تفاصيل الخبر

لا حل للأزمة الحكومية ولو عاد الحريري من الرياض لأن شرط ”النأي بالنفس“ غير قابل للتطبيق في المدى المنظور!  

17/11/2017
لا حل للأزمة الحكومية ولو عاد الحريري من الرياض لأن شرط ”النأي بالنفس“ غير قابل للتطبيق في المدى المنظور!   

لا حل للأزمة الحكومية ولو عاد الحريري من الرياض لأن شرط ”النأي بالنفس“ غير قابل للتطبيق في المدى المنظور!  

paula-yaacoubian-haririسواء عاد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى بيروت هذا الأسبوع كما قال في إطلالته التلفزيونية ليل الأحد الماضي، أو لم يعد، وسواء عاد عن استقالته التي أعلنها يوم السبت 4 تشرين الثاني/ نوفمبر أم أصرّ عليها، فإن الثابت والأكيد أن الأزمة السياسية التي بدأت مع إعلان <الاستقالة المتلفزة> مع بداية السنة الثانية من ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرشحة لمزيد من التصعيد خلال الأشهر المقبلة، ما سيبقي البلاد في دوامة من اللااستقرار السياسي والتي قد تمتد حتى موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، ذلك أن هذه الانتخابات ستتم في موعدها لا محالة، بحكومة كاملة الأوصاف أو حكومة تصريف الأعمال، لا فرق!

هذا الانطباع تكوّن لدى الاوساط السياسية اللبنانية التي تابعت عن كثب مسار التطورات التي نتجت عن الاستقالة المفاجئة التي أعلنها الرئيس الحريري من الرياض، في ظروف أجمعت المراجع المحلية والاقليمية والدولية على القول بأنها <غامضة> و<ملتبسة> على رغم <الجهد> الذي بُذل لإظهار الرئيس الحريري وكأنه أقدم على خطوته عن سابق تصوّر وتصميم وبقرار ذاتي أملته الأسباب التي أوردها في بيان الاستقالة الذي قال انه كتبه بنفسه وإن كان تضمن عبارات ليست مألوفة في أدبياته. وفي اعتقاد هذه الأوساط أن لبنان مقبل على مواجهة سياسية لن تخلو من الحدة خصوصاً بعدما تصبح حكومة الرئيس الحريري في مرحلة تصريف الأعمال أو إذا استمرت <لا معلقة ولا مطلقة> في حال لم يعد رئيس الحكومة الى بيروت.

صحيح - تضيف الاوساط نفسها - ان الرئيس عون استطاع بفعل إدارته للأزمة المستجدة بعد دقائق من بروزها أن ينجح باستيعاب وجهها الأمني من خلال استنفار الأجهزة الأمنية وتفعيل دورها، ووجهها المالي من خلال ضبط حركة الأسواق المالية بإدارة من مصرف لبنان ووزارة المالية، ووجهها السياسي من خلال مروحة واسعة من الاتصالات ولقاءات التشاور التي لم تستثنِ أحداً، إلا أن الإنجاز الأكبر الذي حققه رئيس الجمهورية يبقى في التحرك الديبلوماسي الذي قام به مباشرة أو من خلال الاتصالات التي أجراها، والذي أدى الى <تدويل> المطالبة بعودة الرئيس الحريري الى بيروت وجلاء الغموض الذي اكتنف إقامته في الرياض من خلال بروز إجماع الدول الشقيقة والصديقة على ضرورة إعادة بسط المظلة الدولية فوق لبنان من خلال المحافظة على الاستقرار والأمن فيه ودعم سيادته واستقلاله وحرية قراره ورفض التدخلات الخارجية في شؤونه من أين أتت، والأهم الدعوات المتتالية الى تمكين الرئيس الحريري من العودة الى لبنان وممارسة عمله السياسي سواء استمر في موقفه بالاستقالة أو عاد عنها.

وفي هذا الالتزام الدولي المعلن أصاب الرئيس عون أكثر من هدف، إذ ضمن عودة رئيس حكومته من جهة، وحرّك المجتمع الدولي لحماية لبنان من جهة أخرى. وقد تلاقت مواقف الولايات المتحدة الأميركية مع مواقف فرنسا والدول الأوروبية ومعها روسيا، في إعلان دعم الخطوات التي يقوم بها الرئيس عون في معالجة تداعيات أزمة الاستقالة الحريرية. ولعل الجولة الواسعة التي قام بها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على عدد من العواصم الأوروبية والفاتيكان وموسكو وأنقرة والتي أتت بعد اتصالات مباشرة مع رؤساء هذه الدول أجراها رئيس الجمهورية، خير دليل على أن الواقع الذي نشأ بعد إعلان الرئيس الحريري عن استقالته قد أصبح <مدولاً> ولم يعد قضية سياسية داخلية تقع على عاتق السياسيين اللبنانيين مسألة حلها.

