تفاصيل الخبر

"كورونا" يُنذر الحكومة ويهزّ أركانها !

02/04/2020
"كورونا" يُنذر الحكومة ويهزّ أركانها !

"كورونا" يُنذر الحكومة ويهزّ أركانها !

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_76529" align="aligncenter" width="568"] اصابات بكورونا وسط التخوف من ارتفاع الأعداد[/caption]

 

 لم يُرخ فيروس "كورونا" أوزاره الثقيلة على اللبنانيين وحركة البلاد فحسب، بل أدخل وباءه إلى الحكومة التي ضاعت منذ اللحظة الاولى في دهاليز كيفية مكافحة هذا المرض حيث بدت عاجزة أمامه عن فعل أي شيء أو حتى القيام بأي خطوة لمواجهة هذا "الزائر" بعد أن زرع نفسه في العالم كله وصولاً الى الجسم اللبناني. آخر ضحايا هذا الوباء ظهر من خلال الإنقسام الحكومي الذي برز حول مطالبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتسريع عودة المغتربين اللبنانيين العالقين في الخارج وتحديداً التلاميذ منهم وإلا فإنه بصدد سحب وزرائه من الحكومة.

 

الحكومة بين مطرقة إستقالة بري وسندان "كورونا"

[caption id="attachment_76530" align="alignleft" width="275"] الرئيس حسان دياب...العودة وفقاً للشروط[/caption]

 لم يكن رئيس الحكومة حسان دياب متحمساً لفكرة عودة المغتربين من الخارج عندما طرحت هذه المسألة على طاولة البحث خلال اجتماع المجلس الأعلى في بعبدا، وذلك على اعتبار أنهم قد يكونون يحملون فيروس "كورونا" مما قد يتسبّب بأزمة صحية كبيرة في البلد خصوصاً وأن لبنان غير مُجهز حتى الساعة لا بأماكن أو مستشفيات مخصّصة للحجر، ولا حتى بمواد طبية تكفي لإخضاع العائدين لفحوصات طبية ضمن مهلة ضيقة. موقف دياب هذا نقله وزير الخارجية ناصيف حتي الى طاولة مجلس الوزراء بقالب تضمن الكثير من كلام مُبهم وشرح مستفاض ضمن دائرة ضيقة لم ترق للرئيس بري الذي لوّح بسيف الاستقالة في بيان قال فيه: أما وقد بلغ السيل الزبى بالتنكر لنصفنا الآخر لا بل للقطاع الاغترابي الذي جعلنا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس بالعطاء والفكر وحتى بالعملة الصعبة لذا اذا بقيت الحكومة على موقفها إزاء موضوع المغتربين لما بعد يوم الثلاثاء المقبل فسنعلق تمثيلنا بالحكومة.

 بعد كلام بري خرج على الفور النائب في كتلة "التنمية والتحرير" علي بزي ليؤكد أن رئيس المجلس صاحب مدرسة تؤمن سلوكاً وأداء، أن لبنان لا يحلق إلا بجناحيه المقيم والمغترب، فرسالته بالأمس وموقفه اليوم ينطلقان من هذه الاعتبارات العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق. وتابع: من حق المغترب على دولته أن تبادر إلى تأمين عودته، وأن لا يحرم من هذه العودة، فالمغتربون متروكون. الوباء يحاصرهم من جهة، وتدابير المصارف بوقف التحويلات تحاصرهم من جهة ثانية، بالإضافة إلى قرار حكومتهم الذي شكل خيبة أمل وصدمة في آن معاً، معلناً أن قرار بري يبقى ساري المفعول بانتظار موقف الحكومة الثلاثاء القادم، ونحن نحترم كل الآليات والإجراءات الصحية لحماية المواطنين، ولكن هذا لا يجب أن يمنع عودة المغتربين.

