يؤكد وزير سابق للخارجية اللبنانية أنه لم يسبق للبنان أن تعاطى في مسألة تقديم هبات لمؤسساته الرسمية، الإدارية أم العسكرية، كما يتعاطى حالياً مع الهبة التي أعلنت طهران عن رغبتها في تقديمها للجيش اللبناني لمساعدته في مواجهة التمديد الإرهابي في أراضيه، لاسيما بعد اجتياح عرسال يوم 2 آب/ أغسطس الماضي وتكرار الاعتداءات على الجيش في البقاع والشمال. ويضيف الوزير الذي تولى رئاسة الديبلوماسية اللبنانية لسنوات متتالية ان الطريقة التي يعالج فيها لبنان ملف الهبة الإيرانية تثير علامات استفهام كبيرة لاسيما وان طهران لم تعرض على لبنان <بيعه> أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية، بل قدمت له هبة بمعدات يعرف الإيرانيون ان الجيش يحتاج إليها، وهي لا تشكل أي تبديل في نوعية السلاح الذي يستعمله لأن الذخائر والمعدات والعتاد المعروضة تأتلف مع ما هو موجود لدى الجيش ويستعمله منذ سنوات، ولا حاجة بالتالي لإرسال بعثات تدريب عسكرية الى ايران، أو إيفاد خبراء عسكريين إيرانيين الى لبنان لتدريب الجيش على استعمال هذه المعدات، لافتاً الى أن رفض لبنان هذه الهبة ـــ أو الاعتذار عن عدم قبولها - سيرتب نتائج غير مريحة على صعيد العلاقات اللبنانية ـــ الإيرانية، لأن الموقف اللبناني الرافض يتكرر للمرة الثالثة، في وقت تبدي فيه طهران استعدادها لتسليح الجيش من دون أي شروط مسبقة أو أي التزامات يقدمها لبنان لإيران.
الهبات غير مشمولة بالحظر
وأشار الوزير السابق للخارجية الى أن القول ان أي تعاون عسكري بين لبنان وإيران يشكّل خرقاً للحظر المفروض على توريد أو بيع أو نقل أي أسلحة أو عتاد ذي صلة، استناداً الى الفقرة الخامسة من القرار 1747 الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا ينطبق على الهبة الإيرانية للبنان، لأنها هبة مجانية بالكامل وغير مشروطة، وسبق للإيرانيين أن قدموا مؤخراً الى الحكومة العراقية وحكومات أخرى هبات مماثلة ولم تعترض الأمم المتحدة، كما هي الحال مع لبنان حين انضم الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة <ديريك بلامبلي> الى سفير الولايات المتحدة الأميركية <دايفيد هيل> في تحذير لبنان من مغبة قبول الهبة الإيرانية، وصولاً الى حد تلويح الإدارة الأميركية بواسطة سفيرها في بيروت بوقف المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني! كذلك لم يعترض المجتمع الدولي على تزويد إيران رجال <البشمركة> الأكراد أسلحة وذخائر ومدافع وقذائف صاروخية قبل أسابيع لمواجهة هجوم تنظيم <داعش> على المنطقة الكردية في العراق.
غير أن كلام الوزير السابق للخارجية يجد من يعترض عليه داخل الحكومة اللبنانية وفي الأوساط السياسية ولاسيما منها قوى 14 آذار وممثليها في الحكومة، على الرغم من المعطيات التي حصل عليها وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل من المسؤولين الإيرانيين خلال زيارته قبل أسبوعين لطهران على رأس وفد عسكري رفيع المستوى. ذلك أن المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> تشير الى أن القيادة الإيرانية أبلغت الوزير مقبل ان الهبة التي تنوي تقديمها للجيش اللبناني، يمكن أن تسلّم إليه خلال شهر واحد وتتضمن معدات وتجهيزات <مألوفة> لدى الجيش وفق التقرير الذي أعدته لجنة عسكرية لبنانية كانت قد التقت مع مسؤولين إيرانيين، وأبرز هذه المعدات رشاشات <دوشكا> مع ذخائرها مماثلة للتي يستعملها الجيش اللبناني، ومدافع <هاون 60> و<هاون 120> مع ذخائرها تلعب دوراً مهماً في التصدي للمجموعات الإرهابية المسلحة، وذخائر من عيار 155 ملم لمدافع يملكها الجيش ويستعملها في المهمات العسكرية التي يتولاها، وقاذف <تاو> المضاد للدروع، ومناظير ليلية، فضلاً عن ذخائر لدبابات <ت 55> و<ت 62> يستعملها الجيش منذ سنوات، وبعضها قدمته سوريا والاردن للجيش اللبناني في أوقات سابقة.
