تفاصيل الخبر

قطاع السياحة بين التراجع ومقوّمات النهوض الواعدة!

17/05/2019
قطاع السياحة بين التراجع ومقوّمات النهوض الواعدة!

قطاع السياحة بين التراجع ومقوّمات النهوض الواعدة!

بقلم طوني بشارة

يعتبر لبنان بمقوماته الطبيعية، الجغرافية والبشرية الغنية بلداً ذا مقومات سياحية قيّمة، فقد نجح القطاع السياحي في أن يكون عاملاً أساسياً في الاقتصاد الوطني. ولطالما كان القطاع السياحي من بين القطاعات الاقتصادية الرائدة في لبنان، لكونه يشكّل مصدراً رئيسيّاً للدخل والتوظيف. أهمّية القطاع السياحي أنه يُدخل إلى الاقتصاد نقداً بالعملة الأجنبية وهذا الأمر له فوائده على صعيد الناتج المحلّي الإجمالي وأيضاً على صعيد فرص العمل والليرة اللبنانية. وتشير البيانات إلى أن حصة السياحة من الدخل القومي ارتفعت الى 7 مليارات و200 مليون دولار عام 2009 مقارنة بنحو 4,8 مليارات عام 2008، مما جعل السياحة انذاك تشكل نحو ربع الدخل الوطني. وقد حطم لبنان في العام 2010 الرقم القياسي في عدد السياح الذين أتوا إليه، وكان للوافدين العرب والأوروبيين الحصة الأبرز من حجم السياح، وتشير البيانات إلى أن مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلّي الإجمالي بلغت 29 بالمئة في العام 2010.

السياحة والتراجع بالارقام!

 

 والمتتبع للأوضاع في تلك الفترة يدرك انه كان يمكن ان يستمر هذا الرقم في الارتفاع لو استمرت الاحوال السياسية والامنية هادئة، لكن في ظل التجاذبات السياسية والتوترات الامنية في لبنان منذ 2016 حتى 2018 تأثّرت السياحة سلباً بفعل التوترات الإقليمية من جهة، ومن جهة أخرى بفعل تباطؤ تدفق السياحة الخليجية جراء أزمة النفط، وتباطؤ معدلات الاقتصاد العالمي. ويمكن القول ان عام 2012 كان مرحلة الركود الاقتصادي إذ تراجع القطاع السياحي بنسبة 50 بالمئة عن العام الذي سبقه، وذلك بعد سلسلة الانفجارات الأمنية التي طالت بيروت وضواحيها والتي أدت الى تراجع في الحجوزات الفندقية وتذاكر السفر. وسجل تراجع في نوعية السياح الوافدين حيث تراجع عدد السياح الخليجيين وخصوصاً السعوديين، وبات يدخل 4 بالمئة من حجم السائحين السعوديين الذين كانوا يدخلون في أعوام سابقة، ويعود هذا التراجع بشكل واضح الى عام 2013 وهو العام الأخطر أو ما يسمى بعام <الكارثة>، إذ تراجعت فيه المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير وأدت الى إرهاق الكثير من المؤسسات والاستثمارات والمشاريع السياحية، فتراجعت الحركة السياحية بنسبة 6.6 بالمئة عن عام 2012، وبخسائر قدرت جسامتها بثلاثة مليارات و500 مليون دولار أميركي، وتراجع عدد زوار لبنان بنسبة 6.6 بالمئة إلى 1.24 مليون سائح للعام 2013 مقابل 1.36 مليون في 2012، وانخفض عدد الوافدين إلى لبنان بنسبة كبيرة تصل إلى 40 بالمئة مقارنة بمستوى السياحة قبل أربع سنوات. فيما سُجّل التحسّن الأوّل في عام 2014 مع ارتفاع عدد السيّاح بنسبة 0.68 بالمئة ودخول نحو 897 ألفاً بحلول شهر آب، في حين انخفض الإنفاق السياحي بنسبة 6 بالمئة. أمّا في العام 2015 فقد تدنى مستوى السياح إلى 1.274.362 أي انخفض بنحو 45 بالمئة وتقدر الخسارة المباشرة وغير المباشرة بما يعادل المليار ونصف المليار على خزينة الدولة وعلى القطاع السياحي. وأشارت الإحصاءات إلى أن عدد السياح الذين زاروا لبنان في العام 2015 بلغ ما يقارب المليون ونصف المليون سائح، منهم 500 ألف من الدول العربية وتحديداً الخليجية. واللافت ان التوترات الأمنية في لبنان أدت إلى تدني إشغال الفنادق اللبنانية في العام 2015، إذ بلغ 56 بالمئة وفقاً لدراسة أجرتها إحدى الشركات المهتمة بالقطاع الفندقي في منطقة الشرق الأوسط، والتي أشارت إلى أن بيروت سجلت نسبة الإشغال الأدنى لفنادق المنطقة. كما أنه أصبح أكيداً أن نسبة السياح تدنت بنسبة 15 بالمئة في العام 2016 بالنسبة للعام 2015، إلا أن قطاع السياحة شهد تحسناً ملحوظاً في عامي 2017 و2018، إذ سجّل أعلى نسبة سيّاح وافدين منذ 7 سنوات، وبلغ عددهم حتى تموز 2018 نحو 1.29 مليون زائر، محقّقاً ارتفاعاً بنسبة 13.2 بالمئة عن العام السابق وزيادة في الإنفاق السياحي بنسبة 6 بالمئة.

