تفاصيل الخبر

قرار التدقيق بموجودات مصرف لبنان وحساباته تقني سعياً للشفافية أم سياسي هدفه الانتقام؟

02/04/2020
قرار التدقيق بموجودات مصرف لبنان وحساباته تقني سعياً للشفافية أم سياسي هدفه الانتقام؟

قرار التدقيق بموجودات مصرف لبنان وحساباته تقني سعياً للشفافية أم سياسي هدفه الانتقام؟

 

[caption id="attachment_76579" align="alignleft" width="390"]
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة...يدير المصرف من دون نواب ولا مجلس مركزي ولا لجنة رقابة على المصارف.[/caption]

القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الأسبوع الماضي، بتكليف وزير المال غازي وزني "اتخاذ ما يلزم من اجراءات مع مصرف لبنان والجهات ذات الصلة بهدف القيام بعملية تدقيق محاسبية مركزة من شأنها أن تبين الأسباب التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة، إضافة الى تبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة ومستوى الاحتياط المتوافر بالعملات الأجنبية"، لم يكن وليد ساعته، كما تقول مصادر وزارية التي أشارت الى ان سحب بند تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية ومفوض الحكومة لدى المصرف المركزي، تزامن مع طرح فكرة التدقيق المحاسبي وذلك بهدف وضع مصرف لبنان الذي يديره راهناً الحاكم رياض سلامة من دون نواب ولا مجلس مركزي، ولا لجنة رقابة على المصارف انتهت ولايتها من 25 آذار (مارس) الماضي، أما مجهر التحقيق في ما آل إليه الوضع فيه، لاسيما وان خلفية هذا القرار الذي أيده الرئيس حسان دياب بقوة وكذلك عدد من الوزراء، هي التشكيك الدائم بالأرقام التي قدمها الحاكم سلامة الى أكثر من جهة رسمية.

وتضيف المصادر الوزارية ان التبرير المعلن للتدقيق هو توفير "أرقام شفافة" أمام أصحاب سندات "اليوروبوندز" الذي قرر لبنان التفاوض معهم للبحث في مصير هذه السندات وسبل تسديدها في وقت لاحق، وبالتالي فإن من حق هؤلاء مالكي الأسهم أن يطلعوا على الوضع المالي بدقة ليدركوا ان لبنان لم يعد قادراً على تسديد المستحقات لأنه لم يبق في احتياط مصرف لبنان من العملة الأحنبية سوى 22 مليار دولار بالكاد تكفي لدعم المشتريات الغذائية والنفطية والأدوية والصناعة وغيرها... فيتم إذذاك البحث في الآليات الأخرى التي تحقق في النهاية تسديد الديون المستحقة لمالكي الأسهم. إلا ان مصادر وزارية أخرى ترى ان الأسئلة التي طرحت في أكثر من مناسبة حول الواقع المالي والنقدي في البلاد، لم يحصل طارحوها على أجوبة دقيقة خصوصاً عند مناقشة مشروع "الكابيتال كونترول" الذي بات في ذمة التاريخ، بعدما نعاه الرئيس نبيه بري وتولى دفنه وزير المال عندما سحبه من مجلس الوزراء بحجة ان النص المعروض على الوزراء ليس هو النص الذي أعده بل تعرض لتعديلات قال وزني انه لا يعرف من أدخلها وكيف وصلت الى متن النص الأساسي!

وبالتالي فإن طرح اقتراح التدقيق في موجودات مصرف لبنان الذي لم يلق اعتراضاً من أي وزير يندرج ضمن التركيز الممنهج على أداء المصرف المركزي وادارته للسيولة وللودائع المصرفية في ظل اكتفاء الحاكم سلامة بتقديم معلومات عن واقع المصرف توزع عبر النشرة الدورية من دون المزيد من التفاصيل لأن قانون النقد والتسليف يحظر على المصرف المركزي إعطاء أي معلومات باستثناء ما يرتأي الحاكم الاعلان عنه في النشرة الدورية.

