تفاصيل الخبر

كيــف نـنـقــــذ أطفـالـنـــا مــن التـأتـأة والـضـعـف اللغــوي؟!

08/01/2016
كيــف نـنـقــــذ أطفـالـنـــا مــن التـأتـأة والـضـعـف اللغــوي؟!

كيــف نـنـقــــذ أطفـالـنـــا مــن التـأتـأة والـضـعـف اللغــوي؟!

 

بقلم وردية بطرس

10806410_442114169272660_7582279708891962832_n ما أهمية اللغة في حياة الانسان؟ فاللغة نسق من الاشارات والرموز، تشكل أداة من أدوات المعرفة، وتُعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة، وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي. وترتبط اللغة بالتفكير ارتباطاً وثيقاً، فأفكار الانسان تُصاغ دوماً في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني. ومن خلال اللغة فقط تحصل الفكرة على وجودها الواقعي. كما ترمز اللغة الى المعاني المنعكسة فيها. ونسبة كبيرة من خطط العلاج اللغوي تُخصص المرحلة الأولى لتدريبات غير لغوية، وتستهدف تكوين وتقوية وتصحيح مهارات غير لغوية مثل الانتباه والتركيز، المطابقة والتصنيف، المتابعة البصرية، الاستجابة للاشارات، والانتباه المشترك.

وقد يعتقد بعض أولياء الأمر انها مضيعة للوقت ويلحون على الاختصاصي بالبدء في التدريبات اللغوية، رغبة منهم في الحصول على النتائج بسرعة، وهذا معتقد وتصرف خاطىء، إذ ان هذه التدريبات هي الأساس الذي ستُبنى عليه اللغة، لذا فهي لا تقل أهمية عن التدريبات اللغوية المباشرة، ويجب عدم التسرع لضمان استجابة أفضل للمراحل التالية. ولا بد من الاسراع باستشارة الاختصاصيين عند وجود اي مؤشر يستدعي القلق بخصوص القدرات النطقية واللغوية منذ بداية ملاحظتها او حتى توقع حدوثها، فالتدخل المبكر يكون غالباً ذا أهمية قصوى للتحسين في هذه المهارات، وذلك لأنه في حالة الأطفال، فان التدخل في مرحلة اكتساب اللغة وخلال تطور الدماغ البشري يجعل من اكتساب اللغة أكثر سهولة (لأن الدماغ البشري مجهز بطريقة تجعل اكتساب هذه القدرات أثناء النمو أكثر سهولة)، بل يُعتقد بانه اذا كانت هناك اصابة في الجزء الأيسر من الدماغ والذي هو مسؤول عن اكتساب اللغة عند معظم البشر، فانه في سن مبكر يمكن ان يتم تحفيز الجزء الأيمن للقيام بجزء من هذه المهارات. أما بالنسبة للاصابة عند الكبار، فانه في بعض الاصابات تكون هناك فترات حرجة يمكن فيها استغلال التحسن الطبيعي للقدرة الجسدية لاستعادة القدرات النطقية او اللغوية.

 وهناك سؤال أساسي في فهم اكتساب اللغة هو: كيف ان هذه القدرات يتم تكوينها عند الأطفال من المُدخل اللغوي <Linguistic Input>.؟

المُدخل في سياق اللغويات يُعرف بأنه كل الكلمات، والسياقات، وغيرها من أشكال اللغة التي يتعرض لها المُتعلم، والتي تُفهم باتقانه للغات المكتسبة الأولى او الثانية.  الفِطريون (نسبة الى مذهب الفِطرية) يجدون صعوبة في التصديق بأن الطفل قادر على اكتساب معظم جوانب اللغة بدون ان تُدرس بشكل واضح، بالنظر الى طبيعة اللغات البشرية المعقدة للغاية، والى القدرات المعرفية والادراكية المحدودة نسبياً عند الطفل. الأطفال وخلال سنين قليلة من ولادتهم يفهمون القواعد النحوية للغتهم الأم بدون ان يدرسوها بشكل واضح مثلما يتعلم الفرد القواعد في المدرسة. وقد تم تقديم العديد من نظريات اكتساب اللغة لحل هذه الاشكالية. وهذه النظريات التي دافع عنها <نعوم تشومسكي> (وهو استاذ لسانيات وفيلسوف أميركي ، اضافة الى انه عالم ادراكي وعالم بالمنطق، ومؤرخ وناقد وناشط سياسي. وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي عمل فيه لأكثر من 50 سنة) وغيرها من النظريات بما فيها الأصلانية، والفطرية النفسية تقول ان الطفل يُولد وهو مجهز بطريقة معينة بهذه القدرات، وتقع على الضد نظريات أخرى تقول ان اللغة تُكتسب ببساطة مثل كل المهارات الادراكية والمعرفية، بما فيها المهارات الحركية مثل تعلم ركوب الدراجة. وهذا الصراع بين هذه النظريات التي تفترض ان البشر يُولدون مع معرفة نحوية، وبين تلك التي تدعي بأن كل المعرفة يمكن ان تكون نتاج التعلم من بيئة الفرد عادة يُشار اليها بنقاش <الفطرة ضد البيئة>. البعض يعتقد ان هناك بعض الخصائص لاكتساب اللغة موجودة أصلاً في بنية الدماغ البشري (مكون فطري) وفريق آخر يعتقد انها محددة من خلال بيئة اللغة التي يتربى فيها الطفل (مكون بيئي). وأخرون خصوصاً علماء التطور يعترضون بشدة على افتراض ان المعرفة النحوية مضمنة في التشفير الوراثي وانها موجودة تلقائياً في سلوكية الدماغ.

