تفاصيل الخبر

"كورونا" يخرق دفاعات الحكومة ويتحصّن بين اللبنانيين

27/05/2020
"كورونا" يخرق دفاعات الحكومة ويتحصّن بين اللبنانيين

"كورونا" يخرق دفاعات الحكومة ويتحصّن بين اللبنانيين

 

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_78293" align="alignleft" width="147"] الصليب الأحمر ينقل الاصابات من رأس النبع[/caption]

 بدأ عدّاد فيروس "كورونا" في لبنان يرتفع بشكل جنوني وعشوائي وسط تفلّت شبه تام للبنانيين من الضوابط الصحيّة التي كانت دعت اليها الحكومة وعلى وجه التحديد وزارة الصحّة، من أجل تفادي خطورة الوضع الذي وصلت اليه البلاد خلال الأيّام الأخيرة القليلة. وأخطر ما في الأمر حتّى الآن، أن الدولة لم تتخذ حتّى الساعة، قرار الإقفال التام على غرار السياسة الصحيّة التي سبق أن اتخذتها مجموعة من الدول الأوروبية عند إنتشار الفيروس فيها، إذ إن أقصى ما لوّحت به، اعتماد خطّة "القطيع" بعدما تجاوز عدد الإصابات عتبة الألف ومئة إصابة.

"كورونا" يستعيد نشاطه في لبنان

 مع إستعادة فيروس "كورونا" نشاطه مُجدداً في لبنان، وذلك بعد فترة زمنيّة وصفت بالمعقولة والمقبولة صحيّاً نتيحة إنخفاض ملحوظ في نسبة عدد الإصابات، عاد الشأن الصحّي ليتصدّر ما عداه من أحداث سياسيّة طرأت خلال الأيام الماضية على المسرح السياسي خصوصاً ما يتعلّق بعلاقة "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" التي شهدت هبوطاً حاداً وصل إلى حد الإتهامات وتحديداً من "البرتقالي" الذي أوصل لـ"الاصفر" رسالة تُهدّد سلاح المقاومة معنونة بـ"إستحالة الجمع بين الفقر والسلاح".

 ويظلّ الملف الأبرز معقوداً على الشأن الصحي في لبنان الذي وصل إلى مرحلة في غاية الخطورة نتيجة عدم تقيد السواد الأعظم من الشعب اللبناني بالتعليمات الصحية واستهتاره الذي شهدت عليه الطرقات والمساجد والعراضات السياسية والمطاعم، كل ذلك وسط التساهل الحكومي من خلال تخفيف الإجراءات والقيود عن المواطنين في العديد من الأمور التي كانت محظورة، وقد أعربت مصادر وزارة الصحة لـ"الأفكار" عن قلقها من عدم الإلتزام بقرار التعبئة العامة وعدم استخدام الوسائل الوقائية من كمّامات وسواها، وهو الأمر الذي سيُدخلنا في حالة خطيرة جداً وسُيصبح من الصعب فيها مُحاصرة "كورونا" خصوصاً في ظل غياب اللقاحات الفعلية.

 وتؤكد المصادر أن هذا الإرتفاع يجب وعلى وجه السرعة، أن يدفع بالحكومة اللبنانية لاتخاذ تدابير جديدة وجدية تبدأ من نقطة الصفر، بهدف تتبع الحالات ومنع انتشار الوباء مجدداً، كاشفة أن هناك عدم التزام تام من قبل المواطنين بالتدابير المتدرجة، وأن ​لبنان​ ما زال في مرحلة خطر انتشار الوباء وبالتالي يتوجب الإبقاء على الضوابط وإلّا فنحن على خط يُشبه حدّ السيف، إمّا الإصابة والتعايش مع المرض وجعله جزءاً من حياتنا اليومية وشريكاً فيها، وإمّا الموت نتيجة غياب العقار الناجع وخصوصاً للذين يُعانون من أمراض خطيرة.

