انتخب حزب الطاشناق قيادة جديدة على رأسها الأمين العام للحزب النائب آغوب بقرادونيان، في وقت يحتفل الحزب والجمهور الأرمني بالذكرى المئوية للإبادة الأرمنية في العهد العثماني يوم 24 نيسان/ أبريل من العام 1915. فماذا يقول الأمين العام الجديد، وهل التغيير الحاصل أمر عادي انطلاقاً من مبدأ تداول السلطة، أم ان الظروف الخطيرة التي يمر بها لبنان اقتضت هذا التغيير؟!
<الأفكار> التقت النائب آغوب بقرادونيان في مكتبه داخل مبنى نواب كتلة الأرمن في برج حمود وحاورته في هذا الملف، بالإضافة الى شؤون وشجون الوضع الداخلي لاسيما الأزمة الرئاسية والتعثر الحكومي بدءاً من السؤال:
ــ انتخابك كأمين عام جديد لحزب الطاشناق، هل هو تغيير عادي ضمن إطار تداول السلطة أم يحمل رسالة ما في هذا الظرف الذي يمر به لبنان؟
- المؤتمر العام للحزب ينعقد كل سنتين، وسبق أن عقد قبل عملية الانتخاب التي تصب في إطار تداول السلطة لأننا حزب مؤمن بالديموقراطية وتداول السلطة، ونعتبر ذلك مسألة صحية في المبدأ والأساس والممارسة، وكانت الدورة العادية للمؤتمر على مدى ثلاثة أيام حيث حصلت مناقشة لتقرير اللجنة المركزية السابقة والوضع العام وبنود الجدول من قضايا سياسية واجتماعية وتنظيمية الى وضع الطائفة في لبنان وإجمالاً وضع المنطقة ثم عمدنا الى انتخاب لجنة مركزية جديدة والتي قامت بدورها بانتخاب الأمين العام.
وأضاف قائلاً:
- وتبديل الوجوه في الحزب يصب في إطار تداول السلطة ولا يوجد لدينا رئيس للحزب أو احتكار لأي موقع أو ان هناك زعيماً للحزب ولا توجد وراثة في حزبنا، بل بالعكس كل الرفاق متساوون ولديهم حظوظ لتحمّل المسؤولية، والمؤتمر العام هو مسؤولية القيادة والمرجع الأساسي لدينا، وبالتالي فالتغيير أو مجيء لجنة مركزية جديدة أو أمين عام جديد لا يؤثر، لأن المؤتمر العام يحدد التوجهات، ولقد كان هذا المؤتمر مهماً لأن الوضع متأزم أكثر ولأن هناك استحقاقات مهمة في هذه المرحلة، ونظراً لوجود معاناة لدى الناس إجمالاً، ولأن انعقاده يصادف الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، وكان لا بد من اتخاذ القرارات المناسبة وانتخاب لجنة مركزية جديدة وأيضاً انتخاب الأمين العام. وأنا لدي مهمة محددة هي تنفيذ مقررات المؤتمر العام.
ــ هل سبق أن حصل جمع بين الأمانة العامة والوزارة أو النيابة كما حصل اليوم معكم؟
- حصل ذلك عام 1996 عندما كان الدكتور الرفيق سيبوه هوفننيان أميناً عاماً للحزب وترشح وانتخب نائباً، لكن الآن أنا نائب وانتخبت كأمين عام، وبالتالي فالظروف هي التي تحكم بهذا الامر لاسيما وان نظام الحزب لا يمنع الجمع بين الأمرين، لكن من خلال الممارسة لم نكن نحبذ ذلك.
ثوابت الحزب باقية
ــ ما هو التوجه العام الجديد لكم وما هي السياسة التي تتبعونها، وهل سيحصل تغيير أم ان الأمور ستبقى كما هي عليه؟
- لن يحصل أي تغيير ونحن أكدنا الثوابت الحزبية التي نعتبرها ثوابت لبنانية مئة بالمئة وهي الحرص على الاستقلال والحفاظ عليه والحفاظ على السيادة والحرية ومبدأ التعايش واعتبار الحوار السبيل الوحيد لحل المشاكل الداخلية وتقريب وجهات النظر والانفتاح على الجميع ومدّ الأيادي لكل اللبنانيين.
