تفاصيل الخبر

"قرار" مجلس النواب في التدقيق الجنائي يبقى "معنوياً" في غياب قانون ملزم!

02/12/2020
"قرار" مجلس النواب في التدقيق الجنائي يبقى "معنوياً" في غياب قانون ملزم!

"قرار" مجلس النواب في التدقيق الجنائي يبقى "معنوياً" في غياب قانون ملزم!

[caption id="attachment_83509" align="alignleft" width="375"] الرئيس ميشال عون وضع النواب أمام مسؤولياتهم.[/caption]

 "رحلة" التدقيق المالي الجنائي على حسابات مصرف لبنان التي وقفت قبل ان تبدأ فعلياً بعد انسحاب شركة "الفاريز ومارسال" من الساحة وطلبها الغاء العقد الذي وقعته مع وزارة المال، خطت مسافة مهمة الاسبوع الماضي مع اتخاذ مجلس النواب قراراً بتحقيق التدقيق المالي الجنائي ليس فقط على حسابات مصرف لبنان، بل على حسابات كل الادارات والمؤسسات العامة بصرف النظر عن موضوع السرية المصرفية التي كانت سبباً في انسحاب الشركة الاميركية وتراجعها عن التدقيق. هذا التطور الذي حصل في مجلس النواب لم يأت من همة النواب ولا مبادراتهم، بل اتى بعد الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المجلس طالباً منه التعاون مع السلطة التنفيذية في جعل هذا التدقيق حقيقة قائمة واعطاء الزخم المناسب للحكومة كي تمضي به. وقد تجاوبت الكتل النيابية مع رغبة الرئيس عون واصدرت القرار الذي يمكن وصفه بالسابقة في تاريخ رسائل رؤساء الجمهورية الى مجلس النواب بعد اتفاق الطائف الذي بات دستوراً في معظم بنوده، وهذا القرار يمكن وصفه بأنه اقل من قانون واكثر من توصية وهو وضع مسار التدقيق المالي الجنائي على خط ملزم للسلطة الاجرائية كي تسير عليه بصرف النظر عن ردود الفعل التي يمكن ان تواجه هذا الامر في المستقبل.

 اذاً، في الشكل اعطى لبنان بعد جلسة مجلس النواب نموذجاً ايجابياً مهماً عن عمل مؤسساته الدستورية بعد مبادرة رئيس الجمهورية في توجيه الرسالة وتجاوب النواب معها اولاً بالمشاركة في الجلسة، ومع مضمونها ثانياً من خلال الموافقة على ما طلبه بحيث باتت حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة خاضعة للتدقيق بالتوازي ومن دون اي عوائق او تذرع بسرية مصرفية او خلافها. اما في المضمون فثمة من يعتبر ان مجلس النواب "كبّر" الحجر ما قد يمنع المعنيين من رميه او حتى القدرة على حمله لأن اخضاع كل هذه الرزمة الرسمية من المؤسسات للتدقيق الجنائي المالي من شأنه ان يفتح ابواباً امام كثير من "شياطين التفاصيل" لوضع العصي في الدواليب وصولاً الى التعطيل ربما كما حصل مع شركة "الفاريز ومارسال". ولعل ما يدفع هؤلاء الى الحديث عن التعطيل، كون السرية المصرفية التي تم التذرع بها للتعطيل لا تزال موجودة ولم يصدر اي موقف عن مجلس النواب برفعها رسمياً او تعليق العمل بها، الامر الذي قد يجد فيه المتضررون فرصة للتذرع بها وعدم التجاوب مع الشركات التي من المتفرض ان تسارع الحكومة الى التعاقد مع احداها للقيام بهذه المهمة.

