تفاصيل الخبر

لا تُحرجوا رياض سلامة.. لتخرجوه!  

20/05/2016
لا تُحرجوا رياض سلامة.. لتخرجوه!  

لا تُحرجوا رياض سلامة.. لتخرجوه!  

بقلم خالد عوض

سلامة

هناك أزمة مالية جدية مقبلة في لبنان، ليس الاهتمام الفرنسي الأخير ولا الحركة السياسية الداخلية التي نشطت باتجاه ملء الفراغ الرئاسي بعيدين عنها. المؤشر المباشر لهذه الأزمة هو الانخفاض المستمر في احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي من أكثر من ٣٩ مليار دولار إلى أقل من ٣٦ مليار دولار حتى منتصف ايار (مايو) ٢٠١٦، أي بمعدل حوالى نصف مليار دولار شهرياً. وعندما يخسر مصرف لبنان ما يقارب ١٠ بالمئة من الاحتياطي الأجنبي في هذه المدة البسيطة، والحبل على الجرار، يعني أن الأوكسجين الذي تتنفس من خلاله الليرة اللبنانية بدأ يتناقص. فاستقرار سعر الصرف، وهو ركيزة الاستقرار النقدي الذي سعى إليه مصرف لبنان بقيادة رياض سلامة منذ تسعينات القرن الماضي، يعتمد على قدرة مصرف لبنان على التدخل لحماية الليرة من الخضات السياسية، والهزات الاقتصادية الداخلية والخارجية، ومن المضاربات التي يمكن أن يلجأ إليها بعض الأفراد والمؤسسات المالية إما طمعا أو للتأثير على السياق السياسي في البلد. هذه القدرة على التدخل لشراء أو بيع الدولار من أجل تثبيت سعر الليرة قوامها الاحتياطي من العملات الأجنبية. منذ ستة شهور وحتى اليوم باع مصرف لبنان أكثر من ٣ مليارات دولار للحفاظ على سعر ١٥٠٧ ليرة مقابل الدولار.

خلال عهد رياض سلامة صمدت الليرة في احلك الظروف، من الشلل الاقتصادي الذي أصاب البلد مع مجيء الرئيس اميل لحود عام ١٩٩٨، إلى الاعتداءات الإسرائيلية على البلد وتدمير محطات الكهرباء قبيل التحرير عام ٢٠٠٠، إلى الكباش السياسي الذي استمر بين لحود والحريري بين ٢٠٠٠ و٢٠٠٤، إلى مسلسل الاغتيالات الذي عم لبنان بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٧، مرورا بحرب تموز ٢٠٠٦، والشلل الحكومي بين ٢٠٠٦ و٢٠٠٨، وصولا إلى ٧ ايار (مايو) ٢٠٠٨ الذي أتى بتسوية الدوحة، لم تهتز الليرة خلال كل هذه الفترة، وكان عنوان الثقة بها إسم واحد: رياض سلامة.

حتى عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان في ايار (مايو) ٢٠١٤ ودخل البلد في الفراغ، وبالرغم من توقف العمل الحكومي بعد ذلك عدة مرات، ورغم الأزمة السياسية الخانقة والكساد الاقتصادي والتهديدات على الحدود الشرقية وبحر النازحين السوريين وأزمة النفايات، ظل مصرف لبنان قادراً على الحفاظ على الاحتياطي الأجنبي بل تمكن من تحقيق زيادات طفيفة فيه حتى ناهز مجموعه الأربعين مليار دولار مع نهاية طربيهالصيف المنصرم.

هناك ثلاثة أمور تؤثر فعلياً اليوم على الاحتياطي المالي: الأمر الأول هو انخفاض سعر النفط والتراجع الاقتصادي في دول الخليج والدول الإفريقية التي تأتي منها معظم تحويلات اللبنانيين. الثاني هو الإنكفاء الخليجي عن لبنان بسبب أفعال حزب الله والتلبك الحكومي ازاءها، وتبعات ذلك استثماريا وماليا. والأمر الثالث هو التشديد الدولي على انخراط لبنان مالياً في قوانين مكافحة الإرهاب والضغوطات الأميركية على النظام المصرفي اللبناني لتطبيق العقوبات على حزب الله. هذه العوامل اجتمعت في الفترة الأخيرة وأدت إلى تدخل مصرف لبنان لتغطية الطلب الداخلي المستجد على الدولار في ظل العجز المتزايد في ميزان المدفوعات. وهنا يجب التأكيد أنه لولا سياسة مصرف لبنان في التخطيط لجذب الودائع إلى البنوك اللبنانية وتحديد نسبة المؤونات المصرفية في البنك المركزي، ما كنا لنملك القدرة اليوم للتعامل مع هذه العوامل.

 لذلك فإن التصعيد السياسي الأخير لحزب الله ضد مصرف لبنان والبنوك التي أراد بعضها أن يكون ملكياً أكثر من الملك الأميركي، لا يصب في خانة المصلحة المالية للبلد. والكلام عن الظلم الذي يصيب مجموعة من اللبنانيين دون أخرى بسبب العقوبات الأميركية صحيح، ولكنه مع الأسف نتيجة طبيعية لسياسة واضحة اختارها حزب الله في سوريا واليمن وغيرها من الدول العربية.

في كل الأحوال، في لبنان هناك خط أحمر يجب على الجميع أن يعرفوا حدودهم أمامه بل أن يتمسكوا به، وهو حاكم البنك المركزي رياض سلامة الذي عبر بالنظام المالي خلال ظروف سيئة جدا، وهو الرجل القادر على تخطي الظروف الأسوأ التي نحن بصدد مواجهتها.