ــ وماذا عن التحالفات؟
- تحالفاتنا ثابتة ولا تتزعزع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وعندما نمدّ اليد لأي طرف لا نبدّل مسارنا إلا إذا تراجع الطرف الثاني. ونحن مرتاحون في تحالفاتنا وصداقاتنا مع الذين نختلف معهم في الرأي، ولا توجد لدينا خصومات سياسية بل مجرد خلافات في الرأي وشاءت الظروف أن نكون على اختلاف مع البعض، لكن حتى مع الحلفاء توجد خلافات وتباينات، ومع غير الحلفاء يوجد تقارب في الرأي أحياناً.
ــ وهل تحالفكم مع التيار الوطني الحر ثابت رغم التمايز عنه في محطات كثيرة آخرها التمديد للمجلس النيابي؟
- نحن لا نتخذ هذه المواقف لكن نتمايز عن الحلفاء. فالتمايز ليس لأجل التمايز بل لدينا قناعة معينة نترجمها عملياً. أضف الى ذلك ان التحالف لا يعني نتيجة طبق الأصل عن الآخر في كل شيء، حتى الحلفاء لا يرضون بأن نكون كذلك، فالتحالف الصحيح هو تحالف بين أطراف لديهم وجودهم وحيثياتهم وطروحاتهم وخياراتهم، لكن هناك مساحة كبيرة للاتفاق بينهم ومساحات أخرى يختلفون فيما بينهم، إنما هذا الاختلاف لا يؤدي الى التفرقة، بل بالعكس هذا الاختلاف يعطي ثروة جديدة للحياة الديموقراطية وتطوير الأفكار للوصول الى الهدف المشترك.
مئوية الإبادة الأرمنية
ــ نأتي الى ذكرى مئوية الإبادة الأرمنية التي تصادف يوم 24 نيسان/ أبريل المقبل وبدأتم منذ شباط/ فبراير الماضي بالتحضير لها وإقامة احتفالات متفرقة. فماذا تعني لك هذه الذكرى؟
- تعني لي الكثير، فأنا حفيد جد لم أرهُ أبداً، وابن شخص لم يرَ والده أبداً، وأنا ابن عائلة لم أعش بين أحضان جدي وعمي ولم أشعر بالحنان يوماً، لا بل عشت لفترة من الزمن لم أرَ جدتي إلا وهي تلبس السواد حداداً وحزناً على زوجها واخوتها وأقاربها وكل جيرانها، ولم أعش في بيت أجدادي ولا في أملاكهم. هذا على الصعيد الشخصي، لكنني ابن شعب لم يتعرض فقط الى جرائم إنسانية وإبادة جماعية، بل الأخطر انه اقتلع من أرضه ومن أصله وتمّ تهجيره الى الخارج. فهذه ذكرى تسلّط الضوء على لاإنسانية ولاأخلاقيات العالم الذي يرى أن المصالح السياسية والاقتصادية والنفط وسواها أهم بكثير من حقوق الإنسان وكل الأحداث السياسية التي نقرأ عنها ولكننا لا نلمسها عند التجربة خاصة اليوم عندما يكرّر التاريخ نفسه.
ــ هل تقصد ما يتعرض له المسيحيون في العراق وسوريا ومعهم الأيزيديون والآشوريون، وهل ترى أن هناك مخططاً يستهدفهم لإفراغ المنطقة من مكوناتها وقيام إمارات إسلامية تبرّر إعلان يهودية الكيان الصهيوني؟
- ما يحصل في الموصل والحسكة وقبله في <كسب> السورية يؤكد ذلك رغم أنني اعتبر ان الدولة العثمانية نفذت إبادة الأرمن لأسباب سياسية واقتصادية تتعلق بالحكم العثماني الطوراني القديم، والإسلام لا علاقة له بهذه الإبادة، وأنا أعرف ان الدين الإسلامي دين تسامح وتعايش، لكن التاريخ يكرّر نفسه لأن الأطماع السياسية لا تزال كما هي وبأوجه مختلفة، وأعود الى الأعوام 1921 و1922 و1923 وانسحاب فرنسا من <كيليكيا> والموجة الجديدة من تهجير الأرمن من تركيا حيث عملت تركيا يومئذٍ المستحيل مع عصبة الأمم حتى لا يسكن الأرمن في مناطق حلب والقامشلي والجزيرة لسبب وحيد هو كيلا يكونوا على حدود الأراضي المحتلة، تماماً