 

التقليد والتكرار

 

بالنسبة لأهمية اللغة والكلام فقد تبدو هذه الأهمية من البديهات، فكيف يمكن تخيل النجاح في الحياة والعمل او الدراسة بدون هذه القدرات، بل ان اصابة ولو كانت بسيطة يمكن ان يكون لها أثر كبير سواء من الناحية النفسية للمصاب او العائلة او توقعات المجتمع منه حيث يتم الحكم أحياناً كثيرة على الشخص تبعاً لمهاراته اللغوية سواء من رفاق المدرسة او العمل مثل (التأتأة والمشاكل النطقية) او في اختيار مسار الحياة لناحية الدراسة او شركاء الحياة.

وكلما كانت المشكلة أشد كان أثرها أكبر، والمشكلة الأكثر تعقيداً هي اما جهل الأهل او المصاب بوجود حل لمشكلته يمكن ان يساعد في التغلب عليها او التقليل من حدتها، او عدم الاعتراف بالمشكلة في الوقت المناسب والذي من الممكن ان يساهم بشكل فاعل في تجنب الكثير من المشاكل الدراسية والاجتماعية، على الرغم من ان غالبية الخبراء يتفقون ان الأطفال الذين يعانون من الضعف اللغوي الخاص متنوعون تماماً، الا انه يوجد الدكتورة-نينا-زيدانهناك اتفاق قائم حول أفضل سبيل لتقسيمهم الى فئات فرعية حيث لا يوجد هناك نظام مقبول للتصنيف على قطاع عريض.

وتؤمن المدرسة السلوكية بان اللغة مجموعة من العادات يتعلمها الأطفال بالتقليد والتكرار. وان اللغة نظام منطوق قبل ان يكون مكتوباً. ان البيئة تلعب دوراً أساسياً في نمو اللغة. وان اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة، الترابط، الاشتراط، التكرار، والتدعيم. ان اللغة سلوك، والسلوك يمكن تعلمه باستثارة الأطفال لهذا السلوك. ويُلاحظ ان البيئة في المدرسة السلوكية تؤدي دوراً مهماً في تشجيع الطفل على الحديث، فهي المانحة الأولى للخبرات والمهارات والمعلومات، وهذه البيئة هي التي تهيىء الطفل لغوياً للدخول الى المدرسة والتعامل مع أقرانه، فاذا كانت لغته موازية لما لديه من رصيد كان سهلاً عليه التعامل معهم، أما اذا كان رصيده اللغوي فقيراً، فانه يشعر بأنه على مستوى أدنى منهم، الأمر الذي يجعله خجولاً او منطوياً غير منطلق في التعبير عن مشاعره وأفكاره... ومن هنا، على الأهل الحرص على تطوير لغة الطفل وعدم تعليمه كلمات مبتورة الحروف، وعلى الآباء ان يتحدثوا مع أطفالهم بوضوح، وهدوء، وبعبارات سهلة تتناسب والمستوى العقلي لأطفالهم.

مؤتمر بو صعب

فأين المدارس في لبنان من تطوير العلاج اللغوي؟ وماذا تفعل وزارة التربية والتعليم في هذا الصدد؟ وغيرها من التساؤلات أجاب عنها الاختصاصيون والمعنيون بتطوير العلاج اللغوي، اذ كانت قد نظمت <الجمعية اللبنانية للاختصاصيين في العلاج اللغوي> مؤتمرها الثالث بعنوان <تطور العلاج اللغوي> برعاية وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف. وهدف المؤتمر هو اطلاع الاختصاصيين في هذا المجال والمعنيين به من أطباء وأكاديميين وطلاب وأهل على كل الأبحاث العلمية الجديدة في مجال الاستجابة للعلاج اللغوي وعلى موقع لبنان في هذا المجال. ويرى الاختصاصيون ان المهنة شهدت نمواً في لبنان وتعزز ادراك الناس لأهميتها، وان الجهود البحثية تجعلها في تطور علمي متواصل.

