تفاصيل الخبر

لعنة السلاح المتفلت تستفيق مجدداً

26/08/2020
لعنة السلاح المتفلت تستفيق مجدداً

لعنة السلاح المتفلت تستفيق مجدداً

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_80599" align="alignleft" width="352"] القوى الأمنية والدور المطلوب منها لضبط كل سلاح متفلت[/caption]

 يبدو أن السلاح المُتفلّت في لبنان، يُشبه إلى حد كبير قصّة أو حكاية إبريق الزيت، إذ لا يُراد لفصوله أن تنتهي على الرغم من المآسي التي لا يزال يُخلّفها على الأراضي اللبنانية كافة. وخلال الأيام الماضية عاد هذا السلاح ليطل برأسه بعدما زرع ضحاياه في بلدة كفتون في قضاء الكورة من خلال حصده ثلاثة شبّان، بالإضافة إلى إصابة لاعب كرة القدم محمد عطوي في رأسه برصاصة طائشة والذي كان حتّى كتابة هذه السطور، يقبع بين الحياة والموت في العناية الفائقة. هذا بالإضافة إلى مقتل أحد مسؤولي حركة "أمل" في قرية لوبيا الجنوبية، وذلك على خلفيّة تعليق يافطات وصور عاشورائية.

ضرب هيبة الدولة

مرّة جديدة يسعى السلاح المُتفلّت من كل الضوابط والأخلاقيات، إلى فرض نفسه كبديل عن الدولة ودورها في حفظ الأمن والإستقرار وحماية كرامة المواطن من أي اعتداء. ومرّة جديدة يُحاول المتضررون من تثبيت الدولة لوجودها على الساحة الداخلية تماماً كما هو الحال عند الحدود، ضرب هذا الوجود الكفيل بحماية البلد وإعادة الهيبة إلى المؤسسات العسكرية والأمنية. إلّا أن الفشل يُكرّس نفسه دائماً عنواناً لكل هذه المحاولات اليائسة التي يسعى من يقف خلفها إلى هزّ السلم الأهلي خصوصاً في ظل المرحلة المتماسكة أمنيّاً التي يمرّ بها العهد الحالي، وهو أمر قلّما شهده اللبنانيون منذ سنوات طويلة على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تمر فيها البلاد منذ أشهر.

 من بوّابة السلاح غير الشرعي، حاولت بعض المجموعات غير المنضبطة منذ أيّام، نشر الرعب بين الآمنين في بلدة كفتون في قضاء الكورة الشمالية التي استفاق أهلها فجر السبت الماضي على جريمة ذهب ضحيّـها ثلاثة من أبنائها هم: علاء فارس (نجل رئيس البلدية) وكلّ من جورج وفادي سركيس. وفي تفاصيل الجريمة، فقد أشارت المعطيات الأولية، أن الشبان الثلاثة كانوا يتجولون في شوارع البلدة ليلاً، عندما تنبهوا لمرور سيارة "هوندا أكورد" منزوعة اللوحات الرقميّة، فقاموا بملاحقتها مشتبهين بها، للسؤال عن هويتها، لا سيما أنها تتجول في وقت حظر التجول، بسبب الإقفال اتقاء من وباء "كورونا". وفور محاصرة الشبان السيارة، ترجل منها أشخاص أربعة مجهولين، وسارعوا إلى إطلاق النار في اتجاه علاء وجورج وفادي، من رشاش حربي، فسقطوا وسرعان ما فارقوا الحياة. وتوضح المعلومات أنه عثر في داخل سيارة المسلحين على أسلحة وقنابل وأسلاك كهربائية.