وبدا من خلال مضمون الاتصالات الرئاسية اللبنانية مع عدد من القادة العرب والاوروبيين ان المناخ بات مهيأ لمقاربة الأسباب التي أدت الى استقالة رئيس الحكومة من منظار مختلف عن المنظار الذي سعى مفتعلو الأزمة الحكومية والمحرضون على نشوئها الى وضعها في إطاره. وفي هذا السياق، تقول مصادر متابعة ان الذين خططوا لدفع الرئيس الحريري الى الاستقالة - بصرف النظر عن أهدافهم المعلنة وغير المعلنة - كانوا يهدفون الى أن تؤدي الاستقالة التي أتت من خارج لبنان الى إحداث توتر سياسي وأمني يواكب الشغور الذي تسلل الى السلطة التنفيذية من خلال تعطيل الحكومة. وثمة من تحدث عن ان ممارسات مقلقة ومؤثرة على الاستقــــرار، كانت ستـــواكب هذا الشغور في المؤسسة الدستورية الثالثة في البــــلاد، أي رئاســـة مجـــلس الــــوزراء، مع ما يعني ذلك من تفلّت يمكن أن يطيح بالكثير من الإنجازات التي تحققت خــــلال السنـــة الأولى من ولاية الرئيس عون.

ولأن مسار الحلول الديبلوماسية طويل ومتشعب، فإن المصادر المتابعة تتحدث بكثير من الحذر عما سيكون عليه المشهد السياسي في البلاد في الآتي من الأيام، لافتة الى ان كل السيناريوات <قائمة> ولا تحمل في الافق حلولاً سريعة إلا إذا نجحت <الوساطات> الدولية في الوصول الى صيغ ترسي حلولاً مؤقتة تخرج لبنان من عين العاصفة الى حين بروز الحلول الشاملة التي يُعمل لها ببطء لإنهاء القتال في سوريا وعودة الاستقرار الى العراق ووضع حد للحرب في اليمن التي يعتبر البعض أنها مفتاح الاستقرار في لبنان بعدما تمدد إليها الصراع السعودي - الايراني وترك آثاره السلبية على دول الجوار، ونظراً لاتهام الطرف الأساسي الفاعل، أي السعودية، حزب الله بالضلوع في تدريب الحوثيين في اليمن وتزويدهم بالأسلحة والذخائر وجلب الصواريخ البعيدة المدى من ايران ووضعها بتصرفهم، ومنها الصاروخ <الباليستي> الذي أطلق على مطار الملك خالد في الرياض قبل أيام.

وفي رأي المصادر المتابعة أن الحديث التلفزيوني الذي أدلى به الرئيس الحريري الى الزميلة بولا يعقوبيان من دارته في الرياض ليل الأحد الماضي، حوى الكثير من الرسائل الموجهة الى اكثر من طرف، لكن أبرز ما كان فيه هو إشارته أكثر من مرة الى دور حزب الله في اليمن وضرورة خروج الخبراء والعسكريين الموجودين هناك والذين تتهمهم الرياض بأنهم وراء تدهور الأوضاع في اليمن والاعتداء على السعودية. من هنا، فإن المصادر نفسها، تؤكد بأن ما أزعج الرياض في الآونة الأخيرة هو دخول حزب الله على خط القتال في اليمن ودعمه للحوثيين بعد الدعم المعنوي وربما المادي الذي يقدمه الى المعارضة البحرينية التي انطلقت في مواجهات متكررة ومنظمة مع القوات السعودية التي نقلت الى اليمن لدعم الحكم الذي أسقط الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وأقام مكانه حكماً برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي والذي يتخذ من الرياض مقراً لإقامته شبه الدائمة مع فريقه الوزاري، ويلقى من المملكة العربية السعودية الدعم والغطاء والشرعية.

