عادت نغمة التمديد للمجلس النيابي في لبنان الى التداول بجدية، وهو المجلس الممدد له منذ سنة وأكثر، وتأكدت النيات المتجهة للتمديد مع الاقتراح الذي قدمه النائب الدكتور نقولا فتوش بتمديد فترة المجلس النيابي الحالي حتى صيف 2017 واستناداً إلى أحكام المجلس الدستوري اللبناني، فإن الظروف الاستثنائية تعطي المجلس وحده حق التقدير والتمديد له لأن «الظروف الأمنية لا تسمح بإجراء الانتخابات في موعدها». وعلى الرغم من قرب فتوش من رئيس المجلس نبيه بري، فإن رئيس المجلس يرى ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
تباينت الآراء بشأن مقترح التمديد، ففيما أيدته كتلة «تيار المستقبل»، أعربت أحزاب مسيحية عن رفضها له، لأن الأوضاع الأمنية الحالية «ليست دقيقة» لهذه الدرجة، والبعض حمل من يعطل إجراء انتخابات رئاسية مسؤولية التمديد للمجلس النيابي.
وفي هذا الصدد، رأى عضو «كتلة القوات اللبنانية» النائب فادي كرم «أن مسألة التمديد للمجلس النيابي مسألة غير مرغوب فيها وغير محبذة»، لافتاً الى «أن الظروف الصعبة تفرض هذا الواقع لتجنيب مؤسسات الدولة الوقوع في الفراغ».
واعتبر كرم أن «فريق 8 آذار بشرنا بالذهاب الى الفراغ»، لافتاً الى «أنهم ضد مرشح حزب الله»، داعياً «اياه إلى الالتزام بإعلان بعبدا وبالقرار 1701». ورأى أن «حزب الله يطمح لفرض قرارات وطموحات خارجية، معتبراً أن أسباب الصراع والأزمات المحدقة بلبنان تعود الى أسباب الحروب الاقليمية ودخول حزب الله الحرب السورية».
فتوش بادر فردياً
الزميلة لطيفة الحسيني المتابعة للنشاط البرلماني من موقعها في المجلس النيابي أشارت الى أن حديث التمديد للبرلمان خرق رتابة النشاط الخجول للنواب والمعركة بدأت لأن لا بوادر تشير الى إجراء الانتخابات النيابية في المدى المنظور. وعليه، فإن النائب فتوش بادر فردياً الى تقديم اقتراح، دون توكيل من رئيس المجلس كما أُشيع. وفي المعطيات وفق مصادر رفيعة في فريق 8 آذار، إن جميع الأفرقاء يتجهون موحّدين الى الموافقة على التمديد للمجلس، رغم بعض الاعتراضات الإعلامية، لكنّ الآراء التي تجري مناقشتها والتداول فيها هي مدّة هذا التمديد بين سنة أو سنتين ونصف السنة.
بحسب المصادر، لم يحدّد حزب الله موقفه بعد، وهو ينتظر وضوح المشهد ليتخذ القرار. وفي السياق، لا تستند المصادر كثيراً إلى عودة الحريري الى لبنان لتوضيح الصورة وتبيان خريطة الأحداث لجهة التمديد أو اقتراب انتخاب رئيس للجمهورية، فحتى الآن لم تتجلَّ أي مبادرة جديّة يحملها معه، كما أن الاتصالات مع حزب الله لا تزال مقطوعة.
ماروني: عبثاً يبني البناؤون
أما النائب ايلي ماروني، فقد قال في دردشة مع «الأفكار»: «انني أعود وأكرر ما سبق وقلته في المجلس النيابي، بعد الحوادث الأ
خيرة اعتبرنا أن الضمير الوطني سيستيقظ والنواب سيتحملون المسؤولية، ولكن عبثاً يبني البناؤون وسياسة الأنانية المدمرة هي المسيطرة».
وشدد على أن «المسؤولية الوطنية تحتم علينا انتخاب رئيس»، محملاً النواب المقاطعين لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية مسؤولية التمديد للمجلس النيابي او الفراغ التشريعي».
