تفاصيل الخبر

لا نص في الطائف عن ”حكومة الوحدة الوطنية“ لكن الأحداث جعلتها حاضرة في كل العهود!

20/12/2019
لا نص في الطائف عن ”حكومة الوحدة الوطنية“  لكن الأحداث جعلتها حاضرة في كل العهود!

لا نص في الطائف عن ”حكومة الوحدة الوطنية“ لكن الأحداث جعلتها حاضرة في كل العهود!

 

تعتقد مصادر سياسية انه بصرف النظر عن نجاح الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في مهمته في أن يحمل هذه الصفة وأن يشكل حكومة جديدة، فإن شكل الحكومة سيكون النقطة المستعصية في هذه المسيرة الطويلة، لاسيما بعدما فرزت المواقف المعلنة بين خيارين: حكومة اختصاصيين تكنوقراط برئاسة الرئيس سعد الحريري، وحكومة تكنوسياسية تضم مجموعة محدودة من السياسيين من ممثلي الكتل النيابية الكبيرة ومجموعة كبيرة من الاختصاصيين يعيشون <في حمى> الوزراء السياسيين ليشكلوا مجتمعين حكومة يمكن اطلاق عليها توصيف <حكومة الوحدة الوطنية>، علماً ان هذا الشعار لم يعد يجد ترحيباً من <الحراك الشعبي> الذي يفترش الساحات والطرق في العاصمة والضواحي مطالباً بـ<سقوط النظام> من دون أن يحدد هؤلاء المعتصمون، من يتحدث باسمهم أو يمثلهم لدخول الحكومة العتيدة، وهذا ما سيكون <الأحجية> التي سيصعب حلها من الرئيس المكلف وفريق عمله...

وترى هذه المصادر ان توصيف <حكومة الوحدة الوطنية> رافق عملياً كل الحكومات التي شكلت بعد اتفاق الطائف انطلاقاً من عنوان <الحكومة التوافقية> الذي غلب على سائر العناوين الأخرى حتى بات ملازماً لكل تشكيلة حكومية في عهود ما بعد الطائف، والتي ضمت أوسع تمثيل نيابي ممكن، في وقت آثرت بعض الجهات السياسية أن تبقى بعيدة عن هذه الحكومات (مثل <القوات اللبنانية> في إحدى المراحل) وحزب الكتائب (في مرحلة سابقة وراهنة).

 

مخرج لـ<الديموقراطية التوافقية>...!

 

ويقول المطلعون انه إذا كان اتفاق الطائف لم ينص صراحة على تشكيل <حكومة الوحدة الوطنية> ولم يأت على ذكرها بوضوح، إلا ان ما يُعرف بـ<روح الطائف> المتلازمة مع نصه، تدعو الى تشكيل حكومات الوحدة الوطنية وهو ما حصل في زمن الوصاية السورية واستمر بعد جلاء آخر جندي سوري عن الأراضي اللبنانية منذ نيسان (ابريل) 2005 وحتى اليوم. وفي رأي هؤلاء المطلعين ان خيار <حكومة الوحدة الوطنية> الذي اعتمد خلال الأعوام الماضية وفي حكومتي عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، شكل مخرجاً ضرورياً لتعميق الديموقراطية التوافقية التي تميز نظام الحكم في لبنان عن غيره من الأنظمة السياسية العربية والأجنبية. وفي هذا الإطار يقول <أبو الطائف> الرئيس حسين الحسيني وغيره ممن عاصروا تلك المرحلة وشاركوا في اقرار اتفاق الطائف، ان هذا الاتفاق لم ينص في أي من بنوده التي أصبح معظمها دستور الدولة اللبنانية المعدّل، عن <حكومة الوحدة الوطنية>، لكن كان هناك نوع من الاتفاق على أن تحكم مثل هذه الحكومات باعتبارها مجلس الوزراء الذي تنحصر فيه السلطة التنفيذية والذي لا شريك لها فيه وتحديداً من رئيسي المؤسستين الدستوريتين، رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب. ويومها كان الهدف من <حكومة الوحدة الوطنية> ان تبقى حوالى سنتين لحل الميليشيات العسكرية واجراء انتخابات نيابية، ويعاد بناء الدولة وتوحيد مؤسساتها الادارية والمدنية والعسكرية والأمنية. ومع انتهاء السنتين، تعيد القوات السورية تموضعها في لبنان من حيث انتقالها (آنذاك) الى البقاع لحماية سوريا في الممر الجغرافي الذي يمكن أن تستعمله اسرائيل للاعتداء على سوريا.