 

شرط <النأي بالنفس> صعب التطبيق

أما الشق اللبناني مما يجري من تطورات، فقد بات مرتبطاً هو الآخر بما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تطورات ترتبط بشكل مباشر مع الموقف الذي سوف يتخذه الرئيس الحريري لتحديد مصير استقالته، وهو الذي رفع شعار ضرورة العودة الى اعتماد صيغة <النأي بالنفس> التي ولدت في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي تعني انسحاب حزب الله من الحروب العربية المشتعلة وحصر دوره في الحياة السياسية اللبنانية فقط، علماً أن غالبية الأطراف المحلية والإقليمية والدولية باتت على قناعة بأن دور الحزب بات يتجاوز الساحة اللبنانية الى الساحات العربية المجاورة، وبالتالي فإن أي حل لمشكلة سلاح حزب الله يفترض أن يكون حلاً إقليمياً وليس لبنانياً صافياً. وفي تقدير المراجع المتابعة ان الرئيس الحريري عندما طرح العودة الى <النأي بالنفس> كشرط للخروج من الأزمة الحكومية الراهنة والاتفاق على قواعد تطبيق هذا الشعار - المخرج، إنما رسم خريطة طريق للحل المقترح للأزمة الراهنة، مع إدراكه بأن المسألة ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض أو bassil-macronبالبساطة التي يصورها الراغبون في الوصول الى حل، الأمر الذي يؤشر أن لبنان سوف يدخل نفقاً طويلاً قد يكون من الصعب الخروج منه، لاسيما وأن السيناريوات الموضوعة تلتقي كلها على ضرورة إيجاد حل لدور حزب الله وسلاحه.

وترى المصادر نفسها أن السيناريو الأقرب للتطبيق يقوم على أسس عدة، أبرزها تقديم الرئيس الحريري استقالة حكومته رسمياً الى الرئيس عون بعدما أقرّ رئيس الحكومة أن استقالته التلفزيونية ليست دستورية، ليصار بعد ذلك الى قبولها والشروع بالاستشارات النيابية الملزمة التي ستعيد تكليف الرئيس الحريري تشكيل حكومة جديدة لن تبصر النور في مدى منظور، ما يحوّل الحكومة الحالية الى حكومة تصريف للأعمال تدير شؤون البلاد في نطاق ضيق وفق منطوق الدستور، ليصار بالتوازي الى إجراء مفاوضات حول دور حزب الله تحت شعار <النأي بالنفس>، على أن يكون ذلك النأي حقيقياً وليس مجرد شعار معلن، لاسيما وأن تشكيل حكومة جديدة لن يكون بالأمر السهل في ظل التجاذبات السياسية التي سوف تزداد حدة، لأنها ستترافق مع <حروب> معلنة ضد حزب الله ودوره وسط دعوات ستتنامى لـ<عزل> الحزب عن العمل الحكومي وتغييبه عن أي حكومة جديدة التي سيكون من الصعب، لا بل من المستحيل، ولادتها في وقت قريب. وفي هذا الإطار تتحدث المصادر ان تركيز الرئيس الحريري في حديثه التلفزيوني على مسألة <النأي بالنفس> لم يعد يعني فقط الوضع في سوريا كما كان في السابق، بل هو يقصد عملياً الوضع في اليمن خصوصاً ان السعودية معنية بشكل أو بآخر بالحرب اليمنية أكثر مما هي معنية بالحرب السورية، لأن حرب اليمن ظهّرت أكثر فأكثر الدور الايراني المباشر وغير المباشر (من خلال حزب الله) وهو ما ترفضه السعودية وتعمل على إنهائه بشكل أو بآخر. وفي اعتقاد المصادر نفسها أن الاتصالات الدولية والاقليمية التي تحركت في الايام الماضية هدفت ليس فقط الى توفير مظلة أمان لحماية الداخل اللبناني فحسب، بل كذلك سعت الى تأمين ضمانات بأن خيار <النأي بالنفس> يمنياً سوف يحترم ويلتزم به المعنيون، أي ايران وحزب الله، وما لم يحصل حوار مباشر أو بالواسطة بين طهران والرياض فإنه لن يكون من السهل الوصول الى التسوية المنشودة التي باتت وحدها <مفتاح> حل الأزمة الحكومية التي لم يقتنع أحد أن أسبابها لبنانية وداخلية كما حاولت جهات الترويج لذلك.

 

لا حكومة من دون حزب الله

 

من هنا، تضيف المصادر المطلعة، فإن استقالة الحكومة أو عدم استقالتها لن تغير في الواقع شيئاً، إنما تؤمن الغطاء اللبناني للازمة الأكبر أي استمرار اتهام السعودية لحزب الله وايران بدعم الحوثيين في حربهم ضد الحكم اليمني المدعوم سعودياً. إلا أن ذلك لا يسقط الوجه اللبناني للأزمة الكبرى والذي يتطلب <إدارة> واقعية للبحث عن حلول لن تكون مستدامة إذا لم تجد القضية الأكبر، أي الخلاف السعودي - الإيراني، حلاً عملياً ومتوازناً. لذلك، فإن السيناريو المقترح والقائم على عودة الرئيس الحريري وتقديم استقالته رسمياً الى رئيس الجمهورية تمهيداً لتكليف حكومته تصريف الأعمال والمباشرة بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس الحريري ايضاً لن يبصر النور إلا إذا اكتملت معالم الحل للوضع في اليمن واستطراداً لقواعد الحل في سوريا. وفي اعتقاد المصادر نفسها أنه لن يكون من السهل قبول حزب الله، ومن خلفه ايران، بالتسليم بالأمر الواقع، خصوصاً وان الحلف بين ايران وحزب الله يعتبر نفسه رابحاً في سوريا ويصعب عليه القبول بأي صيغة لا تأخذ في الاعتبار هذا الإنجاز المحقق والذي كلّف غالياً بشراً ومعدات ووجوداً على الساحة السياسية والوطنية ليس فقط في لبنان بل في الكثير من دول الجوار.

