تفاصيل الخبر

كيف ومتى ستتم محاسبة الصين؟!

23/04/2020
كيف ومتى ستتم محاسبة الصين؟!

كيف ومتى ستتم محاسبة الصين؟!

بقلم خالد عوض

  [caption id="attachment_77174" align="alignleft" width="444"] الرئيس الصيني "شي جين بينغ": هل أصبح إرثه الأهم هو تصدير... الفيروس؟[/caption]

السؤال اليوم هو من سيحاسب الصين، ومتى وكيف؟ بغض النظر عن هوية الفيروس الخبيث الذي كسر ظهر العالم صحيا وإقتصاديا، وبغض النظر عن مصدره الأساسي وما يسمى بالمريض رقم صفر الذي إنطلقت الجرثومة منه، فالثابت اليوم هو أن الصين لم تقل كل الحقيقة في البداية وحتى يومنا هذا، بل تأخرت حتى في قول جزء من الحقيقة. كل المعلومات الآتية من الصين أصبح مشكوكا بها: تاريخ أول إصابة بالفيروس، وتاريخ تحديد هوية الفيروس أنها من فصيلة "الكورونا"، وتاريخ معرفة إكتشاف انتقاله من الإنسان إلى الإنسان، ونسبة العدوى منه، وعدد الإصابات، وعدد الوفيات... كل هذه المعلومات إكتشفها العالم ولا يزال ليس من الأرقام  أو الدراسات التي جاءت من الصين بل من المواجهة المباشرة مع "كورونا" في المختبرات والمستشفيات وأجسام المرضى في غرف العناية الفائقة.

غلطة الصين ليست في عدم تحديدها حتى الآن إن كان مصدر الجرثومة خطأ مخبريا تسبب به عالم أو عالمة صينية أو إن كان أصاب باحثا أو فنيا في مختبر "ووهان" نقله هو إلى أشخاص آخرين أو إن كان إنتقل من الخفافيش إلى حيوانات أخرى في سوق المأكولات البحرية القريب من المختبر. الخطأ كان إخفاء الحقيقة الكاملة والتعتيم على عدة جوانب من الذي حصل في مدينة "ووهان" وعدة مدن صينية أخرى تبين لاحقا أنها عانت من الفيروس نفسه أيضا ولكن الوفيات فيها لم تنسب إلى الوباء بل سجلت على أنها نتيجة أسباب مرضية أخرى.

 

الخطأ غير مقصود ولكن كلفته... خيالية!

 

على الأرجح سبقت الأحداث دوائر القرار الصينية في الخريف الماضي، ولذلك ربما تكتمت على الكثير من المعلومات ولو بخلفية النية الحسنة، حتى لا يهتز اقتصادها ولا تتعرض لعزلة عالمية. لم يكن يخطر ببال الصين أن الفيروس الشرس الذي كان يفتك بشعبها سينتقل إلى مدينة "بيرغامو" الإيطالية أو "مولهوز" الفرنسية أو "نيويورك" الأميركية ويقضي على عشرات الآلاف من الناس هناك. وبالتأكيد لم تكن الصين تعي بداية وبعدما فشلت كل العلاجات التقليدية أن الفيروس لا يحارب إلا بالعزل والحجر، مما سيؤدي إلى كارثة إقتصادية عالمية ستكلف دول العالم آلاف المليارات من الدولارات، وكساد لم يشهد العالم مثله منذ أكثر من ثمانين سنة. ولكن في هذه الحالة لا يمكن التعامل مع الصين على أساس "انما الأعمال بالنيات" فالخسائر فادحة في كل بقاع الأرض. كان يمكن للصين أن تكون شفافة من البداية وتشرك كل دول العالم في التصدي للوباء الذي اجتاحها وتساعد جميع الحكومات في التحضر باكرا فتساهم بذلك بإنقاذ مئات بل آلاف الأرواح والتخفيف من المصيبة المالية والإجتماعية التي حلت بالعالم. منعها من ذلك أمران: نظامها التستري التعتيمي وكبرياؤها اللامحدود.