والجدير بالذكر ان وزير السياحة اواديس كيدانيان وعد أصحاب الشأن بأن الموسم في عام 2019 سيكون واعدا ووضع خطة شاملة لتحقيق وعده ولتكون السياحة ناشطة في لبنان على مدار السنة، كما عقد اتفاقية شراكة مع القطاع الخاص من اجل تفعيل دور الركن الذكي في مجال السياحة.

وللاطلاع على خطة الوزير وعلى مبادرة الركن الذكي نقلت <الأفكار> رأي وزير السياحة، كما التقت رئيس غرفة التجارة والصناعة في الشمال توفيق دبوسي، وحاورت مديرة الغرفة الأستاذة ليندا سلطان.

 

كيدانيان والخطط السياحية!

 

 بداية اشار وزير السياحة اواديس كيدانيان الى أن لبنان يرتكز قطاعه السياحي على السائح العربي والخليجي وما زال، ونحن اليوم نعمل على توسيع هذا السوق.

ولفت كيدانيان الى ان الوزارة ستركز على الدول الاجنبية التي فيها طيران مباشر بين البلدين وساعات الطيران بيننا ليست طويلة، وألمح الى ارتفاع سياح فرنسا والمانيا وانكلترا واسبانيا وايطاليا واليونان بشكل ملحوظ، وهذا امر يشجع للعمل مع هذه الدول، وأضاف قائلا: نحن اليوم حاضرون اكثر لتسويق منتجاتنا السياحية.

وبالنسبة الى موضوع الإغتراب اللبناني وتشجيعه على القدوم الى لبنان، شدد كيدنيان قائلا:

- ان لبنان ملزم لإيجاد آلية لوصولهم بسهولة الى لبنان، وذلك بسبب عدم وجود طيران مباشر مع عدد من الدول لاسيما في اميركا اللاتينية، ونحن بحاجة ليكون هناك ترويج للبنان على وسائل التواصل الاجتماعي في البرازيل والأسواق التي نستطيع الوصول بها الى نتيجة مباشرة.

وفي ما يتعلق بالسياحة الداخلية لفت كيدانيان قائلاً:

- سيكون هناك تعاون مع البلديات وإتحاد البلديات من أجل السياحة الداخلية وخلق منتج لكل بلدة والترويج له، والاهتمام السياحي يكون عبر المنتج الذي تقدمه كل بلدة، كما اننا نعمل من أجل إنشاء مجالس محلية للسياحة، وأعتبر أن الموضوع الأهم هو تأسيس هيئة تنشيط السياحة، لأنه لا يمكن العمل في السياحة من دون هذه الهيئة لترويج المنتج السياحي اللبناني، ومن أهم ركائزه التعاون والتشارك بين القطاعين العام والخاص.

