في أسبوع واحد استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رئيسين من قادة دول المنطقة في العاصمة السعودية الرياض: الأول كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والثاني الرئيس التركي <رجب طيب أردوغان>، وقد حرص الملك سلمان على استقبال كل منهما عند مطار الملك خالد بن عبد العزيز في الرياض بنفسه، تدليلاً على ما تكنه المملكة من ود وتقدير للضيفين الكبيرين.
والموضوع الغالب في محادثات العاهل السعودي مع الرئيسين السيسي و<أردوغان> هو الارهاب المستشري في المنطقة، وضرورة صده بكل الوسائل بعدما تحول الى ظواهر خطرة وارتكب من الأعمال الوحشية ما يفوق كل تصور.
ولأن الاقتصاد هو الوجه الآخر للسياسة، فقد حمل الرئيس السيسي الى الملك سلمان التمني لأمرين: الأول دعوته الى إنشاء قوة عربية مشتركة لكسر شوكة الارهاب، والثاني تجميع فرص النجاح للمؤتمر الاقتصادي الذي سيقام مع أواخر هذا الشهر في مدينة شرم الشيخ، وبحكم الوزن الاستثماري الذي تملكه السعودية في هذا المجال. وقد وعد الملك سلمان ضيفه المصري الكبير بأن تكون مشاركة المملكة السعودية في مؤتمر شرم الشيخ بما تقتضيه وشائج الأخوة وأواصر الصداقة التي تجلت في الدعم المالي الكبير الذي أمر به المليك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، وهو الدعم الذي جعل الاقتصاد المصري يقف على قدمين ثابتتين.
أما موضوع القوة العربية المشتركة فقد رأى الملك سلمان بأن يتم عرضه على القمة العربية التي موعدها شهر آذار (مارس) من كل عام. صحيح أن هناك قراراً بدفاع عربي مشترك عبر الجامعة، ولكن انقسام بعض الدول العربية حول هذا الموضوع عطل اتفاقية الدفاع المشترك، إلا ان المستجدات المؤسفة التي أفرزها تنظيم <داعش> وهدد بها أمن مصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان وليبيا، تملي على القادة العرب أن يحزموا أمرهم في قضية الدفاع المشترك، ويفتحوا الطريق لقوة عربية مشتركة، بعدما كانت هناك تجربة لهذه القوة العربية المشتركة في لبنان عام 1976، وجاء الوزير السابق الراحل حسن صبري الخولي موفداً من الجامعة لرعاية تلك التجربة.
وكل الأوراق كانت على بساط البحث في الجلسة الرسمية التي عقدت داخل قصر الملك سلمان في الرياض، بدءاً من تعزيز فرص التعاون الثنائي لما فيه مصلحة السعودية ومصر والشعبين الشقيقين. وشرح الرئيس المصري طبيعة المرحلة الراهنة، وما يستوجبه الأمر من تعزيز التعاون لصالح المنطقة بأكملها. وأفضت المباحثات الى تبادل الرؤى حول مستجدات الأوضاع ومختلف القضايا الاقليمية في المنطقة، حيث أشاد الرئيس السيسي بجهود المملكة العربية السعودية ودورها في مساندة مختلف القضايا العربية والاسلامية.
وشملت المباحثات السعودية ــ المصرية الأوضاع في اليمن وضرورة تداركها تلافياً لتداعياتها السلبية على أمن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب، خصوصاً إذا ركب الحوثيون في اليمن رؤوسهم وأقدموا على اقفال باب المندب.
حكاية باب المندب
ولا بد في هذا السياق من الاضاءة على الأهمية الاستراتيجية لباب المندب، هذا الممر المائي الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.
والمسافة بين ضفتي المضيق هي 30 كيلومتراً تقريباً من رأس منهالي في الساحل الآسيوي الى رأس سيان على الساحل الافريقي، وتفصل جزيرة <بريم> التابعة لليمن هذا المضيق الى قناتين: الشرقية منها تعرف باسم <باب اسكندر> (نسبة الى الفاتح اليوناني اسكندر المقدوني)، ويبلغ عرضها ثلاثة كيلومترات وعمقها ثلاثين متراً. أما القناة الغربية واسمها <دقة المايون> فعرضها 25 كيلومتراً وعمقها 310 أمتار. بالقرب من الساحل الافريقي توجد مجموعة من الجزر الصغيرة يطلقون عليها اسم <الأشقاء السبعة>.
وقد ظلت أهمية <باب المندب> محدودة حتى افتتاح قناة السويس عام 1869 بحضور الخديوي اسماعيل والامبراطورة <أوجيني> زوجة <نابوليون الثالث>، وهي القناة التي تربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط، وعوالمه، بحيث تحول <باب المندب> الى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي افريقيا.
لليمن أفضلية استراتيجية في السيطرة على هذا الممر لامتلاكه جزيرة <بريم>، إلا ان القوى الكبرى وحليفاتها عملت على إقامة قواعد عسكرية قربه وحوله بالنظر لأهميته العالمية في التجارة والنقل. وقد ازدادت أهمية هذا الممر مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي، ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه من الاتجاهين بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً، أي 57 قطعة يومياً.
وهذا الممر كان في عمق مباحثات الملك سلمان والرئيس السيسي، بحكم كونه ممراً استراتيجياً كما لمصر كذلك لدول الخليج.
الدور التركي في الحسبان
والملك سلمان متخصص في الاحاطة باستراتيجيات المنطقة، ويدرك أن لتركيا دوراً سياسياً وأمنياً لا يمكن اغفاله، وبهذه المفاهيم كان استقباله المميز للرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> يوم الاثنين الماضي، وأقام على شرفه مأدبة غداء. ودارت مباحثات خادم الحرمين الشريفين والرئيس التركي حول آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات.
وحضر مأدبة الغداء في القصر الملكي الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن، والأمير فيصل بن محمد بن سعود الكبير، والأمير خالد بن فهد بن خالد، والأمير مقرن بن عبد العزيز، والأمير تركي الفيصل، والأمير مشعل بن سعود بن عبد العزيز، والأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي، ورهط من الأمراء.
وكانت معلومات قد ذكرت بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيلتقي الرئيس <رجب طيب أردوغان>، وتكون فرصة لإزالة الخلاف القائم بين القاهرة وأنقرة، نتيجة للحملات التي شنها النظام التركي على ثورة يونيو، وإلغاء حكم الإخوان المسلمين، ولكن إزالة الشوائب من هذه العلاقات بين البلدين تحتاج الى فرصة أخرى ووقت آخر.
وأدى <أردوغان> حج العمرة في مكة المكرمة، وزار المسجد النبوي في المدينة المنورة.
وما زال <أردوغان> يتكل على الوساطة السعودية لرأب الصدع في العلاقات المصرية ــ التركية، وذلك متروك للزمن.
ومما قاله السفير المصري لدى السعودية عفيفي عبد الوهاب ان الرياض والقاهرة متيقظتان ومنتبهتان لأي محاولات من أي جهة أو طرف للنيل من علاقتهما الراسخة، ولن تقوم للعمل العربي قائمة دون تنسيق سعودي ــ مصري.