تفاصيل الخبر

كل لبنان في ذكرى أمير البيان شكيب أرسلان  

23/09/2016
كل لبنان في ذكرى أمير البيان شكيب أرسلان   

كل لبنان في ذكرى أمير البيان شكيب أرسلان  

 

5-(2)---------2 تظاهرة وطنية حاشدة من أول باب أطلت من بلدة المختارة يوم الأحد الماضي في احتفال بافتتاح مسجد الأمير شكيب أرسلان، تزامناً مع الذكرى الثالثة لغياب الأميرة مي أرسلان كريمة أمير البيان الأمير شكيب أرسلان، ووالدة وليد جنبلاط، وكان الاحتفال برعاية وحضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي وصل الى المختارة تحت اللافتات المرحبة بحضوره، واستقبله عند المدخل الزعيم وليد جنبلاط يحيط به نجلاه تيمور وأصلان وخالته الأميرة ناظمة أرسلان والنائب طلال أرسلان وأصحاب الفضيلة مفتو المناطق وقضاة الشرع وعلماء دار الفتوى.

وقد شارك في الاحتفال النائب علي بزي ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري على رأس وفد، ورئيس كتلة <المستقبل> فؤاد السنيورة، والنائبة بهية الحريري ممثلة الرئيس سعد الحريري، وعبد الإله ميقاتي ممثلاً الرئيس نجيب ميقاتي، وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، والآباتي سعد نمر ممثل البطريرك الماروني بشارة الراعي، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ممثلاً نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، ووزيرا الزراعة والصحة العامة أكرم شهيب ووائل أبو فاعور، والنواب مروان حمادة وغازي العريضي ومحمد الحجار ودوري شمعون وجورج عدوان ونعمة طعمة وايلي عون، وعلاء الدين ترو، وهنري حلو، وفؤاد السعد وأنطون سعد، والوزراء والنواب السابقون أيمن شقير، فيصل الصايغ، صلاح حركة، غطاس خوري، خالد قباني، وزاهر الخطيب، والشيخ حسين شحادة ممثلاً السيد علي حسين فضل الله، ورئيس المحاكم الدرزية القاضي فيصل ناصر الدين.

دارة مي جنبلاط المؤتمنة على التراث

5-(11)-------5

وكان لوليد جنبلاط، بعد آيات من الذكر الحكيم التي تلاها الدكتور محمد البيلي ابراهيم، كلمة استحضر فيها تاريخ المختارة بقوله: ثلاث سنوات مرت على رحيل صاحبة الدار المرحومة مي أرسلان جنبلاط، وعادت الى الدار، دار المختارة بعد استشهاد المعلم كمال جنبلاط عام 1977، فكانت الحارس المؤتمن على التاريخ والتراث والمصير.

وقال وليد جنبلاط في وصف السيدة الراحلة: <لقد تمتعت بالرأي الثاقب والصريح، فحمت المختارة في أقسى الظروف السياسية والعسكرية. وقفت إلى جانبي ولم تتوانَ عن تقديم النصيحة السديدة وتصحيح هفواتي عند إقتضاء الأمر. من خلالها، صمدت المختارة في وجه الأعاصير>.

ومضى وليد جنبلاط في الحديث عن مي أرسلان جنبلاط: <لقد آمنت بحرية الشعوب، رافضة الاستعمار بأي شكل من الأشكال، وفي طليعتها شعب الجزائر وشعب فلسطين، فسارت على خطى الأمير شكيب. وأنا أذكر غضبها واستنكارها لخطف المناضل العربي الكبير المهدي بن بركة، كذلك آمنت بتحريرِ المرأة من القيود الإجتماعية والفكرية التي تكبّلها، ورفضت سجنها في إطار من الموروثات القديمة التي تعيق قدرتها على تأدية دورها كاملاً في المجتمع بعيداً عن التقوقع والإنغلاق.

وعن العالم العربي قالت مي أرسلان جنبلاط في لحظة من لحظات الصفاء النادرة كما يروي وليد جنبلاط، بعيداً عن موجات الألمِ في المستشفى: <لا أريد أن أسمع عن هذا العالم العربي الذي باتَ مليئاً بالمجرمين والقتلة>، محذرةً من مخاطر استغلال الدين ومدركة درجة التخلف الفكري الذي وصلنا اليه.

 

المفتي دريان وسيرة الأمير شكيب

5-(23)-----3

وفي كلمته الجامعة في باحة المسجد الذي بناه المهندسان مكرم القاضي وزياد جمال الدين، كان لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان انحناءة على تاريخ الأمير شكيب أرسلان الذي صلي عليه داخل الجامعالعمري الكبير في بيروت فقال:

< منذ العقدين الأوّلين للقرن العشرين، كان لقب (أمير البيان) قد صار ملازماً للأمير شكيب أرسلان. والبيان، يتناول الشّعر والنّثر، كما يتناول القدرة على التصرف في الفنون الأدبية والتاريخيّة، خطابةً وكتابةً وترسّلاً وتأليفاً، ولكن منذ عشرينات القرن العشرين وثلاثيناته، كان أمير البيان قد صار علماً كبيراً في مجالات النِّضال، من أجل الاستقلال العربيّ، والنّهوض والإصلاح الإسلاميّ. وعندما توفاه الله عام ١٩٤٦ بعد شهورٍ على عودته من المنفى الذي استمر حَوالى الثلاثة عقود، كان يساوره ارتياح عميق للاستقلالات التي توالت في لبنان وسورية، ومصر والعراق والمغرب، ويساوره في الوقت نفسه قلق عميق، لأن الوحدة العربيةَّ لم تتحقَّق، ولأن المشهد في فلسطين ما كان يبعث على الاطمئنان>.

