بقلم وليد عوض
العالم كله منتظم في معركة مكافحة الارهاب، حتى يمكن أن تسمى الحرب العالمية الثالثة. وقد رفع الرئيس الأميركي <باراك أوباما> راية هذه المعركة بإعلانه تقديم ثمانية مليارات و800 مليون دولار لمكافحة تنظيم <داعش> في أي مكان يوجد فيه. ورئيس وزراء اليابان <شينزو آبي> يعطي الضوء الأخضر للجيش الياباني للمشاركة في عمليات قتالية ضد الارهاب في الخارج لمساعدة من يتعرض لهجوم ارهابي من حلفاء اليابان، وهو أكبر تحوّل في السياسة العسكرية اليابانية منذ إعادة تجميع القوات المسلحة اليابانية قبل ستين عاماً بعد هزيمة اليابان أمام جيش الجنرال الأميركي <دوغلاس ماك آرثر> وقنبلتين ذريتين في <هيروشيما> و<نكازاكي>.
وديعة الإرهاب في الأردن
وجاء هذا التحول في الاستراتيجية العسكرية اليابانية بعد نشر <الفيديو> الذي يمثل أحد مقاتلي <داعش> بالخمار الأسود يقطع رأس الصحافي الياباني <كنجي غوتو> بسكين حادة بعدما جرى احتجازه في سوريا، إضافة الى مشهد قطع رأس الياباني الثاني <هارونا يوكاوا>، وكان الاثنان في سوريا.
وكان الأردن في وسط تلك المعمعة لأن <داعش> أرادت المفاوضة على رأس الياباني الثاني <كنجي غوتو> ورأس الطيار الأردني معاذ الكساسبة، مقابل الإفراج عن الارهابية العراقية ساجدة الريشاوي نزيلة السجن الأردني منذ عام 2005، عندما جرى القبض عليها بتهمة تفجير ثلاثة فنادق، وكان أحد ضحاياها المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد وكريمته ريما المتزوجة من رجل الأعمال اللبناني ابن طرابلس زياد المنلا.
والارهابية العراقية ساجدة الريشاوي التي نفذ فيها حكم الإعدام صباح أمس الأول الأربعاء ليست بهذه الأهمية عند تنظيم <داعش>، وإنما اختارها التنظيم ورقة للمفاوضة في سبيل الحصول على مساحة إعلامية في العالم المتخوف من موجات الارهاب. وحتى الآن لم يقل تنظيم <داعش> انه يطلب مالاً مقابل الإفراج عن الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، إلا ان طلب الفديات ليس مرغوباً عند الرئيس <باراك أوباما>، بدليل انه لم يمتثل لطلب الفدية مقابل إفراج <داعش> عن الصحافي الأميركي <جيمس فولي>، وترك <داعش> يذبحه بالسكين!
كذلك استنكرت الإدارة الأميركية إقدام الحكومة الفرنسية على دفع مبلغ 30 مليون دولار لارهابيين تابعين لتنظيم <القاعدة> في النيجر لاطلاق سراح صحافي فرنسي، رغم ان الدولة الفرنسية استعانت بطرف ثالث لدفع الفدية ولم تدفعها هي مباشرة.
ويقول ديبلوماسيون أميركيون ان دفع الفدية فتح الباب واسعاً امام ابتزاز المنظمات الارهابية، بحيث تمكنت <داعش> و<القاعدة> في سوريا من جمع فديات بقيمة 120 مليون دولار استخدمتها في شراء المزيد من الأسلحة والأعتدة والمواد الغذائية، ولذلك تستمر العمليات الارهابية ولا ينقطع دابرها.
سيف بن نايف ضد الارهاب!
إنه الارهاب يتمدد في العراق، وحتى الآن لم تستطع طائرات التحالف الأميركي ــ الأوروبي أن تنهي وجود تنظيم <داعش> الذي تبلغ مساحة الأراضي التي يحتلها بين العراق وسوريا أكثر من مساحة فرنسا مجتمعة. ومن نعم الله على لبنان أن تنظيم <داعش> حدد مملكة خلافته بدولة العراق والشام، وإن كان يعتبر ان كلمة <الشام> تشمل لبنان أيضاً، ومن هنا كانت شائعة تولية الشيخ أحمد الأسير على ولاية لبنان، ثم انطفأت الشائعة كرغوة في الماء.
والارهاب دق على أبواب السعودية من جهة اليمن، ولكن وزير الداخلية وولي ولي العهد الجديد الأمير محمد بن نايف استطاع بأجهزته الأمنية الحدودية بأعلى درجات الكفاءة أن يسد عليه الطريق. وما اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للأمير محمد بن نايف ليكون ولي ولي العهد، ومن الجيل السعودي الثالث، إلا تقديراً للكفاءة التي أبداها في مواجهة العمليات الارهابية.
وهناك من يرى ان هناك تحالفاً أمنياً غير منظور بين السعودية والأردن ومصر لكسر شوكة الارهاب. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صريحاً وصادقاً مع شعبه حين قال إن المعركة مع الارهاب طويلة ولا سقف زمنياً لها. وفي مواجهة هذا الارهاب الذي أسقط ثلاثين قتيلاً بين رجال أمن ومدنيين شمالي سيناء، واجهت الأجهزة الأمنية المصرية بؤراً تكشف تورط كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة <حماس> في عمليات تفجير سيناء، وإن كان جماعة <حماس> ينفون هذا الاتهام. ومجاورة غزة لمدينة رفح عبر الأنفاق، لا تعني في نظرهم التورط في ما تواجهه السلطات المصرية من اضطرابات أمنية في سيناء.
