تفاصيل الخبر

قمة البيت الأبيض مع القادة الخليجيين ترسم مستقبل المنطقة حتى انتخاب «هيلاري كلينتون » لرئاسة البيت الأبيض

24/04/2015
قمة البيت الأبيض مع القادة الخليجيين ترسم مستقبل المنطقة  حتى انتخاب «هيلاري كلينتون » لرئاسة البيت الأبيض

قمة البيت الأبيض مع القادة الخليجيين ترسم مستقبل المنطقة حتى انتخاب «هيلاري كلينتون » لرئاسة البيت الأبيض

بقلم وليد عوض 

صوّبوا البوصلة على يوم الأربعاء الثالث عشر من أيار (مايو) المقبل. فهو اليوم الذي اختاره الرئيس <باراك أوباما> لقمة البيت الأبيض التي تجمعه بالقادة الخليجيين شركائه في التحالف الدولي لحملة <عاصفة الحزم> ضد انقلاب الحوثيين على hariri-salman-2الشرعية في اليمن، واعتماد لغة القتل والتدمير للسيطرة على مقدرات البلاد، وشركائه أيضاً في التحالف الدولي ضد مجازر <داعش> في العراق.

   ويأتي اختيار هذا اليوم لقمة البيت الأبيض قبل شهر ونصف الشهر من الموعد الذي تنكشف فيه أوراق الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب، وتعرف الدولة الإيرانية المدى الذي سيذهب إليه <أوباما> في رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن إيران، فتستعيد مليارات الدولارات الموقوفة وتحرر اقتصادها المريض من تأثيرات هذه العقوبات.

   في 13 أيار (مايو) المقبل سيكون <أوباما> وجهاً لوجه أمام الشعر القائل: <إذا اشتبكت دموع في خدود/ عرفنا من بكى ممن تباكى>، وحق للقادة الخليجيين أن يختبروا صدقية الرئيس <أوباما> في التعامل مع الملف النووي الإيراني، والأهداف التي يرمي إليها من خلال توقيعه على الاتفاق مع إيران.

   وخطيئة <أوباما> حتى الآن هي انه لم يقدم المبررات التي جعلته يخرج إيران من محور الشر الى مصاف الصديق والحليف الذي سيعتبر هدم الأسوار بين واشنطن وطهران أفضل إنجاز لحكمه الذي مضى عليه حتى الآن نحو خمس سنوات، ويدخل في الخريف المقبل سنته السادسة والأخيرة، ويعزز حظوظ وزيرة  الخارجية السابقة <هيلاري كلينتون> في الوصول الى البيت الأبيض خريف 2016، وتثبيت دعائم الحزب الديموقراطي في السلطة، بعدما اجتاح الحزب الجمهوري مجلسي الشيوخ والنواب.

   ويجد <أوباما> صعوبة في تفسير التحويل لإيران من عدو نووي ومحور شر الى صديق وشريك، رغم التحالف الأميركي مع دول الخليج والأردن ومصر، ويريد بذلك أن يجعل من الولايات المتحدة أنثى متعددة الأزواج، الى جانب العشيق الذي هو اسرائيل. خلطة سياسية صعبة سيتعذر على الولايات المتحدة أن تحافظ عليها بحكم تضارب المصالح، وكل دولة محكومة بمصالحها، قبل أن تكون محكومة بتحالفاتها.

   في 13 أيار (مايو) المقبل يكون على <أوباما> أن يشرح لحلفائه الخليجيين زائد الأردن حدود الاتفاق النووي مع إيران، والضمانات التي سيحصل عليها من الدولة الإيرانية بعدم انتاج القنبلة النووية، وما الذي يمنع إيران مع الوقت من العبور من دولة نووية سلمية الى دول قادرة على صنع القنبلة النووية. وها هي الولايات المتحدة تحاول محاصرة كوريا الشمالية وزعيمها <كيم جونغ أون> مخافة أن تتوصل الى انتاج قنبلة نووية، وهي تملك القدرة على ذلك ولا ينقصها إلا الوقت المناسب. فماذا يمنع إيران أن تكون على صورتها ومثالها؟!

   ومن حق الدول العربية، ولا سيما الخليجية منها ومصر، أن تكون هي الأخرى دولاً نووية براية سلمية. فها هي المملكة السعودية تخطط لإنشاء 16 مفاعلاً نووياً على مدى السنوات العشرين المقبلة بكلفة تتجاوز ثمانين مليار دولار بحيث يبدأ العمل بالمفاعل الأول عام 2022 لسد النقص في قدرات توليد الكهرباء، من ناحية، وشح في الموارد المائية العذبة من ناحية أخرى.

