تفاصيل الخبر

لعبة الحقائب والأسماء.. عود على بدء

16/09/2020
لعبة الحقائب والأسماء.. عود على بدء

لعبة الحقائب والأسماء.. عود على بدء

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_81171" align="alignleft" width="352"] الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون"... آخر الدواء الكي[/caption]

لم تصل التسوية الحكوميّة التي أدارها الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" بعد إلى خو

اتيمها السعيدة أو كما كان مرسوماً لها. فعلى طريقة إذا مش الاثنين، الخميس، تسير عجلة التشكيل الحكومي والتي تسير ببطء شديد لأسباب عدةّ لعل أبرزها: مطلب "الثنائي الشيعي" الذي يُصرّ على الاحتفاظ بوزارة المال وتكريس هذا الأمر كعرف في البلاد، وذلك تحت حجّة التوقيع الثالث الميثاقي، بالإضافة إلى رفضه مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية بحسب المبادرة الفرنسية.

لا بوادر حكومية بعد.. والأسباب مُعلّلة

حتّى موعد صدور هذا العدد، لم تكن الأجواء السياسية بعد تحمل في أفقها، ما يوحي بقرب انتهاء عملية التأليف الحكومي ولا حتّى ظهور بوادر تشي بوصول كلمة السر لا من الداخل ولا الخارج، فكل ما يجري على خطوط المعنيين بإنضاج التسوية السياسية التي تسبق عادة تأليف الحكومات كما درجت عليه العادة في لبنان، يُستشف منه أن "معادلة" المحاصصة وذهنيّة تقاسم نفوذ السلطة، ما زالت هي القائمة والمُسيطرة في البلاد، على الرغم من الوعود الكثيرة والكلام الذي قيل بأن تأليف الحكومة هذه المرّة، سيخضع أوّلاً وأخيراً لمعايير تقوم على مصلحة البلاد، لا على مصلحة الجماعات والأفراد. يبدو واضحاً للعيان، بأن الأجواء المُلبّدة بين فريق المتسلطين والمُهيمنين على عملية تأليف الحكومة ما زالت تُعيق إنضاج الطبخة السياسية وسط كثرة المطالب وتشعّب المصالح الحزبيّة والطائفيّة، في وقت ما زال يرزح فيه المواطن اللبناني تحت الضغوطات المعيشية والازمات الإقتصادية، بالإضافة إلى الهاجس الامني الذي عاد بقوّة من بوابة التوترات المتنقّلة، ناهيك عن العقوبات المُنتظرة بحق أشخاص لبنانيين والتي وعدت الولايات المتحدة الأميركية بالإعلان عنها في أقرب وقت، وهو الامر الذي سيُفاقم الأزمات وزيادة الصعوبات التي تواجه الدولة اللبنانية، في وقت ينتظر الشارع، بصيصاً من النور بعد الخراب والدمار الذي لحق به في الرابع من آب الماضي.

الرئيس المُكلف الصامت.. إلى متى؟

[caption id="attachment_81172" align="alignleft" width="321"] الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف مصطفى اديب: تدوير الزوايا والنوايا[/caption]

