تفاصيل الخبر

لا استشارات نيابية قبل الاتفاق على مواصفات الحكومة وبرنامجها وهوية رئيسها!

19/08/2020
لا استشارات نيابية قبل الاتفاق على مواصفات الحكومة وبرنامجها وهوية رئيسها!

لا استشارات نيابية قبل الاتفاق على مواصفات الحكومة وبرنامجها وهوية رئيسها!

 

[caption id="attachment_80426" align="alignleft" width="426"] السفير السابق نواف سلام ... فيتو شيعي ضده.[/caption]

  لم تحدث استقالة حكومة الرئيس حسان دياب ضجة في الوسط السياسي مماثلة للضجة التي احدثتها استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري بعد اسابيع من انتفاضة 17 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، ذلك ان حكومة دياب كانت متعثرة في الاساس ومواقف الوزراء فيها لم تكن على مستوى الحدث، لذلك لم تترك استقالتها اي اثر يمكن التوقف عنده لأنها دخلت عملياً في مرحلة تصريف الاعمال قبل ان يقدم الرئيس دياب استقالته!.

 ومع مرور اسبوع على الاستقالة لا شيء يوحي بأن الحكومة الجديدة ستولد قريباً، فالاستشارات النيابية لم تجرِ بعد وليست هناك مؤشرات تدل على ان تحديد موعدها رسمياً بات قريباً، والحجة المعلنة هي الافساح في المجال امام التشاور للاتفاق على اسم الرئيس المكلف. لكن الواقع يؤكد أن الأسباب الحقيقية لتأخير موعد الاستشارات النيابية اللازمة تكمن في رغبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الاتفاق مع القيادات السياسية مسبقاً على التزام الاصلاحات ومكافحة الفساد والمضي في التدقيق الجنائي في مصرف لبنان ومن بعده في مؤسسات وادارات أخرى. وما لم يحصل الرئيس عون على هذا الالتزام لن يكون من الوارد الدعوة الى الاستشارات التي تتطلب ايضاً اتفاقاً مسبقاً على اسم الرئيس المكلف تحسباً للمفاجآت، تماما كما حصل قبيل تكليف الرئيس حسان دياب تشكيل الحكومة المستقيلة.

 لن يكون من السهل على رئيس الجمهورية الحصول على مثل هذه الالتزامات المسبقة لاسيما من الكتل النيابية المعارضة التي باتت تستهدف بحملاتها السياسية رئاسة الجمهورية مباشرة بعدما كان يتم الاستهداف سابقاً مداورة وصارت زيارات قيادات المعارضة نادرة جداً باستثناء زيارة مرتقبة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اتت بعد اتصال هاتفي مع الرئيس عون الذي دعا الزعيم الاشتراكي لزيارته في قصر بعبدا. لذلك يتوقع المعنيون ان تطول المشاورات الجانبية قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، علماً ان بعض الجهات السياسية ترى ان مسألة المشاورات المسبقة خطوة غير دستورية لأن الدستور ينص على استشارات نيابية ملزمة فحسب. من هنا تتوقع جهات متابعة ان لا تلبي كل القيادات فكرة المشاورات المسبقة ما يعني ان هذه الخطوة ستبقى مبتورة.

 ثمة عامل آخر سوف يؤدي الى تأخير تحديد موعد الاستشارات وهو التوافق المسبق على هوية الرئيس المكلف لأن المعطيات الاولية اشارت الى ان لا اتفاق محدداً بعد بين القيادات على عودة الرئيس سعد الحريري الى السراي الحكومي وان طرح اسم السفير نواف سلام بقوة والايحاء بوجود رغبة اميركية لتعيينه رئيساً للوزراء قوبل بتحفظ من الثنائي الشيعي الذي كان سبق ان رفض تسميته وقبل بالرئيس دياب مكانه. ولاح في الافق مؤخراً اسم الوزير السابق خالد قباني على رأس حكومة حيادية، الا ان البحث في هذا الاسم لم يصل الى حد تبنيه في انتظار المزيد من المشاورات.

 

توصيف الحكومة

[caption id="attachment_80427" align="alignleft" width="412"] الوزير السابق خالد قباني...هل يكون البديل عن الحريري؟[/caption]

أما العامل الثالث الذي سيجعل من الاستشارات النيابية مؤجلة راهناً، فهو الاتفاق على توصيف الحكومة العتيدة مع وجود سلسلة خيارات تبدأ بحكومة اقطاب يسعى رئيس الجمهورية الى تشكيلها، وتصل الى حكومة "حيادية" وبينهما حكومة اختصاصيين يمثلون الكتل النيابية كافة، وتكون- كما حكومة الاقطاب- حكومة وفاق وطني. واللافت في هذا السياق ان التصويب على حكومة الاقطاب بدأ باكراً وافتتح النقاش حوله "رئيس القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي رفض حكومة الاقطاب وتمسك بحكومة حيادية رفضها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. ووسط هذا التناقض سيكون من الصعب التفاهم على "هوية" الحكومة بسرعة ما سيؤخر حكماً الاستشارات النيابية اذا كان تحديد موعدها يرتبط باتفاق مسبق على توصيفها.