   وعلبة <باندورا> ذات الأسرار الاسطورية موجودة الآن في البيت الأبيض، فمن خلاله يمكن استجلاء مرحلة ما تبقى من ولاية <أوباما> الرئاسية، أي حتى خريف 2016، واستكشاف مخطط الرئيسة المقبلة <هيلاري كلينتون>، وكل المؤشرات تؤكد انها أول فرس سيدخل البيت الأبيض في تاريخ الولايات المتحدة، بعدما ظل هذا البيت حكراً على الجياد أو الرجال، وهل ستختلف <هيلاري> في سياستها الشرق أوسطية عن سياسة <أوباما> باعتبار أنهما في فلك واحد، هو فلك الحزب الديموقراطي، يسبحان؟

   في يوم السبت 13 أيار (مايو) المقبل، تكون <عاصفة الحزم> التي تقودها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها ضد انقلاب الحوثيين في اليمن، قد وصلت الى خواتيمها، إلا إذا دخلت إيران على الخط وزودت الحوثيين بصواريخ متطورة، فعندئذ ستطول المواجهة، ولن تكون حرب اليمن مسألة أسابيع، بل ممكن أن تمد في الزمن. وهذا ما جعل البيت الأبيض يأمر بتحريك حاملة الطائرات الأميركية <تيودور روزفلت> الى منطقة قريبة من باب المندب، للتحكم بمسار المعارك المقبلة، إذا ركب الحوثيون رأسهم ولم يمتثلوا لقرار مجلس الأمن الذي دعا الى وقف المعارك والجلوس الى طاولة الحوار.

Obama-and-Hassan-Rohani

الميزان.. باب المندب!

   وبرغم تظاهر إيران بأنها طالبة حوار ومسعى سلمي في اليمن، ودعوة رئيسها <حسن روحاني> الى مؤتمر دولي من أجل اليمن يغلب لغة العقل على لغة السلاح، فإن ذلك لا يعدو أن يكون خدعة، والحرب عادة خدعة. ولكن تحريك حاملة الطائرات الأميركية <تيودور روزفلت> صوب شواطئ اليمن وباب المندب، الممر الاستراتيجي للنفط الخليجي، هو واحد من علامات الساعة، ساعة استحضار كل الاحتمالات، إذا زادت المواجهة في اليمن شراسة، ومن ذلك إقفال باب المندب إذا اكتشفت إيران بأن حلفاءها الحوثيين بدأوا يلفظون أنفاسهم بعدما أصابت <عاصفة الحزم> مرماها.

   كل هذه المشاهد والاحتمالات ستكون ضمن مباحثات القادة الخليجيين والرئيس <أوباما> في البيت الأبيض يوم 13 أيار (مايو) المقبل، وتنجلي عندئذ صورة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بمعنى انها ستدخل مرحلة جديدة مع إيران كصديق وشريك، ولكن على حساب مَن وعلى حساب ماذا؟ وماذا سيكون عليه مستقبل الأراضي الفلسطينية؟ وهل سيتمسك <أوباما> بالوعد الذي قطعه داخل جامعة القاهرة يوم 10 حزيران (يونيو) 2010 بأن تكون هناك دولة لفلسطين الى جانب دولة اسرائيل؟

   سوف يكتشف القادة الخليجيون من لقاءاتهم مع <أوباما> ان الرجل على خلاف مع رئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتانياهو>، وغير راض عن سياسته وأسلوبه في التعاطي مع الولايات المتحدة، ولكنه ــ أي <أوباما> ــ ليس على خلاف مع اسرائيل، ويعتبر الولايات المتحدة مسؤولة عن أمنها ومصيرها. وسيكتشفون أيضاً ان الشركات الأميركية بدأت تشمر عن زنودها وتحرك حاسباتها الإليكترونية استعداداً للحصول على ورش استثمار في إيران، إضافة الى الصفقات البترولية، ويكشف ذلك رغبة الولايات المتحدة في الامتداد على طول وعرض الكرة الأرضية، كما حاول <أدولف هتلر> أن يفعل عام 1941، وكما حاول الماريشال <جوزف ستالين> أن يفعل عام 1944 بابتلاع أوروبا الشرقية.

مسألة.. هضم!