إصابة محمد عطوي وجريمة "اللوبيّة"

[caption id="attachment_80600" align="alignleft" width="142"] اللاعب محمد عطوي ضحية السلاح المتفلت[/caption]

 حتّى الساعة لم تتضح حقيقة الإصابة التي تعرّض لها لاعب كرة القدم محمد عطوي في رأسه من خلال رصاصة طائشّة تعددت الروايات حول مصدرها. ففي حين روى البعض أن الرصاصة اخترقت رأس محمد الذي كان على متن دراجته النارية في منطقة الكولا، وذلك اثناء إطلاق نار في الهواء كان حصل في مُحيط منطقة الطريق الجديدة، صبّت رواية أخرى في اتجاه آخر تقول إن الرصاصة اخترقت رأسه، تزامناً مع تشييع شهيد انفجار مرفأ بيروت جو بو صعب في عين الرمانة. وعلى أثر الحادث، نُقل عطوي على الفور إلى مستشفى المقاصد حيث أدخل على الفور الى غرفة العمليات حيث خضع لعملية جراحة عاجلة تم خلالها إزالة الرصاصة وايقاف النزيف.

أمّا في بلدة  لوبية الجنوبية، فتقول المعلومات إن الأجواء ما زالت حتى اليوم مشحونة وذلك بفعل مقتل أحد مسؤولي حركة "أمل" في البلدة ويُدعى حسين خليل الذي قضى برصاص خلال إشكال وقع بين مُناصري الحركة وآخرين من "حزب الله". وتُشير المصادر إلى أن الاتصالات لم تهدأ بعد بين قيادتي "الحزب" و"أمل" للملمة ذيول ما حصل خصوصاً بعد الدعوات التي أطلقها عناصر من "أمل" عبر "الواتس آب" للثأر من القتلة، هذا بالإضافة إلى العبارات المُسيئة التي أطلقها البعض ضد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، خلال عملية تشييع خليل، والتي ردّت عليها قيادة "أمل" في بيان أعلنت فيه تبرؤها الكامل من هذه الهتافات وأنها حصلت بشكل فردي وأن لا علاقة لها

[caption id="attachment_80601" align="alignleft" width="444"] تشييع حسين خليل في لوبية الجنوبية.[/caption]

بها.

الضرب بيد من حديد واجب على الدولة

المؤكد أن ما حصل في الجنوب والشمال وفي بيروت، أعاد وبقوّة، طرح موضوع السلاح المُتفلّت من القيود على طاولة البحث الأمني، بالإضافة إلى الجهات التي ما زالت تؤمّن الغطاء السياسي لوجود هذا السلاح وتكريسه عنصر إنقسام بين اللبنانيين، سواء بشكل مُباشر أو غير مُباشر. وهذا الأمر يدعو بحسب مصادر أمنيّة، الدولة مُجدّداً إلى الضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه، هزّ الإستقرار وجرّ البلد في هذه اللحظة الصعبة على وجه التحديد، إلى فتن نحن في غنى عنها، خصوصاً وأن أي إشكال اليوم، يُمكن وفي ظل الأوضاع الحاصلة، أن يتحوّل إلى إشكال مذهبي في الشارع، على الرغم من وعي القيادة السياسية في البلد.

والمعروف أن هذا السلاح غير الشرعي والذي هو صاحب وظيفة تعمل ضمن أجندات خارجية، تحوّل خلال الأيّام الماضية إلى لعنة متكررة لا تخضع لمراقبة الجهات النافذة بحسب ما تدعي على الدوام. والأخطر، أنها ظاهرة موت تُكمل طريقها في حصد أرواح بريئة ذنبها الوحيد أنها تقطن في مُحيط أو مناطق لا رقابة فيها للدولة ولا لأجهزتها الأمنيّة، على هذه النوعيّة من الأسلحة التي أصبحت العنوان الأبرز في الأفراح والأتراح، هذا مع العلم أنه يُحصر صلاحية إعطاء رخص اقتناء السلاح وحيازته وحمله بمرجعية وزارة الدفاع، وينصّ القانون على حظر نقل الأسلحة والذخائر أو حيازتها من الفئة الرابعة في الأراضي اللبنانية، ما لم يكن الناقل حائزاً  رخصة صادرة عن قيادة الجيش وتعطى لمدة ستة أشهر أو سنة واحدة ويجوز تجديدها. واللافت أن جميع اللبنانيين تساءلوا خلال الأيّام الماضية، عن دور الدولة وأجهزتها ومطالبتها بالوجود في مناطقهم جميعها وليس ضمن نقاط أو مناطق مُحددة، فالوضع بالنسبة إليهم لم يعد يُحتمل ولا بد من معالجة جذرية تُنهي هذا السلاح وتُجبر أصحابه بوضعه بتصرّف الدولة.