لا شيء في جعبة الرئيس المُكلّف مصطفى أديب يُمكن أن يُفرج عنه، أو أقله أن ينال رضا "التوليفة" الحاكمة. فبعد خروجه أكثر من مرّة، من قصر بعبدا مُمتشقاً سلاح "التريّث" في ما يتعلّق بتقديم تشكيلته الوزارية لحكومته المُرتقبة واقتصار الزيارات على المشاورات فقط وجسّ النبض، يبدو واضحاً أن العملية قد تطول نوعاً ما، طالما أن كل فريق يُنادي بحصته الطائفية والحزبيّة، في وقت يغيب فيه المطالبون بالحصّة الوطنيّة، على الرغم من توقع البعض بأن ينضج شيء ما عن الطبخة التي تدور في الكواليس السياسية بين الفرنسي من جهة، والثنائي الشيعي من جهة أخرى. كل هذه الأمور، تؤكد مرّة جديدة ما سبق وقاله الرئيس "ماكرون"، بأن المنظومة السياسية الحالية غير قادرة على إدارة شؤون البلاد، ولذلك كان أن نصّب نفسه وصيّاً عليها، وهو اليوم يُحاول قدر المُستطاع، تنفيذ أحد أبرز بنود "التسوية" التي أبرمها مع المنظومة نفسها، وهي الخروج بحكومة تحظى بموافقة السواد الأعظم من أصحاب الربط والنزاع. وفي وقت يتهم فيه مؤيدون لنادي رؤساء الحكومة السابقين أن عرقلة التأليف ناجمة عن تداخل المصالح بين الفريق الواحد (حركة "أمل"، "حزب الله"، "التيار الوطني الحر") وأن هذه التركيبة ما زالت تحمل العقلية نفسها لجهة الإستئثار بمفاصل البلد ومواصلة الهيمنة على الحكومة، تؤكد مصادر "الثنائي الشيعي" أن هناك أمرين لا يُمكن التغافل عنهما. أولاُ، في ما يتعلّق بحزب الله تقول المصادر إن همّه الأول عدم الوقوع في الفراغ الحكومي أو اعطاء فرصاً للخارج لفرض وصايته على البلد. أما بالنسبة إلى الرئيس نبيه بري، فهناك مطلب واحد، إمّا ان يكون وزير المال شيعيّاً ومن حصته، أو انه لن يشارك في الحكومة. أمّا على ضفة "التيّار الوطني الحر"، فتؤكد مصادره أن قرار البقاء خارج الحكومة قد اتخذ وأنه لم يعد لدى "التيّار" ما يُقدمه من أجل تأليف الحكومة، أكثر مما قدمه، لا بل أكثر من ذلك بحسب المصادر، فقد اتخذ "التيّار" قراراً بالتصويت على منح الحكومة ثقته، من دون حتّى الأخذ بأي اعتبارات أخرى. لكن إذا فُرط التكليف أو في حال انسحاب الرئيس المُكلف من مهامه، تشير المصادر إلى انه في هذه الحالة، يُمكن أن يُعاد النظر في قرار عدم المشاركة، لكن هذا لا يعني أن لدينا موقفاً من الرئيس المُكلّف. وجزمت مصادر "البرتقالي"، أنه حتّى الساعة لا يوجد أي تفصيل أو كلام يتعلّق بالأسماء المطروحة بين "التيّار" وبين الرئيس المكلف ولا بين الأخير وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون . والأمور ذاهبة في هذا التوقيت الى عدم الخوض في لعبة الأسماء، وسط توقّعات منّا بأن لا تتخطى مهلة التأليف الاسبوع الحالي، هذا في ما يتعلّق باللمسات الأخيرة التي تسبق عادة عملية إعلان التشكيلة الحكومية.

الشارع السُنّي غاضب.. لماذا؟

[caption id="attachment_81174" align="alignleft" width="363"] رؤساء الحكومة السابقون: الطائف دستورنا[/caption]

في محاولة لإنعاش مبادرة الاليزيه التي قادت الرئيس "ماكرون" الى لبنان مرّتين في اقل من شهر، كان عقد الرئيس عون الاسبوع الماضي سلسلة مشاورات ولقاءات مع رؤساء الكتل النيابية في قصر بعبدا للتباحث في ما آلت اليه التطورات الحكومية وموقفها من الطريقة التي يُدير فيها الرئيس المكلّف مصطفى اديب مركب التشكيل. لكن يبدو ان مشاورات الرئيس عون اثارت حفيظة الشارع الاسلامي السنّي الذي اعتبرها تجاوزاً لصلاحيات الرئيس المكلّف والعودة الى نغمة التأليف قبل التكليف وإستطراداً التشكيل قبل الثقة البرلمانية. وفي السياق، تعتبر مصادر سياسية بارزة ان المشاورات التي يُجريها الرئيس عون هي حلقة من حلقات تجاوز الدستور والنظام العام. فهو اقسم اليمين بحماية الدستور والالتزام به، لكن للأسف "التخبيص" مستمر. وهذه المشاورات هي من مهمة الرئيس المكلّف. وإذ لفتت الى ان سقوط المبادرة الفرنسية التي تحظى بغطاء عربي ودولي معناه سقوط لبنان في المجهول، أسفت لأن هناك جهات سياسية داخلية لا يهمّها لبنان وانما تحقيق مشاريعها الخاصة. ورأت ان التمسّك بحقيبة وزارة المال تحت ذرائع مختلفة غير مقبول. فالبلاد اهمّ واكبر من أي حقيبة. اما القول إن اتّفاق الطائف منح وزارة المال للطائفة الشيعية فغير صحيح. فهذا الموضوع نوقش في اجتماعات الطائف، لكن من دون حسمه بسبب عدم الاتّفاق عليه. واشارت الى ان تمسّك طائفة بحقيبة محددة يفتح الباب امام حصر الوزارات والحقائب لطوائف معيّنة، في حين أن المطلوب الخروج من مستنقعات المذاهب والطوائف والدخول الى رحاب الوطن، مشددة على اهمية ثقافة المواطنة التي يجب على معظم المسؤولين السياسيين ان يتحلوا بها، لأن الوطن فوق الطوائف والمصالح.