ضرورة النص التشريعي

[caption id="attachment_83511" align="alignleft" width="384"] مجلس النواب أقر التوصية في جلسة الأونيسكو واضطر الى ملاقاة عون في منتصف الطريق[/caption]

من هنا، اتت ملاحظات بعض النواب والمعنيين بضرورة اقتران قرار مجلس النواب بعمل تشريعي يثبته، وهو اقرار قانون في هذا المعنى لأن قوة "القرار" الذي صدر ليست بأهمية "القانون" الذي كان يفترض ان يصدر. صحيح ان رئيس الجمهورية نجح في استدراج النواب الى ملعبه وبالتالي التجاوب معه على رغم وجود بعض المعترضين، لكن الصحيح ايضاً ان "قرار" النواب بقي دون مفاعيل قانونية او دستورية لغياب خطوة اجرائية اساسية مثل اصدار قانون بمضمون "القرار" الذي صدر، واستطراداً فإن الكلمات الـــ 22 التي تألف منها "قرار" مجلس النواب يفترض ان يليها على الفور تقدم عشرة نواب باقتراح قانون لوضع صيغة "القرار" في اطار دستوري له القوة التي للقوانين ومفاعليها. لقد اخذ قانونيون على مجلس النواب هذه "الثغرة" التي كان في الامكان تلافيها، في حين يتخوف البعض من ان تكون "الثغرة" مقصودة وليست عفوية بهدف افراغ موقف مجلس النواب من تأثيره القانوني والدستوري و"تطويق" رغبة رئيس الجمهورية في ان ينضم المجلس النيابي الى مواقفه الداعية الى تحقيق التدقيق المالي الجنائي كما جاء في رسالته الى النواب عبر رئيس المجلس نبيه بري. وتتحدث مصادر متابعة ان "القطبة المخفية" التي قد تكون حاكها بعض المتضررين من التدقيق الجنائي تكمن في ابقاء ردة فعل النواب في اطار "القرار" وعدم تحويله الى نص قانوني يلزم سائر السلطات فيتم اذ ذاك "استيعاب" موقف رئيس الجمهورية وتطويقه في آن، خصوصا ان رسالة الرئيس عون لم تنزل برداً وسلاماً على عدد من النواب ورؤساء الكتل النيابية وربما على بعض كبار المسؤولين ايضاً!

 وفي هذا السياق يقول الوزير السابق زياد بارود ان لا احد يستطيع ان يلغي ايجابية ما حصل على المستوى المبدئي، فالرئيس عون وجه رسالة الى النواب ووضعهم امام مسؤولياتهم وتجاه الرأي العام فاضطروا الى ملاقاته في منتصف الطريق. لكن بارود لفت الى ان نص القرار شرع التدقيق في المؤسسات والادارات العامة اي القطاع العام، من دون القطاع الخاص اي المصارف التي لها حسابات في مصرف لبنان ولا يمكن الاقتراب منها لأن السرية المصرفية تطبق عليها اذا لم ترفعها هي طوعاً لتسهيل مهمة التدقيق. ذلك ان في مصرف لبنان ثلاثة حسابات، الحساب الاول لمصرف لبنان وقد وضع الحاكم رياض سلامة مستنداته بتصرف "الفاريز ومارسال"، والحساب الثاني للدولة اللبنانية وهو يضم المعاملات المالية لكل الادارات والمؤسسات ذلك ما هو رسمي، ويمكن بالتالي رفع السرية المصرفية عنه بطلب من وزير المال الذي لم يفعل ذلك على رغم ان حاكم المصرف المركزي طلب ذلك رسمياً في الاجتماع المالي الذي عقد في قصر بعبدا. من هنا فإن عدم اشارة "قرار" مجلس النواب الى المصارف يبقيها عملياً خارج اطار التدقيق الالزامي تنفيذاً لارادة مجلس النواب التي اتت منسجمة مع ارادة رئيس الدولة.