   يومئذ قام رئيس وزراء بريطانيا <ونستون تشرشل> بزيارة الجنرال <شارل ديغول> بعدما كان قد ترك منفاه في لندن واستولى على مقاليد السلطة في فرنسا، وسمع من مضيفه الفرنسي الكبير عتاباً لبريطانيا والولايات المتحدة لأنهما سمحتا للماريشال <ستالين> بابتلاع هذه المساحات الجغرافية، فأشعل سيجاره وقال باسماً:

   ــ يا سيدي الرئيس. إن <ستالين> الآن أشبه بذئب جائع جغرافياً. ولكن لا بأس من الانتظار.. فإن <ستالين> يحتاج الى هضم وجبته الغذائية الجغرافية.. فانتظر مرحلة الهضم!

   وهذا ينطبق الآن على الولايات المتحدة، بعدما تنتهي مأدبتها النووية مع إيران، وتبدأ في التمدد آسيوياً وافريقياً.. ولكن ماذا عن رحلة الهضم؟! وماذا يكون عليه موقف اسرائيل إذا اكتشفت أن محور الشر الذي هو إيران في نظر الولايات المتحدة قد تحول الى محور صداقة وشراكة؟ وما هو موقف الدول الخليجية إذا اكتشفت ان الولايات المتحدة أصبحت ظهيراً لإيران، وأنها ستحاول التعويض بالنفط الإيراني عن بعض النفط الخليجي؟

   في غمار حرب السنتين في لبنان، توجه العميد ريمون اده عميد حزب الكتلة الوطنية، الى واشنطن، ولما عاد سأله أصدقاؤه: ما الجدوى من التحاور مع الولايات المتحدة، وهي البعيدة عن ساحة الحرب هنا؟ فكان جوابه ان أحد الأشخاص أضاع مفتاح بيته في ظلام الشارع، فانتقل الى مكان قنديل البلدية، ولما سأله أحد المارة عما يفتش، أجابه أنه أضاع مفتاح منزله، فرد السائل قائلاً: <وهل أضعته هنا؟>. أجاب الرجل: <لا.. لقد أضعته هناك.. ولكن هنا يوجد ضوء>.

   ونظر ريمون اده الى صديقه الذي سأله عن مغزى زيارته للولايات المتحدة: هناك يوجد ضوء!

حاملة-الطائراتضوء تحت البحث!

   وعن هذا الضوء يبحث الآن الرئيس سعد الحريري، وهو يتوجه هذا الأسبوع الى واشنطن. فالاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، سينعكس سلاماً بين إيران والرياض، وسيبدأ التفات طهران وواشنطن الى خريطة الشرق الأوسط بدءاً من تموز (يوليو) المقبل، بعدما يكون الاتفاق النووي بين البلدين قد دخل مرحلة التنفيذ، وعندما تمتد الجسور بين طهران والرياض تنحسر أكثر المشاكل في المنطقة، بدءاً من اليمن، وسوريا، والعراق، ثم.. لبنان الذي سينال حصة من المأدبة، لصالح الانتخابات الرئاسية. فهل ستظل إيران متمسكة بمرشح حـــزب اللــــه أي العمـــــاد ميشال عــــون، أم تتجه الى مرشــــح آخر أكثر قبــــولاً عند أكثر الشرائح؟ علماً بأن ميشال عون هو الزعيم الأكثر حظوة عند الشرائح المسيحية.

   في واشنطن يريد الرئيس سعد الحريري أن يعرف طبيعة الحلف الآتي بين واشنطن وطهران، وما هي آثاره على المنطقة ولبنان بصورة خاصة، وفي واشنطن يريد سعد الحريري أن يستكشف ملامح سياسة <هيلاري كلينتون> إذا وصلت الى سدة البيت الأبيض خريف 2016. وفي واشنطن أراد من خلال سفير السعودية في واشنطن عادل الجبير أن يستكشف مفاعيل الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران على العلاقات السعودية ــ الإيرانية، وعلى القوة العسكرية العربية التي هي في طور التشكيل وفقاً لميثاق الجامعة العربية.

   باحث عن الضوء في الظلام الدامس الذي يلف المنطقة..

   وحين استقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يوم الاثنين الماضي في قصره الملكي أراد الرئيس الحريري أن يحقق أمرين: الأول شكر السعودية على وصول الدفعة الأولى من صفقة الأسلحة الفرنسية الممولة من السعودية الى لبنان، تحت مظلة وزير الدفاع الفرنسي <جان ايف لودريان>، والثاني أن يتزود برؤية الملك سلمان للمرحلة المقبلة، خصوصاً وهو خبير في اتجاهات السياسة الأميركية ومن هذه الرؤية مصير سوريا!

   وبعد سكون <عاصفة الحزم>احبسوا أنفاسكم حتى 13 أيار (مايو) المقبل!