 لقد حدد الرئيس الفرنسي"ايمانويل ماكرون" الاول من ايلول (سبتمبر) المقبل موعداً ليعود فيه الى بيروت على ان تكون شكلت الحكومة الجديدة، او توافق اللبنانيون على الحد الادنى اي على ضرورة البدء بالاصلاحات، ما يعني ان استمرار الخلافات حول الحكومات العتيدة ورئيسها وبرنامجها قد يؤدي الى تأجيل زيارة "ماكرون" الى موعد آخر، وإن كان موعد الاول من ايلول (سبتمبر) المقبل هدفه احياء المئوية الاولى لولادة دولة لبنان الكبير التي اعلنت في الاول من ايلول (سبتمبر) 1920 من على درج قصر الصنوبر مقر المفوض السامي الفرنسي آنذاك، ومنزل السفير الفرنسي حالياً. لكن تأجيل الزيارة يعني ان الجهد الذي بذله "ماكرون" خلال زيارته السريعة الى بيروت بعيد انفجار مرفأ بيروت من خلال جمع الاقطاب في قصر الصنوبر، ذهب سدى او هو لم يؤتِ ثماره كاملة بعد لأن المسألة تحتاج الى وقت اضافي.

 

شروط الحريري؟

[caption id="attachment_80425" align="alignleft" width="377"] الرئيس سعد الحريري ... هل يتنازل عن شروطه ويقبل بتشكيل حكومة إنقاذ وطني؟[/caption]

 في اي حال، برزت اشارة أخرى توحي بأن الحكومة لن تولد سريعاً وهي تجنب ابرز المرشحين الى رئاستها الرئيس سعد الحريري الحديث عنها، لا لجهة التكليف ولا لجهة التأليف، وسط حديث متزايد عن وجود "شروط" لدى الحريري كي يقبل تشكيل الحكومة العتيدة، منها توافر تأييد كامل من القوى المحلية على تكليفه وعلى تركه يؤلف الحكومة من تلقاء نفسه بحيث يكون هو من يختار الوزراء مع مراعاة مصالح القوى الكبرى لكن من دون ان يكون توزيع الحقائب والمهام على ذوق القوى الاخرى. كذلك يطالب الحريري بتأييد خارجي وضمانات بعدم عرقلة عمل حكومته وعدم وضع بنود او مهام لا تقوى عليها بحيث تكون مهمتها محصورة بعملية اصلاح اقتصادي شامل، ويريد الحريري، كما تقول المصادر المتابعة ان يكون الدعم الخارجي مصحوباً ببرنامج مساعدات مالية واضح وكاف للقيام بالاصلاحات، على ان تتولى الدول الممولة الاشراف على عملية الانفاق، وخصوصاً في ما يتعلق بالمشاريع الكبيرة مثل الطاقة المياه والبنى التحتية، وانه مستعد لتسوية تسمح له بحرية العمل مقابل استعداده لعدم خوض الانتخابات النيابية المقبلة. وهو مستعد للتفاهم مع الرئيس نبيه بري على آلية تعاون مختلفة بين الحكومة ومجلس النواب. كما انه لا يريد اي صدام مع حزب الله على اي ملف داخلي، ويريد من الحزب ان يراعيه، سواء في تأليف الحكومة ام في ادارة الملفات الاساسية، الا ان المصادر القريبة من الرئيس الحريري تنفي ان يكون وضع شروطاً لأنه لا يزال يعتبر نفسه غير معني بالترشح لتشكيل حكومة جديدة، ويعطي الاولوية لاعادة اعمار بيروت وبالتالي لا رغبة في التعليق حتى على ما يتردد عن موافقته تشكيل حكومة جديدة بالتجاوب مع شروطه، وهو يتريث حتى تتوضح الاطر العامة لمبادرة "ماكرون" وصولاً الى تحضير الاجواء للبحث في كيفية توظيفها بادراج ابرز ما فيها في صلب البيان الوزاري للحكومة الجديدة شرط ان تحظى بتوافق جميع الاطراف والتعاطي معها على انها ورقة تفاهم ملزمة للحكومة.

باريس تريد الحريري

 وقد تزامنت هذه المواقف من الحريري، مع تزايد الحديث عن دعم باريس له اذا ظل "الفيتو" الشيعي على السفير سلام، لاسيما وان المعلومات اشارت الى ان الرئيس "ماكرون" يعمل مع الاطراف العربية الفاعلة على اقناعها بأن الحريري هو رجل المرحلة وانه تتعين مساعدته، وان ابرز هذه الاتصالات تجري مع السعودية التي لم تظهر حماسة كافية لعودة الحريري الى السرايا من جديد. وثمة معلومات اشارت الى ان باريس تضع ثلاثة شروط او مهمات للحكومة العتيدة برئاسة الحريري تريد ان تنال موافقة الاطراف عليها وابرزها عدم الوقوع بمحظور الحكومة السابقة حيث كانت المماحكات والمساومات سيدة الموقف وبالتالي يتعين على الجميع في الداخل مساعدته. والشرط الثاني تمكينه من تشكيل حكومة "مستقلين" او "حياديين" حقيقية وليس كما كــان الوضع مع وزراء حكومة حسان دياب المستقيلة. والثالث، توفير صلاحيــــات "استثنائية" لاتخاذ القرارات الجذرية وتحقيق اربعة اهداف : انقاذ العملة الوطنية التي يصيب تدهورها الاكثرية الساحقة من اللبنانيين ووضع حد للتدهور الاقتصادي بسبب توقف عجلته عن الدوران واعادة اعمار المناطق التي دمرها انفجار المرفأ واخيراً القيام بالاصلاحات الضرورية التي يطلبها المجتمع الدولي ومنها التوصل الى اتفاق مع البنك الدولي. واذا توافرت هذه الشروط، فإن باريس ستفعل شبكة اتصالاتها من اجل الدفع باتجاه مساعدة لبنان والتخلي عن سياسة الانتظار والترقب.

 في اي حال لا بد ان تتوافر عوامل ايجابية لــ"التقليع" بالاستشارات النيابية، لا تزال غير متوافرة راهناً، وأن المسألة هي مسألة وقت يتبين بعدها الخيط الابيض من الخيط الاسود!