[caption id="attachment_81408" align="alignleft" width="375"] رئيس الجمهورية ميشال عون مع وزيرة العدل في حكومة تصريف الاعمال ماري كلود نجم[/caption]
أدى انتشار وباء "كورونا" داخل سجن روميه المركزي الى احياء المطالبة باصدار قانون عفو عام عن عدد من المحكومين بهدف التخفيف من الاكتظاظ في السجون اللبنانية. الا ان الجديد في هذا الموضوع ان المطالبة بالعفو لم تصدر عن نواب او سياسيين، بل عن لسان اهالي السجناء الذين انضم اليهم بعض السياسيين لاعتبارات سياسية. صحيح ان عنوان المطالبة هو التخوف من تفشي "كورونا" في السجن على نحو لا يمكن السيطرة عليه، الا ان الصحيح ايضا ان ثمة من استغل هذا الموضوع الذي له جانب انساني، لتحقيق مآرب شخصية من خلال اعادة المطالبة باقرار قانون العفو العام الذي لا يزال خاضعاً للتجاذب السياسي بين اطراف تريد ان يشمل العفو ايضاً المبعدين الى اسرائيل، واطراف تريد تطبيق العفو على السجناء بملفات المخدرات او من الموقوفين الاسلاميين، لقد سبق ان طرح اقتراح قانون العفو في جلسة تشريعية عقدت في قصر الاونيسكو منذ اشهر، لكنه سقط نتيجة التجاذبات السياسية التي رافقت طرحه، وهو امر ازعج الرئيس نبيه بري الذي كان يريد اقرار القانون لحل مشكلة الاكتظاظ من جهة، والافراج عن سجناء محكومين تزيد العقوبات عليها عن عشر سنوات سجن على الاقل...
الا ان المطالبة باقرار قانون عفو عام، تجد من يعترض عليها من جديد ويصر على عدم تمريرها في مجلس النواب، لاسيما نواب "التيار الوطني الحر" الذي يؤكد نوابه ان موضوع العفو غير وارد عندهم تحت اي ذريعة، ومثلما كان موقفهم ضد العفو في البداية سيبقى على ما هو عليه اليوم وغداً ، خصوصاً وان الايام تبرهن اننا على حق لأن مفهوم العفو العام يصدر اساساً لفتح صفحة جديدة في تاريخ بلد، لا ان نعد الناخبين بقانون عفو كل 4 او 5 سنوات للاعفاء عن اولادهم في السجون، ثم ان العفو مرتبط بمفهوم المسامحة والندم، لكنهم لا يندمون بل يدخلون الى السجن وتخفض مدة محكوميتهم ويعفى عنهم بتهريبة فيخرجون ويرتكبون الافظع.
الا ان نواب التيار يبدون تساهلاً معتبرين ان افضل طريقة هي ان تعفو السلطة التنفيذية عن الاشخاص الذين قضوا محكوميتهم من الغرامات المتراكمة خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، ما يؤدي حكماً الى تخفيف الاعباء عليهم وخروج عدد كبير من السجناء مقترحاً اخراج من امضوا محكوميتهم وغير قادرين على دفع الغرامات، واعدادهم كبيرة، وتسريع المحاكمات، اما التذرع ساعة بــ "كورونا" وساعة بالاكتظاظ وساعة بأننا نريد فتح باب للعفو العام لاشخاص مظلومين، فالمحاكمة هي من يؤكد اذا كان مظلوماً ام لا، وليس العفو". ويلتقي نواب القوات اللبنانية، مع غيرهم من النواب على ضرورة معالجة هذه القضية الانسانية التي يجب الا تخضع للتجاذبات السياسية لانه حقيقة هناك ظلم كبير على بعض الاشخاص، ويجب معالجة هذه القضية في اسرع وقت بصرف النظر عن المقايضات السياسية. ويستعجل نواب "القوات" المحاكمات فتتم تبرئة من تثبت براءته ومحاكمة من يثبت جرمه....
