تفاصيل الخبر

”قصر الاحلام“ في بخعون من الموزاييك والفسيفساء والرخام... تحفة معمارية تدخلك الى عالم من الخيال والدهشة!

10/01/2020
”قصر الاحلام“ في بخعون من الموزاييك والفسيفساء والرخام... تحفة معمارية تدخلك الى عالم من الخيال والدهشة!

”قصر الاحلام“ في بخعون من الموزاييك والفسيفساء والرخام... تحفة معمارية تدخلك الى عالم من الخيال والدهشة!

بقلم عبير انطون

قد يتساءل البعض عن <الاحلام> وقصورها في مثل هذه الظروف التي يعيشها لبنان والمنطقة، الا ان بناء الاحلام واجب ولو في عز الرياح الهوجاء والامواج العاتية. وكما اضاءت الانتفاضة على مكامن خلل عديدة، فإننا نسعى عبر موضوع مماثل، ان نضيئ على بقع ضوء مميّزة في اماكن تعتبر منسية لا بل مهملة، كمثل قضاء الضنية، الذي تقع من ضمنه بلدة بخعون، محتضنة <قصر الاحلام> موضوع صفحتينا، والذي لو استمع غيرنا كما <الافكار> الى ابن المرحوم محمد هوشر السيد طلال يكلمنا عن القصر وعن كنوز المنطقة وغناها اثريا وطبيعيا وجغرافيا، لحملنا جميعنا اقلامنا وكاميراتنا وقلنا شمالا در!

بخعون هي قرية لبنانية من قرى قضاء الضنية وهو أحد أقضية محافظة الشمال، يضم 35 بلدة تشرف على مدينة طرابلس من ناحية الشرق، وتشكل امتدادا لجبل المكمل، أعلى جبال لبنان والمشرق العربي (القرنة السوداء 3088م)، وتنتشر فيه غابات كبيرة من الارز واللزاب والصنوبر والسنديان ومختلف انواع الاشجار المعمرة.

 وتعتبر بخعون من المصايف في جبل الضنية، تبعد عن طرابلس نحو 18 كيلومترا. فيها بنى محمد هوشر قصر احلامه، ومع ابنه السيد طلال هوشر كانت جولة <الأفكار> في <قصر الاحلام> واضاءة على كنوز المنطقة.

فما الذي تحمله هذه الارض الخصبة بموجوداتها؟ لم هي معتم عليها، وماذا عن <قصر الاحلام> والاضافات الجديدة عليه؟

 

حلم طفولة..

 

على امتداد سبعة آلاف متر، يمتد القصر الذي يؤكد السيد طلال هوشر في حديثه الينا، انه لم يشيد أبدا بقصد جعله معلما سياحيا مقصودا، اذ جل ما أراده الوالد محمد كان بناء قصر صيفي في مسقط رأسه يركن اليه، وقد ساهم في وضع لمساته فيه أيضا بعناية وذوق كل من محمد الفران وداليدا محمد هوشر.

بدأت الحكاية في العام 1980 حين قرر محمد هوشر وضع الحلم الطفولي الصغير قيد التحقيق فكان القصر الصيفي من ثلاث طبقات، تحيط به ساحة كبيرة، وتحتشد فيه مجموعة من التماثيل بينها مجسّم لمصب القهوة العربية الضخم الذي تحيط به الفناجين، فضلا عن مجموعة من الفوانيس السحرية التي تنتظر خروج المارد وحورية البحر.

 بني القصر بالكامل بالاعتماد على أسلوب الموزاييك والفسيفساء، واستخدمت في ترصيعه عشرات الآلاف من القطع الرخامية المختلفة الألوان، والتي أحضرها المالك من الأردن. وبحس مرهف، راح محمد يطرز حلمه بما جادت به مخيلته الزاخرة بمختلف الفنون، وكان استحضار لحضارات شرقية وآسيوية وغيرها...

 لطالما اراده محمد وهو يعمل فيه ملكا للناس والسياحة، معتبرا اياه مثل الأهرامات في مصر او قصر فرساي في فرنسا، مقدما اياه عملا فنيا لكل السياح واللبنانيين من كل الطوائف والمناطق.

