تفاصيل الخبر

قمـــة بيــــروت كرّست حـــق ”العــودة الآمنــة والكريمــة“ للنازحيـــن السوريـيـــن وتأميــن المساعــدات الدوليــة لهـم فـي قـراهـــم لضـمــــان بـقـائهـــم فــي أرضـهــــم!

25/01/2019
قمـــة بيــــروت كرّست حـــق ”العــودة الآمنــة والكريمــة“  للنازحيـــن السوريـيـــن وتأميــن المساعــدات الدوليــة لهـم فـي قـراهـــم لضـمــــان بـقـائهـــم فــي أرضـهــــم!

قمـــة بيــــروت كرّست حـــق ”العــودة الآمنــة والكريمــة“ للنازحيـــن السوريـيـــن وتأميــن المساعــدات الدوليــة لهـم فـي قـراهـــم لضـمــــان بـقـائهـــم فــي أرضـهــــم!

 

إذا كان لبنان قد كسب رهان عقد الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في بيروت على رغم الضغوط التي مورست من الداخل والخارج لتأجيلها أو عدم عقدها كلياً، بصرف النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذه الضغوط، فإن التحدي يبقى أن يتمكن لبنان، الذي يرأس القمة لمدة أربع سنوات، من تطبيق القرارات الـ29 التي صدرت عن القمة، أو معظمها على الأقل، ذلك أن ما <ميّز> القمم الثلاث السابقة هو أن غالبية قراراتها ظلت حبراً على ورق، وكانت تدوّر من سنة الى أخرى، ومن اجتماع الى آخر، وتبقى العبارات نفسها تتكرر من دون طائل.

صحيح أن بعض قرارات قمة بيروت، كما القمم السابقة، يصعب تحقيقها في زمن عربي رديء حيث الخلافات والتجاذبات في ما خص العمل العربي المشترك، لكن الصحيح أيضاً أن عدم تنفيذ القرارات، أو غالبيتها على الأقل، سيجعل ثقة الشعوب العربية بقياداتهم تتراجع على نحو لا تعود هناك من فائدة في اي عمل عربي مشترك. لذلك حرصت دوائر قصر بعبدا على التأكيد أن ترؤس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للقمة الاقتصادية أربع سنوات متتالية، سيكون فرصة حقيقية لملاحقة تنفيذ القرارات وفق آليات بدأت دوائر القصر الجمهوري الإعداد لها بالتعاون مع رئاسة الحكومة والإدارات المعنية. وسيطلب الرئيس عون، كما تقول دوائر قصر بعبدا، تقديم تقارير دورية الى القمم العربية السنوية المعروفة بالقمم السياسية، للتأكيد على الحرص الرئاسي اللبناني على ألا تكون رئاسة لبنان مثل غيرها من الرئاسات في الدورات السابقة.

صندوق للاستثمار التكنولوجي!

وتكفي مقاربة سريعة لقرارات القمة لتبيان أن دول الخليج تبقى الأكثر فعالية في مثل هذه القمم لأنها تبادر دائماً الى تقديم المقترحات وتوفير التمويل لها، كما حصل في قمة بيروت، حيث بادر الوفد الكويتي الى إعلام القمة أن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح دعا الى إنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأسمال قدره 200 مليون دولار أميركي بمشاركة القطاع الخاص، وساهمت الكويت بـ50 مليون دولار من رأسمال الصندوق، وأيدتها دولة قطر بمساهمة مالية مماثلة (50 مليون دولار) أي نصف رأسمال الصندوق. أما في شأن قرارات دعم اليمن وليبيا والصومال فبقيت من دون آلية عملية (خصوصاً بالنسبة الى اليمن وليبيا) باستثناء ما خص دعم التنمية في الصومال حيث تقرر إعفاءه من ديونه الخارجية (العربية) وتقديم دعم مالي عاجل بقيمة 10 ملايين دولار شهرياً لمدة سنة وإيداعه بحساب دعم الصومال المفتوح حالياً في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. أما في شأن تطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واستكمال متطلبات إقامة الاتحاد الجمركي العربي، وتحرير التجارة في الخدمات والتعاون الجمركي، فتبقى على همة الدول افرادياً نظراً لخصوصية كل دولة وانظمتها وقوانينها.

وإذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون قد ركز في كلمته على أهمية قيام السوق العربية المشتركة، فإن تأييد القمة لدعوته يبقى ناقصاً ما لم يقترن ذلك بخطة عمل جماعية وليس من خلال مبادرات ثنائية أو ثلاثية، لكن بالفعل فإن ثمة دولاً عربية آثرت الخيار الثنائي من خلال توقيع مذكرات تفاهم بين بعضها البعض مبررة ذلك باختلاف الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء فيها.

ولم تغب القضية الفلسطينية عن مداولات القمة وقراراتها من زاوية الواقع المالي الصعب الذي تعيشه وكالة <الأونروا> التي طالب المؤتمرون باستمرار تحملها مسؤولياتها في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها في كافة مناطق عملياتها بما فيها القدس المحتلة، إلى ان يتم حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً وشاملاً وفق القرار 194 ومبادرة القمة العربية 2002. وكان تشديد على توفير الدعم التنموي والمعنوي والمالي اللازم لبرامج ونشاطات <الأونروا> العادية والطارئة وزيادة الأموال من الدول المانحة.

 

قضية النازحين السوريين!