وفي ما يختص بالخطوات التقشفية التي اشارت اليها موازنة 2019ألمح كيدنيان:

- لقد اقفلنا مكتبي باريس والقاهرة بعد أن صرفنا على هذه المكاتب 15 مليون دولار بصفر بالمئة مردوداً سياحياً على لبنان، وأؤكد هنا انه لا لوم على احد ولكن هذا القرار جاء ضمن إطار التقشف المفيد للبنان.. وأتمنى في هذا السياق تطبيق سياسة الأجواء المفتوحة في لبنان، مع المحافظة على مكانة الشركة الوطنية. ونحن على تعاون مع الوزارات المختصة لتسريع الحصول على تأشيرة الدخول الى لبنان، وكيفية التعاون والمتابعة مع سفراء الدول التي فيها موانع وصعوبات للسفر الى لبنان.

وأضاف:

- هنا أشدد على ضرورة تحديث التشريعات السياحية التي مرّ عليها الزمن والتي تؤدي الى صعوبة في التعاطي خصوصا مع المستثمرين في القطاع السياحي، وسنضع تشريعات تلزم بوجود تسهيلات لوصول ذوي الاحتياجات الخاصة.

ــ وماذا عن الركن الذكي والتعاون مع غرفة طرابلس ولبنان الشمالي؟

- الركن الذكي في غرفة طرابلس أرى فيه مدماكا أساسيا للتعاون ونقطة إلتقاء للسياح، فبإمكانهم الإطلاع على أي موقع سياحي أو ديني أو أثري كما يمكنهم زيارة تلك المواقع إفتراضيا قبل زيارتها ميدانيا، وأنا أعتبره خطوة جيدة جدا لاسيما أنه سيكون منفتحا على المناطق اللبنانية كافة، ولقد وقعنا على إتفاقية الشراكة في هذا المشروع وسنحاول القيام بالجزء المترتب على وزارة السياحة للإستفادة منه وطنياً.

وفي ما يتعلق بالمشروع الإستثماري الوطني الكبير، قال كيدانيان:

- لقد تعرفت على مرتكزاته للتو من خلال شروحات الرئيس دبوسي، وبات لدي إنطباع أولي بأنه مشروع مهم جدا وهناك أصحاب اختصاص ضليعون بقضايا الإقتصاد والاستثمار بإمكانهم الإستفادة منه، وبمجرد وجود قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص، فنحن قادرون على إيجاد مستثمرين يستفيدون بدورهم منه، ولبنان بكامله، وكذلك المنطقة كلها، والمشروع خطوة أساسية جدا ويمكن أن تكون له إرتدادات إقتصادية إيجابية وما علينا إلا إيجاد آذان صاغية للتجاوب مع اهدافه، ومن جهتي سأحاول شخصيا وحيثما وجدت أن أعمل على تسويق فكرة المشروع وترويجها.

 

دبوسي والتحديات المحورية!

 

وبدوره رأى رئيس غرفة طرابلس والشمال الاستاذ توفيق دبوسي من خلال مقاربته للواقع الإقتصادي المعاصر أن هناك ثلاثة تحديات محورية تشهدها الحياة الإقتصادية في المرحلتين الراهنة واللاحقة وهي: <الديون السيادية المترتبة على العديد من الدول ومن بينها لبنان، والوجود الضاغط لوجود اللاجئين والنازحين وإرتفاع أسعار الفائدة المصرفية>.

وأكد دبوسي على أنه من الممكن مواجهة تلك التحديات بالإعتماد على الطاقة الشبابية العربية التي ستبلغ بحلول العام 2050 ثلاثمئة مليون نسمة، ومن خلال فتح الآفاق واسعة أمام الشراكة مع القطاع الخاص لتشجيع النمو الإقتصادي، وإعتماد إستراتيجية شاملة تستند على الرأسمال البشري، وتعزيز ثقافة العمل الحر لدى الشباب واستخدام تقنيات الرقمنة الإقتصادية.