ووجه ماروني نداء الى الشعب اللبناني بأن «يدرك أن المعطلين هم من فريق واحد وهدفهم واحد وهو إفراغ البلد»، داعياً الى «التعالي فوق المصالح الأنانية والذاتية»، ومشيراً الى أنه «وفي وقت يعاني المسيحيون في العراق وسوريا من القتل والتهجير نرى أن نواباً مسيحيين يعطلون الموقع المسيحي الأول والأخير في العالم العربي، من هنا أهمية الوعي وإدراك ما يحصل وتفاديه قبل فوات الأوان».
وكان رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة قد اعتبر أن المشكلة هي مع من يعرقل العملية الانتخابية لرئيس الجمهورية ويمتنع عن الحضور الى الجلسة، مضيفاً: لا أحد يرغب في التمديد للمجلس النيابي، مؤكداً أن هذه وكالة أعطاها الشعب اللبناني للنواب من أجل تمثيلهم.
وأضاف: «نعتقد أن الأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية وإجراء الانتخابات النيابية، وعندما يكون ذلك متعذراً الآن قد يقتضي أن نلجأ الى هذا الأسلوب مع عدم محبتنا له، ولكن يجب أن نكون واقعيين».
رفض شعبي
والتمديد للمجلس النيابي يلاقي رفضاً شعبياً، اذ اعتبر عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن النواب خانوا الوكالة التي منحهم إياها الشعب وهي تمثيلهم فقط لمدة أربع سنوات، فبأي صفة يجددون هذه الوكالة، والشعب هو مصدر السلطات؟
هذا الموقف فتح النقاش حول رواتب النواب التي تشكل عبئاً على الخزينة خصوصاً وأنهم باتوا كموظفين لا ينتجون.
هذا الموقف من قضية رواتب النواب استغربه النائب شانت جنجنيان في حوار مع «الافكار» مؤكداً أن مصاريف النائب تزداد أضعافاً عما كانت عليه قبل دخوله الندوة البرلمانية، بحيث بالكاد يكفيه راتبه لمصاريف ولقاءات ومساعدات... وبالتالي تكبر المسؤولية وتكبر الواجبات...
رواتب المسؤولين الرسميين في لبنان تثير حفيظة البعض واحتجاجاتهم، لا بل ان بعض المسؤولين والنواب ذهبوا للمطالبة بزيادة هذه الرواتب اسوة بموظفي القطاع العام، في حين يذكر البعض في لبنان بقرار رئيس الوزراء الياباني التنازل عن راتبه لحين انتهاء أزمة محطة فوكوشيما النووية الناتجة عن الكارثة الطبيعية التي ضربت بلاده معتبرينه امراً غريباً، لأننا لم نعتد قيام مسؤولينا بالتخلي عن رواتبهم وهي مرتفعة جداً على الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها البلد.
اوغست باخوس:
النائب هو ممثل للشعب
ويرى النائب السابق أوغست باخوس أن النائب هو ممثل للشعب وليس موظفاً لدى الدولة، و يقبض تعويضاً لأنه ممثل الشعب. ومجموعة النواب يمثلون الشعب والتعويض هو امتياز رمزي وبالتالي لا تسري على النواب مفاعيل سلسلة الرواتب. وفي السبعينات، وتحديداً في العام 1972، كان راتب النائب 250 ليرة، وكل مجلس كان يعيد النظر في الرواتب وبدأت المقارنات مع فرنسا والأمر ليس خاضعاً سوى للرئاسة، وليس هناك من يملي رأيه على رئيس مجلس النواب في هذا الصدد.
وتابع باخوس: «معاش النائب من اعتمادات مجلس النواب، أي من موازنة مجلس النواب التي يصدق عليها المجلس وتنشرها الحكومة. وهناك اعتمادات مخصصة للمجلس ويتصرف بها رئيسه وحتى رواتب موظفي المجلس للرئيس صلاحياته المطلقة عليها».
حسن الرفاعي: النائب موظف. . .