تحذيرات قبل الفاجعة.. والأمن على المحك

[caption id="attachment_81170" align="alignleft" width="141"] الجيش خلال القبض على إرهابيين في الشمال .. أحمر بالخط العريض.[/caption]

المؤكد أن الإنعكاس السلبي لعملية تأليف الحكومة، سيؤدي الى احتمالات غير متوقعة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي ـ الاجتماعي، وعلى هذا الحد الفاصل بين مسؤوليات الدولة الأمنية تجاه مواطنيها وتأمين مستلزمات أو مقومات صمود الشعب في هذا التوقيت على وجه التحديد وفي ظل تدهور الوضع المعيشي، يؤكد مصدر نيابي أن لبنان مُقبل على فاجعة اقتصادية ـ مالية كبيرة في حال ضُربت الوساطة أو التسوية التي قام بها الرئيس الفرنسي في موضوع تشكيل الحكومة، وان بوادر هذه الفاجعة سوف تظهر ملامحها مع أول إعلان يتعلق بسقوط التسوية وسحب يد الرئيس "ماكرون" منها. وحذر المصدر النيابي من انعكاس الوضع الاقتصادي ـ المالي لاحقاً على الوضع الأمني الذي بدأنا نرى أوجه عدّة له وهذا ما يستدعي الاسراع بعملية التأليف ووضع عجلة النهوض بالبلد على السكة الصحيحة قبل فوات الأوان. وما رأيناه من اعتداء على المؤسسة العسكرية التي سقط لها أربعة عسكريين، هو بمثابة جرس إنذار لتدارك الامور، قبل الإنزلاق بالمجهول.

هل يتراجع أديب عن مهمة التأليف؟

[caption id="attachment_81173" align="alignleft" width="328"] الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله: المالية لنا ولو واجهنا العالم[/caption]

أكثر من طرف سياسي لبناني، يعتقد أن ليس للرئيس أديب ما يخسره في الوقت الراهن، فالرجل الذي حصل على ترقية سياسية فرنسية، وضعته على أبواب نادي رؤساء الحكومة السابقين، لن يتوانى عن اتخاذ القرار الحاسم في اللحظة التي يشعر بها أن مهمته أصبحت مُستحيلة، على الرغم من إدراكه بأن الرئيس الفرنسي، لن يُسقط من يده ورقة التأليف حتّى لا يبدو أمام الخارج، بمظهر العاجز، خصوصاً وأنه القائل إنه "يضع على الطاولة الشيء الوحيد الذي يملكه: رصيده السياسي". من هذا المنطلق، يبدو أن الايام القليلة المقبلة ستحمل الجواب الشافي. لكن الاكيد انه اذا برزت عقبات جديدة، فإن ذلك سيقود الى استنتاج واضح الا وهو ان لعبة المحاور قد عادت لتفرض نفسها على السياسة اللبنانية. ويبقى السؤال الأبرز: هل يُعتبر تلويح أديب بالانسحاب المبكر والاعتكاف عن أداء المهمة، رسالة مباشرة إلى الثنائي الشيعي، على رأسهم حركة أمل، التي أطلقت معركة الاحتفاظ بوزارة المال، ام أن الرجل يُريد فعلاً أكل العنب ولا يُريد قتل الناطور؟.