الرد على بري والنائب في كتلته علي بزي جاء على شاكلة أنه لا يجوز التنظير في هذا المجال، وأن المطالبات العشوائية بعودة المغتربين ليست منطقية وليست في مكانها، باعتبار أن الانتقال من مكان الى آخر هو عملية خطرة وقد تكون مؤذية. أمّا في حال توافرت الإمكانات لإعادة عدد من الموجودين في الخارج فالعملية يجب أن تتم وفق تدابير وقائية وطبية دقيقة وسليمة بشكل تحمي المسافرين وعائلاتهم في لبنان.

 

"حزب الله" يلعب دور الأطفائي

 المعلومات كلها تشير إلى أن التواصل بين الرئيسين بري ودياب مستمر حتى اللحظة لإيجاد حل سريع لعودة المغتربين، لكن الخلاف يتمحور حول آلية هذه العودة والمدة الزمنية التي سوف تُحدد لهذه العودة، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المتوافرة في البلاد لجهة الفحوصات ولجهة حجم الاستيعاب في المستشفيات. واستباقاً للمهلة الزمنية التي وضعها بري لاستقالة وزرائه من الحكومة في حال لم تُحل القضية، دخل "حزب الله" على خط الأزمة وبشكل مباشر عبر السيد حسن نصرالله الذي شدد في اطلالته الأخيرة على أنه من حق اللبنانيين في الخارج، طلاباً أو مسافرين أو مغتربين، العودة إلى لبنان، معتبراً أنه لا يجوز إلا تأمين المساعدات لهم، وأن تبذل الدولة كل جهد في هذا المجال. وأكد أنه لم تُطرح العودة العشوائية للبنانيين المقيمين في الخارج، لكننا مع العودة الآمنة والمحسوبة والسريعة.

 وأكد على وجوب أن تكون العودة آمنة، وأن ندخل في الإطار التنفيذي لها، رافضاً التسرع والاسراع، ولكن للعجلة أسبابها، مبدياً تخوفه من ما تبثه التقارير عن الأحوال الصحية والاجتماعية في بلدان كبرى، مما قد يهدد بعض هؤلاء اللبنانيين بالموت. وفي السياق نفسه تؤكد مصادر مقربة من حزب الله لـ"الأفكار" أن الحزب دخل على خط التهدئة وهناك تواصل جرى مع عين التينة قبل المهلة المحددة أدى الى نتائج جيدة سوف تظهر من خلال تعاون الجميع على هذا الملف بشكل عقلاني كي لا تتعقد الأمور أكثر مما هي الآن. ولفتت إلى أن الرئيس بري متفهم جداً لدقة وخطورة الوضع الذي يمر فيه البلد، وكذلك الأمر بالنسبة الى الرئيس دياب الذي يواكب موضوع عودة المغترين ولا يوفر جهداً في سبيل الوصول الى حل سريع خصوصاً وأن من حق شباننا في الخارج، العودة الى وطنهم سواء كانوا مصابين بالفيروس أو لا.

 

باسيل يساند بري.. وهاشم: البعض يعيش في مكان وزمان آخرَين

[caption id="attachment_76532" align="alignleft" width="383"] النائب قاسم ھاشم ...لعودة المغتربین بأسرع وقت[/caption]

 في موقف من خارج السياق العام بين الرئيس بري ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والذي يشار إليه بالبنان أنه معرقل التعيينات القضائية والمالية ويريد احتكار المناصب المخصصة للمسيحيين، ساند باسيل خلال الأيام السابقة موقف الرئيس بري في ملف المغتربين الراغبين بالعودة من الخارج ولا سيما من افريقيا واوروبا في مواجهة موقف دياب. فقد أعلن المكتب الاعلامي للرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز، أن باسيل اتصل به معرباً عن دعمه الكامل، وتبنيه لعودة من يرغب من المغتربين اللبنانيين من بلاد الاغتراب إلى وطنه لبنان، مهما كان وضعه الصحي والاجتماعي، لأن هذا حق من حقوقه المتوجبة على الدولة ومسؤوليها، ومطالباً الدولة بإعطاء العناية اللازمة لأفراد الجاليات وتقديم الخدمات لهم كالمقيمين، وهم كانوا وسيبقون سنداً لوطنهم في كل المحن التي يتعرض لها، فأقل الإيمان أن نلبي حق العودة الآمنة لمن يشاء منهم. من جهته يقول عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب ​قاسم هاشم  لـ"الافكار" إن البعض في ​الحكومة يعيش في مكان وزمان آخرَين، ليبرر للحكومة تأخرها في اتخاذ بعض القرارات والإجراءات بموضوع المغتربين والعالقين خارج ​لبنان. وأشار إلى أنهم يأخذون على السياسيين مطالبتهم الحكومة بحسم أمرها من قضية المغتربين، وهذا ليس دقيقاً، لأن واجب السياسيين ملاحقة قضايا اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، وعلى الحكومة الإسراع بالخطوات لإعادة من يريد إلى وطنه أياً كانت أوضاعه، بدل التهرب من المسؤولية.