ويعتقد بعض المطلعين على مسار الاتصالات الداخلية والخارجية أن التحرك اللبناني صوب الدول الأوروبية وموسكو وتركيا حقق هدفين، الهدف الأول هو تمكين الرئيس الحريري من العودة الى لبنان وممارسة حياته السياسية فيه بصرف النظر عن منسوب الحرية التي سوف يتمتع بها، ويبقى الهدف الثاني وهو تجنيب البلاد أي فتنة داخلية إذا ما <تضافرت> الجهود الخارجية من أجل عزل حزب الله أو محاولة حرمانه من حضور سياسي فاعل أو حتى محاولة تجريده من سلاحه، ذلك ان الحزب الذي يرى نفسه منتصراً في كل المواجهات العسكرية في العراق وسوريا والذي قدم مئات الضحايا وآلاف الجرحى، لا يمكنه أن <يفرّط> بكل هذه المكتسبات تحت أي شعار آخر. لذلك وبقدر ما ستكون ولادة حكومة من دون حزب الله متعثرة، كذلك لن يكون من السهل اقناع الرئيس الحريري بإشراك ممثلين من حزب الله في أي حكومة عتيدة، خصوصاً إذا ما تعثر الاتفاق على آلية عملية للالتزام بشعار <النأي بالنفس> الذي وضعه الرئيس الحريري شرطاً للعودة عن الاستقالة أو لتقديمها والقبول بتشكيل حكومة جديدة نتيجة استشارات معروفة نتائجها سلفاً. والملاحظ في هذا السياق، أن قيادة حزب الله أبقت نفسها خارج النقاش حول التركيبة الحكومية العتيدة والتزمت السقف الذي حدده الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في الخطب التي ألقاها مؤخراً، وتركت للرئيس عون حرية التحرك انطلاقاً من الثقة التي تمنحه إياها. إلا أن مجرد قول نواب في الحزب، ومعهم الرئيس نبيه بري ونواب من حركة <أمل> أن لا إمكانية لتشكيل حكومة <تكنوقراط> وانه لا بد من حكومة سياسية وفق قواعد <اتفاق الطائف>، يعني سلفاً أن أي حكومة لا يتمثل فيها الحزب بالتساوي مع غيره من الاحزاب الكبيرة، ستبقى مجرد حبر على ورق لاستحالة القبول بحكومة لا تمثيل فيها لحزب الله.

وانطلاقاً من السيناريو أعلاه، يلفت متابعون الى أن النجاح في نقل الازمة من عند الرئيس الحريري بعد <الحماية الدولية> التي توافرت له الى الملف الحكومي، له <فوائد> كثيرة في نظر البعض، ابرزها أن الحكومة الراهنة سوف تجري الانتخابات النيابية لإنتاج مجلس جديد قد لا يختلف عن التركيبة الراهنة، إلا إذا استعملت قوى 14 آذار أو ما تبقى منها شعار مواجهة حزب الله وايران مادة انتخابية تستنفر الناخبين وتجعل صناديق الاقتراع ملأى بأسماء مرشحي الاحزاب التي تدور في فلك 14 آذار أو هي تسعى لولادة 14 آذار جديدة. وفي هذا السياق تقول المصادر المتابعة ان التاريخ قد يعيد نفسه ولو جزئياً، ذلك أن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ظلت مادة اقتات منها انصار 14 آذار منذ انتخابات العام 2005 وصولاً الى انتخابات 2009 فتأمنت لهم غالبية وازنة في مجلس النواب، واستطراداً يمكن أن تكون الحملة على حزب الله وايران المادة الجديدة التي تُستغل لخوض انتخابات 2018 على <هديها>، على أمل أن تنتج عنها أكثرية سياسية تواجه اكثرية الممانعة، وهذا يعني عملياً عودة الاصطفافات والتجاذبات في مواجهة غير مضمونة النتائج!