سال الدم في كل منزل جراء التقاتل بين أهل البلد الواحد، وعن عمق الازمة الاخرى التي بدأت تدق بدورها باب عدد لا يستهان به من اللبنانيين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل بعدما عمد أصحاب عدد من المصالح الى الاستغناء عن خدماتهم لصالح اليد العاملة النازحة نظراً لتدني مستوى الأجر الذي تتقاضاه، بالاضافة الى عوامل اخرى منها حاجة النازح للعمل وهو ما يجعله يتقبل اي واقع او شروط يفرضها عليه رب العمل خصوصاً لجهة تحديد دوام العمل على عكس المواطن اللبناني الذي يخضع عمله لشروط وقوانين وزارة العمل.

عند نقطة المصنع

ضجيج سيارات، شمس حارقة، أصوات مرتفعة عند جهتي الدخول والخروج على حدود المصنع تنادي على الركاب. شتورا بحمدون بيروت. دمشق حمص حلب. اصوات تخرقها صيحات بعض الصرافين المتجولين. يسأل احد النازحين السوريين عن سعر صرف الليرة السورية، فيجيبه صراف متجول ست ليرات ونصف الليرة، فيعود ويقول منذ فترة كان سعر صرفها خمس عشرة ليرة، يجيبه هذه المرة رجل لبناني طاعن في السن <الله يرحم هيديك الايام، قبل الحرب اللبنانية ما كنا نطلع بعملتكن>. في المقابل يقول صاحب احدى شركات الصيرفة في منطقة المصنع يُدعى حسين منصور: <لقد تكبدنا خسائر فادحة من جراء الازمة السورية، فالسوق السوري متفلت لا ضوابط تحكمه في ظل غياب الدولة ولم يعد هناك من مراقبة او رقابة على سعر صرف العملات الاجنبية المختلفة التي يستخدمها الشعب السوري هذه الايام والذي لم يعد يتداول بعملته في أسواقه>. ويعطي حسين دليلاً واضحاً على انهيار اعمال الصيرفة التي كانت تُعتبر في الماضي من اهم الركائز الاقتصادية على حدود البلدين ويشرح الآتي: <كان يُمنع على السوريين التداول بغير عملتهم ما يضطرهم الى تحويل اموالهم الى العملة السورية قبيل دخولهم اراضيهم لكن اليوم بات تهريب الاموال وخصوصاً العملات الاجنبية وعلى رأسها الدولار الاميركي علنياً و<على عينك يا تاجر>، وما زاد في الطين بلة ان رواتب هؤلاء العمال في لبنان اصبحت تُدفع هي أيضاً بالدولار وهذا يعني انه لم يعد بحاجة للتوقف عندنا لشراء عملة بلاده>.

 

للأمن العام عين ساهرة

الصراف-منصور-منطقة-المصنع-الحدوديةعند الحدود

داخل مركز الامن اللبناني عند المصنع حركة عمل للعناصر لا تهدأ، الكل ملتزم بالتعليمات، المواطن يُحترم من أي بلد كان وعناصر الأمن يمكن لهم ان يساعدوا العابرين ضمن صلاحياتهم، اما الامور الكبيرة فيحيلونها الى ضابط الخدمة الذي يستمع بدوره بإمعان لاي شكوى او مطلب مردداً على الدوام: <تكرم عينك>، كما أنّ مصدراً في الامن العام يكشف عن دخول اكثر من ربع مليون مواطن سوري الى لبنان خلال اقل من عشرة ايام وتحديداً منذ بدء الحديث عن التهديد الروسي بقصف مواقع في سوريا.

 

.. وجولة على اللجوء الفلسطيني

 

هي جولة على المخيمات الفلسطينية في لبنان في محاولة لاستطلاع أحوال سكانها خصوصاً وان الجزء الأكبر من فلسطينيي الشتات يعيشون في لبنان حتى انهم باتوا يشكلون ما نسبته 11 في المئة من مجموع سكان هذا البلد، وبحسب احصاءات شبه رسمية أن عددهم اليوم يزيد عن حوالى مليون ومئة الف نسمة يقيم اكثر من نصفهم في اثني عشر مخيماً مسجلاً رسمياً وهي: عين الحلوة والبص والرشيدية وبرج الشمالي ونهر البارد والبداوي وشاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس وضبية ويفل - الجليل والمية ومية. اما بقية اللاجئين فيقيمون في بعض القرى والمناطق اللبنانية وفي نقاط وتجمعات سكنية منها: القاسمية والمعشوق والبرغلية وجل البحر في صور وشبريحا، ابو الأسود، وعدلون، والبرج الشمالي، وتعلبايا وغيرها.

