تفاصيل الخبر

كلمة السر "المعايير الموحدة" في التشكيل ... ومن دونها لا حكومة قريباً!

23/12/2020
كلمة السر "المعايير الموحدة" في التشكيل  ... ومن دونها لا حكومة قريباً!

كلمة السر "المعايير الموحدة" في التشكيل ... ومن دونها لا حكومة قريباً!

           

[caption id="attachment_84208" align="alignleft" width="333"] الرئيس سعد الحريري في بكركي للقاء الراعي .[/caption]

يبدو أن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أدرك خطورة البقاء من دون حكومة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وانعكاس ذلك على الوضع العام من جهة، وعلى وضع رئاسة الجمهورية من جهة ثانية. لم يكتف بعظات الأحد وكلمات في المناسبات الدينية حملت اكثر من تنبيه وتحذير، بل انتقل الى مرحلة المبادرة فطلب من الرئيس المكلف سعد الحريري ان يزور بكركي، فلبى الرئيس المكلف الدعوة واستمع الى "عرضه" عن الأسباب التي حالت دون تشكيل الحكومة نافياً ان يكون "احتكر" تسمية الوزراء المسيحيين، كاشفاً انه اختار من بين الاسماء التي قدمها له الرئيس ميشال عون، اربعة اسماء للتوزير، وملقياً على رئيس الجمهورية تبعة "عرقلة" ولادة الحكومة الجديدة. الا ان الرئيس الحريري لم يشأ ان تكون زيارته لبكركي من دون متابعة، فاقترح ان يزور البطريرك قصر بعبدا ويبلغ سيد العهد بأنه على استعداد للبحث في تعديل الصيغة المقترحة ضمن "الضوابط" التي حددها اي حكومة اختصاصيين غير حزبيين يلتزمون المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لدى زيارته بيروت غداة انفجار المرفأ....

 سارع البطريرك الراعي الى طلب موعد لزيارة بعبدا، فاستقبله الرئيس عون في اليوم التالي لزيارة الحريري ووضعه في صورة ما دار بينه وبين الرئيس المكلف وما قاله له من صعوبات واجهت التشكيلة التي اقترحها على الرئيس عون الذي رد موضحاً الكثير من النقاط التي التبست على البطريرك لاسيما موضوع تسمية وزراء مسيحيين من قبل الرئيس الحريري وعدم قبوله بأن يسمي رئيس الجمهورية وزيراً مسلماً في الحكومة! لاحظ البطريرك ايضاً من خلال شروحات الرئيس عون ان الشكوى ايضاً تتعلق بعدم وجود توازن في توزيع الحقائب على المسيحيين والمسلمين والميزان يميل الى الوزراء المسلمين في وزارات حساسة وخدماتية واساسية، وانه لا بد من اعتماد معايير واحدة تأخذ في الاعتبار العدالة في توزيع الوزارات على المسلمين والمسيحيين لاسيما وان اتفاق الطائف نادى بالمناصفة.... طال الحوار بين الرئيس والبطريرك وخلاصته ضرورة حصول لقاء بين الرئيس عون والرئيس المكلف لجلاء كل الملابسات التي تعيق تشكيل الحكومة، اراد البطريرك ان يتم اللقاء في اليوم نفسه لزيارته للاتفاق على الحكومة واعلانها قبل عيد الميلاد، لكن الرئيس عون قال له انه سيلتقي الحريري في بضعة ايام.

 عاد البطريرك الى بكركي ليستقبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي كان تلقى دعوة من البطريرك لزيارته قبل ان يصعد البطريرك الى بكركي. في هذا اللقاء الذي اعتبرته الاوساط السياسية مهماً جداً لأن فيه مفتاح حل الازمة الحكومية، حصل نقاش معمق في الملف الحكومي وفي ضرورة الحفاظ على "الشراكة الوطنية" وكان البطريرك حريصاً على "استنطاق" باسيل "نقطة نقطة" لاسيما وان رئيس "التيار" متهم بعرقلة تشكيل الحكومة و"بالضغط" على عمه رئيس الجمهورية لعدم التجاوب مع رغبات الحريري الذي كان شكا الى البطريرك "تدخلات" باسيل في عملية التشكيل بقصد وضع العصي في دواليب التشكيلة المقترحة، علماً  ان الحريري كان ميّز امام البطريرك بين علاقته "الجيدة" بالرئيس عون، و"السيئة" مع باسيل الذي يتدخل في كل شيء من اجل ان يقول انه "الحاكم " الفعلي في الرئاسة الاولى.

