تفاصيل الخبر

كيف يمكن أن تغير قضية ”جمال خاشقجي“ مستقبل الشرق الأوسط؟!

19/10/2018
كيف يمكن أن تغير قضية ”جمال خاشقجي“ مستقبل الشرق الأوسط؟!

كيف يمكن أن تغير قضية ”جمال خاشقجي“ مستقبل الشرق الأوسط؟!

 

بقلم خالد عوض

 

التغطية الإعلامية التي حظيت بها قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي استثنائية بكل المقاييس. القضية تخطت قدرة تركيا أو المملكة العربية السعودية أو حتى الولايات المتحدة على احتوائها ومن الواضح أن مفاعيلها السياسية والاقتصادية لن تنتهي بحل لغزها. مجرد البحث في <غوغل> عن إسم <جمال خاشقجي> يدر أكثر من ٢٨ مليون نتيجة، وهذا رقم يكفي للدلالة على البعد الذي اتخذته هذه القضية إن من ناحية الفبركة أو من جهة التركيز الدولي عليه لأسباب ليست كلها من منطلق إنساني.

 

<خاشقجي> وحفلة الاستفادة من قضيته!

 

الكلام من دون دلائل أو بالاستناد إلى تسريبات، مهما كانت مقنعة، يصب في ضروب التكهنات والأحكام المسبقة. صحيح أن المعطيات الموجودة لا تخدم السعودية نهائيا ولكن الإعتماد على الروايات التركية وكأنها منزهة من كل تحوير وتحريف هو الإرتماء الأعمى في حملة الإدانة ضد السعودية. الكل يريد الاستفادة من الواقعة والتفنن في الإبتزاز. الحقيقة الأساس أن الرجل مختف بل أن عائلته نعته وهذا البعد الإنساني هو الأهم، أما ما يحصل حول الحقيقة من صفقات فهنا مكمن مرحلة ما بعد <جمال خاشقجي>. الشرق الأوسط بعد غياب الصحافي السعودي لن يكون كما كان قبله، والترتيبات لذلك على قدم وساق، من طهران إلى إسطنبول ومن واشنطن إلى الرياض. ليست القصة فقط مسألة أموال أو علاقات اقتصادية بقدر ما أصبحت حول استحداث أساسات جديدة لأحلاف إقليمية ودولية مختلفة عن الموجودة حاليا من شأنها تغيير وجه المنطقة.

 

تركيا على خط <واشنطن> من جديد!

ليس صدفة أن يتم الإفراج عن القس الأميركي <أندرو برونسون> بعد أقل من عشرة أيام من اختفاء الصحافي السعودي. الليرة التركية استعادت حوالى عشرة بالمئة من قيمتها في غضون أيام وبدأ المستثمرون في إعادة تقييمهم للأسواق التركية على أنها هدف استثماري جيد. ورغم البعد الاقتصادي لإطلاق سراح القس <برونسون> ينصب الإهتمام في تركيا على شكل الصفقة أو الصفقات التي ستبرمها الولايات المتحدة مع الأتراك. أحد أهم الأمور التي سيطلبها الرئيس التركي <رجب طيب اردوغان> من الولايات المتحدة الأميركية هو السماح لمصفاة <توبراس> التركية في ازمير بالاستمرار باستيراد النفط الإيراني واستثناؤها من العقوبات ضد إيران. الأتراك كانوا يستوردون حوالى ٢٠٠ ألف برميل يوميا من الإيرانيين، وهم كانوا قد بدأوا استبدال ذلك بنفط <اوبيك> منذ ايار (مايو) الماضي عند إعلان الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> عن انسحابه من الإتفاق النووي مع إيران وإعادة العقوبات عليها. <أردوغان> سيضرب عدة عصافير بحجر واحد إذا وافق الأميركيون على طلبه. أولاً سيخدم إيران لأنه يسمح لها بحصة في السوق ويفتح الباب لاستثناءات شبيهة، فإذا قبلت الولايات المتحدة باستثناء تركيا كيف يمكن أن تقنع الهند حليفتها الأسيوية بعدم إمكانية منحها الاستثناء نفسه؟ كما يكسب الرئيس التركي من خلال ذلك مساحة تفاوضية أكبر مع الإيرانيين في سوريا وفي ادلب تحديدا.

روسيا والصين والصمت الكبير!

ربما ليس مستغربا أن لا يكون هناك أي تعليق روسي أو صيني على قضية <جمال خاشقجي> لأن الدولتين تعتبرانها مسألة داخلية سعودية وسيادية تركية. البلدان يتفرجان على الأزمة حتى الآن على أمل أن تزيد ورطة إدارة الرئيس الأميركي فيها ويعتبران في الوقت نفسه أن هناك إمكانية لنسج تفاهمات كبرى مع السعودية في المنطقة من خلال ما يمكن أن تفضي إليه التحقيقات. حتى إيران، رغم كيل جوقتها الإعلامية بكل أنواع الحقد على السعودية، تحفظت في مواقفها الرسمية حول المسألة منتظرة إتجاه الأحداث. الحلف الصيني الروسي الإيراني متربص ويتطلع هو أيضا إلى الاستفادة القصوى من الواقعة.

مستقبل <البترودولار>!

 

أي خطأ أميركي في التعامل مع المملكة العربية السعودية يمكن أن يجر إلى أزمة مالية ونفطية عالمية. ليس ذلك من مصلحة أحد ولكن الضغط على السعودية لا يمكن أن يتجاهل حجم تأثير المملكة على سوق النفط إنتاجا وتحديدا للعملة العالمية الأولى التي يباع النفط ويشترى بها. هذا الكلام ليس جديدا وصدر عن كتاب سعوديين كما لمحت إليه مصادر رسمية سعودية، وهو ليس تهويلا بقدر ما هو سيناريو مالي أصبح اليوم احتمالا غير مستحيل، لذلك تحرص إدارة الرئيس الأميركي على الفصل بين العلاقة مع السعودية كدولة ذات سيادة لها وزنها النفطي والمالي الكبير وبين قضية الصحافي المغدور <جمال خاشقجي> كسقطة مخابراتية تداخلت فيها مصالح الدول. السعودية ليست إيران. هي تصدر أكثر من سبعة ملايين برميل نفط يوميا أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما تصدره إيران، ولها حصة كبيرة في سوق البتروكيمائيات العالمي، إلى جانب محفظة استثماراتها المالية الضخمة في دول العالم والتي تقدر بأكثر من ٣٥٠ مليار دولار يعادلها فائض احتياطي مالي مماثل.

     من الأرجح أن يكون الصحافي <جمال خاشقجي> قد لقي حتفه وبطريقة بشعة. ولكن الأبشع هو ما يمكن أن يحدث للمنطقة إن تحولت قضيته إلى مناسبة للانقضاض على السعودية. وربما تكون دماؤه، إذا كان قد توفي فعلاً، هي بذور شرق أوسط جديد تطغى فيه المصالح الاقتصادية على كل الاعتبارات الأخرى.