ويسجل هنا، انه، وفي فترة بانئة، زاره حينها وزير السياحة علي حسين العبد الله، مستغرباً إقامة مشروع بهذه الضخامة بجهد فردي وأعجب به شديد الإعجاب، وقد لفته ما يحتويه من الداخل من رسوم على الجدران ومقتطفات من أحداث تاريخية جرت في العالم، كما شاهد 36 أرزة وضعت داخله وتم صنعها من الحجارة المحلية، واعداً بوضعه على خريطة وزارة السياحة في إطار ما يسمى <الإنماء المتوازن> في ذلك الحين.

خيول.. ومرسيدس!

بـ<التحفة الفنية> اذا، التي تأخذ الداخل اليها من اطفال وكبار الى عالم من المتعة والخيال، يدخل الزائر <قصر الاحلام>، ملقيا التحية على ارزة دهرية تحرسه عند مدخله.

القصر المنيف، يطل في موقعه الفريد على مناظر تحبس الانفاس، وهو اشبه بالقلعة الحصينة... فالى الجدران الخارجية التي تغطيها عشرات الأعمال الفنية المكونة من الرسوم والكتابات باللغة العربية، هناك قوس النصر الضخم، وينتصب مدفعان حجريان يحرسان باب المدخل. اما في الباحة الخلفية فيرى الزائر نفسه أمام مجموعة من التماثيل لوسائل النقل القديمة كعربة الخيل وسيارة مرسيدس موديل 1955، فضلا عن الرماح، السيف والترس، البنادق، القارب البدائي، الطاحونة، الخيمة العربية، الديوان، الأباريق، الخيول، المغارة، جرن الكبة، قلعة بعلبك، قلعة عنجر، قلعة المسيلحة، صخرة الروشة، فضلا عن الكثير من النقوش والكتابات... وقد استخدمت في التشييد الفريد افضل انواع الاحجار من الاونكس الى الصوان والغرانيت والحجارة الحمراء والسوداء والصفراء.

اضافات..

عرف <قصر الأحلام> اضافات او لنقل <تحسينات> عدة. لقد قمت بالكثير منها يقول السيد طلال أكان ذلك في الارضيات، أو في السور الذي يزنره كما في التشجير من حوله فضلا عن العديد من الترتيبات الداخلية. فقد هُجر القصر لاكثر من اثني عشر عاما ومنذ ثلاث سنوات تقريبا اعدناه الى رونقه وترتيب معالمه، كما واسست فيه مطعما صغيرا لزواره.

لا يؤم القصر حاليا، نتيجة للظروف المناخية وانما ايضا للظروف السياسية الامنية، الكثير من الزوار كمثل الذين يدلفون اليه بالعادة باعداد لا بأس بها في الربيع والصيف، علما انه مجهز حتى في عز الشتاء لاستقبال قاصديه.

أما اعمال الصيانة فهي دائمة في القصر <اقوم بها دوريا> يقول هوشر، وذلك من خلال المدخول الذي يؤمنه (خمسة آلاف ليرة للزائر)، والبقية من جيبي، وأنا لا زلت حتى الساعة أعتبره بيتا خاصا يجب ان يكون في افضل أحواله. الاحتمالات امامه كثيرة، بينها احتمالات البيع او حتى التأجير، وقد تلقيت الكثير من الاتصالات من احدى محطات التلفزة لاستثماره، فضلا عن طلبات التصوير للعديد من المسلسلات التلفزيونية فيه، خاصة وانه بات أشهر من ان يعرف عنه، علما انه، وغالبية السامعين للامر لا يصدقون ذلك، كان هدف الوالد منه عائليا فقط، وقد جاء بناؤه عشوائيا بعيدا عن اي تخطيط هندسي مسبق.

وفي هذا السياق، كتب ان القصر <بدأت ورشته بخريطة لم تطابق مخيلة هوشر والفران، فاستغنيا عن الأكاديمية بعد استحصالهما على ترخيص، وعادا الى الفطرة لأنهما وجدا فيها إبداعاً حقيقياً>. فالوالد، يقول طلال، اعتبره المقر الصيفي للعائلة وكان يشتغل ويضيف عليه بحسب مزاجه وذوقه الرفيع ومخيلته الخصبة وما تعمق به من حضارات كالفرعونية الى الفينيقية والرومانية والعربية، الى الحضارات الشرق آسيوية التي تعتمد الأسلوب الصيني والتايلاندي، بالإضافة إلى الزاوية المصرية. أما الاستراحة فهناك ايضا زاوية لها دائرية الشكل وتطل على الوادي وتستلهم أجواءها من حياة الصحراء والجلسة البدوية.