تبرير وزير الصحة

[caption id="attachment_78296" align="alignleft" width="391"] وزير الصحة حمد حسن...استنفاد الحلول[/caption]

 بعد قرار الدولة اللبنانية بإعادة فتح البلاد، ارتفع عداد "كورونا" مجدداً، ليسجل خلال اليومين الماضيين رقماً قياسياً وغير مسبوق منذ 21 شباط 2020 بين مغتربين ومقيمين في إنتكاسة كبيرة وذلك بعدما تخطى عدد الإصابات مئة وألف إصابة بينما حط عداد الوفيات عند الرقم 26. أما حالات التعافي من الفيروس فقد بلغ 689. كل هذا استدعى مجلس الوزراء إلى تمديد التعبئة العامة حتى السابع من حزيران (يونيو). أما وزارة الداخلية فقد أصدرت  تعميماً يتعلق بإبلاغ البلديات واتحادات البلديات بمنع إقامة أي تجمعات أو نشاطات رياضية أو ترفيهية، أو فتح دور الملاهي والنوادي الرياضية والملاعب والحدائق، وكذلك وضع ألعاب للأطفال في الساحات والطرق.

 كل هذا، لم يمنع وزير الصحة حمد حسن من طمأنة اللبنانيين بأن الوضع تحت السيطرة، مشيراً أنه يحافظ على هدوئه وثقته بنجاعة المعركة التي يخوضها في الوزارة بمواجهة "كوفيد-19". وتابع قائلاً: نعم، إذا نظرنا للرقم سنفاجأ للوهلة الأولى، لكن إذا نظرنا للحالات سوف نلاحظ أنها مبررة ويمكن تتبعها.

 وأضاف: قمنا بإغلاق البلد في مرحلة مبكرة جداً، وأغلقنا المدارس والجامعات بعد أسبوع من ظهور أول حالة "كورونا" في لبنان، وكنا مجبرين على ذلك بسبب ضعف الإمكانات . ونعمل الآن على فتح البلاد وفق مراحل محدّدة مع الالتزام بضوابط التعبئة العامة، إذ لا يوجد بعد لقاح للفيروس ولا يمكن ترك البلد مقفلاً.

 وعن "مناعة القطيع" قال: نحن نوازن بين السماح بمزاولة العمل في القطاعات المختلفة ومراقبة القدرة الاستيعابية في المستشفيات. وإذا ما شعرنا أننا فقدنا السيطرة، نصدر قراراً سريعاً بإقفال البلد مثلما حصل الأسبوع الماضي.

 وأضاف: بالطبع التجربة اللبنانية ليست مثل السويدية، فلا يوجد لدى دولتنا الإمكانيات لتطبيق ما قامت به الحكومة السويدية. في لبنان اعتمدنا على (مناعة القطيع الناعمة) والتعبئة العامة مع خطة لفتح البلاد تدريجياً، مقسمةً على مراحل، وكل مرحلة لها سقف زمني مشروط بالتقارير الطبية والصحية من المستشفيات.

خلية مزبود "الكورونية"

 تُعتبر الموجة الثانية من "كورونا" التي تضرب لبنان اليوم، من أخطر المراحل التي تمر بها البلاد منذ اجتياح الفيروس لها، خصوصاً بعدما عاود عداد الإصابات ارتفاعه مع تراجع الإجراءات الإحترازية التي تتخذها الحكومة، واعتمادها سياسة مناعة القطيع النائمة. ولعل الموجع أنه لم يعد في البلاد منطقة آمنة صحياً، فكل المناطق تحولت إلى نقطة استهداف للفيروس الذي يجول العالم طولاً وعرضاً، من دون أي موانع أو عوائق من تمدده، وبالأمس تحولت منطقة مزبود في الشوف، إلى شبه منطقة عسكرية بفعل الإجراءات والتدابير الصارمة التي تتخذها قوى الأمن الداخلي بعزلها عن محيطها بعد ارتفاع عدد إصابات "كورونا" إلى 17.

