تفاصيل الخبر

لا حكومة جديدة في المدى المنظور والى اللقاء بعد الانتخابات الأميركية!

30/09/2020
لا حكومة جديدة في المدى المنظور والى اللقاء بعد الانتخابات الأميركية!

لا حكومة جديدة في المدى المنظور والى اللقاء بعد الانتخابات الأميركية!

[caption id="attachment_81508" align="alignleft" width="375"] الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" يعرّي القادة اللبنانيين ويستعمل وصف "الخيانة"[/caption]

بين اعتذار سفير لبنان في برلين الدكتور مصطفى اديب عن عدم تشكيل الحكومة بعدما صار رئيساً مكلفاً في 31 آب (اغسطس) الماضي وعودته الى مركز عمله، وبين "البهدلة" التي نفذها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بحق القيادات السياسية اللبنانية الذين "خانوه" و"خدعوه" ولم يلتزموا ما وعدوا به... بين هذا وذاك، دخل لبنان في مرحلة جديدة من الغموض لن يكون من السهل الخروج منها في مدى قريب الا من خلال "اعجوبة".... علماً ان زمن العجائب قد ولى. وهكذا سينعم الرئيس حسان دياب واعضاء حكومته بأمد جديد من تصريف الاعمال، فيما يراود البعض حلم تعويم الحكومة المستقيلة والمقبولة استقالتها.

 بعد 26 يوماً من تكليفه طوى الرئيس اديب الصفحة، وحمل بيان الاعتذار الى قصر بعبدا في لقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استمر 12 دقيقة... سبقه قبل يوم من الاعتذار لقاء استمر 45 دقيقة تخلله اتصال من الرئيس ماكرون مع الرئيسين عون واديب كان كافياً ليقرر اديب حزم حقائبه والعودة الى سفارته وعائلته في برلين. "لم اعد قادراً ان اقنع الثنائي الشيعي بموضوع حقيبة المال وتسمية الوزراء الشيعة... قالها اديب للرئيس ماكرون بعدما وضعه في صورة الاتصالات التي اجراها حتى الربع الساعة الاخير. طلب منه ماكرون ان يحاول مرة اخيرة واذا لم يوفق فهو حر في الخطوة التالية. الرئيس عون انضم الى ماكرون بالطلب من اديب تكرار المحاولة وتواعدا على اللقاء في اليوم التالي، فإما حل وحكومة وإلا فشل واعتذار. لم يكن ماكرون في هذا الاتصال مع عون واديب "لطيفا" كما هي عادته... كان مستاء من ردود الفعل السلبية من "الثنائي الشيعي" الذي قال إن ممثليه في لقاء قصر الصنوبر في الاول من ايلول (سبتمبر) أكدا الموافقة على المبادرة التي اطلقها بتشكيل حكومة مهمة مصغرة تضم اختصاصيين وتعمل على تحقيق الاصلاحات المرجوة لاطلاق عملية دعم لبنان وترجمة وعود  "سيدر" بالافعال لا بالاقوال. لم يكن سعيداً ماكرون وهو يسمع "معاناة" الرئيس اديب في اقناع "الثنائي" بضرورة تسهيل مهمة تشكيل الحكومة: لا تراجع عن حقيبة المال ولا قبول بأن يسمي المكلف الوزراء الشيعة الثلاثة في الحكومة. ازداد غضب ماكرون عندما قال له الرئيس اديب إن كل العروض التي قدمها قوبلت بالرفض، والتي زاد عليها الرئيس عون المبادرة التي كان اعلنها برفع الحصرية الطائفية عن الوزارات السيادية (بما فيها المال) وتسليمها الى غير الطوائف الرئيسية الثلاث.