جريمة كفتون.. تابع

[caption id="attachment_80602" align="alignleft" width="333"] شهداء كفتون الثلاثة : علاء فارس وجورج وفادي سركيس[/caption]

وبالعودة إلى جريمة كفتون التي ذهب ضحيتها ثلاثة شبّان، فقد دهمت قوة من شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي صباح الأثنين الماضي، غرفة معزولة لأحد النازحين السوريين في محلة العامرية – والبيرة، وقد أفيد أن المطلوب واجه القوة، ما اضطرها الى التعامل معه بالنار، حيث سمع اثر ذلك دوي انفجار عُلم على أثره أنه نجم عن تفجير المطلوب قنبلة داخل الغرفة التي قُتل فيها. وذلك على الرغم من معلومات تحدثت عن أن المطلوب هو من فجّر نفسه.

من جهته، نعى الحزب القومي السوري الشباب الثلاثة، موضحاً أنه وفق التفاصيل المتوافرة أن الشبان كانوا يقومون بتأدية واجبهم المكلفين به من قبل البلدية بصفتهم شرطة بلدية ومتطوعين للخدمة منذ زمن طويل لمراقبة الطرق، وضبط السرقات التي تتعرض لها البلدة والمنطقة كما ضبط الوضع الصحي المستجد في زمن وباء "كورونا". وعند دخول البلدة سيارة مشبوهة ومنزوعة اللوحة فيها ثلاثة أشخاص مجهولي الهوية، استوقفوهم للاستفهام عن وجهتهم وسبب وجودهم على طرق البلدة في هذا الوقت فيما كل المحال مقفلة والناس تلتزم بيوتها، فما كان منهم إلا أن فتحوا النار عليهم. ووضع الحزب ما جرى في عهدة القضاء والقوى الأمنية لكشف الملابسات الغامضة والوصول إلى المجرمين وإنزال أشد أنواع العقوبات بهم.

والقوّات اللبنانية تنفي

[caption id="attachment_80603" align="alignleft" width="188"] مكان تفجير السوري النازح لنفسه في العامرية العكارية[/caption]

وبعد نشر بعض المواقع الإلكترونية معلومات عن علاقة حزب "القوات اللبنانية" بالجريمة أصدر الأخير بياناً نفى فيه نفياً قاطعاً ما وصفها بالأكاذيب والافتراءات التي تهدف إلى حرف التحقيق عن الجهة الفعلية التي نفذت الجريمة وعن خلفياتها التآمرية ومخططاتها بنشر الفوضى.

ورغم زيادة ظاهرة السلاح المتفلت بشكل لافت في الفترة الأخيرة، يرى مصدر أمني أن هذا الارتفاع في الحوادث منطقي وهو يبقى عادياً في ظل الظروف التي يعاني منها لبنان واللبنانيون من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مشيراً إلى أنه لا وجود لأرقام محددة عن الحوادث التي حصلت في الأيام الأخيرة. ويلفت في الوقت عينه إلى أن التحقيقات لا تزال مستمرة في حادثتي كفتون وعطوي. مع العلم أنه وبحسب أرقام قوى الأمن الداخلي كانت قد ارتفعت جرائم القتل في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020 الحالي بنسبة 82.2 في المئة مقارنة بالفترة عينها من العام 2019. فيما ارتفعت حوادث سرقة السيارات بنسبة 58.6 في المئة وعمليات السلب بنسبة 150 في المئة.