إلا ان دمغ السلطات المصرية لحركة <حماس> بالإرهاب يحصر علاقة مصر مع القضية الفلسطينية بالسلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس وبحركة <فتح> ذات الصلة المتقادمة العهد مع مصر منذ مؤسسها الراحل ياسر عرفات، ويخلق ارتباكاً بين حركة <حماس> وعدد من البلدان العربية ومنها لبنان وتونس. فالأول كان الحاضنة الأولى للفلسطينيين، والثانية كانت الحاضنة الثانية، وكما استشهد قادة فلسطينيون في لبنان مثل كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار، كذلك استشهد قادة فلسطينيون مثل صلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) وأبو محمد العمري (فخري العمري)، في تونس على أيدي المخابرات الاسرائيلية.
وليكن هناك اعتراف بأن الحل الوحيد لقطع دابر الارهاب في العراق هو نزول قوات أميركية وأوروبية وعربية الى أرض العراق، تحت قيادة موحدة، لمساعدة الجيش العراقي في مطاردة البؤر الإرهابية، وبغير هذا الحل سيبقى حبل <داعش> والارهاب طويلاً، ولا قدرة جوية على قطعه.
رئيس لاحتفال لبنان الكبير!
ونحن في لبنان، بعدما ذقنا الكثير من موجات الارهاب، بدءاً من استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عام 2005، واستشهاد قطب <المستقبل> السفير السابق محمد شطح، والوزيرين السابقين باسل فليحان وبيار أمين الجميّل، واستشهاد ركاب الحافلة الآتية بلبنانيين من زيارة السيدة رقية وإعلان <جبهة النصرة> مسؤوليتها عن هذه الجريمة، واقعون شئنا أم أبينا، وسط دائرة هذا الارهاب، ولا سبيل أمامنا لمواجهة الخطر الارهابي سوى بحلين لا ثالث لهما: الأول تكامل المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للبلاد، يكون جاهزاً للاحتفال اللبناني ــ الفرنسي الكبير في صيف عام 2020 بمئوية ولادة الجمهورية اللبنانية في قصر الصنوبر عام 1920 بحضور الجنرال <غورو> والبطريرك الياس الحويك والمفتي الشيخ مصطفى نجا، والثاني أن يكون هناك مزيد من التماسك بين المكونات والأطياف اللبنانية وخصوصاً بين <تيار المستقبل> وحزب الله اللذين أنهيا يوم الثلاثاء الماضي جولة الحوار الخامسة برعاية الرئيس نبيه بري في قصر عين التينة، دون أن تفسده طلقات الرصاص التي سادت شوارع بيروت يوم خطاب السيد حسن نصر الله.
وأنا بتكويني المهني أرفض أن أجزئ الأمر بين سني وشيعي، فهي مقولة مردودة ومستنكرة، لأن العائلات السنية متصاهرة مع العائلات الشيعية وبالعكس، والنبي واحد، والوطن واحد. وإزالة صور القادة في حزب الله وفي حركة <أمل> من أعالي الجسور والجدران مقدمة لتحاشي كل احتكاك، كما ان السيد حسن نصر الله هو القائل: <من يطلق رصاص الابتهاج أو الحزن كأنه يطلقه على صدري أنا شخصياً>. وأظن أن الرسالة وصلت الى من يعنيهم الأمر.
وبالنسبة لرئاسة الجمهورية هناك شعاع آتٍ من السعودية. يمكن أن يكون باب الفرج، وهذا الشعاع هو حرص الملك سلمان بن عبد العزيز على استقرار بلده الصديق لبنان، وأغلب الظن أن الاتصالات الجارية مع إيران في الكواليس، تهيئ المناخ المطلوب لمجيء رئيس جديد للبنان، برغم المقولة الإيرانية التي جرى إبلاغها للمبعوث الفرنسي <جان فرانسوا جيرو>، وهي ان رئاسة الجمهورية شأن ماروني أولاً وأخيراً في لبنان، وإيران تدعم ما يتفق عليه المسيحيون والمسلمون.
قلها يا <جيرو>
وفي جيب <جان فرانسوا جيرو> الاسم التوافقي المطلوب لقصر بعبدا، على رغم نكرانه للتبشير بأي اسم. وعودته من جديد الى لبنان لا تأتي من فراغ، وإنما تشبه مجيء <روبرت مورفي> باسم اللواء فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية صيف 1958، وتشبه مجيء <ريتشارد مورفي> المبعوث الأميركي الآخر صيف 1988، وفي جعبته اسم الشيخ مخايل الضاهر الذي قطعت عليه القوات اللبنانية الطريق، وكان على مؤتمر الطائف نهاية صيف 1989 بأن يأتي بالرئيس الجديد رينيه معوّض، ومن بعده الرئيس الياس الهراوي.
في لغة البنوك هناك تعبير اسمه <جيرو>، أي تجيير حساب أو رصيد، و<جان فرانسوا جيرو> هو الآن حامل الوديعة التي هي اسم رئيس الجمهورية.
فهل يكتمل المشهد قبل حلول الصيف المقبل، أم تبقى الأزمة تجرجر أذيالها حتى أيلول (سبتمبر) 2015، وهو شهر تنصيب رؤساء الجمهورية في لبنان؟
قلها يا <جيرو> و.. خلصنا!