تفاصيل الخبر

لا توافق وطنياً على الاستعانة بصندوق النقد قبل وضع الحكومة خطتها الاقتصادية وخياراتها!

19/03/2020
لا توافق وطنياً على الاستعانة بصندوق النقد قبل وضع الحكومة خطتها الاقتصادية وخياراتها!

لا توافق وطنياً على الاستعانة بصندوق النقد قبل وضع الحكومة خطتها الاقتصادية وخياراتها!

[caption id="attachment_75978" align="alignleft" width="301"]       حسان دياب مجتمعا مع جمعية المصارف ورياض سلامة[/caption]

عندما أعلن رئيس الحكومة حسان دياب تعليق سداد سندات "اليوروبوندز" التي كانت مستحقة في 9 آذار (مارس)الجاري، واطلاق مسار تفاوضي مع مالكي السندات ولاسيما الأجانب منهم، أراد الرئيس دياب أن يقول عملياً ان الاستعانة بتمويل من صندوق النقد الدولي ليس وارداً ــ حالياً على الأقل ــ في حسابات الحكومة اللبنانية التي استقدمت خبيرين دوليين مهمتهما التفاوض مع المؤسسات المالية العالمية "اشمور" و"فيديليتي" وغيرهما للنظر في امكان إعادة النظر في استحقاقات السندات واستطراداً جدولتها ــ إذا أمكن ــ بعد حسم ما يمكن من قيمتها.

ثمة من اعتبر ان تعليق سداد السندات بداية يفترض أن تليها قرارات حكومية وممارسات توضح الخطط التي ستعتمد والتوجهات المستقبلية لمواجهة تبعات القرار، والأهم خططها لإعادة تحفيز الاقتصاد. صحيح ان عبارة "تعليق" تختلف لغوياً عن عبارة "التوقف" عن الدفع، إلا انها عملياً ستؤدي النتيجة ذاتها حسب خبراء في القطاع المالي والاقتصادي. ذلك ان الحكومة التي أقرت إعادة الهيكلة، وليس إعادة الجدولة، لن تدفع الديون أو فوائدها كما هي. كذلك يرى الخبراء ان إشارة رئيس الحكومة الى استحقاق 9 آذار (مارس) الجاري حصراً، هو عملياً توقف عن دفع كل المستحقات لأن عقود "اليوروبوندز" تنص على استحقاق كل الاصدارات عند عدم دفع أي اصدار منها.

تعديل ايجابي في أرقام الموازنة!

ولعل أولى النتائج التي ترتبت عن "تعليق" الدفع، كانت الحفاظ على الاحتياطي في مصرف لبنان لتمويل استيراد السلع الاستراتيجية مثل القمح والبنزين والمستلزمات الطبية وحاجات الصناعيين. وهو كذلك أسهم في تعديل أرقام موازنة العام 2020 التي أصبحت نافذة بعد مرور شهر على إحالتها الى رئاسة الجمهورية من دون أن يوقعها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لعدم تضمنها قطع الحساب عن السنوات السابقة. لقد لحظت موازنة 2020 مبلغ 4694 مليار ليرة كلفة خدمة الدين، أي عملياً كلفة فوائد "اليوروبوندز"، وكلفة فوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، فالأولى يبلغ مجموعها 3633 مليار ليرة، والثانية 1061 مليار ليرة. وبالتالي فإن إعادة الهيكلة ستعني مباشرة التوقف عن دفع 3633 مليار ليرة هي خدمة الدين الخارجي، علماً ان وزارة المال كانت دفعت الشهر الماضي جزءاً من الفوائد بلغ نحو 70 مليون دولار. وتقدر مصادر وزارة المال نسبة الانخفاض التي تنتج بنحو 57 بالمئة أشار إليه الرئيس دياب في كلمته أمام مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، لكن المشكلة تبقى في ان الـ2700 مليار ليرة المتبقية من العجز مرجحة للازدياد إذ ان التقديرات تشير الى انه نتيجة الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد سيكون من الصعب تحقيق الايرادات المتوقعة، علماً ان ثمة من يرى ان لا صعوبة في معالجة العجز من خلال اكتتاب مصرف لبنان في سندات خزينة لتغطيته، وسط حديث يتنامى عن ان الاجراءات الحكومية المنتظرة ستؤدي الى "تصغير" العجز.