في المقابل، يطالب نواب "المستقبل" بعقد جلسة طارئة واستثنائية لمجلس النواب لاقرار القانون "استباقاً لوقوع الكارثة داخل السجون، لأن اقرار القانون يخفف من عدد كبير من السجناء ويساعد على الحد من تفشي "كورونا" في السجون. ويلتقي نواب "اللقاء الديمقراطي" مع غيرهم من النواب على اعتبار اقرار العفو نقطة متقدمة ولا بد من مشاورات ومداولات لضمان مروره في مجلس النواب خصوصاً ان الامر لا يتصل فقط بسبب "كورونا" بل هناك ايضا مظلومية تلحق بالعديد من السجناء مع وجود موقوفين من دون محاكمات واعدادهم ليست قليلة. اما نواب كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها الرئيس نبيه بري فيدعمون اقرار القانون الذي يهدف برأيهم الى تحقيق امرين الاول انساني في ظل التأخر الحاصل بمحاكمة نحو 40 في المئة من الموقوفين، والثاني انعدام توافر الظروف الطبيعية في السجون عموماً وسجن روميه خصوصاً الذي يفتقر الى حد ادنى من الكرامة الانسانية، اما الهدف الاساسي، في نظر نواب الرئيس بري، فهو مواجهة مشكلة الاكتظاظ والحد من تفشي الوباء وهم يدعون الى اخراج القانون من البازار السياسي من خلال تحاور الكتل السياسية والاتفاق على صيغة مناسبة ومرضية، مع الاخذ في الاعتبار عدم شمول العفو عن من اعتدى على الجيش وأمن الدولة والجرائم الارهابية.
العفو الخاص.... البديل
[caption id="attachment_81409" align="alignleft" width="375"] سجن رومية المركزي.. حذار من الكارثة[/caption]في المقابل ثمة من يرى ان اقرار قانون العفو سيواجه مرة جديدة التحفظات اياها وسترتفع اصوات تنادي بعدم اقراره، واخرى تدعو الى اقراره علماً ان رافضي الاقرار يرون ان الصيغة المطروحة تحمل شوائب عدة، لا بل تحمل اخطاراً عديدة وإن تعددت الصيغ لكنها كلها تلامس الخطر المجتمعي الحقيقي ولا تبدده. وحيال هذا الواقع، برزت دعوات الى تفعيل فكرة العفو الخاص الذي يصدر عن رئيس الجمهورية والذي لا يتطلب موافقة مجلس النواب او مجلس الوزراء لأنه يصدر بمرسوم يوقع عليه رئيس الجمهورية لأن العفو الخاص من الصلاحيات اللصيقة بالرئيس وفقاً لما جاء في الدستور. ويرى حقوقيون ان ثمة اختلافات بين قانون العفو العام والعفو الخاص علماً ان وزيرة العدل ماري كلود نجم بحثت هذا الموضوع مع الرئيس عون وتعمل على اعداد آلية تصدر من خلالها مراسيم العفو الخاص استناداً الى المادة 53 من الدستور (الفقرة 9) التي تنيط هذه الصلاحية برئيس الدولة. ويميز حقوقيون بين العفو العام والعفو الخاص فيقولون ان العفو الخاص يعفي عن العقوبة لا عن الجرم، فيما العفو العام يشمل الجرم لا العقوبة. والعفو الخاص هو اسرع من ناحية طريقة اقراره والاجراءات الخاصة به، لكون العفو العام يتطلب اقرار قانون في مجلس النواب بعدما يكون قد سلك مساره النقاشي والتشريعي داخل اللجان النيابية وصولاً الى الهيئة العامة، وبالتالي قد تكون هناك صعوبة قصوى في التوصل اليه لأن وسط هذه الظروف، اذ انه وفق المادتين 150 و 151 من قانون العقوبات فإن السلطة الاشتراعية هي منوطة اقرار العفو العام وفق تدابير معقدة، فيما العفو الخاص اسرع ومن صلاحية رئيس الجمهورية. ومرسوم العفو الخاص، ان صدر يمكن ان يشكل تدبيراً لازماً وسريعاً، شرط ان يشمل عدد من المحكومين وتحترم فيه معايير واضحة.
ان وزارة العدل وبالتنسيق مع مديرية السجون، تضع لائحة بالمجرمين غير الخطيرين والذين لم يبق من محكوميتهم الا القليل لترسلها الى رئاسة الجمهورية لتزويدها بالاسماء المستفيدة.
ويسجل الحقوقيون ان العفو الخاص اسرع من العفو العام، الا انه ينبغي الا يؤدي الى افراغ السجون بل الى تخفيف الاكتظاظ داخلها، ويفترض ان يمنح العفو الخاص استناداً الى لوائح تنظم للمحكومين الاقل خطورة في حال اخلاء سبيلهم، مثل المحكومين بدعاوى جنح غير موصوفة او غير شائبة لأن الهدف الحد من الكثافة داخل السجون لا الاعفاء من دون ضوابط او معايير.
فمن يسبق، العفو العام او العفو الخاص؟.