وبالسؤال عن دور وزارة التربية والتعليم العالي بما يتعلق بتطور العلاج اللغوي في المدارس تقول عميدة كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية الدكتورة نينا زيدان:

- ان وزارة التربية تعمل على اقرار قانون لانشاء اللجنة الوطنية المستقلة لضمان الجودة في التعليم العالي. وان المؤتمر يوفر فرصة ممتازة للمعالجين اللغويين لتبادل المعارف في شأن هذا الاختصاص ولمناقشة أفضل الأساليب والممارسات المتعلقة به. وان هذه اللجنة ستتولى تطبيق معايير الجودة وعملية الاعتماد في كل القطاعات الأكاديمية وخصوصاً في ما يتعلق بالتعليم في الاختصاصات الصحية والطبية سعياً الى تحسين نوعية الرعاية الطبية. وان وزارة التربية تسعى الى نشر الثقافة الصحية في المدارس من خلال مناهج جديدة، وستتوجه الى استعانة المدارس بالمزيد من الاختصاصيين في المجالات الصحية من ممرضين ومعالجين لغويين وسواهم.

وتابعت قائلة:

- ان أهمية مثل هذه المؤتمرات في تطوير مهنة العلاج اللغوي، نظراً الى ما تتيحه من تبادل المعرفة والأفكار ووجهات النظر في شأن آخر التطورات، هي مواصلة تحسين المعايير والرعاية، ما يؤدي الى تحسين نوعية الحياة للمرضى. ان كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية تسعى باستمرار الى تعزيز نوعية التعليم والبحوث والخدمات العامة، وان العلاج اللغوي هو واحد من 12 برنامجاً في مجال العلوم الصحية التي توفرها الكلية. ان لدى الجامعة قسمين لهذا الاختصاص، أحدهما بالفرنسية والآخر بالانكليزية. وان الكلية تضم كذلك مركز الرعاية للعلاج اللغوي، وان هيئة التدريس تسعى الى تأمين الاعداد الأمثل للمعالجين اللغويين لكي يكونوا قادرين على مواجهة الصعوبات والعمل في بيئات مهنية متنوعة. وتحرص كلية الصحة العامة على العمل بشكل وثيق مع الشركاء في لبنان والخارج، وعلى التعاون مع الجامعات الأخرى لاعتماد الأساليب الجديدة والممارسات الجيدة ومناقشة المشاكل ذات الاهتمام المشترك..

السيدة-سمر-حيدر-رئيسة-جمعية-الاختصاصيين-بالعلاج-اللغوي 

سمر حيدر والعلاج اللغوي

 

أما رئيسة <الجمعية اللبنانية للاختصاصيين في العلاج اللغوي> السيدة سمر حيدر فتعتبر ان العلاج اللغوي يشهد حركة وتطوراً مستمرين على المستوى العلمي بفضل الأبحاث التي تتيح تحسين العلاجات وأدوات التقييم وتقول:

- نبدي ارتياحنا للتطور الذي شهدته نظرة الناس الى هذه المهنة وفهمهم لها. كان علينا ان ندافع عن وجود هذه المهنة وأساليب مزاولتها، وتعريف الناس بها، واقناع الاختصاصيين في المهن الأخرى بأهميتها، وكان لا بد تالياً من ان ننظم أنفسنا ونضع هيكلية لعملنا. ونثني على جهود الجامعات لارساء قاعدة صلبة للخريجين، من خلال تطوير مناهجها وبرامج <الماجستير>، كذلك بمساهمة المراكز المتخصصة في تطوير المهنة. ان الجمعية نجحت من خلال مؤتمريها السابقين في اطلاع الجمهور العام على أهمية العلاج اللغوي.

وعن تعزيز مهنة العلاج اللغوي تقول مديرة المعهد العالي للعلاج اللغوي في جامعة القديس يوسف السيدة كامي مسرّة:

- نثني على جهود <الجمعية اللبنانية للاختصاصيين في العلاج اللغوي>. هذا المؤتمر يواكب أحدث جوانب تطور العلاج اللغوي. ان مهنة العلاج اللغوي تتعزز أكثر من اي وقت مضى في لبنان، رغم انها موجودة فيه منذ 20 عاماً تقريباً. وان لبنان يستطيع ان يفتخر بما يقدمه في هذا المجال. منهجنا التعليمي سريري بالدرجة الأولى، ويهدف الى توفير رعاية عالية الجودة، لكننا نحرص على ان يكون هذا المنهج السريري مستنداً على احدث الدراسات، ولذلك نولي اهتماماً بالأبحاث، وقد اطلقنا برامج <الماسترز> قبل عامين، واليوم نثني على جهود العاملين في هذه المهنة لتطويرها ونشرها في دول المنطقة، لأن في ذلك مهمة انسانية. ان النمو الذي تشهده هذه المهنة يرتّب علينا جميعاً مسؤولية كبيرة تتمثل في الحفاظ على الجودة والطابع العلمي والأخلاقيات سعياً الى توفير الفاعلية القصوى للمرضى.