 

إقرار آلية العودة

 تدخل "حزب الله" على خط معالجة الأزمة بين الرئيسين بري ودياب كان له وقع ايجابي على جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومية يوم الثلاثاء الماضي حيث بحث خلالها في المستجدات الناتجة عن اعلان التعبئة العامة، والأوضاع والاقتراحات المتعلقة باللبنانيين الموجودين خارج لبنان في ظل أزمة "الكورونا"، وكلفة الكشف وعلاج المصابين بالفيروس. وقد أقرّ المجلس آلية عودة اللبنانيين من الخارج، وسوف يبدأ تنفيذها بعد استيراد فحص الـ"anti gene"، حيث تُحضر الفرق الطبية وتُزود بالـ"anti-gene" وتتوجه بالتوازي الى كل الدول حيث يوجد لبنانيون يريدون العودة الى لبنان.

ولفتت المعلومات الى أنه لن تقلع أي طائرة من لبنان قبل وصول الفحوص المطلوبة وتجهيز الفرق الطبية، وإعلان إحصاءات وزارة الخارجية حول أعداد الراغبين بالعودة ومن أي دولة. وأشارت المعلومات الى أن لا تمييز بين بلد وآخر ولا أولوية لبلد حيث يوجد

[caption id="attachment_76531" align="alignleft" width="368"] الرئیس نبیه بري ... الإغتراب أولاً[/caption]

لبنانيون على بلد آخر.

 

"كورونا" يدخل المرحلة الأصعب

 كل التطورات توحي بأن تمديد العمل بمرحلة "التعبئة العامة" و"الطوارئ" على الطريقة اللبنانية ما زال مطلوباً بإلحاح. فعملية استيعاب الفيروس تحتاج الى مثل هذه الخطوات وسط التوقعات بأن لبنان سيدخل بعد أيام مرحلة الذروة في الانتشار الوبائي قبل البدء بعملية محاصرته إذا ما توافرت الظروف الموضوعية لهذه العملية. وهي خطوة تفرض المزيد من الإجراءات المتشددة الواجبة على الدولة كما هي على عاتق المواطنين والمقيمين على الأراضي اللبنانية على حد السواء. المؤكد حتى الساعة أن أعداد الإصابات الى ارتفاع مستمر وسيظهر هذا الارتفاع بشكل ملحوظ خلال الفترة المقبلة في ظل غياب الآلية الواضحة والفاعلة لمواجهة الوباء الخطير.أما بالنسبة الى البلدات الواقعة في الاطراف فهي ما زالت تنتظر الوعود المتعلقة بتحضير مستشفيات حكومية في ظل غياب فعلي وكلي للمعدات الفاحصة لفيروس "كورونا" وسط ضيق معيشي يصل الى حد الإفلاس لدى هؤلاء العاجزين تماماً عن دفع تكاليف هذه الفحوصات في حال شعورهم بالعوارض.