ولعقود خلت تزاحم الفلسطينيون في لبنان للحصول على الوظائف البسيطة التي يلجأون اليها لتحصيل قوتهم بسبب حرمانهم من العديد من الحقوق المدنية في لبنان،خلافاً للنازح السوري الذي يمارس كل انواع العمل والتجارة حتى في ظل غياب القوانين كلياً عن هذا الملف، ومنها حق العمل في عدد من المهن لكن هذه المهن شهدت منافساً جديداً على الساحة ولا سيما من قبل اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا اخيراً من سوريا لتُضاف ازمة جديدة الى ازمات لبنان المتعددة، خصوصاً بعدما زادت حدة التنافس على عدد قليل من الوظائف المتاحة للفلسطينيين في لبنان فتدنت الأجور البائسة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف السكن وزاد من حدة الضغوط في المخيمات علماً ان الفلسطينيين في لبنان يعيشون في فقر مدقع يشكل ضغطاً لم يسبق له مثيل في مخيمات اللاجئين، فالموارد ضعيفة والوظائف نادرة. وفي ظل هذا الوضع تعجز المخيمات عن استيعاب عدد غير مسبوق من اللاجئين القادمين من سوريا اليها، هذا في ظل الحديث عن فرضية ارتفاع اعداد النازحين الفلسطينيين من سوريا نهاية هذا العام الى ما يقارب الثلاثمئة ألف لاجئ اي بزياد قدرها 60 في المئة تقريباً لعدد الفلسطينيين في لبنان عموماً الذين كان يبلغ عددهم نحو 450 ألفاً قبل بدء الحرب في سوريا.

 منظمة التحرير: استقبلنا ما يزيد

عائلة-فلسطينية-نازحة-تعيش-في-هنغار

عن 35 ألف لاجئ

من جهته يؤكد فتحي أبو العردات ممثل <منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان> عبر <الافكار> ان المخيمات لم تعد قادرة على استيعاب مزيد من النازحين الفلسطينيين من سوريا، وهي لغاية اليوم استقبلت ما يزيد عن 35 ألف لاجئ لكنها بالفعل تستضيف ضعف هذا العدد في ظل وصول 6000 فلسطيني شهرياً. 7 بالمئة فقط من اللاجئين الفلسطينيين الآتين من سوريا لديهم دخل منتظم، وجميع من تبقى تقريباً يعيشون مع أسر مضيفة تعاني في الاساس اوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة لأن الفلسطينيين في لبنان ممنوعون من العمل في القطاع العام وفي العديد من المجالات المهنية الأخرى.

ويقول ان الفلسطينيين القادمين من سوريا يعاملون بالتمييز نفسه كما اسلافهم في لبنان، فعلى الرغم من ان هؤلاء لديهم العديد من الحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون في سوريا الا ان الحال في لبنان ليس مشابهاً. ويضيف: <يعتمد اللاجئون في المقام الاول على <وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى الأونروا> التي تدير المخيمات وتوفر المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين. كما يحظر على الفلسطينيين في لبنان امتلاك العقارات او دخول العديد من المهن، ما جعل سكان المخيمات في لبنان يتنافسون على وظائف وضيعة وغير رسمية، ولذلك لا يمكن وضعهم في السياق ذاته مع اللاجئين السوريين الى لبنان او اي بلد آخر سواء كان غربياً ام عربياً. ومن المعلوم ايضاً ان دخول فلسطينيي سوريا الى لبنان يتطلب منهم الحصول على وثيقة من وزارة الداخلية في دمشق تبلغ تكلفتها نحو خمسة دولارات وهو مبلغ لا تستطيع العائلات الفقيرة ان تتكفل به>.