 بعلبك في عكار..

 

في كل ركن من <قصر الاحلام> تجد الروح اللبنانية موجودة والارزة حاضرة، إما على شكل نحوت على الصخر أو من خلال الأرزة الضخمة عند سور القصر التي سبق وأشرنا اليها... وهناك ايضا هيكل شبيه بهيكل بعلبك، فضلا عن سفينة فينيقية فتحت شراعها استعداداً للإبحار، وغيرها من المجسمات التي تطلبت مهارات يدوية وحرفية مصقولة.

صحيح ان القصر شيد تحقيقا لحلم فردي، لكنه تمكن، قبل فتح أبوابه للعموم، من اجتذاب عدد كبير من الزوار اللبنانيين والأجانب، بعدما راح الناس يتناقلون، شفهياً أو عبر الصور، الأحاديث عنه. وهكذا، تحول الشخصي إلى عام، ووضع مالكوه تعرفة دخول رمزية (5 آلاف ليرة) في محاولة منهم لإكمال أعمال الزخزفة وتغطية بعض تكاليف الصيانة المستمرة.

ولما نسأل هوشر عن تحقيق حلم الوالد باقامة العائلة فيه، يؤكد طلال انهم يقيمون اليوم في طرابلس الا ان <الجذور في بخعون الجميلة ما زالت ضاربة، ونزوره بشكل دائم، كما تكون للوالدة اقامة فيه لحوالى الشهرين من كل عام>.

احساس فريد..

ولما نشير أمام هوشر بان القصر لم يأخذ حقه اعلاميا، يسارع الى تأكيد العكس بالقول ان اسمه بات معروفا حتى ان وزير السياحة في الحكومة المستقيلة حاليا مده برقمه الخاص للمساعدة في اي مجال، لكن ظروف البلد كانت كفيلة بحرف الاهتمام عن اي أمر آخر.

 وعن اهل المنطقة وسعادتهم باحتضان <قصر الاحلام> وببعض انعاش فيها قد يقود اليه، يجيبنا هوشر:

 ــ كنا نتمنى ان نلقى تشجيعا أكبر من مختلف الجهات وان يقف اهل المنطقة جنب بعضهم البعض.. هناك تقصير كبير بحق الضنية بشكل عام، فهي تضم 35 ضيعة وبلدة، والقصر اضاء ليس على منطقة بخعون وحدها انما على القضاء برمته، واقول ذلك بتواضع. كذلك، والى القصر، هناك المعالم الطبيعية التي تسرق الالباب وما من اشارة اليها للأسف لما يحكى عن السياحة.

 اليوم بدأت هذه المعالم تعرف بعض الشهرة، يضيف هوشر، ومن يأتي سائحا من بيروت او من البلاد العربية او الاجنبية يشده بما يراه، اكان من حيث <مغارة الزحلان> مثلا التي قد تضارع <مغارة جعيتا> لشدة جمالها وتاريخها، وهناك ايضا القرنة السوداء وهي اعلى قمة في الشرق الاوسط، واحساس الواحد منا بزيارة اعلى قمة في الشرق الاوسط يكفي، فضلا عن <جبل الاربعين> الرائع (في أعالي <جبل الاربعين> جسر بطول عشرين مترا تقريبا على ارتفاع ٣٠٠ متر عامودي مخصص لقفز المظلات والمشي على الزجاج الشفاف، فضلا عن برج مجهّز بأجهزةٍ لمراقبة النجوم والكواكب، كما توجد كافيتريا من الجهة اليمنى للمبنى على زاوية الوادي ترتفع اكثر من ٢٠٠ متر ويمكن التعرف منها على اجمل المناطق في لبنان). من دون ان ننسى طبعا، والحديث لهوشر، القلعة الرومانية فوقنا ومنطقة عيون السمك وغيرها الكثير من الكنوز التي لا تنتظر سوى استقبالها للزوار وهي كفيلة بجعل نهارهم في المنطقة لا ينسى.