[caption id="attachment_81765" align="alignleft" width="516"] سيرغي لافروف[/caption]
يعتقد سياسيون ان الفراغ الذي تركه السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين بعد انتقاله الى موسكو، سيكون كبيراً نظراً للدور الذي لعبه خلال وجوده على مدى عشر سنوات في العاصمة اللبنانية وشبكة العلاقات التي اقامها مع القيادات الرسمية والسياسية اللبنانية. الا ان وجود زاسبكين في العاصمة الروسية سيجعله على مقربة من مواقع القرار الروسي من جهة، وسيجعل لبنان حاضراً في القيادة الروسية بالتنسيق مع السفير الجديد الكسندر روداكوف الذي لا يأتي من فراغ اذ سبق له ان شغل منصب نائب رئيس دائرة الشرق الاوسط في الخارجية الروسية، وستكون اول مهمة له في بيروت تحضير زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يزور لبنان في 29 تشرين الاول (اكتوبر) الجاري. وهذه الزيارة شغلت الاوساط السياسية والديبلوماسية، في بيروت ليس لأنها الاولى منذ سنوات، بل لأن صفة الزائر مهمة وأساسية في القيادة الروسية ما يدل على رغبة موسكو بأن تكون حاضرة اكثر في لبنان مما كانت عليه في الماضي.
من هنا فإن توقيت الزيارة له اهميته لأنه يتزامن مع حركة ديبلوماسية مهمة يشهدها لبنان منذ ان حط فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووضع خارطة طريق لمبادرة سياسية يفترض ان تكون مستمرة وتؤدي الى تشكيل حكومة جديدة لم تتضح معالمها بعد. صحيح ان صفة الديبلوماسية الروسية هي "الهدوء"، لكن من الواضح ان تبديلاً سيحصل في اداء القيادة الروسية حيال لبنان انطلاقاً من جملة اعتبارات لعل ابرزها اهمية الدور الذي تلعبه موسكو في الجوار اللبناني، اي في سوريا وربما في العراق ايضاً، لكن دورها في سوريا يبقى الابرز خصوصاً اذا ما صحت المعلومات عن عمل "صامت" للوصول الى حل للازمة السورية لا بد من ان تكون له انعكاسات بشكل او بآخر على الوضع في لبنان خصوصاً ان هذا البلد الصغير بمساحته يستضيف اكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري كانت موسكو عملت على اعادتهم من خلال المبادرة التي اطلقت بعد قمة هلسنكي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، لكن هذه المبادرة تعثرت ولم تطبق لعدم توافر الدعم الدولي الكافي لها. الا ان الجانب الروسي لا يزال يعتبر ان مبادرته على قيد الحياة وسوف يعمل على تفعيلها من جديد.
في اي حال زيارة لافروف لبيروت التي تحددت ليوم واحد، تشكل انجازاً يفترض ان يصب في مصلحة لبنان. ويرى متابعون ان على الجانب اللبناني ان يستفيد من هذه الزيارة ويحسن استثمارها على رغم ان موسكو تحرص في كل امر يتصل بلبنان على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، مع استعداد دائم للمساعدة عند الضرورة. واذا كانت زيارة رأس الديبلوماسية الروسية ستحصل قبل تشكيل الحكومة الجديدة - كما يعتقد المتابعون- بأن التوجه الروسي دائماً صوب حكومات التوافق الوطني وان كان الى جانب الوزراء السياسيين، مجموعة من الوزراء التكنوقراط خصوصاً في المجالات الاقتصادية والمالية، لأن موسكو تعتبر ان بلداً مثل لبنان بتركيبته السياسية والطائفية والمذهبية حتى، لا بد ان تمثله حكومة سياسية تدير شؤونه خصوصاً بعدما كرس اتفاق الطائف واقعاً جعل للطوائف الدور الابرز على الصعد السياسية والادارية والامنية الخ...
موسكو وعودة الحريري....
ويكشف المتابعون ان موسكو كانت لديها ملاحظات على حكومة الرئيس حسان دياب اذ رأت منذ البداية بأنها لن تتمكن من تحقيق نتائج كبيرة، علماً ان روسيا كانت تفضل دخول الرئيس سعد الحريري الى السرايا من جديد لكنها لم تضع ثقلها الديبلوماسي في تحقيق هذه المصلحة على رغم العلاقات المميزة التي تربط القيادة الروسية مع الرئيس الحريري. وهذه المرة لن تخفي موسكو رغبتها بعودة الحريري- وان قالتها بشكل خجول وبدبلوماسية نادرة- الى رئاسة حكومة توافقية، وستكون موسكو اذ ذاك من الداعمين لأنها لا ترى ان سياسة "فرض الحكومات" في لبنان لا "سوق" لها ولا يكتب لها النجاح ويمكن حتى الا تتمكن من "الاقلاع" وفقاً للاصول!.