يشوعي: الحلّ عربي ودولي

وليس محلياً

وحول الطريقة التي يجب ان تُعتمد للحدّ من الانهيار الحاصل من جراء تدفق النازحين السوريين والفلسطينيين اضافة الى جنسيات مختلفة، يقول الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي: <ان العلاج لمسألة التدهور هذا يكون من خلال الحدّ من النزوح السوري باتجاه لبنان رغم ان هذا الامر يُعتبر طبيعياً بالنسبة الى دولتين جارتين، وكما شهدت الحروب في لبنان نزوحاً لبنانياً إلى سوريا كذلك نشهد اليوم نزوحاً معاكساً، وهذا النزوح لا يُعالج على صعيد الداخل اللبناني فقط، انما ايضاً يجب ان يُعالج على صعيد عربي ودولي، فكلنا يعرف القدرة المحدودة للخزينة اللبنانية على تقديم المساعدات المادية وغيرها للنازحين السوريين، مع العلم ان تنظيم الدولة لهذا النزوح فيه شيء من الصعوبة الا إذا انتشر الجيش بكثافة على الحدود اللبنانية - السورية او اذا دُولت الحدود اللبنانية - السورية عندئذٍ يمكن ان تضبط الحكومة اللبنانية مسألة النزوح>.

وتابع يشوعي:

- نحن اليوم امام اكثر من مليون نازح سوري في لبنان، غالبيتهم من الطبقة الفقيرة وبالتالي هم يحتاجون إلى مساعدات، فهم ليسوا خليجيين جاؤوا لينفقوا في لبنان بل جاؤوا هرباً من الموت والدمار في بلادهم، والمساعدات الدولية التي تُقدّم إليهم خجولة، فبعض المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة تقوم ببعض الواجبات تجاه هؤلاء وتقدّم لهم مساعدات عينية ومساعدات غذائية إلخ، لكن الخطير في الامر هو ان قسماً كبيراً من هؤلاء النازحين بدأ ينافس اليد العاملة اللبنانية مهنية كانت او تجارية، خصوصاً ان لبنان عبارة عن سوق عمالة حرة ليس لها ضوابط، وبالتالي كل صاحب عمل يسعى لخفض تكاليفه، واذا سنحت له الفرصة بأن قبل-عبورهم-الحدود-باتجاه-لبنانيستعين بمن يجب ان يستعين به من أجل خفض تكاليفه فلن يتأخر.

ويختم يشوعي بالقول:

- ان الاقتصاد في لبنان اليوم غير قادر على استيعاب اللبنانيين فكيف بالنسبة لهؤلاء النازحين؟ ونحن انسانياً مجبورون ولكن الموضوع ليس فقط انسانياً بل الموضوع يتعلق بوطن ومواطنين وبظروف حياة، وكل هذا النزوح الكبير يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي عامة الذي كما ذكرت يعاني الكثير من المصاعب جراء الأحداث في المنطقة وانكماش الاقتصاد الداخلي، لدرجة أنني شخصياً لا اتوقع له أي نمو حقيقي للعام الحالي.

هل يصبح اللبناني

ضيفاً في بلده؟

اللبنانيون بطبعهم شعب مضياف هذا ما يؤكده جميع العرب، لكن ان يصبح هذا الشعب ضيفاً في بلده فهذا ما يجب العمل على منعه بمساعدة العرب أنفسهم، إذ ان هناك مليون نازح سوري وربما اكثر على أرض لبنان معظمهم دخل بطريقة غير شرعية يعملون في كل المجالات، في محلات الخضار والمطاعم والمخازن والمتاجر والحقول، حتى ان بعض الاشغال التي كانت ممنوعة على اللبنانيين صارت مسموحة للسوريين مثل بيع الكعك على عربات متنقلة أو اقامة <بسطات> للخضار داخل الاحياء وبين الابنية، ومن هنا فإن الدولة اللبنانية مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى للعمل على منع تفشي ظاهرة العمال السوريين بشكل عشوائي قبل ان يقع المحظور وينفجر الوضع المعيشي بشكل غير مسبوق.