أما النائب السابق حسن الرفاعي فله رأي آخر إذ يرى «أن النائب أو الوزير يعتبر موظفاً، لأن كل من يقبض من الخزينة العامة وتوكل إليه مهمة يعتبر موظفاً، والمادة 70 من الدستور تنص على كيفية محاكمة الرؤساء والوزراء و(لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية). لكن الموظف يحاكم أمام العدلية اذا اقترف جرماً لا يتعلق بالوظيفة، أما في حال أخطأ الوزير فيعاقب والأمر ينسحب على النواب».
القانون رقم 717
فوفق القانون رقم 717 تاريخ 5/11/1998، إن ما يتقاضاه النائب من «مخصصات وتعويضات، تبلغ بالنسبة للنائب 8 ملايين ونصف مليون ليرة شهرياً، موزعة بين المخصصات «3 ملايين ليرة»، وتعويض تمثيل «مليون ونصف مليون ليرة»، تعويض سيارة وهاتف «مليون ونصف مليون ليرة»، تعويض تشريفات «مليون ليرة»، وتعويض سائق وأمين سر «مليون ونصف مليون ليرة». وتضاف إلى هذه الملايين الثمانية ونصف المليون ليرة المساعدة الاجتماعية التي يتقاضاها النواب من صندوق التعاضد والتي تبلغ 2.7 مليون ليرة شهرياً، وهي التي أقرتها هيئة مكتب مجلس النواب عام 1994 عندما كانت مخصصات وتعويضات النائب لا تتجاوز 3 ملايين ليرة شهرياً، لكنّ اللافت أنه مع إقرار زيادة المخصصات والتعويضات استمرت المساعدة الاجتماعية بحيث يصل إجمالي ما يتقاضاه النائب شهرياً الى 11.2 مليــــــون لـــــيرة، يتم حسم بعض المساهمات منه، كنفقات الاســـــتشفاء، بحيث يصــــل الصافي الى عشرة مــــلايين وتسعمئــــة واثنين وخمسين ألف ليرة شهرياً في حين ان الحد الأدنى للأجور في لبنان لا يتجاوز الـ500 ألف ليرة لبنانيـــة، وينفق المواطن أكثر من نصفه بدلات نقل.
مغانم ومكاسب
ووفق تحقيق نشره أحد المواقع الإلكترونية، إن النائب بالإضافة الى المخصصات التي يتقاضاها، هناك «مغانم» كثيرة يحظى بها، والتي تتمثل بحقه في الحصول على عنصرين من أمن الدولة بغية تأمين المرافقة الشخصية والحماية الأمنية له ولعائلته، وتقدر كلفة هذين العنصرين بما لا يقل عن مليونين ونصف مليون ليرة، بالإضافة الى حقه بشراء سيارة واحدة في كل دورة نيابية، معفاة من الرسوم الجمركية والميكانيك والتسجيل، وكل الرسوم والضرائب المختلفة، وتبقى كذلك طالما هي مسجلة على اسم النائب، كما ويرصد سنوياً في قانون الموازنة العامة ضمن موازنة وزارة الأشغال العامة والنقل، بند لمخصصات تصرف بمعرفة النائب «بحدود المئة مليون ليرة لكل نائب» يقوم بتوزيعها على مشروع واحد أو مشاريع عدة، بالإضافة الى أن شركة طيران الشرق الأوسط تقدم حسومات للنواب تصل الى 50 في المئة، كما يتمتع النائب وأفراد أسرته بالطبابة والاستشفاء المجانيين في الدرجة الأولى، بموجب عقد موقع بين مجلس النواب وإحدى شركات التأمين الخاصة.
شكوى ونق
وعلى الرغم من البحبوحة و«المغانم» التي يحظى بها النائب، فإن هناك مجموعة لا بأس بها من النواب تشكو و«تنعي حالها ووضعها المعيشي»، فأحد النواب البقاعيين وخلال دردشة مع «الأفكار» أقسم بأغلظ الايمان «أن راتبه ومخصصاته بالكاد تكفيه شهرياً، وأنه لو وفر ما ينفقه على مرافقيه، وعلى زواره كل أسبوع ومن مساعدته وتبرعاته لبعض الأندية والجمعيات والمؤسسات لكان وضعه المالي أفضل بكثير، ومع ذلك فإن النائب «مضروب بحجر كبير»، على حد قوله.