وترى مصادر ديبلوماسية ان اهمية زيارة لافروف الى بيروت في نهاية هذا الشهر تكمن في أنها تأتي في توقيت صعب ودقيق يمر به لبنان بسبب عدم قدرة قواه وكتله النيابية على تأليف حكومة وتضييع الحلقة الاولى من المبادرة الفرنسية، في وقت تمر بيروت والمنطقة بأكثر من ازمة وملف مفتوح على اكثر من قضية ساخنة. وتجدر الاشارة الى ان العلاقات بين موسكو وباريس ليست على ما يرام، ولم تخف الاولى تشكيكها بالخطوة الكبيرة التي اقدم عليها الرئيس ايمانويل ماكرون، والتقت مواقف لافروف هنا مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف على رفض العقوبات الاميركية التي توجه الى شخصيات لبنانية، اضافة الى اعتراضهما على سياسات واشنطن في سوريا وبلدان اخرى.
وكان تركيز لافروف وظريف على مسارات الاوضاع في سوريا وتطوراتها ومناقشة العامل التركي في هذه الدولة، اضافة الى تناولهما قضايا مشتركة تهم البلدين وسط ميل الروس الى عدم فتح صفحات من الخلاف مع انقرة. وناقش الوزيران الوضع في لبنان ايضاً. واكدا ضرورة تشكيل حكومة في بيروت وعدم استنزاف كل هذا الوقت الذي لا يصب في مصلحة احد، مع تركيز الجانب الايراني على ان هذه المسألة تخص اللبنانيين انفسهم، ويلتقي الروس هنا مع موقف الايرانيين ولكن من دون الاعلان عن هذه المساحة من الاعتراض على دور باريس "الغاضبة" من موسكو على خلفية الحديث عن اتهامها بتسميم المعارض الروسي اليكسي نافالني.
عين على النفط والغاز
وتجدر الاشارة الى ان الاهتمام الروسي بلبنان له ايضاً البعد الاقتصادي لاسيما وان الحضور الروسي في مجال التنقيب عن النفط والغاز حضور مباشر من خلال شركة "نوفاتك"، الروسية التي دخلت في كوسورسيوم يضمن "توتال" الفرنسية و"ايني" الايطالية، رسا عليه تلزيم التنقيب عن النفط والغاز في الحقلين 4 و 9 من الحقول اللبنانية المفترض وجود غاز ونفط فيها. واذا ما سرت امور التفاوض مع اسرائيل على ترسيم الحدود البحرية على ما يرام، فإن ذلك سوف يعني تسهيل عملية التنقيب في البلوك رقم 9 المتاخم للحدود مع المياه الاقليمية المحتلة من قبل اسرائيل. وثمة ما يرى ان الاهتمام الروسي بالنفط والغاز يرتبط ايضاً بأهمية الدور الروسي في سوريا لاسيما لجهة "الاشراف" على الملف السوري انطلاقاً من قناعة روسية بأن امنها بات من أمن سوريا، وأمن سوريا من أمن لبنان، وهذا ما يجعل موسكو مهتمة بالشأن اللبناني والعالم يعرف مدى الانخراط الروسي في سوريا اقتصادياً وعسكرياً ومالياً رغم جمود الاقتصاد الروسي مؤخراً، كما تشرف موسكو على اجتماعات لجنة الدستور في جنيف وعقدت لقاءات مؤخراً مع المعارضة وتحديداً منصة مصر، وستتوسع هذه اللقاءات قبل الانتخابات الرئاسية منتصف تموز (يوليو) 2021 وهذا ما سيعيد الازمة السورية الى صدارة الاهتمامات مع كباش دولي لا يرحم، وهذا يفرض بنظر موسكو استقراراً في لبنان واوضاعاً هادئة امنياً واقتصادياً وتحديداً في شمال لبنان كي لا تؤدي التوترات الى انفلات الامور في البلدين.
وحسب المتابعين، فإن روسيا تحولت الى لاعب اول في الملف النفطي في المنطقة من خلال مرافىء بانياس وطرطوس واللاذقية على الساحل السوري مع بدء استثمار حقول النفط عبر شركات مشتركة روسية سورية واستثمارات ايرانية وصينية وهندية، وبالتالي فإن اي مفاوضات بشأن الغاز بين لبنان والعدو الاسرائيلي واليونان وقبرص ستكون روسيا معنية فيها كون الحقول مشتركة ومتشابكة بين هذه الدول.
في اي حال، زيارة لافروف الى بيروت وان كانت سياسية الظاهر من خلال متابعة ما يجري حكومياً وسياسياً عن قرب، الا انها في النهاية ذات بعد اقتصادي، خصوصاً في مجال التنقيب عن النفط، ومع وجود خشية روسية من ضغط اميركي على لبنان لادخال شركاتها في عمليات التنقيب خصوصاً ان الشركات الاميركية انكفأت عن الدخول في الالتزام الخاص بالحقلين 4و9 لكنها عادت وابدت اهتماماً بالحقول الاخرى ودخلت على خط المشاركة في المناقصات لبقية الحقول.... وتدرك موسكو ان "عدم حماسة" اميركا للمبادرة الفرنسية - رغم التشاور الدائم بين الرئيسين ترامب وماكرون- له خلفيات اقتصادية تتصل باضعاف دور فرنسا حتى لا تتمكن من الاستفادة من الحقول الغازية والنفطية اللبنانية، او ان تكون لها موطىء قدم في الشرق الاوسط!.
1 – سيرغي لافروف.