كما تفعل اسرائيل اليوم حيث يُقتلع الفلسطيني من أرضه ويهجّر ويرحّل الى أماكن الشتات، لا بل جرت محاولات لتهجير الأرمن الى تونس ومدغشقر، واليوم نرى أن العثمانيين الجدد (وأنا أعتبرهم أصليين وليس جدداً حتى في طريقة القتل التي نشاهدها) يعمدون الى اقتلاع المسيحيين بمن في ذلك الأرمن من المنطقة الحدودية والداخل السوري لإراحة المشروع العثماني. وفي الضفة المقابلة تتحرك اسرائيل سراً لدعم هذا التوجه كي يقتل العرب والمسلمون بعضهم البعض ويجري تقسيم المنطقة ويهجّر المسيحي منها، لا بل يُقتلع لتنفيذ مخططها بتهويد القدس وفلسطين وإعلان الدولة اليهودية، بينما العالم الغربي يتفرج ويفتح أبواب السفارات للمساهمة في تحقيق مشروع التقسيم الجديد في المنطقة، وبالتالي فإن تركيا واسرائيل وجهان لعملة واحدة والسلاح الذي استعمل في عهد السلطان عبد الحميد وحزب <الاتحاد والترقي> يستعمل نفسه في العراق سواء في نينوى والموصل، وفي سوريا سواء في الحسكة والقامشلي أو في <كسب> في السنة الماضية عندما عبرت تركيا الحدود وبدأت بقصف منطقة <كسب> الأرمنية ومن ثم فتحت الأبواب لدخول جحافل من المقاتلين المرتزقة من كل صوب وحدب لاقتلاع الأرمن من هذه الأرض وحدود الأراضي المحتلة.
وتابع يقول:
- وبالتالي نحن من خلال إحياء ذكرى الإبادة الأرمنية لا نعتبر أن الذكرى تخص الأرمن فقط، فهذه الإبادة تخص كل عربي وكل إنسان خاصة وان العرب عاشوا عبر أجدادهم تحت النير العثماني لأكثر من أربعة قرون، وان اللبنانيين اختبروا النير التركي في جبل لبنان وعانوا الأمرّين بسبب الحصار والسخرة والمجاعة، وبالتالي لا بد لكل عربي ولبناني من أن يقف الى جانب أخيه الأرمني لأننا نتحدث اليوم عن إبادة شعب ولو عوقبت تركيا منذ زمن، لما كانت اسرائيل كررت ما فعلته تركيا بالفلسطينيين وحصل اقتلاع للشعب الفلسطيني من أرضه وهجّر الى أقاصي الأرض أو حتى لما كان حصل ما يحصل اليوم من إبادة للشعب العراقي أو محاولة الإبادة الجارية في سوريا.
ــ الأزمة الحكومية وجدت طريقها الى الحل. فما العمل كي لا يتكرر التعطيل؟
- سبق وقلنا عندما زرنا الرئيس تمام سلام في الأسبوع الماضي ان الأزمة ستجد طريقها الى الحلحلة، على أن يعتمد مبدأ التوافق داخل مجلس الوزراء، لكن من دون تعطيل. وللأسف في غياب التوازن السياسي العام هناك اجتهادات مختلفة حول تفسير الدستور إضافة الى وجود ثغرات لا مجال للحديث عنها اليوم، لكن الأولوية في الوقت الحاضر هي لإنجاح الحكومة بحيث لا يستغل التوافق للتعطيل، إنما لا بد من القيام بكل الجهود للوصول الى التوافق والذهاب الى الأبعد في إتمامه قبل طرح أي موضوع على التصويت، والرئيس تمام سلام لديه مقاربة صحيحة وهو في روحية التوافق، والوزراء أيضاً لديهم روحية التوافق لأن نجاح الحكومة هو نجاح للوزراء أنفسهم أيضاً ولمن يقف وراءهم من أطراف سياسية وألا يلجأ البعض الى التعطيل الكيدي للعمل الحكومي ويرفض توقيع قرارات ومراسيم معينة، علماً أن المطلوب منا جميعاً هو ان تكون أولوية الأولويات هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولا يفهم أحد ان إعطاء الزخم للحكومة يعني أن تبقى الى أبد الآبدين وتقوم مقام رئيس الجمهورية، فلا بديل عن الرئيس.
