تفاصيل الخبر

«كوباني » صورة للود العسكري المفقود بين «أردوغان » و «أوباما »!

10/10/2014
«كوباني » صورة للود العسكري المفقود بين «أردوغان » و «أوباما »!

«كوباني » صورة للود العسكري المفقود بين «أردوغان » و «أوباما »!

abbas-obama

لا نستطيع نحن اللبنانيين أن نغمض العينين حيال ما يجري حولنا، ولاسيما بالنسبة لقضية فلسطين التي كان الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح أول من فتح أبواب لبنان للهاربين من جحيم حرب فلسطين عام 1948. كان عددهم لا يزيد يومئذ على ثلاثين أو أربعين ألفاً، فصار عددهم اليوم أكثر من أربعمئة ألف لاجئ فلسطيني، أي يشكلون موقعاً مهماً في السياسة اللبنانية الخارجية، وحتى الداخلية.

   وجديد القضية الفلسطينية طلعت به حكومة السويد الجديدة التي يرئسها <ستيفان لوفين> قطب يسار الوسط، حين أعلن في بيان رسمي لحكومته ان السويد تعترف بدولة فلسطين، فتكون بذلك أول دولة أوروبية تقدم على مثل هذا الموقف. صحيح ان الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وافقت على الاعتراف فعلياً بفلسطين دولة ذات سيادة عام 2012، لكن الاتحاد الأوروبي ومعظم دوله لم تعترف بها رسمياً حتى الآن. واليوم السويد وغداً بريطانيا جاهزة لهذا الاعتراف بلسان رئيس وزرائها <دايفيد كاميرون>، علها تمحو بذلك وصمة العار التي ألحقها بها وزير خارجيتها <آرثر جيمس بلفور> عام 1917، حين طالب بوطن قوي لليهود في فلسطين، واعتبر العرب <وعد بلفور> هذا أسوأ ما واجهوا في حياتهم السياسية والقومية.

   وقد اعتبر وزير خارجية اسرائيل <أفيغدور ليبرمان> اعتراف السويد بدولة فلسطين صفعة سياسية لدولة اسرائيل، ولاسيما حين قال رئيس وزراء السويد من منصة البرلمان السويدي في ستوكهولم: <إن الصراع بين اسرائيل وفلسطين لن يجد له حلاً إلا عبر قيام دولتين، على أن يجري التفاوض بهذا الحل وفقاً للقانون الدولي، ويتطلب هذا الحل اعترافاً متبادلاً بين الاسرائيليين والفلسطينيين ورغبة في التعايش السلمي. وعلى هذا الأساس تعترف السويد بدولة فلسطين>. وقام <ليبرلمان> باستدعاء السفير السويدي في تل أبيب <كارل ماغنوس> وابلاغه الاحتجاج الرسمي لاسرائيل.

   والسويد بهذا الاعتراف لا تمارس دور الدولة الأوروبية التي تقدس حقوق الانسان وحسب، بل وترد الطعنة التاريخية التي تلقتها باغتيال ابن العرش السويدي الوسيط الدولي الكونت <فولك برنادوت> في 17 أيلول (سبتمبر) 1948 أمام فندق <الملك داوود>، وسيقت تهمة الاغتيال يومئذ الى منظمة <أرغون> و<اسحق شامير>.

البستاني في جنازة <برنادوت>

   وقد شهدت مملكة السويد في أيلول (سبتمبر) من ذلك العام لفتة وفاء عربية، حين مشى في جنازة الكونت السويدي رجل بالعباءة العربية والعقال، ولم يكن هذا الرجل سوى اميل البستاني أحد أصحاب شركة <كات> للمقاولات الذي أصبح بعد ذلك نائباً ووزيراً للأشغال العامة زمان زلزال عام 1956، وكان صاحب فضل في إعادة التعمير للمناطق التي ضربها الزلزال، وشهدت البلاد يومذاك ما يسمى بضريبة التعمير.

