بقلم كتب صبحي منذر ياغي
في الثاني والعشرين من آذار/ مارس 1945، شهد العالم العربي ولادة «جامعة الدول العربية» ومع الجامعة، انطلقت القمم والمؤتمرات العربية، وما زالت القمم العربية تعقد في ظل الخلافات والتوترات الاقليمية والدولية دون نتائج مرجوة، وكانت قمة شرم الشيخ الاخيرة متميزة بالظروف التي انعقدت فيها، في ظل انتظار تطبيق مقررات هذه القمة على الصعيد العملي.
انعقدت القمة العربية في مدينة شرم الشيخ في مصر في ظل قرقعة السلاح وهدير الطائرات المنبثق من عملية (عاصفة الحزم) التي شنها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين الذين يسعون لقلب الحكم في اليمن. وبرأي الاوساط المشاركة ان القمة حققت نجاحها في تحقيق توافق عربي حول القضايا المهمة التي طرحت على طاولتها وبحثها الزعماء، إذ نالت عملية «عاصفة الحزم» دعماً كبيراً كما اتفق القادة العرب على الاقتراح المصري بتأسيس «قوة عربية مشتركة» ستظهر ملامحها في غضون ثلاثة أشهر عبر اجتماعات لرؤساء الأركان في الدول العربية.
ويؤكد الزميل وليد شقير الذي كان مشاركاً بحضوره الإعلامي في هذه القمة ان مصر تمكّنت من تمرير الاجتماعات من دون معضلات سياسية، أما الحكومة المعترف بها في ليبيا فكان لها نصيبها، إذ أكدت القمة دعمها للحكومة وكررت طلبها تسليح الجيش الوطني ونزع سلاح الميليشيات.
هل يستخف <بوتين> بنا؟
واضاف: رغم استمرار المقعد السوري خالياً للمرة الثانية على التوالي، وطغيان الملف اليمني على باقي القضايا العربية المهمة، إلا أن الملف السوري قفز إلى الواجهة في الجلسة الختامية التي شهدت تلاوة رسالة وجهها الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> للقمة أكد فيها «وقوف بلاده إلى جانب مواطني شعوب الدول العربية في طموحاتهم، وكذلك في تسوية جميع القضايا التي يسعون إليها من خلال طرق سلمية من دون تدخل خارجي»، فرد عليها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وتساءل قاصداً بوتين: «هل يستخف بنا؟ كيف يزود نظام الأسد بالسلاح ويتحدث عن حل سياسي للأزمة؟» وأضاف الفيصل: «روسيا جزء من المعاناة التي يعيشها الشعب السوري، والنظام السوري فقد شرعيته>.
التضامن العربي قولاً وعملاً
وترأس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الجلسة الختامية التي شهدت تلاوة الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي «إعلان شرم الشيخ» الذي أكد «التضامن العربي قولاً وعملاً» في التعامل مع التطورات الراهنة التي تمر بها المنطقة والضرورة القصوى لصياغة «مواقف عربية مشتركة في مواجهة التحديات كافة»، مشدداً على أن «التحرك العربي والدولي» في اليمن «سيستمر إلى أن تنسحب الميليشيات الحوثية وتسلم أسلحتها ويعود اليمن قوياً موحداً». وطلب ممثل فلسطين تضمين الإعلان «إنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية»، فأكد السيسي إضافتها.
وأشار العربي إلى أن صيانة الأمن القومي «كانت أهم ما صدر عن هذه القمة»، واصفاً إقرار القوة المشتركة بـ«أنه كان حلماً». وأوضح أنه ستتم خلال شهر الدعوة لاجتماع فريق رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة للدول الراغبة في المشاركة لدراسة جوانب الموضوع كافة واقتراح الإجراءات التنفيذية وآليات العمل» مشيراً إلى أن الاتصالات كانت قد بدأت في سبيل الدعوة للاجتماع.
وبخصوص الملف اليمني، اعتبرت قمة شرم الشيخ أن الأزمة في اليمن ليست «صراعاً بين السنّة والشيعة، وإنما هي أزمة سياسية أدت إلى اللجوء إلى العنف، ولا يجب أن ننساق وراء من يسعون إلى تدعيم النزاع الطائفي>.