وتدل المعطيات التي أفرزتها القمة، إن ملف النازحين السوريين كان <نجم> مداولات المؤتمرين في بيروت انطلاقاً من حرص الجانب اللبناني على أن تصدر من قمة بيروت قرارات في هذا الشأن لمواجهة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على استضافة النازحين السوريين، حيث قررت القمة تكليف الأمانة العامة الدعوة لعقد اجتماع يضم الجهات الدولية المانحة والمنظمات الدولية المتخصصة والصناديق العربية بمشاركة الدول العربية المستضيفة للاجئين - النازحين السوريين، وذلك للاتفاق على آلية واضحة ومحددة لتمويل المشاريع. إلا أن ما أثار النقاش في مجلس وزراء الخارجية والاقتصاد الذي انعقد قبل القمة بيومين، فكانت مسألة توصيف عودة النازحين، إذ دار جدال حول اعتماد صيغة <العودة الطوعية> (التي رفضها لبنان) و<العودة الآمنة والكريمة> التي أصرّ عليها الجانب اللبناني بشدة وكاد أن يثير ردة فعل داخل اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية، فتمّ تعليق هذا البند وترحيله الى المشاورات الجانبية التي استمرت طوال الليل ليخلص النقاش الى تبني التوصيف اللبناني (العودة الآمنة والكريمة) بعد إضافة عبارة <الممرحلة>، على أن تكون هذه العودة الى المناطق التي توقف فيها القتال. ولم يكتفِ الجانب اللبناني بهذه الإشارة الى مسألة النازحين، إذ تمكن من <انتزاع> قرار عربي جامع باسم قادة الدول العربية المجتمعين في بيروت يقضي بـ<العمل على تقديم التمويل المنشود للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين واللاجئين ودعم البنى التحتية>. أما الجديد في هذا الإطار فكان إضافة عبارة <وكذلك تقديم المساعدات للنازحين واللاجئين في أوطانهم تحفيزاً لهم على العودة>. وتقول مصادر مطلعة ان هذه العبارة التي وردت للمرة الأولى في نص يتناول مسألة النازحين، تعني عملياً ضرورة تأمين المساعدات للنازحين السوريين في المناطق السورية، ما يعزز بقاءهم في أرضهم، خصوصاً أن كثيرين من النازحين يفضلون البقاء في لبنان طمعاً بالحصول على المساعدات الدولية، فإذا أصبح بإمكانهم الحصول على هذه المساعدات في أرضهم وممتلكاتهم وقراهم، فإنهم آنذاك سيفضلون البقاء فيها عوضاً عن النزوح الى لبنان للحصول عليها. وتضيف المصادر ان هذه الفقرة التي أصر عليها الجانب اللبناني تشكل سابقة، وأهميتها أنها ستبقى دائمة في كل القرارات التي تصدر عن القمم العربية الى أن تُحل قضية النازحين. لقد كان المطلب الدائم للبنان من المنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات للنازحين، الإقرار بأن ثمة مناطق باتت آمنة في سوريا ويجب عودة سكانها اليها، إلا أن المنظمات الدولية كانت تتجاهل هذه الحقائق وتشجع النازحين على البقاء في لبنان من خلال <تخويفهم> من مخاطر العودة الى سوريا قبل التوصل الى الحل السياسي الذي قد يطول الى أمد غير محدد. من هنا كانت الدعوة الى المجتمع الدولي لدعم الدول العربية المستضيفة للنازحين وإقامة المشاريع التنموية لديها للمساهمة في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الاستضافة. ولا شك بأن الاجتماع المزمع عقده للجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية، سيكون فرصة لوضع هذا القرار موضع التنفيذ وتوفير مقومات التطبيق له.

مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية!

مسألة أخرى حققها لبنان في هذه القمة تمثلت بالمبادرة التي أطلقها الرئيس عون لاعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية حيث دعا الى وضع آليات فعالة تتماشى مع التحديات المطروحة ومع متطلبات إعادة الإعمار، وذلك من خلال تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضررة على تجاوز محنتها، ويسهم في نموّها الاقتصادي المستدام ورفاه شعوبها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ولم يكتفِ الرئيس عون بإطلاق مبادرته بل وضع لها آلية للتنفيذ تنطلق من دعوة المؤسسات والصناديق التمويلية العربية الى الاجتماع في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة هذه الآليات وبلورتها، وسيتولى فريق لبناني متخصص التحضير لهذا الاجتماع كي يؤتي ثماره.

وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة على المبادرة الرئاسية إن إنشاء المصرف أمر يختلف عن الصناديق العربية التمويلية لأن هذه الصناديق متخصصة في تقديم القروض لتنفيذ مشاريع محددة، ومهلتها الزمنية ليست دائمة كما هو الحال بالنسبة الى المصرف الذي يمكنه أن يستقطب تمويلاً كبيراً من خلال امتلاكه إمكانات مالية واسعة وودائع مالية كبيرة، فضلاً عن عمله ككل المصارف الأخرى للاستفادة من خصوصيتها، ولبنان لن يكون بعيداً عن هذا المصرف لاعتبارات عدة، ذلك أن مركزه سيكون في بيروت، ويمكن للبنان أن يستفيد من تقديماته خصوصاً أنه أحد البلدان التي عانت من تداعيات النزوح التي أثرت سلباً على اقتصاده وبنيته التحتية ومؤسساته التربوية والاجتماعية...

إضافة الى ما تقدم فإن قمة بيروت أقرت استضافة العاصمة اللبنانية للدورة الرابعة عشرة للألعاب الرياضية العربية في العام 2021، وطلبت الى الدول الأعضاء تقديم الدعم الطوعي للبنان لتنظيم هذه الدورة في أفضل الظروف وأيسرها.

ولن تقتصر مسؤولية لبنان على استضافة الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، بل سيكون على وطن الأرز تحضير الأجواء المناسبة والتمهيد للدورة الخامسة للقمة التي تستضيفها موريتانيا بعد أربع سنوات أي العام 2022!