وتابع سماحته قائلاً: <في العام ١٩١٦ ذهب الأمير شكيب للقتال في ليبيا ضدّ الغزو الإيطاليّ. وفي العام ١٩٢٥ ناضل بالكِتابة والتوعية، والدَّعم السياسيِّ والماديّ، إلى جانب الثورة السورية  وفي ما بين العامين ١٩٢٦ و ١٩٢٩ ثابرَ على دعم ثورَة الرِّيف المغربيّ، بقيادة الأمير عبد الكريم الخطَّابي. وفي العام ١٩٣٦ ناصر الثورة الفلسطينيَّة على الاستعمار البريطانيّ، والاجتياح الصهيونيّ. ولعل أحداً في تاريخ العرب الحديث، ما استعمل الصّحافة والتأليف والعلاقات السياسية، بقدر ما استعملها الأمير شكيب أرسلان، من أجل استقلال العرب وحرِّيّاتهم، ومن أجل اجتراح مشهدٍ آخر للإسلام، في معركة النّهوض الحضاريّ والثقافيّ>.

ومضى يقول: <إنَّ هذين الملفَّين، ملفّ الاستقلال العربِيّ ، وملفّ النّهوضِ العربيِّ والإسلامِيّ، ما يزالان يمتلكان أولويةً في الوعي والواقِع، وسط هذا المَخَاض الهائل، الذي تشهده المنطقة والأُمَّة في العقدين الأوَّلين من القرن الحادي والعشرين. وهذان الأمران، كانا في وعي الأميرِ شكيب أرسلان وعمله، منذ طروحاته الواسعة في (حاضِرِ العالم الإسلاميّ)، (ولماذا تأخَّر المسلمون؟ ولماذا تقدّم غيرهم؟)، وإلى سائر مؤلَّفاته وكتاباته طَوَال أربعين عاماً. ومن أجل ذلك، استحقّ أمير البيان، هذا التقدير الكبير، الذي توارثته أربعةُ أجيالٍ من مُثقـفي العرب، وأهل الرأي فيهم. ومن أجلِ ذلكَ كلِّه، لم يكن الأمير شكيب أرسلان مجرّد زائد واحد، 5-(31)------1 إلى الأمراءِ الأرسلانيين، أو إلى الأمراء العرب. بل كان أميراً من أمراء الإسلام أيضاً وقبل كلّ شيء،  وكان اسمه أنشودةً يردّدها مسلمو الشرق والغرب>.

أضاف: <تعرفه شعوب المغرب العربي صوتاً عالياً، دفاعاً عن حرياتها ضدَّ الاستعمارِ الذي كانت تعانيه. ويعدّه إخواننا في دول المغرب العربي ملهِماً لثوراتهِم التحرّريّة ضدّ الاحتلالين الإسبانيّ والفرنسيّ. فكان من خلال كتاباته الصِّحافية في أوروبا، وفي سويسرا تحديداً، ومن خلال اتصالاته السياسيةِ الوثيقةِ والواسعة، يدافِع عن حقوقِ المسلمين وعَن حرِّياتهم، حتى أصبح قدوةً ومثلاً أعلى للقيادات الوطنية العربية، التي حملت مَشعلَ تحرير أوطانها. ولا يزال اسمُه حتى اليوم، محفوراً في ذاكرة الأجيالِ الجديدة، مَرجِعاً إسلامياً، وبطلاً قوميَّاً، وقدوةً في الإخلاصِ والتّفاني. ومنذُ أن أجاب سيّد البيان،  رحمَه اللهُ تعالى،  عن سؤالٍ لقارئٍ إندونيسيّ من قرَّاءِ مجلةِ <المنار> (أنشأها الشيخ رشيد رضا) فإنّ جوابَه لا يزال حتى اليوم، موضِع اهتمام العالَم الإسلاميّ مِن أقصاه إلى أقصاهُ. فقد سأل القارئ الاندونيسيّ: لماذا تقدَّم الغرب وتأخَّر المسلمون؟.. وأجابَ الأمير شكيب أرسلان عنِ السؤال، في دِراسةٍ موسَّعة، نشرت أولاً في المجلة، ثم في كتيِّب خاص. ولا يَزال الجواب صالحاً اليوم كما كان بالأمس. ذلك أنَّ الأمير شكيب أرسلان، كان مؤمناً صادقاً، ومثقفاً واعياً، ومناضلاً مخلصاً، وقَف حياته للدِّفاعِ عنِ القضايا الإسلامية والعربية، في المحافل الدَّوليّة .. وكان بثقافته الواسعة، على مَعرِفةٍ بخفايا لعبةِ الأمم، والعلاقات بين الدّول. وقد أقامَ صداقاتٍ مع العديد من كبار المفكِّرين، وأصحاب الرّؤى في المجتمعات الغربية، ووظَّف تلك العلاقات في خدمة المسلمين والعرب>.

