تفاصيل الخبر

      لا خلاف في الاستراتيجية والثوابت بين البطريرك وعون بل تكامل في مواقف... وتمايز في أخرى!  

04/09/2015
         لا خلاف في الاستراتيجية والثوابت بين البطريرك وعون بل تكامل في مواقف... وتمايز في أخرى!   

      لا خلاف في الاستراتيجية والثوابت بين البطريرك وعون بل تكامل في مواقف... وتمايز في أخرى!  

 

عون-الراعي   لم تكن زيارة رئيس <تكتل التغيير والاصلاح> العماد ميشال عون للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي متوقعة الأسبوع الماضي، إلا انها لم تشكل مفاجأة إلا للذين راهنوا على تعميق الخلاف بين بكركي والرابية، فيما اعتبر المطلعون على طبيعة العلاقة بين المرجعية الروحية المارونية الأولى والمرجعية السياسية المارونية الأبرز، ان اللقاء بين الرجلين كان طبيعياً ومتوقعاً. صحيح ان زيارة <الجنرال> لـ<سيدنا البطرك> أتت وسط تجاذبات سياسية حادة، وحراك غير مسبوق في الشارع بعيداً عن إرادة الأحزاب والزعماء، إلا انها تندرج في سياق البحث عن صيغة أو أكثر للخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي باتت تحمل في طياتها بذور <انفجار> في البلاد حسب ما توقع رئيس تيار <المردة> النائب سليمان فرنجية ليل الأحد الماضي في <تغريدة> على موقعه في <تويتر>.

   وحرصت الأوساط السياسية على معرفة ما إذا كانت زيارة العماد عون لبكركي قد أعادت تقريب المسافات بين الرجلين أم ان الخلافات ظلت تحول دون تحقيق ذلك؟ المصادر المتابعة أكدت ان <الجنرال> نقل الى البطريرك مخاوفه على مستقبل الشراكة في لبنان إذا ما استمر <تجاهل> حقوق الموارنة خصوصاً، والمسيحيين عموماً، في شراكة كاملة لم تمارس في السابق ولا هي احتُرمت ــ حسب رأي عون ــ في الحكومة الحالية الأمر الذي دفعه الى التصعيد السياسي مقروناً بالدعوة الى تحريك الشارع مع صدور هذا العدد من <الأفكار> هذا الأسبوع لاسيما بعد <الانقلاب> الذي نفذه الفريق المعارض للعماد عون وحزب الله في الحكومة بعد نشر رئيسها مراسيم لم تحمل تواقيع وزراء <التكتل> وحزب الله. أما البطريرك فكرر مخاوفه من استمرار التعطيل للانتخاب الرئاسي متخوفاً من استمرار الشغور الرئاسي، وهو الموقع الماروني الأول في التركيبة السياسية اللبنانية. وتفادى البطريرك توجيه أي نقد مباشر الى العماد عون، إلا انه طرح <ملاحظات> بصيغة أسئلة حول أسباب تحريك الشارع في هذا التوقيت ومدى الفائدة منه في تغيير معادلات لا يرى سيد بكركي امكانية لتغييرها في الوقت الحاضر، كما أسمع ضيفه تساؤلات حول المستفيد من إبقاء قصر بعبدا شاغراً في وقت تهتز فيه <الشراكة> المسيحية ــ الاسلامية من وقت الى آخر ثم تنهض من جديد تواكبها أحداث بعضها فردي والآخر مفتعل، تقع في <الأطراف> ولاسيما في منطقة البقاع التي حرص البطريرك على زيارتها رعوياً مرتين في أقل من ثلاثة أسابيع، الأولى خلال سيامة المطران الجديد لأبرشية بعلبك ــ دير الأحمر المطران حنا رحمة، والثانية خلال جولة واسعة بدأها في زحلة وأنهاها في البقاع الغربي واستمرت ثلاثة أيام.

القهوجي والرئاسة

   إلا ان البطريرك الراعي تخلى عن العبارات <العمومية> والتقليدية في التحذير من تداعيات استمرار الشغور الرئاسي، ليصبح أكثر وضوحاً عندما يتعلق الأمر بالجيش الذي يرفض البطريرك توجيه أي انتقادات للمؤسسة العسكرية ولقائدها العماد جان قهوجي من أي كان، فكيف إذا كان <المنتقد> هو العماد عون نفسه، لأن البطريرك يعتبر ان الجيش يلعب دوراً أساسياً في المحافظة على <الشراكة> الوطنية التي يسعى الى ترسيخها، ويحمي المناطق اللبنانية كافة، وخصوصاً المناطق المسيحية المهددة بقاعاً من مسلحي تنظيم <داعش> و<جبهة النصرة> وغيرهما من التنظيمات الارهابية، وهو قال كلاماً <كبيراً> خلال استقباله العماد قهوجي الأسبوع الماضي في المقر الصيفي في الديمان ومعه هدية تذكارية لمناسبة عيد الجيش. صحيح ان البطريرك لا يعلن موقفاً واضحاً لجهة تأييد العماد قهوجي كمرشح رئاسي لاسيما وان لبكركي ثوابت في ما خص رفض تعديل الدستور، إلا انه لا يُسقط عن العماد قهوجي حقه في أن يكون رئيساً للجمهورية إذا ما تم الاتفاق عليه بين القيادات اللبنانية المعنية وحظي بدعم اقليمي وخارجي لأن الرئيس العتيد ــ يقول البطريرك ــ لا يجوز أن يكون <مقطوعاً من شجرة>.