كيف يمكن معرفة الحقيقة؟

لا زال زعماء الدول الغربية يتهمون الصين بخجل لحاجتهم الماسة حاليا إلى المستلزمات الطبية التي توفرها لهم، فهي أكبر مصدر للكمامات والألبسة الطبية الواقية والمواد الأساسية لإجراء إختبارات الكشف على "الكورونا". وريثما تنقضي الأزمة الصحية لا زال الرئيس الأميركي يخاطب الصين بالتهديد الناعم، كما يحاول الزعماء الأوروبيون حث الصين على الإعلان عن الحقائق معبّرين عن عدم اقتناعهم بما وصلهم منها من معلومات. ولكن عندما تنقضي غيمة "كورونا" قريبا وتتوصل معظم الحكومات الغربية إلى الإكتفاء الذاتي في المسائل الطبية، من المتوقع أن تعلو اللهجة ضد الصين، ومن المرجح أن تطالبها معظم الدول الغربية، وخاصة مجموعة السبعة الكبار (G7) إذا تعذر ذلك في مجلس الأمن، بإنشاء لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقيقة وتبيان مدى مسؤولية الصين عما حصل. وسيكون على الصين ساعتئذٍ الإختيار بين القبول بهكذا لجنة أو الذهاب إلى المواجهة الكبرى التي يمكن أن تصل إلى الصدام العسكري.

[caption id="attachment_77175" align="alignleft" width="250"] المستشارة الألمانية انجيلا ميركل قيادتها للأزمة تستحق التدريس[/caption]

من سيكون ضد الصين ومن سيكون معها في المواجهة بعد "كورونا"؟

حتى المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التي قادت مواجهة الأزمة الصحية بشكل شبه مثالي وتمكنت من تخفيض عدد الوفيات إلى أقل نسبة في أوروبا بدأت تطالب الصين بمزيد من الشفافية حول ما حصل. تجدر الإشارة أن ألمانيا بقيادة "ميركل" اثبتت عن صلابة نظامها السياسي الفيدرالي وعن متانة نظامها الصحي، فهي نجحت حيث فشل الآخرون من حيث الإستعداد الباكر عن طريق تكثيف الإختبارات وزيادة عدد الأسرة في المستشفيات من ٢٥ ألف سرير إلى ٤٠ ألف سرير خلال شهر واحد، ومن خلال إشراك كل الولايات الألمانية في إتخاذ القرار الوطني الجامع إلى جانب الإجراءات المحلية الخاصة. وها هي اليوم ألمانيا تخرج بأقل الخسائر مقارنة بجيرانها الأوروبيين. ولكن حتى ألمانيا اليوم تعاني من بطالة قياسية ومن كساد لم تعرفه منذ الحرب العالمية الثانية ولن تسكت عن الصين طالما هناك شكوك حول تعتيمها للحقائق.

رغم الإنقسام العالمي اليوم بين الدول التي هي مع الصين إستراتيجيا وتلك التي هي ضدها إلا أن مسألة محاسبة الصين فيها بعد أخلاقي. فروسيا سقط فيها حتى اليوم أكثر من ٥٠٠ ضحية للـ"كورونا"، وإيران، المتهمة هي أيضا بعدم الشفافية في مسألة الأرقام، سقط فيها أكثر من ٥٥٠٠ قتيل بسبب الفيروس الفتاك. ولذلك من الصعب على الدولتين الحليفتين للصين، على الأقل أخلاقيا أمام شعبهما، أن تقفا ضد تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة ما حصل وإذا كان يمكن تفادي بعض الخسائر لو كانت الصين شفافة منذ البداية.

يبقى السؤال: حتى لو تعاونت الصين مع المجتمع الدولي وثبت تقصيرها في الشفافية الصحية، هل ستقبل بتعويض العالم؟ الفاتورة ستصل إلى آلاف مليارات الدولارات ولن تتمكن الصين من وقف المطالبات من كل حدب وصوب إذا وافقت على مبدأ التعويض. ولكن ببعض الإبداع ربما تجد الصين في "أسلوب التعويض" الذي يمكن أن يكون استثماريا أو صناعيا وليس بالضرورة ماليا، فرصة لتسريع مشروع "طريق الحرير" بعدما حوله فيروس "كورونا" إلى طريق كله... شوك.