ما خلفية القرار؟

ويروي أحد الوزراء ان الوزير وزني حرص على ابلاغ الوزراء الحاضرين في الجلسة انه هو وزير الوصاية على المصرف المركزي والمؤسسات المالية التابعة له، وهو الذي سوف يتولى مهمة تنفيذ قرار مجلس الوزراء بالتنسيق مع الحاكم سلامة الذي سبق أن أبلغ في أكثر من اجتماع رسمي ومالي ان أرقام المصرف مدقق فيها من قبل شركتين عالميتين تدرسان دورياً واقع المصرف وتصدران تقريراً بالوقائع التي لا تظهر وجود أي خلل في أداء القيمين على المصرف المركزي. والخطوة التالية ستكون إجراء وزير المال استدراج عروض لشركات تدقيق عالمية من أجل التعاقد معها لإجراء التدقيق المطلوب لحسابات المصرف المركزي، علماً ان مثل هذا الاجراء لا يمكن انجازه في وقت قصير، بل يتطلب شهراً على الأقل لاطلاق استدراج العروض وتلقيها والبت فيها.

وترى مصادر متابعة لهذا الملف ان تساؤلات عدة فرضت نفسها حول الخلفية الحقيقية لهذا القرار وتوقيته وعما إذا كان طابعه تقني للحصول على المعلومات المطلوبة، أم ان وراء هذا القرار رغبة من البعض بالنيل من سمعة حاكم مصرف لبنان الذي يحمله بعض من الحكم مسؤولية التبعات المالية والنقدية والمصرفية التي يشهدها لبنان حالياً، مع العلم بأن سلامة قدم لرئيس الجمهورية  في إحدى زياراته شبه الدورية الى قصر بعبدا، تقريراً مفصلاً بالوضع النقدي والمالي لمصرف لبنان وبنتائج العمليات المصرفية التي قام بها خلال الأعوام الماضية. وتضيف هذه المصادر ان محاولة النيل من حاكم المصرف المركزي "مغامرة" خطرة في هذا التوقيت بالذات حيث الوضع المالي على حافة الانهيار الكبير وبالتالي فإن وجود الحاكم سلامة على رأس المصرف المركزي لا يزال يوفر الحد الأدنى من الثقة لدى اللبنانيين من قدرة الحاكم على إعادة ضبط الأوضاع والسيطرة على الموقف المالي والنقدي ما ان ترتاح البلاد قليلاً من تداعيات وباء "كورونا" والخلافات السياسية التي أطلت من جديد ووترت الأجواء المتوترة أصلاً!

ولاحظ المراقبون ان مصادر المصرف المركزي لم تعلق على قرار مجلس الوزراء سلباً، لا بل ان حاكم المصرف أسرّ لأحد معاوني رئيس الجمهورية بأنه يرحب

[caption id="attachment_76580" align="alignleft" width="443"] وزير المال غازي وزني .. مكلف من مجلس الوزراء بعملية التدقيق المحاسبية بميزانية مصرف لبنان.[/caption]

بمثل هذه الخطوة على رغم انه سبق أن قدم لوائح مدققة بالواقع المالي والنقدي في البلاد وأوضاع مصرف لبنان بالتفصيل، مبدياً استعداده لتقديم كل ما يلزم من معلومات ولو على سبيل الإعادة علّ يكون فيها فائدة. إلا ان مصادر المصرف المركزي استغربت كيف تطلب الحكومة من وزير المال اتخاذ ما يلزم لإجراء عملية التدقيق المركزة، في حين ان وزارة المال تملك هذه الصلاحية بموجب قانون النقد والتسليف، وهناك مفوض الحكومة داخل المجلس المركزي للمصرف وهو على اطلاع بكل تفاصيل واقع مصرف لبنان، كما له صلاحية السهر على تطبيق القوانين ومراقبة المصرف، كما يحق له، وفقاً للمادة 43 ان يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يتخذه المجلس المركزي ويراه مخالفاً للقانون والأنظمة ومن مسؤوليته مراجعة وزير المال في صدده. كما تقضي المادة 44 بإعطاء الحق لمفوض الحكومة ومساعده الاطلاع على كل سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية باستثناء حسابات وملفات غير المحميين بسرية المصارف! وتؤكد مصادر المصرف المركزي ان مفوض الحكومة يطلع دورياً على نتائج التدقيق المالي السنوي التي تجريه شركتين دوليتين هما "ديلويت أند توش" و"ارنست أند يونغ". وتتساءل المصادر لماذا اظهار مصرف لبنان وكأنه متفلت من أي رقابة وبالتالي تحميله مسؤوليات ما ارتكبته الحكومات المتعاقبة من اجراءات وطلبت إليه تنفيذها بموجب قرارات لمجلس الوزراء أو قوانين من مجلس النواب، وبالتالي التشكيك بدوره في وقت يدخل لبنان في مناقشات صعبة مع حاملي أسهم "اليوروبوندز" يحتاج الى ان تكون لدى المؤسسات المالية والمصرفية الرسمية "حصانة" تؤمن ثقة حاملي الأسهم بها كي تكون للمناقشات وللحلول التي سيتم التوصل إليها، الضمانات المطلوبة للسير بها وتفادي الأسوأ؟