وفيما تراهن مصادر حكومية على ان انخفاض سعر النفط بعدما وصل سعر البرميل الى 35 دولاراً، سوف يؤثر ايجاباً على قيمة الاعتمادات التي تخصص لشراء الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان، فإن مراجع مالية ترى ان مصرف لبنان سيكون أمام فرصة تخفيف وتيرة انخفاض موجوداته من العملة الصعبة التي يؤمن بها الاعتمادات بالدولار لاستيراد المشتقات النفطية، علماً انه سبق للمصرف المركزي أن أعلن بأنه يتكفل بتأمين 85 في المئة من قيمة الاعتمادات المخصصة للنفط. إلا ان هذا الواقع لا ينسحب على "اليوروبوندز" لأن

[caption id="attachment_75979" align="alignleft" width="413"]                                   نصرالله في خطابه الاخير                                 [/caption]

مقاربته تختلف عن مقاربة تراجع العجز في الموازنة الى نسبة 57 بالمئة.

من هنا، فإن ثمة من يرى بأن أي خلل في التفاوض مع حملة سندات "اليوروبوندز" سيضع لبنان أمام خيارات صعبة مجدداً سواء رفض أصحاب السندات التفاوض ــ كما يخشى البعض ــ أو وضعوا شروطاً صعبة، كما يتوقع البعض الآخر. من هنا تبقى فرضية الاستعانة بصندوق النقد الدولي واردة في حساب الدولة اللبنانية وإن كانت تدرك محاذير مثل هذه الاستعانة لاسيما وان القرار في شأنها لم يعد قراراً مالياً تقنياً فحسب بل أصبح قراراً سياسياً بعد الموقف الذي صدر عن جهات حزبية مثل حزب الله وغيرها، رفضت التعاون مع صندوق النقد الدولي إلا في مجال الاستشارة فقط. وفي هذا السياق تقول مصادر مطلعة انه خلال اجتماع عقد قبل فترة في عين التينة بين مسؤولين من حركة "أمل" وحزب الله رئسه نبيه بري، استقر الرأي بعد النقاش على عدم الانخراط في أي برنامج مع صندوق النقد الدولي والاكتفاء بالمشورة التقنية. وصدرت مواقف عن قياديين في الحزب تصب في هذا الاتجاه رافضة ما سمته بـ"الوصفات الجاهزة" التي اشتهر بها الصندوق في التعامل مع أزمات مماثلة لتلك التي يمر بها لبنان حالياً، نظراً للمخاوف من أن تكون لشروط الصندوق القاسية في مقابل منح مساعدات مالية، تداعيات على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وما وُصف بـ"فرض وصاية اقتصادية" على لبنان.

ليونة محدودة!

   

إلا انه سجل في الآونة الأخيرة بعض الليونة حيال امكانية التعاون مع صندوق النقد الدولي اختلفت التفسيرات حوله، لاسيما اعلان أحد المسؤولين في حزب الله ان الحزب "يرحب بأي مساعدة خارجية شرط ألا يتم التسلل منها لفرض وصاية على لبنان لأننا لا نريد ان نرهق اقتصادنا ومجتمعنا ومستقبل أهلنا لجهات خارجية، وفي الوقت نفسه نحن حريصون على الاصلاحات التي تشجع الجهات الخارجية على تقديم المساعدات". بعض المحللين اعتبر ان هذا الموقف "المرن" من الحزب تلا اعلان إيران طلب مساعدة صندوق النقد الدولي للمرة الأولى منذ العام 1962، الأمر الذي انعكس ايجاباً على مقاربة الحزب لفكرة التعاون مع الصندوق. فإذا كانت إيران لم تعد مترددة في طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، فهل يمكن أن يبقى التردد، لا بل الرفض، سيد قرار حزب الله لاسيما وان الاعلان الإيراني عن طلب المساعدة صدر عن لسان وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" الذي عكس ارادة القيادة الإيرانية في وقت تحاول فيه طهران إظهار مرونتها حيال المبادرة الفرنسية في إعادة التواصل بين إيران والدول الأوروبية خصوصاً والمجتمع الدولي عموماً. وذهب هؤلاء

[caption id="attachment_75980" align="alignleft" width="295"]                                 نبيه بري                              [/caption]

المحللون الى حد القول ان "إشارة خضراء" وردت من طهران والتقطتها الضاحية الجنوبية، ما يعني ان التحول في موقف الحزب من صندوق النقد الدولي له امتداداته الاقليمية، وبالتالي يمكن التأسيس عليه.