   الآن السويد وغداً بريطانيا، وستكر السبحة لتشمل أكثر دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وإذ ذاك يهنأ بال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولا يتأثر باستخدام الولايات المتحدة للـ<فيتو> فيما لو عرض مشروع الموافقة على إنشاء دولة فلسطين، خصوصاً وان الرئيس عباس على يقين بأن أحداث المنطقة، ومشاركة دول عربية لها وزنها وأهميتها الديبلوماسية في حملة الائتلاف الدولي برئاسة الادارة الأميركية ضد قوات <داعش>، ستجعل الولايات المتحدة تحسب ألف حساب لهذا <الفيتو> إذا غامرت باستخدامه.

   ووهج المشاركة العربية في التحالف الدولي، هو الذي جعل نائب رئيس الولايات المتحدة <جوزف بايدن> يسحب تصريحه عن مشاركة تركيا ودولة الإمارات في تمويل ودعم المنظمات الارهابية، ويبادر الى الاتصال بالرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> ونائب رئيس إمارة أبو ظبي والقائد الأعلى لقواتها الشيخ محمد بن زايد مبدياً الاعتذار، والاعتذار في رأيه سيد الفروسية.

   وما مثل هذا السلوك عند <جو بايدن> إلا دليل على التخبط في السياسة الأميركية. فإن <بايدن> جزء لا يتجزأ من خلية القرارات في البيت الأبيض، وحين اتهم بعض الدول العربية وتركيا بتمويل وتسليح قوات <داعش> و<جبهة النصرة>، لم يكن ينطق عن الهوى، وقد فرض الاعتذار نفسه من قبيل الحرص على وحدة التماسك بين قوى التحالف الجوي الدولي ضد الارهاب والارهابيين.

<داعش> تستدرج أميركا الى البر!

   وغير مرة قال الرئيس الأميركي <أوباما> ان الحرب مع <داعش> سوف تطول، لأنه من غير الوارد أن تدخل الولايات المتحدة في حرب برية، والخبراء وأولهم رئيس الأركان الأميركي المايجور جنرال <مارتن دامبسي>، لا يرون مفراً من النزول العسكري الى البر، إذا أرادت الولايات المتحدة دحر قوات <داعش> فعلاً، وعدم استغلالها كورقة سياسية في التعامل مع دول المنطقة.

هولاند-و-سعد

   ولأن <داعش> على قناعة بأن الجيش الأميركي لن ينزل الى البر، كما فعل في العراق زمن صدام حسين، فقد تابعت الحرب البرية باقتحام المدينة الكردية السورية <عين العرب> أو <كوباني> كما الاسم باللغة الكردية، ويعتبرها الخبراء العسكريون، ومنهم العميد الركن هشام جابر في لقاء مع الـ<بي بي سي> أصيل الاثنين الماضي، مدينة آيلة للسقوط منذ أن استولت قوات <داعش> على مشتى النور المطل على المدينة. كما يرى العميد جابر ان تركيا لن تدخل الحرب ضد <داعش> في <كوباني> لأن لا مصلحة لها في التضحية بجنود لها ضد الأكراد، وهم يشكلون في الداخل التركي المعارضة لنظام <أردوغان>.

 

    كذلك يرى العميد جابر أن الطائرات المقاتلة من الجو لن تحسم المعركة، وان طوافات <الأباتشي> الأميركية وحدها قادرة على الملاحقة والقيام نسبياً بمهمات الحرب البرية.

   وكلما اقترب <داعش> من الحدود السورية مع لبنان، كلما اكتشف الخبراء الاستراتيجيون، ان هذه القوات الارهابية مقبلة على فتح جبهة مع لبنان، وما الذي حدث في القلمون السورية ومرتفعات بريتال في البقاع الشمالي إلا المقدمة أو الافتتاحية. وعين الجيش اللبناني الآن هي على شبعا في الجنوب، وعكار في الشمال، وهما هدفان في أجندة <داعش>. والقول إن لبنان محمي بمظلة دولية ليس دقيقاً تماماً. فالقصف الجوي لا يكفي وحده لاقتلاع جذور <داعش>، وإذا اقتربت قوات هذه المنظمة الارهابية من لبنان، فالجيش اللبناني سيكون هو السد المنيع في وجه <داعش> لا القوات الأميركية التي تحلق في الجو كالصقور والزرازير، وكل هم <داعش> الآن أن يستدرج القوات الأميركية من الجو الى البر، وتكبيدها خسائر بشرية بين جنودها، قد لا يتحملها الرأي العام الأميركي.