ويرى النائب عمار حوري خلال حديث صحافي أن «الناس تعتقد ان النواب يتقاضون رواتب خيالية»، لكنه يلفت الى أن هذه الرواتب يجب مقارنتها بالمهام المطلوبة من النائب، معتبراً أنه «اذا استبدلت الرواتب بتأمين ضروريات العمل النيابي يكون النائب هو الكسبان».
النائب ايلي ماروني قال لـ«الأفكار» في هذا الصدد «إن بعض النواب ككبار رجال الأعمال مثلاً لا يعتمدون على رواتبهم ولكن البعض تخلى عن أعماله ووظيفته، وتفرغ للعمل النيابي التشريعي، ولا بد من التنويه أن النائب وبحكم موقعه تترتب عليه التزامات عديدة وأساس الراتب الذي يتقاضاه «تافه» اذا ما قورن برواتب كبار الموظفين في القطاع الخاص والمصارف مع تأكيده على ضرورة تحسين رواتب جميع المواطنين.
هذه هي رواتبهم!
حسب جداول وزارة المالية، يتقاضى رئيس الجمهورية 18 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً، أي 225 مليون ليرة سنوياً. ويتقاضى كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء 17 مليوناً و737 ألف ليرة شهرياً، أي 212 مليوناً و844 ألف ليرة سنوياً. أما الوزير فراتبه الشهري 12 مليوناً و937 ألف ليرة، أو ما يعادل 155 مليوناً و244 ألف ليرة سنوياً، فيما يتقاضى النائب 12 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً أي 153 مليون ليرة سنوياً. وبالتالي، يدفع اللبنانيون للرؤساء والنواب والوزراء الموجودين في الحكم رواتب سنوية بقيمة 24 ملياراً و892 مليون ليرة سنوياً.
ويتقاضى كل نائب 2.7 مليون ليرة شهرياً من صندوق تعاضد النواب (الممول من اشتراكات النواب بقيمة 100 ألف ليرة وما تبقى من موازنة الدولة) ليصل المبلغ الإجمالي السنوي لكل النواب الى 4 مليارات و147 مليون ليرة. وأيضاً، يخصص للنائب اعتماد سنوي بقيمة 100 مليون ليرة من وزارة الأشغال العامة، ليكون الاعتماد الإجمالي السنوي للنواب 12 ملياراً و800 مليون ليرة. هكذا، يمكن القول إن ما يدفعه اللبنانيون لمسؤوليهم الذين يمارسون مهماتهم (ولو صورياً كحال بعض النواب) هو حوالى 41 ملياراً و839 مليون ليرة سنوياً!
الشركة «الدولية للمعلومات»
ووفق دراسة للشركة «الدولية للمعلومات»، إن النائب السابق يتقاضى كذلك تعويضات ومخصصات مدى الحياة، وبعد وفاته أيضاً، إذ يذهب راتبه الى عائلته (النواب السابقين الأحياء 310 وهناك 103 متوفين)... وهذه الفئة تحصل على 55 في المئة من مخصصات النائب الموجود في السلطة، في حال «خدم» النائب في البرلمان دورة نيابية كاملة، و65 في المئة عن دورتين نيابيتين و75 في المئة عن ثلاث دورات نيابية وما فوق. وإذا توفي النائب أثناء دورته الأولى اعتُبر كأنه أمضى ثلاث دورات. وقدرت الدراسة مخصصات النواب السابقين السنوية بقيمة 28 مليار ليرة.
وكذلك يتقاضى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة السابقون حوالى 75 في المئة من رواتبهم التي كانوا يتقاضونها حين كانوا يمارسون مهماتهم. وتصل الى حوالى 30 مليار ليرة سنوياً. وبالتالي، يدفع اللبنانيون للنواب والرؤساء السابقين ولعائلات المتوفين منهم حوالى 58 مليار ليرة سنوياً!