حملة تشهير بالحاكم؟

وفيما يستغرب المحيطون بحاكم مصرف لبنان ما يسمونه "حملة التشهير" التي يتعرض لها وتحميله مسؤولية الأموال بعد صرفها، يتساءل هؤلاء هل ان الحاكم سلامة مسؤول عن استدانة الدولة 35 مليار دولار لدفع ثمن شحنات النفط التي نقلت الى مؤسسة كهرباء لبنان لتأمين تسيير معامل انتاج الطاقة الكهربائي، أو هو مسؤول عن طلب الحكومات المتعاقبة سلفات من البنك المركزي لدفع رواتب أو تغطية نفقات طارئة؟ وماذا لو رفض سلامة في حينه التجاوب مع هذه الطلبات وما هي ردت الفعل لدى الموظفين والعسكريين إذا بقوا من دون رواتبهم وتعويضاتهم...؟ ويضيف هؤلاء هل يعرف اللبنانيون ماذا كان حل بالواقع المالي والنقدي في البلاد لو لم يجر الحاكم سلامة الهندسات المالية لعدد من المصارف والتي أنقذتها عملياً من الافلاس وتعريض مصالح المواطنين وودائعهم للخطر...؟ في أي حال يقول المحيطون بالحاكم سلامة انه على استعداد لتقديم كل ما يسمح به القانون لأي جهة رسمية لبنانية لكنه لن يفعل ذلك إذا ما طلبت منه مؤسسات مالية دولية لأن المحافطة على السرية هي جزء من مسؤوليات الحاكم وسيتحملها حتى النهاية، علماً ان وزارة المال تملك مباشرة أو بواسطة مفوض الحكومة لدى المصرف كل المعطيات المطلوبة.

في المقابل، تقول مصادر حكومة أيدت قرار التدقيق في موجودات مصرف لبنان، ان الحكومة أظهرت حاجة ملحة لمعرفة المعلومات الحقيقية عن حجم الأموال الموجودة في المصرف، واحتياطياته وأموال المصارف لديه وقيمة الأموال القابلة للاستخدام، لاسيما وان تلك المعلومات لا بد من أن يمتلكها من يريد إعادة هيكلة الدين العام ومالية الدولة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، خصوصاً ان المستشار المالي الدولي "لازار" سبق أن حذر من وجود خسائر متراكمة في مصرف لبنان تقدر بـ55 مليار دولار. وتعترف المصادر الحكومية نفسها ان "المعركة" لن تكون بسيطة للوصول الى هذه المعلومات، لاسيما وان الذين يعارضون التدقيق يسعون الى "تسييس" الملف وابعاده عن الصفة التقنية والمالية الصرف، ولعل من أبرز مؤشرات "التسييس" ما صدر عن "كتلة المستقبل" من موقف يدعم الحاكم سلامة ويؤكد بأن الكتلة لن ترضى ان تكون مواقع في الدولة وتحديداً مصرف لبنان "لقمة سائغة لأي جهة سياسية مهما علا شأنها، وان أي محاولة للتلاعب فيها أو تقديمها هدايا مجانية لهذا الطرف أو ذاك لن تمر مرور الكرام وسيكون لنا تجاهها ما تستحق من مواقف وقرارات". وكانت الكتلة أشارت في بيانها الى انه تدور في الغرف الحكومية والرئاسية "حياكة مخطط غير بريء لتمرير هيئة جديدة لحاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف تلبي رغبات فريق سياسي لطالما حاول وضع اليد على هذا المرفق الوطني والاقتصادي الحساس (...) وتجري هذه العملية بطريقة التسلل أو التهريب تحت جنح "الكورونا" وفي ظل انشغال اللبنانيين بمخاطر الوباء والحجر المنزلي والمشكلات الفنية المتفاقمة (...)"!