وأردف سماحته: <ونظراً لتَرَفّعِه عن الطموحات والمصالح الشخصية، فقد كان يتمتَّع بجرأةٍ في تحليل أوضاع العالم الإسلاميّ، كما كان يتمتَّع برؤيا نورانيَّة، تجسَّدت في التحليلِ العِلميّ الذي تضمَّنه جوابه، حول كيفية الخروج مِن نَفق التأخّر إلى رحابة التقدّم والرّقيّ. وهو ما تحتاج إليه اليوم مجتمعاتنا التي تعاني الانغلاق والتعصّب، والجهل والتطرُّف. وعندما انتقل الأمير شكيب أرسلان إلى رحمة الله، نعاه مسلمو الشرقِ والغرب. وَفَقَدت الأمة الإسلامية بوفاتِه مؤمناً صادقاً، ومناضلاً مخلصاً، وقيادياً مُترفِّعاً عن مكاسِب الدنيا الفانية، ورُكناً مِن أركان نهضتها. وقد صُلِّي عليه في المسجد العُمرِيِّ الكبيرِ في بيروت، كما تليت صلوات الغائب عن روحِه في مساجد المسلمين، في العديدِ مِنْ دُول آسيا، وشَمَالِ إفريقيا، وكأنَّه واحد مِن كبار رجالاتها>.

ثم قال: <كم نفتقِد الأمير شكيب اليوم، رحمه الله، في فكره ونهجه وإخلاصِه. لقد حمل لواء الإسلامِ في الغرب، الذي يشوّه صورتَه اليوم متطرّفون، يمارِسون تطرُّفهم بالعنف والإرهاب، وحمل لواء الحريّة والسيادة الوطنية في الشرق، الذي يعاني اليوم خطر الاستبدادِ والتشرذم والتفتيت. كمـــا حمل لواء العروبة هويَّةً قومِيَّة، وهي الهويَّة الجامعة التي تحاول سيوف الإرهابيين اليوم نحرها .. أو إحراقها في قفص حديدي من 5-(33)--4الجهل والعصبيّة العمياء>.

وعن أسباب مجيئه الى المختارة قال المفتي دريان: <لقد أتينا اليوم إلى الحاضرة المختارة إذاً لِثلاثة أسباب: أولها: تجديد ذِكرى عملِ شكيب أرسلان ونِضالِه، في سبيلِ النُّهوضِ العربيِّ والإسلامي، مِن خلال المَسجِد الجميل، الذي أقامه الأستاذ وليد جنبلاط، لذكرى جدِّه لأمّه، تعبيراً عن التقدير، وعنِ الإيمانِ برسالة النُّهوضِ والتقدُّم العربيّ .

وثانيها: الاحتفاء باللقاءِ بين فرعي هذه الدَّوحة الباسِقة من آل جنبلاط، مِن خِلال اقتران كمال فؤاد جنبلاط، بالسيدة ميّ شكيب أرسلان، لِتَستَمِرَّ وتزدهِر دوحة مجد بني معروف، بوليد بك جنبلاط وأنجاله، وبالأمير طلال أرسلان، ولِيظلّ عبق العراقة ممتزجاً بعبق المهِمَّة والرّسالة، رسالة النُّهوضِ العربيّ، ورسالة الإسلام الشاسع والمستنيرة. أمَّا السبب الثالث لهذا الحضور الكبيرِ اليوم: فهو تجديد العهد وتجديد الأمل، وتجديد النّضال من أجل المهمَّة الكبرى التي عاش مِن أجلها شكيب أرسلان، واستشهد من أجلها المعلم كمال جنبلاط، ونتشارك نحن جميعاً، إلى جانب وليد بك جنبلاط في استمرار الإيمان بها، وهي مهمَّة العرب والعروبة والحرّية. فلا حرّيَّة بدون انتماء، ولا انتماء بدون حريَّة. لقد ربَّانا عليهما - أعني العروبة والحريّة - آباؤنا، ونربّي عليهما أبناءنا، وليس باعتبارهما عِبئاً يثقل الكواهِل، بل باعتبارهما شرطِيّ وجود، وشرطيّ دخول إلى إنسانية الإنسان>.

وكان خطاب المفتي دريان إضاءة متميزة للجيل الجديد عن الأمير شكيب أرسلان الذي تعلو صورته قصر المختارة، وعندما جاء ضابط اسرائيلي الى المختارة في زمن الاجتياح الاسرائيلي للجنوب اللبناني والجبل مطلع الثمانينات، وطلب من وليد جنبلاط التعاون، اشار زعيم المختارة الى صورة الأمير شكيب أرسلان وقال: <من كان جده الأمير شكيب أرسلان، فهو لا يتعاون مع الاحتلال الاسرائيلي بل مع العروبة وحق المقاومة>.