هذا ما دار بين البطريرك وباسيل

[caption id="attachment_84219" align="alignleft" width="375"] الرئيس ميشال عون يستقبل البطريرك بشارة الراعي.[/caption]

واهتم المراقبون بما دار بين البطريرك وباسيل نظراً لدور رئيس " التيار " في مسار الاحداث. والمعلومات المتوافرة تشير الى انه في ما يتعلق بعملية التأليف اكد رئيس "التيار الوطني الحر" بالوقائع ان الحريري سمى الوزراء المسيحيين في التشكيلة  التي حملها الى قصر بعبدا، بما يعاكس تأكيدات الاخير بأن الاسماء التي ضمنها تشكيلته انتقاها من لائحة قدمها اليه رئيس الجمهورية في وقت سابق. وشدد على ان عون "لم يسلم الحريري اي اسم، وهو اتى على ذكر اسماء مؤهلة للتوزير في معرض اللقاءات مع الرئيس المكلف، فما كان من الاخير الا ان اختار بعضها، معتبراً ان الرئيس هو من طرحها". باسيل اشار الى ان الامر "لا يتعلق بالاسماء المطروحة، وبعضها قد يكون جيداً، انما بمرجعية الدستور الذي تنص المادة 53 منه على ان رئيس الحكومة يشكل الحكومة مع رئيس الجمهورية، لا ان يسمي رئيس الحكومة التشكيلة ويحملها الى رئيس الجمهورية للبصم". ولفت ايضاً الى ان "ما يجري حالياً هو محاولة ازالة صفة رئيس الدولة عن رئيس الجمهورية وتحويله الى رئيس لجمهورية التيار فقط، عبر حصر الحديث معه بجزء من حصة المسيحيين بدل ان يكون له دوره المحوري، ورأيه في كل الاسماء من كل الطوائف، وفي التوزيع الوزاري، وشراكته الكاملة في التشكيل الحكومي التي لا تقتصر على حصة فحسب، وفي هذا ضرب لمنطق الشراكة ولموقع الرئاسة". كما ان "محاولة لضرب ما ثبتناه سابقاً من ان لرئيس الجمهورية في الحكومة حصة لا علاقة لها بالحزب الذي يرأسه". وهنا سأل باسيل الراعي : "سيدنا لقد تعبنا كثيراً بعد الطائف لنعيد تثبيت الشراكة، فهل تريدون ان نتنازل عن حقوق المسيحيين"؟ فأجابه الراعي فوراً "أوعا"!.

 المصادر نفسها اكدت ان الراعي "كان متفهماً للوقائع التي قدمها باسيل، ومتفاجئاً من انها جاءت مغايرة لما كان الحريري ابلغه به، وهو طلب من باسيل ان يصارح الرأي العام بأن التيار لا يتمسك بأي حقيبة او بالمشاركة وانه لم يطلب الثلث المعطل".

ووفق المصادر فإن سؤالاً يشغل بال بكركي مفاده : اذا كان التيار والقوات خارج الحكومة التي يرجح ان تبقى الى نهاية العهد، بيد من سيكون الحكم في حال تعذر انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون؟ لذلك بحسب المصادر "جرى نقاش مستفيض في اهمية تثبيت المشاركة المسيحية الكاملة في الحكم، وعدم التفريط بما حصله المسيحيون في السنوات العشر الاخيرة من مناصفة كاملة، بما يمنع العودة الى ممارسة منقوصة عانوا منها سابقاً، من شأنها ان تطيح بالحقوق وتكرس اعرافاً بذلوا جهوداً جبارة للخروج منها".

بعد اللقاء مع باسيل، تابع البطريرك تحركه فطلب الى الحريري ايفاد مستشاره الوزير السابق غطاس خوري الذي زار بكركي واستمع من البطريرك الى "وجهة نظر" النائب باسيل ونقلها الى الحريري الذي زار بعبدا وتباحث مع الرئيس عون في الملف، والعنوان الابرز كان ضرورة اعتماد معايير واحدة في تشكيل الحكومة لاسيما لجهة توزيع الوزارات على الطوائف، وتقسيم هذه الوزارات وفق الاهمية، ومن دون هذه المعايير الموحدة التي تكرس العدالة والشراكة سيكون من الصعب ولادة الحكومة الجديدة.

في أي حال، لا تزال عملية التشكيل شبيهة بلعبة كرة الطاولة يقذفها الرئيس عون صوب الرئيس الحريري الذي يردها الى ملعب رئيس الجمهورية... ومثل هذه اللعبة من الصعب ان تتوقف إلا عندما يقرر احد اللاعبين الخسارة امام اللاعب الآخر، او في أحسن الاحوال التساهل من أحد اللاعبين لمصلحة أحدهما!.