تفاصيل الخبر

”كلن يعني كلن“ تنهي الحرب التي لم ينهها ”الطائف“!

25/10/2019
”كلن يعني كلن“ تنهي الحرب التي لم ينهها ”الطائف“!

”كلن يعني كلن“ تنهي الحرب التي لم ينهها ”الطائف“!

بقلم  خالد عوض

 

انها حكومة خسارة كل ما تبقى من ثقة في الطقم السياسي الذي حكم لبنان منذ أيام الحرب. حقيقة، من الصعب فهم كيف يمكن لحكومة أطلقت على نفسها عنوان <إستعادة الثقة> أن توصل لبنان إلى ما أصبح عليه اليوم. بغض النظر عن مطالب الناس في الشارع هناك أمور لن يستقيم معها مستقبل البلد مهما اخترعوا من أوراق إصلاحية. هذه الأوراق أصبحت أساسا دليل إدانة أكثر منها وسيلة خلاص لأنها اثبتت أن الحكومة وكل عناصرها، من دون إستثناء، كانوا غير جديين في أي حل. فكيف يمكن أن يوقع رئيس الجمهورية، القوي، موازنة مختلفة كل الإختلاف، إقتصاديا وماليا ورؤيويا، عن موازنة سبق ووقع عليها منذ أقل من شهرين فيها ما فيها من أبواب الهدر والفساد؟ هل ان الوعي الفجائي الذي أصاب الحكومة والعهد ناتج فقط عن ضغط الناس؟ أم أنه الخوف من أن تفتح أبواب السجون لكل هؤلاء؟

لن تكون المظاهرات الحالية آخر مرة سينزل فيها اللبنانيون إلى الشارع. وربما لن تينع براعم الثورة الحالية كما تشتهي أكثرية اللبنانيين، وهذه إحدى ضرائب الثورات العفوية. ولكن الأكيد أن هيبة الزعماء اللبنانيين، كلهم، سقطت. والخطاب الطائفي الذي تبادلوه لسنوات وعقود حتى تستمر سيطرتهم أصبح شبه خاو من أي معنى. حتى السلطات الدينية خائفة مما يحصل لأنه يهدد كل نفوذها في الحياة السياسية اللبنانية.

 

<كلن يعني كلن>.. ظالمة؟

 

<كلن يعني كلن> جذورها عميقة.

حزب الله الذي، ربما ظل بعيدا عن السرقات أو الفساد، بقي متصالحا مع الفاسدين والسارقين وحماهم في أحيان كثيرة حتى يحافظ على كيانه الإستثنائي. حتى أن الأمين العام السيد حسن نصرالله وعد منذ سنة ونصف السنة جمهوره وكل اللبنانيين بالتصدي للفساد على أنه أولوية وكلف النائب حسن فضل الله متابعة مسألة مكافحة الفساد. النتيجة صفر بل تحت الصفر. منذ أن شارك الحزب في الحكومات المتعاقبة عام ٢٠٠٥ والفساد من سيئ إلى أسوأ و<على عينك يا حزب الله>. لا يمكن تبرئة حزب الله من وصول البلد إلى مستنقع الإنهيار الإقتصادي الذي هو فيه. ربما لا يستحق نوابه ووزراؤه أن يذهبوا إلى السجن ولكنهم بالتأكيد لم يعودوا مؤهلين لإدارة شؤون الناس ويجب أن تكون وجهتهم إلى ..البيت.

العماد عون وتياره كان له حصة الأسد في معظم حكومات لبنان بعد عام ٢٠٠٥، بل قام بإنقلاب كبير عام ٢٠١١ عندما كان الدين العام أقل من أربعين مليار دولار والنمو الإقتصادي يزيد عن ٧ بالمئة تحت ما يسمى <شهود الزور> في المحكمة الدولية. يومها وعد الوزير جبران باسيل بالكهرباء ٢٤ ساعة على ٢٤ خلال ٣ سنوات، كما تبارى أعضاء تيار الإصلاح والتغيير في طمأنة اللبنانيين بنهج جديد لا مكان فيه للفساد. النتيجة هي نمو صفر في كل الحكومات التي كان فيها للتيار الوطني الحر الوزن الأكبر، ودين عام يزيد عن ثمانين مليار دولار أي أكثر من ضعف المستوى الذي كان عليه قبل أن يستلم التيار مفاتيح الحكم.