غير ان مصادر أخرى اعتبرت ان الموقف الإيراني من صندوق النقد ينطلق من حسابات إيرانية خاصة، في حين ان "المرونة" التي صدرت من حزب الله تجاه هذا الخيار نتجت عن تقييم الحزب لفكرة التعاطي مع الصندوق بهدف التخفيف من وطأة المأزق المالي الراهن في لبنان بعدما سُدت المنافذ أمام مخارج أخرى ممكنة. لذلك لا بد من الخروج بأقل خسائر ممكنة. وهذه الاعتبارات ــ تقول المصادر ــ أملت على قيادة الحزب إظهار ليونتها لاسيما وان الأزمة الحادة تتطلب نوعاً من "البراغماتية" و"الواقعية" في السلوك، من دون تبديل عميق وجوهري في رفض الاستسلام في شروط يفرضها الصندوق على لبنان تمس سيادته واستقلالية قراره. وتضيف المصادر القريبة من الحزب بأنه ليس في صدد افتعال معركة مباشر ضد الصندوق في حد ذاته بل هو يعتبر ان المشكلة هي مع مضمون برنامجه القاسي الذي يأتي عادة "معلباً"، أي سلة واحدة متكاملة من البنود الصعبة والمؤلمة التي يتم عموماً فرضها على الدول التي تستنجد به. ولا يمانع حزب الله، وفق المصادر القريبة منه، في أن تعرض الحكومة خطتها الانقاذية الشاملة بعد انجازها على خبراء الصندوق لمعرفة رأيهم فيها وملاحظاتهم عليها ما دام القرار النهائي والحاسم سيبقى في يدها. المهم ــ بالنسبة الى الحزب ــ ان يخرج برنامج المعالجة من عند الحكومة وليس من "صندوق النقد"، وبعد ذلك لا شيء يمنع التشاور وتبادل الآراء لتحسين التوجهات أو تصويبها تحت سقف مراعاة المصالح اللبنانية العليا وتحصين الفقراء وذوي الدخل المحدود. إلا ان ما لن يقبل به الحزب هو خفض حجم القطاع العام بنسبة كبيرة لأنه سيؤدي الى فقدان كثير من الموظفين أعمالهم، أو زيادة على ضريبة القيمة المضافة (TVA) بعدما تردد ان هذه الزيادة تراوح بين 15 و20 بالمئة، إضافة الى خصخصة قطاعات عامة مثل الكهرباء والهاتف الخلوي وغيرهما. أما ما يقبل به الحزب، فهو ــ حسب المصادر نفسها ــ ما لا يؤدي الى ارهاق المواطنين لأنه سوف يحدث انفجاراً اجتماعياً كبيراً لاسيما وان قدرة الناس على التحمل باتت ضئيلة جداً. وتسارع المصادر الى القول إن رفض مثل هذه الشروط التعجيزية ينسحب على أي مؤسسة خارجية ترغب في تقديم المساعدة للبنان وليس فقط من صندوق النقد الدولي، علماً ان الرئيس سعد الحريري ــ تقول المصادر ــ كان أعلن أكثر من مرة انه لا يقبل "كل شروط" صندوق النقد. وكذلك أعلن الرئيس نبيه بري معارضته الاحتكام الى صندوق النقد الدولي لأن الأولوية هي لوضع خطة اقتصادية لبنانية متكاملة "ولا بأس من عرضها على الصندوق" الذي يمكنه أن يقترح تعديلات عليها انطلاقاً من خبرته الدولية.

القرار سياسي!

في المقابل، تقول مصادر حكومية ان خيار الاستعانة بصندوق النقد الدولي لم يطرح بعد ولا يزال في إطار الحديث عن الاستفادة من خبرة الصندوق وليس "تسليم لبنان ذقنه" الى الصندوق، وإن كانت القدرة اللبنانية على مقاومة رفض مالكي سندات "اليوروبوندز" ستكون محدودة، علماً ان الاشارات التي وردت حتى الساعة من هؤلاء المالكين ليست نهائية إذ ثمة روايات متعددة عن مواقفهم لا بد من "تصفيتها" في النهاية لمعرفة الخيار الأخير. وتضيف المصادر الحكومية ان قرار الاستعانة بصندوق النقد الدولي قرار سياسي يحتاج الى جولة تشاور سياسية لأن المسألة لم تعد تقنية حتى يكون القرار فيها تقنياً ومالياً فحسب، بل أصبح القرار يتطلب توافقاً لاسيما من الأطراف الفاعلين وفي مقدمهم "الثنائي الشيعي" الذي اتخذ مواقف معلنة في هذا الصدد، مع الإشارة الى وجود تناقض في مواقف القيادات السياسية جرى التعبير عنه من خلال ما صدر عن "القوات اللبنانية" وعن بعض نواب تيار "المستقبل"، ما يدل على انقسام حيال هذه المسالة يضاف الى الانقسامات الأخرى التي تبرز في مواضيع لا توافق وطنياً عليها بعد. وفي رأي المصادر الحكومية ان المسافة لا تزال بعيدة عن الاستعانة بالصندوق لغايات غير استشارية، على رغم الضغوط التي تتعرض لها الحكومة بحجة ان اجراءاتها "تغير وجه لبنان الاقتصادي"!