 المحال التجارية والمؤسسات أُقفلت في مزبود بشكل تام، وخلت شوارعها من الحركة، إلا من سيارات قوى الأمن، التي تجوبها وتسير الدوريات، لمراقبة عمليات حجر المصابين التي أجبرتهم على البقاء في منازلهم، لتمضية فترة حجرهم، وتستمر لـ 14 يوماً. ونظراً لخطورة الوضع وخشية تفاقم الأوضاع وتفلتها نحو الأسوأ، وضعت قوى الأمن عناصر منها على مداخل الأبنية حيث مكان إقامة الإصابات، لمراقبتها على مدار الساعة، والتشدد في تطبيق الحجر، ومنعتهم من القيام بأي تحرك خارج منازلهم، خشية اختلاطهم مع الآخرين ونقل العدوى، فيما منعت الحواجز التي أقيمت على المداخل الزائرين، وسمحت فقط للمقيمين وأبناء البلدة، للضرورات القصوى.

 وعلى الرغم من أن هذه التدابير والإجراءات أشاعت جوّاً من الارتياح وبرّدت الأجواء التي كانت تغلي بفعل حجم الإصابات والخوف من إنتشار الفيروس بشكل أوسع، إلّا أنها لم تبدد القلق والمخاوف التي تخيّم على سكان  بلدة مزبود البالغ عددهم أكثر من 5000  نسمة ، فيما نائبا المنطقة، بلال عبد الله ومحمد الحجار يواكبان بشكل دقيق وبالتفصيل إجراء الفحوصات الطبية في مختلف قرى وبلدات المنطقة، وقد تابعا طوال الأيام الماضية عملية فحص 255 حالة من بلدات الإقليم الجنوبية.

عبد الله: الأهم كيف يمكن حماية أهلنا

 

[caption id="attachment_78294" align="alignleft" width="306"] النائب بلال عبد الله...الخوف على اقليم الخروب[/caption]

عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب بلال عبد الله، حذّر من خطورة الوضع في منطقة إقليم الخروب في ضوء انتشار وباء "كورونا" في عدد من بلدات المنطقة، ونبه الى أن الأمور بدأت تتفلت من أيدينا، واذا لم نتدارك هذا الوضع ونلتزم الإجراءات الوقائية، للأسف سنكون أمام خطر داهم لكل بلدة وقرية ومنزل، مؤكداً أن هذا الكلام هو من مُنطلق وعينا وحرصنا على منطقتنا، فهناك أمور يجب تداركها سريعاً، لكن للأسف هناك العديد من الناس، خصوصاً المخالطين للمصابين، لا ينحجرون بالطريقة المناسبة.

 وأعرب عبد الله عن أسفه لتسجيل إصابات جديدة في قرى وبلدات جديدة في الإقليم، متمنياً وقف حالة الاسترخاء وملازمة المنازل وعدم الإختلاط، قائلاً إن الأمور بدأت تتفلت من أيدينا، وهذا ما جرى في مزبود وبرجا وشحيم وكترمايا، لا نريد إشاعة الخوف لدى المواطنين، لكن نؤكد أن الأمور صعبة جداً، فحجم المخالطات كبير جداً في أكثر من بلدة، فالإقليم متداخل، وقد تكون هناك حالات في معظم القرى في المنطقة.

 أضاف: إننا نقوم بجهود كبيرة مع النائب محمد الحجار واتحادات البلديات والبلديات وخلايا الأزمة والأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني والجمعيات ورجال الدين، لكن حجم الأزمة أكبر من إمكاناتنا. كما أن وزارة الصحة تقف الى جانبنا وكذلك مستشفى الحريري الحكومي في بيروت، ومستشفى سبلين الحكومي ومحافظ جبل لبنان وقائمقام الشوف، لكن الأزمة أعظم وأكبر من كل إمكاناتنا. لكن يبقى الأبرز، أنه إذا لم نلتزم التدابير والإجراءات، فإن الصورة ستكون ضبابية، ما من أحد قوي على هذا المرض، فهناك دول كبيرة تنهار أمامه، وللأسف هناك استرخاء من البعض، ولا نريد أن نحضر دائماً القوى الأمنية لضبط الناس.