إلا ان الواقع لم يكن كما أراده معدو الطائف إذ استمرت حكومات <الوحدة الوطنية> طوال مدة الوجود السوري في لبنان الذي انتهى في شهر نيسان (ابريل) 2005 والذي شُكلت بعده حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد الانتخابات النيابية تحت عنوان <حكومة الوحدة الوطنية> بعد اغتيال الرئيس الشهيد سعد الحريري. يومها ــ تقول المصادر ــ كان من الضروري تشكيل حكومة <الوحدة الوطنية> لأن زلزالاً ضرب البلاد وكان لا بد من استيعاب هذه الصدمة القاسية التي أحدثت تطورات دامية وردود فعل سلبية على مختلف المستويات. ومع انتهاء عهد الرئيس اميل لحود وتجاوز مرحلة الفراغ الرئاسي اتى اتفاق الدوحة ليحمل الى بعبدا قائد الجيش العماد ميشال سليمان ليصبح رئيساً للجمهورية ويكرس من جهة ثانية مبدأ تشكيل الحكومات على أساس <حكومة الوحدة الوطنية> للملمة البلاد من جديد بعد الأحداث الدامية التي حصلت فيها على اثر ما شهدته بيروت وبعض الجبل من أحداث ردّ فيها حزب الله على قرار حكومة السنيورة بقطع الاتصالات الخاصة بالمقاومة وتغيير رئيس جهاز أمن المطار. واستمر الوضع على حاله لجهة تشكيل حكومات <الوحدة الوطنية> في عهد الرئيس سليمان تفادياً لحصول أي انقسام سياسي لأن اتفاق الدوحة بدا <هشاً> بفعل بعض الأحداث التي وقعت، فصار تشكيل كل حكومة يخضع للمعيار نفسه حتى غدا <عرفاً> يطبق مثل سائر الأعراف المعتمدة والتي لا نصوص دستورية أو قانونية لها.

 

... وأساس لتطبيق <الميثاقية>!

ويرى المطلعون ان ضرورة توزير حزب الله في الحكومات المتعاقبة، فرض تمثيل الأحزاب الأخرى فكان لا بد من إقامة توازن حكومي من خلال وزراء يمثلون <الممانعة>، ووزراء يمثلون الفريق الآخر الذي استمر يعرّف عن نفسه بـ<فريق 14 آذار>. ورفعت شعارات عدة لوظيفة <حكومة الوحدة الوطنية> منها <حماية العيش المشترك> في البلاد و<المحافظة على التوازن> و<تطبيق الميثاقية>... وغيرها من التوصيفات التي ظلت تتفيأ خيمة <الوحدة الوطنية> والتي استمرت حتى عهد الرئيس ميشال عون الذي ورث واقعاً لم يستطع تغييره، علماً انه من دعاة الدولة المدنية حيث لا دور للطوائف والمذاهب في ادارة شؤون البلاد...

يُستدل مما تقدم ان <حكومة الوحدة الوطنية> باتت مرادفة للنظام النيابي اللبناني، وحقيقة قائمة لأنها تعني مشاركة الجميع في ادارة شؤون الدولة، وتمثيل غالبية الأحزاب في الحياة السياسية في البلاد والمؤسسات الدستورية، فكما مجلس النواب نموذج آخر عن <الوحدة الوطنية>، كذلك فإن مجلس الوزراء يجب أن يكون صورة مصغرة عن هذا الواقع ولن يكون من السهل تجاوزه خصوصاً في هذه الظروف التي تمر بها البلاد. فإذا كان من البديهي أن تتمثل كل الأطراف الأساسية في الحكومة يوم كانت الأوضاع مستقرة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً... فكم بالحري يوم أصبح الأمن هشاً، والسياسة مضطربة، والاقتصاد على حافة الانهيار ما يفرض التقاء جميع الأطراف على ضرورة العمل لانقاذ لبنان وهذه العملية لا يمكن أن تقتصر على فريق أو أفرقاء من دون آخرين فالشراكة الوطنية اليوم ــ كما تقول المصادر نفسها ــ تبدو أكثر حاجة من أي وقت آخر، وترجمة هذه الشراكة في السلطة التنفيذية تكون من خلال <حكومة وحدة وطنية> تعيد بناء المؤسسات التي انهارت، وتحقق غطاء للمؤسسات الأمنية بعدما سقطت هيبتها، وتعمل على إعادة الثقة بلبنان اقتصادياً ومالياً في وقت يتوالى فيه تراجع مؤسسات التصنيف المالية حساباتها وتقييمها للوضع اللبناني فتطل على اللبنانيين مع كل صباح بخفض تصنيف هذه المؤسسة المصرفية أو تلك، وصولاً الى خفض المستوى الائتماني للبنان ككل.

وفي تقدير المطلعين ان حكومة جديدة لا تتوافر فيها معطيات <حكومة الوحدة الوطنية> ستبقي سيف سقوطها مصلتاً، وتبقي الثقة مهتزة، خصوصاً في مجلس نيابي مطعون بشرعيته في الشارع، وأحزاب مشكوك بقدرتها على تحمل مسؤولياتها الوطنية. من هنا تبدو <حكومة الوحدة الوطنية> خشبة الخلاص التي سيعبر عليها النظام السياسي اللبناني ليبقى صامداً مع ضرورة تطويره وتعديل مرتكزاته مع ما يتجاوب مع صرخات المتظاهرين والمعتصمين الذين أطلقوا <ثورة 17 تشرين> وما زالوا في الساحات والشوارع يطالبون بـ... <اسقاط النظام>.