تفاصيل الخبر

كيف أعطت الصين الضوء الأخضر لإيران لضرب ”أرامكو“؟

19/09/2019
كيف أعطت الصين الضوء الأخضر لإيران لضرب ”أرامكو“؟

كيف أعطت الصين الضوء الأخضر لإيران لضرب ”أرامكو“؟

 

بقلم خالد عوض

 

ما قامت به إيران يوم السبت في ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩ مباشرة أو مداورة هو من الأخطاء المكلفة جدا على المدى البعيد. ليس فقط لأنها تجرأت على الإعتداء على القلب الإقتصادي للسعودية بما تمثله عربيا وإسلاميا أو لأنها حاولت تهديد الإستقرار الدولي بهجومها على أكبر منشأة للنفط، بل لأنها أدخلت المنطقة والعالم في نفق حرب لا أفق لمداها أو حجمها. لا شك أن إيران تحسب كل خطوة وتبعاتها بكل دقة وهي درست وحضرت لكل ما تقوم به اليوم على مدى سنوات، ولكنها في الأساس تعتمد على غطاء روسي- صيني إستراتيجي، لولاه لما صالت وجالت من اليمن إلى سوريا. أحد دلائل هذا الدعم هو رد الفعل الصيني والروسي على الإعتداء على <أرامكو> الذي جاء هزيلا جدا.

فالصين رفضت أن تساق الإتهامات جزافا ضد إيران، وروسيا عرضت بيع صواريخ <أس.أس. ٤٠٠> إلى السعودية لحماية بنيتها التحتية ومنشآتها النفطية. الموقفان لا يخلوان من النفاق. الحوثيون أنفسهم اعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم. وإذا كانت إيران تنفي علاقتها بالحوثيين إلا <معنويا> فلا يمكن للروس أو الصينيين أن يكونوا يصدقون ذلك. ضربة <أرامكو> هي ليست فقط ردة فعل إيرانية ضد خنقها بالعقوبات بل تعتبر أيضا رسالة صينية وروسية إلى الأميركيين أن الخطوط الحمر التي كانت موجودة في الخليج سقطت. الصين بالتحديد هي التي أطلقت العنان لجنون إيران في الخليج.

الحرير الصيني يغزو إيران

 

الصين وعدت إيران بأربعمئة مليار دولار من الإستثمارات في حقولها النفطية والغازية وبنيتها التحتية. جاء هذا الإعلان عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> إلى الصين في نهاية آب (أغسطس) المنصرم وبعد خروجه بخفي حنين من إجتماع <بياريتز> مع الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون>. مقابل هذه الإستثمارات حصلت الصين على تعهد إيراني بخصم ١٢ بالمئة على الأسعار الرسمية للنفط والغاز، وبقبول إيران التصدير مقابل عملات أجنبية متفرقة من بينها عملات أفريقية إلى جانب اليوان الصيني. وفوق كل ذلك أعلنت الصين أنها ستواكب إستثماراتها في إيران بخمسة آلاف عنصر <أمني> صيني سيولجون مسؤولية <حماية> المنشآت الإيرانية التي ستعمل فيها الشركات الصينية. ليس المقصود هنا العمال الصينيين الذين سيأتون مع الشركات الصينية بل حماية أمنية مباشرة. بمعنى آخر قبلت إيران، حتى تلتف على العقوبات الأميركية، ليس فقط بالحصول على عملات أفريقية من الصعب تصريفها بل بأن تتنازل عن سيادتها الأمنية. الحجة الإيرانية هي أن هذا سيكون عامل ردع لأن أي ضربة أميركية للمنشآت النفطية الإيرانية يمكن أن تصيب <أمنيين> صينيين وبالتالي تؤجج حربا أميركية - صينية. ولكن الواقع أن وجود خمسة آلاف عنصر أمني صيني هو نواة قاعدة عسكرية صينية في الداخل الإيراني لأن هؤلاء لن يأتون من دون سلاح وتجهيزات عسكرية. نظام الثورة الإسلامي في إيران كان يرفض بشكل مطلق إدخال أي جندي أجنبي على أرضه وينتقد الدول العربية التي تقبل بذلك، بل كان يعتبر أي مشاركة عسكرية أجنبية في دولة ما هو إنتقاص تام لسيادتها، كما ظل يسخر من العرب كيف يبددون أموالهم ومداخيل نفطهم خدمة لمصالح الغرب. اليوم يعطي هذا النظام الصين كل ما كان ينتقد دول الخليج أنها تتنازل عنه للولايات المتحدة والغرب، نفطا ونقدا وسيادة، بل ربما أكثر بكثير لأن إيران ستكون قاعدة تجارية إستراتيجية للصين تتوسع منها إلى قلب آسيا الوسطى.

 

الكرامة أو السيادة؟

 

كان من الممكن لإيران القبول بالتفاوض مع الولايات المتحدة لو كان تاريخ الأخيرة في الإلتزام بالإتفاقيات يشجع، ولكن الأميركيين كانوا ولا يزالون أشطر من خسر ثقة الذين يريدون التفاوض معهم. هم لا يأبهون بصدقيتهم أو سمعتهم التفاوضية ويؤمنون أن قوة الولايات المتحدة المالية والعسكرية كفيلة بجلب أي طرف للتفاوض. هذا الإفتراض لم يعد في محله، على الأقل منذ مجيئ <دونالد ترامب> إلى البيت الأبيض وصعود دور الصين عالميا. فالرئيس الأميركي مزق الإتفاقيات الواحدة تلو الأخرى وضرب بعرض الحائط كل إلتزامات أميركا في الداخل والخارج. إيران تعتبر خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي ولجوءها إلى العقوبات وسياسة الضغط الأقصى محاولة لاذلال الشعب الإيراني. تاريخهم وثقافتهم وكرامتهم القومية والوطنية والدينية لا تسمح لهم بالتنازل تحت سكين الذل وهذا ما لا يفهمه الأميركيون. ولكنهم في المقابل وحتى يخرجوا من سجن عقوبات <ترامب> ارتموا في أحضان الصين بشكل سيبدد سيادتهم لعقود طويلة. بين الكرامة والسيادة تختار إيران اليوم الكرامة وتفرط بكامل السيادة.

ما قبل <أرامكو> لن يكون كما بعدها. المسألة لم تعد قضية اليمن أو أزمة مستفحلة بين السعودية وإيران. اليوم أضحت هيبة الولايات المتحدة على المحك. ربما أرادت الصين إعطاء فرصة لإيران أن تختبر هذه الهيبة بالوكالة عنها.