 وشدد على أنه يجب ان يكون هناك وعي وانضباط ذاتي، لأن قدراتنا ستكون محدودة بعد مدة ، وعلى الناس مساعدتنا، فالأمور بدأت تتفلت من أيدينا، المطلوب تضامن الجميع وتكاتفهم، فكلنا معرضون، ولكن يبقى الأهم كيف يمكن حماية أهلنا ومجتمعنا وناسنا، والحد من الانتشار السريع لهذا الوباء.

ما هي "مناعة القطيع"؟

[caption id="attachment_78295" align="alignleft" width="332"] فحوصات "كورونا" في مزبود[/caption]

 هي شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة من مرض معد، وتحدث عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعة لعدوًى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقًا أو التلقيح، مما يُوفر حماية للأفراد الذين ليس لديهم مناعة للمرض. أمّا إذا كانت نسبة كبيرة من السكان تمتلك مناعةً لمرض معين، فإنه يُساعد في عدم نقل هؤلاء الأشخاص للمرض، وبالتالي يُحتمل أن تتوقف سلاسل العدوى، مما يؤدي إلى توقف أو إبطاء انتشار المرض. والمُلاحظ أنه كُلما زادت نسبة الأفراد الذين لديهم مناعةٌ في المجتمع، كلما يقلُ احتمال اختلاط الأفراد الذين لا يمتلكون مناعةً مع أشخاصٍ ناقلين للمرض، مما يُساعد على حمايتهم من العدوى.

 وتقول مصادر طبيّة: تعدُ مناعة القطيع مهمة لهذه الفئة من الأفراد، حيثُ تُعتبر وسيلة حمايةً مصيرية لهم. وعند الوصول إلى حد مُعين، فإنَ مناعة القطيع تقضي تدريجياً على المرض بين السكان. وإذا حصلت إزالة المرض في جميع أنحاء العالم، فإنها قد تؤدي إلى انخفاض دائمٍ في عدد حالات العدوى حتى تصل إلى صفر، وحينها يُسمى بالإستئصال. ولعلّ الأمل الوحيد الذي يُعزّز إمكانية ضبط الأمور، هو ارتفاع أعداد المتعافين من الإصابة واستقرار عدد الوفيات. وهنا يرى نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة "كورونا" الدكتور محمد حمية أن ارتفاع عدد حالات الشفاء يتيح فرصة لـ"تصحيح" الاستهتار، فيما أعداد الإصابات الخارجية تبقى تحت السيطرة، لافتاً إلى أن الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي من شأنه خفض أعداد الإصابات بعد انتهاء آخر رحلة للمغتربين.

 ومن جهة أخرى، يُمكن القول إن الرهان على الالتزام بالحجر المنزلي يبقى محفوفاً بالمخاطر مع وصول حالات العزل المنزلي إلى ما فوق العشرة آلاف شخص، وهو ما يحتّم رفع مستوى التأهب والحذر، وتعزيز خيار عزل المناطق التي يُسجّل فيها عدد كبير من الإصابات، على غرار ما حصل في بشري وشحيم سابقاً، وأمس في بلدة مجدل عنجر التي طالب فاعلياتها بعزلها وإغلاق كل المحال والمؤسسات والمساجد، وما قد يحصل في بلدة مزبود الشوفية في الأيام المُقبلة بعد تسجيل عشر إصابات، ومن دون أن ننسى أحد أحياء منطقة رأس النبع حيث المُبنى الذي كشف عن عدد كبير من الإصابات بداخله وذلك على مرحلتين، لأشخاص من التابعيّة البنغلادشية والسوريّة.