الرئيس القوي ضرورة
ــ يتهمون تكتل التغيير والإصلاح بأنه لا يساهم في إنجاز الاستحقاق من خلال مقاطعته الجلسات. فكيف ترد على ذلك؟
- كلنا نعرف ان الموضوع لا يتعلق بحضور أو عدم حضور الجلسات، بل الموضوع يتعلق بانتخاب الرئيس المناسب للرئاسة، ولن أدخل في التفاصيل وأذكر من هو ولماذا؟ والبسطاء وحدهم يعتقدون أن نزولنا الى المجلس كافٍ لانتخاب الرئيس رغم أن لا بسطاء في السياسة اللبنانية، فالأمر أبعد من ذلك والاستحقاق الرئاسي لم يكن لبنانياً حتى ما قبل الاستقلال، بل كانت هناك تدخلات دولية في كل الأوقات ما عدا انتخاب الرئيس سليمان فرنجية فقط، وذلك مرتبط بتكوين لبنان منذ ما قبل الاستقلال عام 1943 وحتى قبل أيام الحكم العثماني يوم كانت السلطنة عند تعيينها لأي ناطور في بلدة معينة تلجأ الى القناصل الأجانب آنذاك، واستمر الوضع على هذا المنوال علماً اننا من فتح المجال للتدخل الأجنبي إنما هذا هو الواقع.
واستطرد قائلاً:
- في هذه المرحلة، أرى أن العالم ليس مشغولاً بلبنان ولا يشكل أولوية لدى السياسة العالمية، لأن هناك قضايا أهم بكثير من لبنان بدءاً من الملف النووي الإيراني الى العراق وسوريا واليمن وليبيا وأوكرانيا ومكافحة الإرهاب، لكن لا بد لنا كلبنانيين من أن نستفيد من هذا الظرف ونذهب للاتفاق كقيادات على انتخاب رئيس، وهنا أشدد على ان الرئيس يجب أن يكون قوياً بقاعدته وحكمته وطريقة التعاطي مع كل الشرائح اللبنانية وبذلك نستطيع الاتفاق على اسمه اليوم، لكنني لا أرى أن الأجواء تساعد على ذلك.
ــ هل ينتج الحوار الجاري لاسيما المسيحي منه رئيساً؟
- الحوار بين التيار والقوات يساعد على تهدئة الأجواء كما حال الحوار بين حزب الله وتيار <المستقبل>، والتخفيف من الاحتقان في الشارع. ولا ننسى ان هناك جفاء بين التيار والقوات لأكثر من 20 سنة لاسيما بين الجنرال والحكيم، حتى انني كمتابع لا أرى صورة للجنرال ميشال عون مع الدكتور سمير جعجع إلا في مناسبتين: الأولى الحوار في المجلس النيابي يوم ترأسه الرئيس نبيه بري، والثانية في المطار يوم ذهبنا الى دولة قطر لتوقيع اتفاق الدوحة وباقي الصور تعود لأيام مأساوية. واليوم الحوار الجاري هو لتقريب المسافات ووجهات النظر شرط عدم الدخول في مشاكل شائكة لا تساعد على استكمال الحوار.
ــ يقال إن كلمة السر الرئاسية الآن عند الدكتور جعجع، فإذا وافق على العماد عون سيصبح الأخير رئيساً على اعتبار ان حظوط جعجع ضعيفة. فكيف ترى هذه المقاربة؟
- هذا صحيح، فكلمة سمير جعجع تساعد، وأحب أن أكون متفائلاً وأقول إن هذه الكلمة توصل العماد عون الى الرئاسة.
ــ وماذا عن عودة الحديث عن معادلة الأقوياء؟
- هذا صحيح، فإذا كان رئيس الحكومة قوياً ورئيس المجلس قوياً، فالمفترض أن يكون رئيس الجمهورية قوياً وأنا مع هذه الفكرة للمساعدة على حل المشاكل والأزمات، وبالتالي لا يجوز أن يكون التوافق على المسيحي الضعيف، علماً أن رئيس الجمهورية هو الحكم كما ينص الدستور، وهنا الحكم لا يكون بدون صافرة ورمز الصافرة هو القوة وإحقاق الحق، وبالتالي فالرئيس القوي هو الذي يحقق الحق والعدالة وليس الضعيف الذي يطالب فقط، ولذلك يجب أن يكون الرئيس قوياً.
ــ سبق لحزب الله عند زيارتكم في مطلع الأسبوع ان قال إن ملف الرئاسة عند العماد عون. فهل أنتم على هذا الموقف أيضاً؟
- عندما يتخذ العماد عون القرار بالترشيح سنكون الى جانبه ونتخذ القرار المناسب آنذاك.