القمم العربية برأي البعض كانت تعقد دوماً في ظل الخلافات والصراعات المحلية والاقليمية، حتى انها كانت احياناً سبباً للانقسامات. والكل يتذكر قول الشاعر عمر أبو ريشة في هذا الصدد: خافوا على العار أن يمحى، فكان لهم على الرباط لدعم العار مؤتمر... وقصائد الشاعر العراقي مظفر النواب الساخرة من القمم العربية، لذا يتساءل الكاتب مصطفى عبد الغني: هل مؤتمرات القمة العربية هي لحسم الخلافات العربية والخروج بالقناعات المشتركة للقادة والحكام العرب، أم أن مؤتمرات القمة العربية هي نتائج تفاعلات عربية عديدة المستويات ومختلفة الأطر بحيث يكون الانعقاد هو مجرد إقرار لواقع قائم بالفعل أو بعبارة أخرى: هل انعقاد مؤتمر القمة هو فقط لمجرد الإعلان عن موقف مشترك تمت صياغته أو الموافقة المبدئية عليه بين كل أو غالبية القادة العرب من قبل؟
لــــذا لا بــــد مـــن الإضـــــاءة علــــى أبـــــرز القــــمم العربيـــــة التـــي صدرت عنها مقررات كان لها دورها في مسار السياســـــة العربية والصراعات العربية - الاسرائيلية، ومن أبرز هذه القمم:
مؤتمرا القاهرة والإسكندرية
وفي العودة الى الارشيف القديم للقمم العربية، نجد ان مؤتمر القاهرة كان من اول المؤتمرات التي عقدتها القمة العربية. انعقد هذا المؤتمر بين 13 و16/1/1964 وترأسه الرئيس جمال عبد الناصر وحضره أحمد الشقيري عن فلسطين. ويروي البعض ان الرئيس جمال عبد الناصر كان ينتقل من مكان انعقاد القمة الى مقر إقامته سيراً على الاقدام، وكان يوزع تحياته على الناس، وصودف ان لمح الصحافي اللبناني أحمد شومان الذي كان مشهوراً بانتقاده للرئيس عبد الناصر فقال له: <ازيك يا أحمد؟>، فتأثر شومان من هذه المزايا الاخلاقية التي اتصف بها الرئيس عبد الناصر.
بعد مؤتمر القاهرة، انعقد مؤتمر القمة في الاسكندرية بين 5 و11 ايلول/ سبتمبر 1964 وحضره ملوك ورؤساء جميع الدول العربية. وقد أكملت قرارات هذا المؤتمر قرارات مؤتمر القمة الأول في ما يتعلق بدعم <التضامن والعمل العربي المشترك> وزيادة قوته وفعاليته.
واعتبر البعض ان مؤتمر الاسكندرية كان مؤتمر فلسطين بامتياز، في ظل نشوء الثورة وبداية العمل الفدائي منذ الانطلاقة في 1/1/1965، لذا تركزت قرارات هذا المؤتمر على القضية الفلسطينية ودعم كفاحها المسلح.
مؤتمر الخرطوم: مؤتمر اللاءات الثلاث
عقد هذا المؤتمر في أجواء ضاغطة بسبب هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران/ يونيو 1967، لذا سارع الملوك والرؤساء العرب الى عقد مؤتمرهم الرابع في الخرطوم في 29 آب/ أغسطس 1967 ولم تحضر سورية المؤتمر لاختلافها في وجهة النظر مع الأقطار العربية الأخرى. أكد المؤتمرون وحدة الصف العربي ووحدة العمل الجماعي وإلتزام بلادهم بميثاق التضامن الذي أصدره مؤتمر القمة العربي الثالث.واتفق الملوك والرؤساء على إزالة آثار العدوان وتأمين انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها بعد الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وذلك في نطاق المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الدول العربية وهي: لا صلح، لا تفاوض ،لا اعتراف باسرائيل.... والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه.
مؤتمر القمة الاستثنائي في القاهرة
انعقد هذا المؤتمر في القاهرة في 22/9/1970 إثر تفاقم الأحداث الدامية التي تعرضت لها الثورة الفلسطينية في الأردن.أرسل المؤتمر لجنة لتقصي الحقائق في الأردن برئاسة الرئيس السوداني جعفر النميري. ونتيجة مساعي هذه اللجنة تم إخراج ياسر عرفات من عمان إلى القاهرة حيث تمت مصالحة موقتة بينه وبين الملك حسين، الا ان المفاجأة كانت في وفاة الرئيس جمال عبد الناصر مســــاء اليــــوم نفســـــه نتيجـــــة الجهــــــد الـــــذي بــــذله لمصالحة الاردن مع الفلسطينيين.
مؤتمر القمة السادس في الجزائر
عقد اثر حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 في مدينة الجزائر لتقييم نتائج هذه الحرب من الناحية السياسية. وانعقد هذا المؤتمر في الفترة الواقعة بين 26 و28/11/1973. وقد امتنعت دولتان عربيتان عن الاشتراك فيه هما ليبيا والعراق. واتخذ المؤتمر عدداً من القرارات المهمة منها: اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والإبقاء على الحظر العام بتدريجاته على تصدير النفط العربي.
مؤتمر القمة السابع في الرباط
انعقد هذا المؤتمر في الرباط بين 26 و30/10/1974، وقد حضرته جميع الدول العربية ومنها الصومال التي انضمت إلى جامعة الدول العربية بعد مؤتمر الجزائر.