 استوضح ماكرون الرئيس عون فحوى اقتراحه فشرحه له الرئيس اللبناني معتبراً انه مخرج للجميع، لرؤساء الحكومة السابقين الذين اصروا على المداورة في توزيع الحقائب، ولــ "الثنائي الشيعي" الذي كان يصر على "شيعية" وزارة المال ويلقى معارضة شبه عارمة. سأل ماكرون عن ردة الفعل الشيعية على عرض الرئيس عون فقيل له ان "الثنائي" رفض الطرح، ورئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد اعتبره خطاً أحمر ولا مجال لأي تنازل.

كتاب الاعتذار

[caption id="attachment_81510" align="alignleft" width="400"] رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.. باق لتعذر تشكيل حكومة جديدة حالياً.[/caption]

 أقفل ماكرون الخط تاركاً لأديب فرصة المفاوضة مرة اخيرة، لكنه كان على معرفة مسبقة بأن عرض اديب سيرفض. جمع الرئيس الفرنسي معاونيه وسأل عن الخطوة التالية فكانت الاستشارة انه من الافضل ان يعتذر اديب ويتحمل الذين اضاعوا الفرصة مسؤولية ما فعلوا. وفي صباح اليوم التالي، حمل اديب كتاب الاعتذار وسلمه الى الرئيس عون متحدثاً عما واجهه من صعوبات وعراقيل ومواقف مناقضة لما وعدت به الاطراف الرئيس الفرنسي. وختم بيانه بالدعاء ليحمي الله لبنان واللبنانيين. صدى الاعتذار وصل الى باريس فحّل الغضب الماكروني  مع عبارة "خيانة" وكان القرار الرئاسي الفرنسي بتعرية الجميع من خلال مؤتمر صحافي يوم الاحد 27 ايلول (سبتمبر) الماضي مخصص للبنان، وهي خطوة أراد ماكرون ان يقول فيها صراحة كل ملاحظاته على القيادات السياسية اللبنانية، وهو فعل بكثير من الصراحة والجرأة فلم يترك صفة الا وألقاها "على المعرقلين" مركزاً خصوصاً على دور "الثنائي الشيعي" بشقيه "امل" و "حزب الله" مع اشارات واضحة الى الرئيس نبيه بري وجريئة الى حزب الله الذي قال عنه انه يقود البلاد الى الحرب وان عليه ان يختار بين ان يكون حزباً سياسياً له حضوره على الساحة اللبنانية او ان يكون ميليشيا مسلحة تقاتل في سوريا وترهب اللبنانيين بالسلاح. كذلك انتقد ماكرون الرئيس سعد الحريري الذي قال عنه اخطأ عندما وضع شرط وزارة المالية لغير الشيعة على رغم ان هذا الامر لم يطرح في لقاء قصر الصنوبر في الاول من ايلول (سبتمبر) الماضي.

ردود الفعل على كلام ماكرون لم تتأخر لاسيما من حزب الله حيث قال امينه العام السيد حسن نصر الله كلاماً عن رفض الوصاية الفرنسية الشبيهة بالمواقف الاميركية، فيما قلل الرئيس بري وجماعة "امل" من التعليقات للمحافظة على "خط الرجعة" لكن ردود الفعل مهما علت، سلبية كانت ام ايجابية، لا يمكن ان تلغي حقيقتين:

  • الاولى ان لبنان لا يزال من دون حكومة والمهلة الجديدة التي اعطاها الرئيس ماكرون لا تتجاوز ستة اسابيع لن يكون الوضع في لبنان مريحاً اذا انقضت من دون تشكيل حكومة.
  • والحقيقة الثانية ان الرئيس اديب وضع من خلال مواقفه "سقفاً" لن يكون من السهل تجاوزه من اي شخصية سنية ستتولى تشكيل الحكومة وتحمل لقب الرئيس المكلف بعد الرئيس اديب. في هذا السقف يقع المحظور، فاذا اصر الفريق الشيعي على ان يتولى وزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة، فإن الاطراف الاخرى ستتطالب بالشيء نفسه، فتكون البلاد امام طبعة ثانية من حكومة حسان دياب قد تواجه المصير نفسه في الداخل، وعدم الاهتمام من الخارج وبالتالي لن يستفيد لبنان من المؤتمر الذي ينوي الرئيس ماكرون الدعوة اليه لاعادة الاهتمام بالشق الاقتصادي وخطة النهوض اللبنانية التي تشكل مدخلاً لحل الازمة المالية الخانقة.