الحزب التقدمي الإشتراكي يحير، ليس لأنه منغمس بالفساد بل لأنه يجاهر بالعفة. بعيدا عن التوريث السياسي والإحتراف في إستخدام العصب المذهبي، الحزب كان شريكا في كل حكومات ما بعد <الطائف> أي حكومات الوحدة الوطنية التي يقول

عنها اليوم الوزير السابق وليد جنبلاط أنها لا تنتج، ثم يقول أنه لا يمكنه أن يتعايش مع الفساد. بالأرقام فإن الحزب الاشتراكي هو أكثر طرف <تعايش> مع الفساد الحكومي وتساير معه وربما نال ما نال منه منذ إنتهاء الحرب.

القوات اللبنانية واضحة جدا في كلامها وغير واضحة نهائيا في أفعالها. لا يمكن أن تكون جزءا من الحكومة ثم تنقلب على الموازنة فولكلوريا في مجلس النواب. لو إستقال وزراؤها من الحكومة الأولى للعهد لكان ربما لديها بعض، وبعض قليل، من الصدقية. مثلها مثل حزب الله: إذ لا يكفي أن يكون وزراؤها اكفاء وغير فاسدين حتى تصبح خارج <كلن يعني كلن>. فالخروج من هذه التهمة يستوجب الخروج من التحالفات مع الفاسدين، وهذا ما لم تفعله القوات بل ها هي اليوم تطالب بعودة الرئيس سعد الحريري على رأس حكومة جديدة مع العلم أن رئيس الوزراء أو على الأقل معظم المحيطين به هم من أخبر الناس في الفساد والإفساد منذ ٢٠٠٥ وحتى اليوم. هذا بالإضافة أنها تقول عن نفسها أنها صاحبة الفضل الأول في وصول العهد أي أنها صاحبة الفضل الأول في الخراب الذي وصلنا إليه. ومقولة <لم نكن نعلم..> هي عذر أقبح من ذنب.

مشكلة سعد الحريري أنه حمى خياراته السياسية التي جاءت مناقضة لكل مواقفه بشعار <بدنا نحمي البلد> و<بخسر أنا بس ما يخسر لبنان> وإلى ما هناك من عناوين <مازوشية> لخيارات وأحلاف فاشلة كان كل همها تغطية الفاسدين من حوله والسماح لهم بالعبث أكثر بمقدرات البلاد تحت عباءة... التسوية. يكفي الإطلاع على ثروات المقربين والمقربين <جدا> من رئيس الحكومة والمخالفات التي قاموا بها حتى يتبين مدى ضلوع رئيس الحكومة بمنظومة الفساد.

الكلام عن حركة <أمل> يمكن أن يبدأ في أي منطقة في لبنان ولكنه لن ينتهي في الجنوب. منظر بعض الدراجات منذ أيام والتي حمل سائقوها أعلام <أمل> وسوابق هؤلاء في الحراكات السابقة يدل على الكثير. منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري ظل الرئيس بري الرقم الصعب في التسويات السياسية التي لم تكن لتنجح من دون صفقات تصب أولا وأخيرا في خانة حركة <المحرومين>. معارك معامل الكهرباء خلال السنوات الأخيرة وكيف إستفاد منها أصحاب المولدات تضاف إلى الدلائل والبراهين في عدم بعد <أمل> عن خزعبلات الفساد.

كل الأحزاب الأخرى التي شاركت في الحكومات متورطة بشكل أو بآخر ، إما سقوطا في الفساد أو سكوتا عنه. المردة، الكتائب، الحزب السوري القومي الإجتماعي، الطاشناق، كلهم إما شهود زور أو <حراميي>، فهم شهدوا على تقطيع الجبنة ولم يتكلموا بل ربما أكلوا بعض الفتات في مرات كثيرة.

<كلن يعني كلن> يمكن أن تكون ظالمة لكثيرين ولكن العدل المطلق ليس موجودا في بحر الثورات. سيظلم البعض ويضافون إلى قائمة لا يستحقون أن يكونوا فيها ولكن ضريبة التغيير كباقي الضرائب ليست مدرسة في الإنصاف مهما حاولت أن تبدو عادلة.

<كلن يعني كلن> تعني أن هناك أملاً حقيقياً بأن تكون الحرب اللبنانية قد انتهت فعليا في ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩ لأنها لم تنته مع <الطائف>.