مؤتمر القمة الثامن في القاهرة
تفاقمت الخلافات العربية بعيد مؤتمر الرباط وتفرد مصر بتوقيع اتفاقية فصل القوات الثانية في سيناء في نهاية عام 1975. وانعكست آثار هذا التفرد على عدد من المسائل العربية المعلقة أو المتفجرة وعلى المسألة اللبنانية بصورة خاصة. وكانت القوات السورية مع نهاية عام 1976 موجودة في لبنان وقد انقسمت الدول العربية بين مؤيد للدور السوري في لبنان ومعارض له. أيد المؤتمر القرارات الصادرة عن اجتماع الرياض السداسي.
قوات الردع العربية
شكلت قوات الردع العربية لحفظ الأمن في لبنان وكان الجيش السوري اساس هذه القوة التي فشلت فيما بعد وانسحبت منها كل من جمهورية اليمن الديموقراطية وجمهورية السودان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
مؤتمر القمة التاسع في بغداد
بمبادرة من حكومة الجمهورية العراقية، عقد في بغداد مؤتمر للقمة العربية في الفترة الواقعة بين 2 و5/11/1978 بعد توقيع اتفاقية <كامب ديفيد>. وقد حضر هذا المؤتمر المهم ملوك ورؤساء جميع الدول العربية أو ممثلوهم باستثناء جمهورية مصر العربية.
وقد اتفق القادة العرب على أنه في حال توقيع اتفاقية الصلح بين الحكومة المصرية والعدو الصهيوني يجتمع وزراء الخارجية العرب في بغداد لاتخاذ التدابير العملية اللازمة لنقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى عاصمة عربية أخرى، وبصورة موقتة، ريثما تتوافر الظروف السياسية المناسبة لعودة مصر إلى حظيرة الأمة العربية، وتعلق عضوية مصر في الجامعة موقتاً للأسباب نفسها.
قمة بيروت 2002 ( مبادرة للسلام)
تعتبر من ابرز القمم العربية والتي اطلق فيها خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله مبادرة السلام العربية، وأقرت القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 هذه المبادرة التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين، وفي المقابل، تقيم الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل.. غير أنه ومنذ عام 2002، ترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تلك الخطة. إلا ان هذه المبادرة مازالت لليوم مدار بحث ومازالت مشروعاً ممكناً للسلام العربي - الاسرائيلي.
ومن القمم الاخرى مؤتمر القمة العربي غير العادي الثالث في الدار البيضاء، المغرب (7 - 9 آب/ أغسطس 1985). مؤتمر القمة العربي غير العادي الرابع في عمّان، الأردن (8 - 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987). مؤتمر القمة العربي غير العادي الخامس في الجزائر، الجزائر (7 - 9 حزيران/ يونيو 1988). مؤتمر القمة العربي غير العادي السادس في الدار البيضاء، المغرب (23 - 26 أيار/ مايو 1989). مؤتمر القمة العربي غير العادي السابع في بغداد، العراق (28 - 30 أيار/ مايو 1990). مؤتمر القمة العربي غير العادي الثامن في القاهرة، مصر (9 - 10 آب/ أغسطس 1990). مؤتمر القمة العربي غير العادي التاسع في القاهرة، مصر (15 آب/ أغسطس 1991) عقدت هذه القمة الطارئة إثر الغزو العراقي للكويت.مؤتمر القمة العربي غير العادي العاشر في القاهرة، مصر (22 - 23 حزيران/ يونيو 1996). مؤتمر القمة العربي غير العادي الحادي عشر في القاهرة، مصر (21 - 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2000). مؤتمر قمة عمان في عمّان، الأردن (27 - 30 آذار/ مارس 2001).
مؤتمر قمة شرم الشيخ في شرم الشيخ، مصر (1 آذار/ مارس 2003). مؤتمر قمة تونس (22 - 23 أيار/ مايو 2004). مؤتمر قمة الجزائر (22 - 23 آذار/ مارس 2005). مؤتمر قمة الخرطوم (28 - 29 آذار/ مارس 2006). مؤتمر قمة الرياض في المملكة العربية السعودية (28 - 29 آذار/ مارس 2007). مؤتمر القمة العربية العشرين في دمشق 29 آذار / مارس 2008، مؤتمر قمة الدوحة (30 - 31 آذار/ مارس 2009). مؤتمر قمة سرت في الجماهيرية العربية الليبية (27 - 28 آذار/ مارس 2010)وسميت قمة صمود القدس.
قمة بغداد ( قمة الازمة السورية)
القمة العربية الثالثة والعشرون هي القمة التي عقدت في بغداد - العراق بين 27 و29 آذار/ مارس 2012. وهي ثالث قمة تستضيفها العاصمة العراقية، بعد قمتي 1978 و1990. وحضرها رؤساء وملوك الدول العربية، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الحكوميين في مختلف الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، و<بان كي مون> الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة. وناقشت القمة العربية الأزمة السورية. وقد تم تأجيل القمة عدة مرات بسبب الاحتجاجات التي تعصف في معظم الدول العربية. وقد قامت الحكومة العراقية بإرسال دعوات لجميع الأعضاء باستثناء سوريا والتي تم تجميد عضويتها في المنظمة.
فهل ستحقق القمم العربية يوماً احلام العرب من المحيط الى الخليج؟