الاختيار الصعب

[caption id="attachment_81509" align="alignleft" width="399"] الرئيس المكلف مصطفى اديب يعتذر ويعود الى سفارة لبنان في المانيا[/caption]

 وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى ان اختيار الشخصية السنية التي ستخلف اديب في "محاولة" تشكيل الحكومة لن يكون سهلاً خصوصاً ان الخيار سيكون لشخصية وسطية مقبولة من السنة والشيعة على حد سواء، خصوصاً نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين بات لهم ثقلهم في خيارات الطائفة السنية وإن كان احدهم، الرئيس الحريري، تفرد بتقديم مبادرة القبول بتولي شيعي وزارة المال يختاره الرئيس المكلف. يومذاك اراد الرئيس الحريري التضحية وهو قال انه "تجرع السم" لكن رفاقه في النادي اخذوا عليه اعتماد هذه الخطوة من دون التشاور معهم، علما ان ثمة من يؤكد ان الحريري شاور رفاقه في نادي الرؤساء السابقين، وان المسألة كانت مسألة توزيع ادوار! اذاً الصعوبة في اختيار رئيس مكلف جديد لن يكون من السهل ازالتها، والتشاور الذي بدأ بعد اعتذار اديب لم يفض الى نتيجة ما دفع الرئيس عون الى تأخير تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة للاتفاق ليس فقط على اسم الرئيس المكلف، بل على شكل الحكومة العتيدة كي لا تتكرر تجربة اديب، علماً ان هذه المهمة لن تكون ميّسرة وتخفي وراءها خطورة البقاء في الفراغ... وتصريف الاعمال.

 ثمة من يربط بين الازمة الحكومية الراهنة، والتطورات الاقليمية والدولية مثل الانتخابات الرئاسية الاميركية والحوار بين المجتمع الدولي وطهران، وما يتردد عن اعادة رسم المنطقة بعد التغييرات السياسية والديموغرافية التي حصلت في معظم دولها نتيجة الحروب التي شهدتها. لكن ثمة من يرى في المقابل ان الوضع الاقتصادي في لبنان لا يحتمل اي تأخير اضافي ولا بد من ولادة "حكومة مهمة" حتى يتحرك المجتمع الدولي لضخ جرعات من الاوكسجين في الجسم اللبناني المتهالك، وهذا يعني ضرورة الاسراع في ولادة الحكومة وعدم اضاعة الفرصة الجديدة التي اتاحها الرئيس ماكرون والتي حددها من 4 الى 6 اسابيع. والواقع ان المؤشرات الاولى لمرحلة ما بعد الرئيس المكلف مصطفى اديب لم تشجع كثيراً في ظل برودة في المواقف السياسية حيال "البهدلة الماكرونية" للقيادات السياسية اللبنانية، ومثل هذه البرودة تدفع الى تبني وجهة النظر التي تقول ان لا حكومة لبنانية جديدة قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وان مهلة الـــ 4 الى 6 اسابيع التي اعطاها ماكرون تغطي عملياً موعد الانتخابات الاميركية التي ينظر اليها الجميع كمحطة فاصلة في اعمار الاوطان التي تتأثر بالنفوذ الاميركي في حياة الدول.

لن يكون من السهل التكهن بما سيحصل حكومياً، لكن الواضح ان "القصة طويلة" وان مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة لن تصدر بسرعة وتوقيتها على ساعة المجتمع الدولي وليس على التوقيت الشتوي اللبناني!