تسييس الهبة.. عطّلها!
واعتبرت مصادر مطلعة أن الجولة التي قام بها الوزير مقبل على المرجعيات السياسية اللبنانية <للتشاور> معها في موضوع الهبة الإيرانية، تعتبر سابقة لأن بت موضوع الهبات كان يتم عادة في مجلس الوزراء من دون <التشاور> مع السياسيين لأن ذلك من اختصاص السلطة التنفيذية التي لن تدفع من خزينة الدولة أي تكلفة بما في ذلك تكاليف النقل من طهران الى بيروت. كذلك أبدت المصادر نفسها استغرابها لإلقاء مسؤولية قبول الهبة الإيرانية أو رفضها على عاتق قيادة الجيش، لأن دور هذه القيادة يقتصر على إبداء الرأي في مدى تطابق العتاد الوارد ضمن الهبة مع حاجات الجيش أولاً، ومع القدرة على استعمالها من قبل العسكريين اللبنانيين من جهة ثانية، فلماذا إحراج المؤسسة العسكرية ودفعها الى التعاطي مع الهبة الإيرانية من منظار سياسي وليس من منظار عسكري فحسب.
واعتبرت المصادر نفسها أن اقحام السياسيين المختلفين أصلاً فيما بينهم على كل المواضيع، فكيف على الهبة الإيرانية، هو مقدمة لرفض الهبة، لأن فريق 14 آذار الممثل في الحكومة بأكثر من نصف أعضائها لن يوافق على قبول الهبة، في وقت سيقبل وزراء 8 آذار بها. ولأن آلية اتخاذ القرارات في حكومة الرئيس تمام سلام تقوم على الموافقة الاجماعية، فيكفي أن يعارض وزير واحد قبول الهبة حتى يكون القرار سلبياً! وتساءلت المصادر: لماذا لجأ وزير الدفاع الى هذه الطريقة لإسقاط الهبة، طالما أن عوامل الرفض موجودة داخل الحكومة ولا حاجة لإقحام السياسيين في شأن من اختصاص السلطة التنفيذية، علماً أن التدخل الخارجي، ولاسيما التدخل الأميركي والأممي، حسم هذه المسألة قبل عرضها على مجلس الوزراء! وكان ينقص لبنان أن تنضم باريس الى حلقة الرافضين بعد الموقف الذي صدر عن <الكي دورسيه> بضرورة <احترام> لبنان للعقوبات الدولية المفروضة على إيران.
ولفتت مراجع معنية الى أن طهران تدرك أن موقف لبنان سيكون سلبياً من هبتها للجيش على الرغم من أنها ليست صفقة تجارية تخضع للحظر الدولي، لأن الرفض اللبناني للتعاون مع إيران لم يقتصر على الشق العسكري، بل شمل أنواعاً أخرى من العروض الإيرانية مثل تزويد لبنان بالطاقة الكهربائية رغم حاجة لبنان إليها، ناهيك عن وجود أكثر من 28 اتفاقاً وبروتوكولاً ومذكرات تفاهم بين لبنان وإيران مجمدة كلها وهي تشمل قطاعات زراعية وعلمية وثقافية، فضلاً عن عروض أخرى لا تزال طهران تنتظر أجوبة بيروت عنها!
وفي هــــــذا السياق، أبدت مصادر ديبلوماسية اســـــــتغرابها لـ<تجـــــــاوب> لبنان مع الضغوط الدوليـــــــة لعدم التعاون مع إيران، في وقت تتعاطى فيه شركات أوروبيـــــــة وأخرى أميركية (بأســــــماء مستعارة) مع إدارات ومؤسسات إيرانية، ولا تأخذ في الحسبان قرارات الأمم المتحدة والدول الكبرى التي تشجع على مقاطعة إيران.
وفيما أعلنت الخارجية الإيرانية <انتظار> الموقف اللبنــــاني من العرض المفتوح لمساعدة الجيش، قالت مصادر حكومية لبنانية لـ<الأفكار> ان الهبة الإيرانية لن تصل الى الجيش لأن قرار عدم قبولها اتخذ قبل سفر الوزير مقبل الى طهران، ولم يبقَ سوى كتابته رسمياً وتعميمه!