وأضاف دبوسي:

- من هنا إنسجام خيارات غرفة طرابلس والشمال مع مرتكزات الإقتصاد المعاصر الذي يستند على الإبتكار والابداع والثورة الصناعية الرابعة، والسير بخطوات غير مسبوقة في إطلاق مشاريع إنمائية إستثمارية تجعلها في قلب هذا الإقتصاد بكل تحدياته منها:

- الركن الذكي للسياحة الرقمية الذي يهدف الى إجراء مسح منهجي يشمل المعالم والمراكز الدينية والأثرية والسياحية في لبنان بطريقة إحترافية تتوسل التصوير بـالـ<3D SCANNER 360>   وتسليط الضوء على أهمية التطورات والإبتكارات التكنولوجية في تواصل النمو مع تزايد الاستدامة بقطاع السياحة وغيره من القطاعات الإقتصادية.

- مركز إقتصاد المعرفة الذي يتطلع الى تطوير معارف الشباب علميا وتقنياً وهو مقر لإدارة مشاريع التدريب الابداعية والابتكار، إذ أن الريادة المعرفية محكومة بميزات تفاضلية، وهي عالم المستقبل الذي لا يعتمد على اليد العاملة فقط وإنما على الفكر المعرفي الابداعي.

- مبنى التنمية المستدامة الذي يواكب أهداف وتطبيقات مبادىء الأمم المتحدة في التنمية المستدامة السبعة عشر بروح الشراكة لتوفير سبل تحسين الظروف الحياتية إقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.

وخلص دبوسي مشيراً الى أن هذه المقاربة الإقتصادية الإجتماعية  تؤكدها التقارير والدراسات والأبحاث التي أعدتها وتعدها الجهات الدولية المتخصصة لاسيما مجموعة البنك الدولي وخلافها من المنظمات الدولية.

سلطان واهمية الركن الذكي!

اما مديرة غرفة طرابلس الأستاذة ليندا سلطان فأكدت بأنه لما كانت الغرفة تطلق أكبر المشاريع الاستثمارية الوطنية من طرابلس الكبرى، وتهدف الى تطوير وتحديث بنية الاقتصاد الوطني بكافة قطاعاته لاسيما القطاع السياحي لما له من دور حيوي كعامل جذب للاستثمارات في مختلف المجالات السياحية، وتبني شراكات بين القطاعين العام والخاص على مختلف المستويات اللبنانية والعربية والدولية، من هنا يندرج الركن الذكي (السياحة الرقمية) المشروع القائم على اعداد دليل وثائقي مصور عن كافة المناطق الاثرية والتراثية والسياحية والدينية والبيئية بطريقة محترفة: <3D SCANNER 360> في كافة المناطق اللبنانية بالتعاون والتنسيق مع وزارة السياحة على ان يستتبع ذلك تنفيذ استعراضه على الهواتف الذكية عبر التطبيقات التقنية اللازمة.

ــ ما أهمية هذا المشروع للاقتصاد السياحي اللبناني؟

- ان هذا المشروع الذي يمكن ربطه بالجهات الدولية المهتمة ببناء أوسع الشراكات الاستثمارية مع لبنان، يهدف الى تطوير وتحديث الاقتصاد اللبناني بكافة قطاعاته لاسيما القطاع السياحي منه حيث يشكل انشاء الركن الذكي (السياحة الرقمية) المزود بكافة المعلومات والخرائط عن هذه الأمكنة لتسهيل عملية الوصول والاضاءة والتعريف عنها، أحد ركائز التنمية السياحية المستدامة المطلوبة.

ــ وما هي تقديمات الغرفة باتفاقية التعاون بينها وبين وزارة السياحة بموضوع الركن الذكي؟

- ان تقديمات الغرفة عديدة أهمها:

- تخصيص مركز في الطابق الأرضي للغرفة من اجل الركن الذكي.

- اعداد دليل مصور وثائقي عن كافة المناطق الاثرية والتراثية والسياحية والدينية والبيئية بطريقة محترفة: <3D SCANNER 360> .

- تجهيز الركن المذكور بكافة اللوازم الالكترونية اللازمة لعمله بما فيها الكهرباء على مدار الساعة والانترنت والتكييف واعمال الحراسة...

- تدريب اختصاصيين في التسويق السياحي.

- تأمين قاعات التدريب المهنية والتقنية الكائنة في مقر الغرفة لاجراء عمليات وانشطة التدريب والتأهيل.

- رصد وتفعيل الاتفاقيات المبرمة مع جهات لبنانية وعربية ودولية لمصلحة هذه الشراكة.