واضافت المصادر المتابعة ان عدم صدور قانون عن مجلس النواب يعني في الاجراءات العملية ان حاكم مصرف لبنان  رياض سلامة سوف يتبلغ "القرار" النيابي، لكن عملياً لا شيء يلزمه بالتجاوب لأن لا نص قانونياً بذلك، وله حرية التصرف والتعامل مع هذا القرار الملزم ادبياً لا قانوناً لما يشكله من هيبة معنوية كونه صادراً عن مجلس النواب وباجماع الكتل النيابية المكونة للمجلس. وثمة مشكلة اخرى ستبرز بعد "القرار" لأن هناك من يعتقد بأن حكومة تصريف الاعمال لن تكون الجهة الصالحة لانجاز اي تعاقد مع شركات التدقيق. اولاً لكونها لا توحي "بالثقة" نظراً للتخبط الذي يسيطر على قرارتها، وثانياً لأنها سبق وتعاقدت مع شركة "الفاريز" وفشلت في الضغط على مصرف لبنان لتأمين المستندات المطلوبة، وهذا يعني ان التعاقد مع هذه الشركات يحتاج الى حكومة فاعلة تكون قادرة على تنفيذ قرار مجلس النواب. وتقول هذه المصادر حتى لو تم التعاقد مع شركات التدقيق، وحتى لو باشرت عملها، فإن النتائج التي قد تصل اليها من شأنها ان تتسبب بتوترات غير محسوبة النتائج، بفعل الانقسام السياسي والطائفي، ورفض جمهور كل من التيارات او الاحزاب ان توجه اليه تهمة الفساد او هدر الاموال. الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى تحركات وتحركات مضادة في الشارع، والى ان يضع لبنان وشعبه امام خيار من اثنين فإما التوترات وصولاً الى الحرب الاهلية، وإما غض النظر عن هذا التدقيق الذي وبحسب هذه المصادر تم تكبير حجره لكي لا يصيب احداً.

خمس رسائل الى المجلس منذ الطائف

[caption id="attachment_83510" align="alignleft" width="234"] الوزير السابق زياد بارود لا أحد يستطيع أن يلغي ايجابية ما حصل على المستوى المبدئي.[/caption]

 في اي حال، لا بد من الاشارة الى ان مجلس النواب تعاطى مع رسالة رئيس الجمهورية للمرة الاولى باسلوب مختلف عما كانت تتعاطى فيها المجالس النيابية مع رسائل رؤساء الجمهورية في مرحلة ما بعد الطائف، ولاسيما الرؤساء الياس هراوي واميل لحود وميشال سليمان الذي وجه كل واحد منهم "رسالة" الى مجلس النواب في مواضيع مختلفة لم يرد عليها النواب كما فعلوا مع رسالة الرئيس عون ذلك ان في الرسائل الثلاث الاولى لم تحظ بأي جواب من مجلس النواب في مثل قرار صريح وواضح كالذي اتخذه البرلمان خلال ايام لم يجب عن رسالة الرئيس الياس الهراوي في 19 آذار ( مارس) 1998، اذ طالب بتأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية بالتزامن مع اقرار قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية شكل ذروة نزاع بينه وبين الرئيس رفيق الحريري، كذلك لم يجب مجلس النواب عن رسالة الرئيس اميل لحود في 4 ايار (مايو) 2005 منادياً بقانون جديد للانتخاب يحل محل القانون النافذ منذ عام 2000 في عز المواجهة على الانتخابات النيابية المقررة عامذاك على اثر اغتيال الحريري، ولم يجب عن رسالة الرئيس ميشال سليمان في 21 ايار (مايو) 2014 قبل اربعة ايام فقط من انتهاء ولايته، حاضاً البرلمان على انتخاب خلف له قبل فوات المهلة الدستورية، ذهبت الرسائل الثلاث تلك في مهب الريح كأنها لم تكن، ولم تتل في المجلس، وكأن لا معنى للصلاحية الدستورية. رابعة الرسائل الرئاسية كانت للرئيس ميشال عون في 31 تموز (يوليو) 2017، داعياً الى تفسير المادة 95 من الدستور. وصلت الرسالة الى المجلس وحدد موعد تلاوتها في 17 تشرين الاول (اكتوبر) ثم سحبت وصرف النظر عنها نظراً الى حساسية مضمونها، الذاهب الى ما يشبه تفسيرا دستوريا ليس في اوانه. الى تلك، كان عون في صدد توجيه رسالة في كانون الاول 2018 في حماة مأزق نجم عن اخفاق الرئيس المكلف سعد الحريري في تأليف حكومة طوال سبعة اشهر، سرعان ما غض الطرف عنها، الا ان التأليف تأخر الى الشهر التالي.

اما الرسالة الاخيرة الخامسة، الموجهة الى مجلس النواب في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) فمختلفة تماماً عن تلك التي سبقتها وقد يصح القول ان لا نظير لها حتى الآن.