 يصح القول إن التخبط هو العنوان الذي يسري على الحالة التي وصلنا اليها في لبنان. لا انضباط جماهيري فعلي بالحجر الصحي وسط ارتفاع متزايد بحجم الإصابات ووسط تسريبات عن أن العدد سيصل في حال ظل التقاعس على حاله إلى ما يُقارب عشرة آلاف إصابة عندها كيف يُمكن للدولة ان تستوعب كل هذه الأعداد. كل ذلك يعني أن الآتي صعب، سواء بعد شهر أو شهرين او ثلاثة. وكلما طال بقاء الفيروس كلما زادت التداعيات، وستتحمل الحكومة مسؤولياتها في هذا المجال، وستكون على بساط المساءلة الشعبية والسياسية، ليس من قبل معارضيها فحسب، بل من قوى شكلت نسيجها. وعلى الخط نفسه يؤكد مصدر طبي في وزارة الصحة أن "كورونا" في لبنان لم يعد في مرحلة الاحتواء، أصبحنا في المرحلة الثالثة وهي مرحلة التفشي، وإجراءات وزارة الصحة حتى الساعة إيجابية الى حد ما لكن ينقصها خطوات أكثر وأبعد، ونحن نتابعها، ويجب أن نعدلها حسب تطور انتشار الفيروس. في كل دول العالم، هناك حالات مرضية لم يعلن عنها، بسبب غياب العدد الكافي من الفحوصات، ولن يتوقف تفشي الفيروس قبل أن يحصد 40 في المئة من سكان الكرة الأرضية.

 حتى تاريخ يوم الأربعاء الماضي في الأول من نيسان (ابريل)، بلغ عدد الحالات المثبتة مخبرياً في مستشفى الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة بالإضافة إلى المختبرات الخاصة، 9 47حالة بزيادة 16 حالة عن اليوم الذي سبق، ولم تسجل حالة وفاة جديدة واستقر عدد الوفيات على إثنتي عشرة كان آخرها يوم الثلثاء الماضي في مستشفى سيدة المعونات الجامعي لمريض في العقد الخامس من العمر كان يعاني من أمراض مزمنة. وشددت وزارة  الصحة على تطبيق جميع الإجراءات الوقائية خاصة الالتزام بالحجر المنزلي التام الذي أضحى مسؤولية أخلاقية فردية ومجتمعية واجبة على كل مواطن وان أي تهاون بتطبيقها سيعرض صاحبها للملاحقة القانونية والجزائية. كما أعلنت الوزارة عن استدراج عروض أسعار للمرحلة الأولى (المدى القصير) من عملية تأمين التجهيزات الطبية اللازمة لمكافحة فيروس "كورونا" المستجد. وطلبت الوزارة من جميع المهتمين التقدم بعروض أسعار مستعجلة لسبعين جهاز تنفس اصطناعي  (Ventilators )، وذلك في مهلة أقصاها يوم الثلاثاء الماضي الواقع في الواحد والثلاثين من شهر آذار(مارس) المنصرم.

 

"كورونا" ينقذ حكومة دياب

 في ظل حالة التعبئة العامة المُستمرة منذ أن أعلن عنها الرئيس دياب وقبله رئيس الجمهورية ميشال عون، تظل الأمور محصورة بمدى أو في كيفية الحد من الأضرار الصحية التي ستنجم عن الوباء الذي يجتاح البلاد بطولها وعرضها. والأخطر من هذا الوباء، استغلال الحكومة له، فأرجأت مرة تلو الأخرى، اتخاذ قرارات مهمة بالنسبة الى الشؤون ​المالية والاقتصادية، والبحث في موضوع التعيينات وفي مقدمها تلك المتعلقة بنواب حاكم مصرف ​لبنان. في هذا الاطار، لا تتردد مصادر سياسية في التأكيد بأن حكومة دياب كانت ستخوض مواجهة قاسية جداً لو لم يتدخل "كورونا" لإنقاذها، وبالتالي منحها بعض الوقت للقيام بما يمكن القيام به على أكثر من جبهة، لكن هذه الحكومة لا تتعامل بالسرعة المطلوبة مع التحديات أقله موضوع تقديم المساعدات إلى الأسر الأكثر فقراً.