   وفي هذا السياق ثمة من يذكّر ان اسم العماد قهوجي كان من بين الأسماء التي كان يرددها البطريرك أمام زواره في بكركي، لاسيما منهم الزوار الاقليميين والدوليين من دون أن يعني ذلك ان البطريرك يفضله على غيره من المرشحين الموارنة لاسيما منهم أحد الوزراء السابقين الذي زار مؤخراً دولة أوروبية موفداً من البطريرك في مهمة وصفت بـ<الرئاسية>.

   وخلال اللقاء مع عون أعاد البطريرك الراعي تأكيد ما سبق أن أعلنه في مناسبات عدة ان لا خلافات شخصية بينه وبين <الجنرال>، إلا انه <غير راضٍ> عن أسلوبه في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي لاسيما وانه ــ أي عون ــ <يتجاهل> النداءات التي يوجهها إليه من دون أن يسميه بضرورة النزول الى ساحة النجمة وتأمين النصاب القانوني لانتخاب الرئيس العتيد. إلا ان ذلك لا يعني عدم إلتقاء البطريرك مع ما ينادي به العماد عون من <شراكة حقيقية> و<حضور مسيحي فاعل> في النظام وإقرار قانون الجنسية، وقانون عادل للانتخابات وغيرها من المطالب التي تعيد للمسيحيين حضورهم الفاعل في الحياة السياسية والإدارية والاجتماعية الخ... وهذا التناغم، يلاحظ زوار البطريرك، يشكل قواسم مشتركة بين <سيدنا> و<الجنرال> يتم العمل على تفعيلها من حين الى آخر لاسيما بعدما حصر العماد عون قناة اتصاله بالبطريرك بأمين سر <تكتل التغيير والاصلاح> النائب ابراهيم كنعان بعدما ظهرت القناة السابقة وكأنها <مش قد الحمل>!

 

<الجنرال> يتفهم... لكن أسلوبه مختلف

   في موازاة الأصداء التي تتردد حول العلاقة مع العماد عون، فإن متتبعي مواقف <الجنرال> لاحظوا منذ ما قبل زيارته لبكركي الأسبوع الماضي انه يتجنب توجيه أي نقد أو ملاحظة على مواقف البطريرك الراعي، خلافاً لما كان يحصل في السابق. وما يقوله عون علانية عن <تفهمه> لمواقف <سيدنا البطرك> يكرره في مجالسه الخاصة، لكنه يضيف عليه ملاحظات حول أسلوب البطريرك في مقاربة المواضيع السياسية وفي تعليقاته المعلنة على اللقاءات التي يعقدها مع زواره. إلا ان ذلك لا يلــــــــــــــغي لدى العماد عون رغبة قوية بعدم الخلاف مع البطـــــــــــــــريرك لاسيما وانه لا يرى وجوداً لهذا الخلاف في الأهداف <الاستراتيـــــــجية> مثل السعي الى شراكة فعلية والقانون الانتخــــــابي التمثيلي والوجود المسيحي في الإدارة والإنماء المتوازن الخ...

   ويعتبر العماد عون نفسه <رأس حربة> سياسية للسعي الى تحقيق هذه المطالب، فيما البطريرك <رأس الحربة> الروحية كونه رئيس الطائفة المارونية. والدليل على هذا التناغم، وجود تنسيق دائم ولجان مشتركة في كثير من الملفات الأساسية التي تعزز التناغم بين بكركي والرابية، وهذا ما اتفق <الجنرال> مع البطريرك على استمراره.

   ويقرّ قريبون من العماد عون بأن الأسلوب بينه وبين البطريرك ليس نفسه، لاسيما في مرحلة ما بعد الشغور الرئاسي، وقد برز التباين في الرأي من خلال جملة استحقاقات أبرزها الاتفاق حول قانون انتخابي جديد، إذ يسجل <الجنرال> عدم قيام البطريرك الراعي بدور أساسي للمحافظة على وحدة الموقف الماروني الذي برز خلال لقاءات بكركي في نيسان (ابريل) وأيار (مايو) 2014، وكذلك في موضوع التمديد لقائد الجيش. أما في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، فيعرف العماد عون أن البطريرك <لن يمانع مطلقاً> في انتخابه رئيساً للجمهورية إذا تحقق الاتفاق عليه، لكنه <لن يسعى> لذلك انطلاقاً من ان البطريرك يقول انه على مسافة واحدة من جميع المرشحين الرئاسيين لأنهم جميعهم <أولاده>! ويضيف القريبون ان العماد عون لن <يخاصم> البطريرك أو <يتواجه> معه لأنه يعتبر ان دور البطريركية المارونية في المحافظة على الثوابت المسيحية والوطنية مماثل لدوره هو، وان كانت المقاربة ليست واحدة، علماً ان لا انقطاع في العلاقة ولا خصومة، بل <تكامل مع التمايز>.

   ويبدي العماد عون، كما يقول القريبون منه، قلقه من <الضغوط> التي يتعرض لها البطريرك الراعي من سياسيين وديبلوماسيين <باتوا متخصصين بالتهويل عليه> في مرحلة الاستحقاقات المصيرية، ومنها الاستحقاق الرئاسي حيث ينقل هؤلاء الى البطريرك معطيات غير دقيقة تدفعه أحياناً الى مواقف تظهر وكأنها موجهة ضد العماد الذي <يتفهمها> ولا تستدرجه لأي مواجهة مع البطريرك، لاسيما وأنه ــ أي عون ــ سارع الى توضيح الكثير من النقاط التي يثيرها البطريرك خلال لقائهما الأخير، كما فعل خلال حواره مع رئيس <القوات اللبنانية> الدكتور سمير جعجع و<اعلان النوايا> الذي لقي ارتياحاً لدى البطريرك.