ترتقب الأوساط السياسية والقضائية اللبنانية على حد سواء، إصدار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الأحكام المتوقعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه التي وقعت في 14 شباط (فبراير) 2005، خصوصاً بعد توارد معلومات عن توافر عناصر جديدة ستظهر من خلال الأحكام التي سوف تصدر والقابلة للاستئناف وفق النظام الخاص بالمحكمة الدولية. وقبل أيام مرّ في بيروت المدعي العام الدولي وأجرى لقاءات ظلت بعيدة عن الأضواء، في وقت نشطت فيه المجموعة الخاصة بالمحكمة التي تعمل في لبنان بالتعاون مع الأجهزة القضائية والأمنية اللبنانية، في استكمال عدد من الملفات خصوصاً تلك المتعلقة بالجرائم المتصلة بالجريمة الأم وهي التي استهدفت اغتيال الشهيد جورج حاوي ومحاولة اغتيال النائب مروان حمادة والوزير السابق الياس المر بعدما قررت المحكمة اعتبار الجرائم الثلاث من اختصاص المحكمة والمتهم الأساسي فيها ابراهيم عياش الذي ورد اسمه في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
وفي هذا السياق، قالت مصادر قضائية لبنانية إن الأدلة التي توافرت للمحكمة الدولية وأدت الى اضافة ترابط بين الجرائم الأربع، جُمعت خلال الأشهر الماضية، واستندت خصوصاً الى داتا الاتصالات الهاتفية التي تمكنت النيابة العامة الدولية من متابعتها أسوة بما حصل في ما خص اغتيال الرئيس الشهيد الحريري. وتعتبر داتا الاتصالات الخليوية بين المتهمين الأربعة المسار الذي قاد الى توجيه الاتهامات الى عياش ورفاقه في الجريمة الأساسية. أما دور عياش، فتقول المصادر إن متابعة مسار اتصالاته الخليوية قادت الى اتهامه.
واستبعدت المصادر نفسها اقامة اي نشاط استثنائي لمواكبة صدور الحكم بين منتصف أيار (مايو) الجاري ومنتصف حزيران (يونيو) المقبل، بسبب وباء "كورونا" وسيستعاض عن مواكبة اعلان الحكم في مقر المحكمة الدولية في "لايستدام" في "لاهاي"، ببث حي لوقائع جلسة تلاوة الحكم الذي كان البعض يسعى لاعلانه وسط احتفال رسمي وسياسي وقضائي على حد سواء. وستتخذ في بيروت ايضاً اجراءات أمنية لمواكبة اعلان الحكم تحسباً لأي ردود فعل لاسيما وأن المحكمة الدولية سبق أن أشارت الى أن المتهمين الأربعة ينتمون الى حزب الله من دون أن يعني ذلك أن الحزب على علاقة بالجريمة.
التمويل المستمر...!
وإذا كان الشق القضائي من ملف المحكمة الدولية لا يزال يثير ردود فعل مختلفة نظراً لأهميته وحساسيته في آن، فإن الشق المالي لا يزال موضع متابعة لبنانية لصيقة بعدما بلغ مجموع مساهمة لبنان في موازنة المحكمة نحو 405 ملايين دولار أميركي، تضاف إليها أكلاف التحقيقات التي أجرتها لجان التحقيق الدولية المعلنة والمقدرة بـ11 مليون دولار. ومرد هذه المتابعة كون نظام إنشاء المحكمة نص على أن يتحمل لبنان نسبة 49 بالمئة من النفقات، في حين تتحمل دول أخرى والأمم المتحدة نسبة 51 بالمئة الباقية. وخلال زيارة رئيسة المحكمة القاضية "ايفانا هردليشكوفا" الى بيروت قبل أسابيع، حثت المسؤولين اللبنانيين على دفع مساهمة لبنان في موازنة المحكمة لاسيما بعد التقرير الذي رفعته القاضية الى الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" عن "قضايا اضافية" ستتولى المحكمة النظر فيها، ما يعني استمرار الجسم القضائي العامل فيها لفترات اضافية ما يزيد النفقات التي بلغت منذ انشاء المحكمة في العام 2009 وحتى العام 2020، ما يوازي 827 مليون دولار (حصة لبنان 405 ملايين دولار)، ومع اضافة 11 مليون دولار للجان التحقيق، يصبح مجموع الكلفة على لبنان 416 مليون دولار مرشحة للاستمرار نتيجة استمرار عمل المحكمة بعد صدور الأحكام واستئنافها من جهة، وتلازم قضايا حاوي والمر وحمادة مع القضية الأساسية من جهة ثانية.
وكانت ارتفعت في أوقات مختلفة أصوات تطالب بوقف تمويل المحكمة نتيجة الكلفة المالية العالية وفي ظل الأوضاع المالية والاقتصادية المتردية وتراجع الموجودات بالعملات الأجنبية، إلا ان هذه الدعوات لم تلق آذاناً صاغية واستمر لبنان بدفع حصته من دون ادراجها في الموازنة العامة، كما هو الحال بالنسبة الى موازنة 2020، بل كانت المساهمة اللبنانية تدفع إما من خلال سلفة خزينة أو من خلال هيئات مدنية مثل جمعية المصارف وطيران الشرق الأوسط والهيئة العليا للاغاثة وغيرها. يذكر أن عدد العاملين في المحكمة هو 410 أفراد من بينهم 62 موظفاً في مكتب المحكمة في لبنان الموجود في محلة "المونتي فردي".
وتدعو أوساط متابعة الى أن يطلب لبنان من الأمم المتحدة إعفاءه من المساهمة هذه السنة بسبب الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها، لاسيما وأن المحكمة الخاصة بلبنان هي الوحيدة في سلسلة المحاكم الدولية الممولة من الدولة المعنية بعملها، في حين أن المحاكم الدولية الأخرى تمول من موازنة خاصة في الأمم المتحدة تساهم فيها دول أعضاء.