تركيا وحرب البر

   وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت القوات التركية ستخوض حرب البر ضد <داعش>، أولاً لأنها إذا فعلت فإن المدنيين لن يسلموا من القذائف والصواريخ، على الجبهة التركية، ولم تظهر المؤشرات حتى الآن بأن تركيا ستتولى الحرب البرية بالنيابة عن الولايات المتحدة، برغم انتظامها في الحلف الأطلسي التي تمثل فيه الولايات المتحدة رأس حربة.

   ويرى الكاتب البريطاني <والتر بلودونغ> أستاذ العلاقات الدولية في <كينيث كولدج> البريطانية في صحيفة <التلغراف> صباح الثلاثاء الماضي ان الغارات الجوية تبدو سهلة لرجال السياسة، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للخبراء الاستراتيجيين، ولئن كانت تلقى المساندة البرية من القوات العراقية حول الموصل وديالى، فمثل هذه الفرص غير موجودة في سوريا، والحدود التركية.

   وما يهمنا نحن في لبنان هو أن نبقى في معزل عن الحرب البرية التي تتقن <داعش> التحكم في مسارها، بل ما يهمنا هو تخليص الجنود اللبنانيين المختطفين من شر الإعدام أو الذبح، وهذا لا يحتاج الى دخول حرب برية مع <داعش>، وهي حرب غير متكافئة، بل يحتاج الى دخول حرب ديبلوماسية، أي اعتماد سلاح التفاوض مع الاستعانة بالقوى المؤثرة على <داعش> و<جبهة النصرة>، مثل تركيا وقطر.

stephan-lovman

   وفي لقاء مع إذاعة <مونت كارلو> صباح الثلاثاء الماضي قال جورج يزبك رئيس مجلس الإعلام في حزب الكتائب ان الحرب ضد <داعش> ستأخذ وقتاً طويلاً، والتفاوض معها من أجل تحرير الرهائن العسكريين ليس في منظور ساعات أو أيام!

   وهذا الواقع عرضه في باريس رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل مع الرئيس سعد الحريري مطلع هذا الأسبوع، قبل ساعات من لقاء الحريري مع الرئيس <هولاند>، واتفق الاثنان على ان طريق الانقاذ تكون أولاً من انتخاب رئيس جمهورية بالسرعة القصوى، والخروج من دائرة المرشحين الثلاثة سمير جعجع وميشال عون وهنري حلو، والبحث عن مرشح رابع من قوى 14 آذار قد يكون الرئيس أمين الجميل. لم لا؟

    ومع <هولاند> كان موضوع الرئاسة في لبنان هاجساً عند الرئيس الحريري، وطلب من سيد قصر <الإليزيه> الذي فتح في نيويورك أبواب التواصل مع الرئيس الإيراني <حسن روحاني> أن يستخدم نفوذه لدى إيران لفتح طريق انتخاب رئيس في لبنان، بعدما استعصى ذلك نتيجة لارتباط حزب الله حليف إيران الأول في لبنان بالعماد ميشال عون. وشرح له الرئيس <هولاند> بأنه فتح هذا الموضوع في نيويورك مع الرئيس <روحاني> ولكنه لم يلمس منه تجاوباً مع الموضوع كأولوية.

    إذن لا بد من إجراء مصالحات بين كل الأطياف اللبنانية طلباً لوحدة الموقف، قبل أن ينطبق علينا قول امرؤ القيس: <قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل>!